أتنقم ما يريبك من خلالي
أتنقم ما يريبك من خلالي | وتنكر ما يروعك من مقالي |
وما ذنبي إليك إذا تعامت | عيون الناقصين عن الكمال |
وما بي غير جهلك من خفاءٍ | وما بك غير علمي من ضلال |
كرام الناس أكثر من تعادي | بنو الدنيا وأتعب من توالي |
وما ينفك ذو أدبٍ يعاني | جفاء عشيرة ٍ وصدود آل |
أعادي بالمودة من أناسٍ | وأنكب بالكرامة من رجال |
كفى بالمرء شراً أن تراه | بعيد الود مقترب الحبال |
أمنت بني الزمان فعاقبوني | بداءٍ من خيانتهم عضال |
ورمت شفاءهم فرميت منهم | بما أعيا الطبيب من الخبال |
ومن يصحب بني الدنيا يجدهم | وإن صحب السلامة كالسلال |
صبرت على المكاره صبر حرٍ | تميل به الأناة عن الملال |
فلم أجهل لخلقٍ جاهليٍ | ولم أجزع لحادثة الليالي |
وفي الأخلاق إن عظمت دليلٌ | على عظمٍ المكانة والجلال |
ولولا موقفٌ للنفس عالٍ | لما سيقت لأهليها المعالي |
تخل عن الدنية واجتنبها | ولا تؤثر سوى شرف الفعال |
ونفسك لا تبع إن كنت حراً | بزائل منصبٍ وخسيس مال |
لك الويلات إن العيش فانٍ | وإن الحي يؤذن بارتحال |
وما أبقت عوادي الدهر إلا | بقايا الذكر للأمم الخوالي |
متى تؤثر حياة السوء تعلق | جنايتها بعظمٍ منك بال |
تأمل في نواحي الدهر وانظر | وقف بين الحقيقة والخيال |
وسل عما يريبك من خفايا | يجيبك وحيها قبل السؤال |
إذا ما ارتاب فهمك فاتهمه | بنقصٍ في التبين واختلال |
وما خفي الصواب على عليمٍ | ولا احتاج الضياء إلى مثال |
ولكن الحقائق عائذاتٌ | برأس ممنعٍ صعب المنال |
يرد يد الفتى التنبال كلمي | ويشدخ هامة الرجل الطوال |
تعاطى شأوها قومٌ فخروا | ولما يدركوا شأو التلال |
تبيت حقائق الأشياء ولهى | تضج حيالها الحكم الغوالي |
تعاني الموت من زمنٍ ضلالٍ | وتشكو البث من ناسٍ محال |
أراع لخطبها والدهر أمنٌ | ونعمى العيش وارفه الظلال |
كأن رماتها تفري فؤادي | بأنفذ ما تريش من النبال |
إذا انكفأت قواربها ظماءً | غضبت لها على الشبم الزلال |
وإن وجدت قلى ً ورأت صدوداً | صددت عن الحياة صدود قال |
خلعت شبيبتي ولبست شيبي | وسست الدهر حالاً بعد حال |
فلم أجد الهوى إلا نذيراً | يؤذن في الممالك بالزوال |
يصون الشعب سؤدده فيبقى | ولا يبقى على طول ابتذال |
وإن صغت القلوب إلى شقاقٍ | فإن قوى الشعوب إلى انحلال |
تعادى الناس في مصر جميعاً | وخاض الكل في قيلٍ وقال |
فما بين المذاهب من وفاقٍ | ولا بين القلوب من اتصال |
وما للقوم إن طلبوا حياة ً | سوى موتٍ يلقب باحتلال |
أرى في مصر شعباً ليس يدري | أفي سلمٍ يغامر أم قتال |
تمزقه السهام فلا يراها | وتأخذه السيوف فلا يبالي |
تثاقل إذ رفعت إليه صوتي | وخف له الركين من الجبال |
فلولا الله والبعث المرجى | نفضت يدي من أمم الهلال |
نظرت فلم أجد للقوم شيئاً | سوى الأطلال والدمن البوالي |
وشمر غيرهم فبنى وأعلى | وناضل باليمين وبالشمال |
سما بالعزم يبتعث المطايا | فجاز النجم مشدود الرحال |
وحل بحيث ينتعل الثريا | وكان محله تحت النعال |
فتلك شكيتي وعذاب نفسي | وحر جوانحي وشقاء بالي |
تعزى من بني الآداب قومٌ | سهرت ونام هاجعهم حيالي |
فلا كبدٌ لطول الشوق ولهى | ولا قلبٌ بنار الوجد صال |
فما أنا إن صحا كلفٌ بصاحٍ | ولا أنا إن سلا دنفٌ بسال |
جعلت ولا ية الآداب شغلي | وكانت أمة ً من غير وال |
كأني إذ عطفت يدي عليها | عطفت يدي على بعض العيال |
حملت همومها ونهضت منها | بأعباءٍ ململمة ٍ ثقال |
ولم أبخل بذي خطرٍ عليها | وإن بخلت بمنزور النوال |
إذا ما رمت للشعراء ذكراً | فلا تحفل بتضليل المغالي |
ولا تذكر سوى نفرٍ قليلٍ | وإن هم جاوزوا عدد الرمال |