ما أنس لا أنس أياماً نعمت بها
إبراهيم عبد القادر المازني
ما أنس لا أنس أياماً نعمت بها | في ظله وكلانا ضاحك الجذل |
وقوله لي في دل ومعتبة | وقد رآني عن السمار في شغل |
يا قاتل اللَه وسواس الغرام وما | كساك من صنعة الأشجان والغلل |
أنصب حبائلك اللاتي عرفت بها | فإن شعرك سحر نافذ العمل |
ماذا تريد بأطراق وقد ضحكت | وجوه ليلتنا على غرة الأمل |
هذا الشراب وهذي الكأس مترعة | فاشرب وهات اسقنيها غير محتفل |
أما نهيتك عن هذا أما وأبى | لأوسعنك تأديباً على الزلل |
نفسي فداؤك من جاف كلفت به | سقاني الشهد في أيامنا الأول |
وليلة كظلام اليأس طاخية | بلا نجوم ولا بدر ولا شعل |
مضيت فيه إليه غير متئد | يحدوني الشوق حدوا غير ذي مهل |
وقلت إني ضيف لا يريد قرى | ألا الحديث وما أنتم ذوي بخل |
وظلت أروي خرافات وأسمعه | حديث قلبي منحولاً إلى الأول |
وسرني أنني فيما رويت له | عنهم أقول له في غير ما وجل |
إني أحبك حبا طاغياً فزعاً | عفّاً ومالي بهذا الحب من قبل |
وليس قدماً ولا غراً فاخدعه | لكن نصيباه من فهم ومن خجل |
فقال ويحك إما أنت مختبل | أو أنت تلهو أصناف من الخطل |
فقلت لم تخط بي خبل وبي عبث | مما دهاني من الأوجاع والعلل |
وفي الفؤاد ضرام لا دخان له | وأخبث النار ما تخفي عن المقل |
وفي العروق سمو لا طيب لها | وفي المحاجر دمع غير منهمل |
فلا يغرنك ضحكي حين تبصرني | فذاك سخر فؤاد ضيق الحيل |
والمرء يضحك من يأس ومن جذل | وقد ترى الوشي في الأكفان والحلل |
كم هم قلبي بإفصاح ولم يقل | وهم دمعي بتسكاب ولم يسل |
صب الزمان بقلبي النار سائلة | وجف دمعي فيها لهفي على البلل |
فإن تطق فاسل دمعاً شقيت به | إن الشفاء مسيل المدمع الخضل |
فلم يطق وبكى عني فواحزني | ليت الذي سح من عينيه يقسم لي |
إني لأذكر يوماً صالحاً معه | ما زلت من حسنه كالشارب الثمل |
والشمس جانحة حتى لتحسبها | لاذت أمام جيوش الليل بالجفل |
والنيل يجري كما نجري لغايتنا | وكل شيءٍ من الدنيا إلى أجل |
فقال بعد سكوت خفت روعته | أنظر إلى الشمس في ثوب من الأصل |
فقلت ألهو به والجد متبة | وأحسن القول ما ألهى عن الملل |
لقد سبت قبلك الشمس التي غربت | رب البحار ذوات الغارب الزجل |
ألست تعلم أن الشمس زوجته | تبغيه تحت ستار الليل والطفل |
فقال لا تهذ يا هذا لتضحكنا | لقد عرتك وربي لوثة الدخل |
أما تزال فتى العقل طائشه | كهل المجانة وثاباً إلى الخبل |
أما يجل حديث عن مهازلة | ولا يدرك عنها قحمة العقل |
فقلت واللَه ما إن افترى كذباً | لكنما أنت في ليل من الجهل |
سل عنهما صادة الأسماك هل سمعوا | في فحمة الليل مثلي رنة القبل |
وربما هاجه صيفاً تلكؤها | فأمطر السخط شؤبوبا من العذل |
وظلت أضحك منه وهو ينهرني | حتى انقضى الليل لم يقصر ولم يطل |
ليت المحبين مثل الشمس كلهم | قد زوجوا النار ماء القرب والغزل |
ويوم قلت له والسن ضاحكة | والعين شاخصة والقلب في ثكل |
أزمعت عنك رحيلاً لا أياب له | فقال بل أنت ظلٌّ غير منتقل |
فقلت بشرى ولكني على سفر | من ذا أقام كنجم القطب لم يحل |
فقال ألشام قلت الشام فاتنةٌ | جناتها وسماء الأعين النجل |
لكنني لست طياشاً ولا رهقا | ولست أحسن لعن الدين والملل |
فقال بئس لعمري أنت من دعب | في كل أمر وبئس الخلق في الرجل |
فقلت ويحي إني لا أريد ردى | لكن حياة وإني لست بالبطل |
وفي الشآم لحاظ لا أمان لها | يحوطها كل مقدام على الأجل |
لكن تأمل نجوم الليل قاطبةً | وأين نجمي بي الأنجم الحلل |
أظنه ضل بين الشهب غايته | مثلي على الأرض بين الوهد والقلل |
يا معرضاً أنت نجمي غبت عن نظري | وما ضللت ولكن شيمة الملل |
وأنت في العين أنوارٌ ملمعة | وأنت في القلب برد العارض الهطل |
وأنت تاج خلود لي أتيه به | وقد غنيت عن النسرين والنفل |
وأنت بالليل حلم غير منقطع | وأنت في الصبح عزم غير متصل |
وأنت جبريل توحي لي وأنظم ما | توحيه من غرر الآيات والجمل |
وأنت فينا نبي الحسن لا كذبا | وللهو مرسل من أفصح الرسل |
إن كنت فكرت في هجر وفي بعد | فأنت في القلب ثاوٍ غير مرتحل |
لا يخدعنك حسن أنت لابسه | فلابس الحلى في الدنيا إلى عطل |
يا زهرة الحسن لا يخدعك رونقها | إن الربيع قصير العمر والأجل |
إن الندى لحياة الزهر يضر به | والحب للحسن طلّق ليس بالوشل |
فصن جمالك إما شئت في كللٍ | وادفنه إن شئت في قبر من الجهل |
ليس اختياراً رضانا ما يكلفنا | صرف الغرام تكثر من العذل |