هل الحرب إلا أن تطير الجماجم
هل الحرب إلا أن تطير الجماجم | أم البأس إلا ما تجيء الضراغم |
بأي سلاح يطلب النصر هالكٌ | سلاح المنايا قاصفٌ منه قاصم |
لواآه في الهيجاء جبنٌ منكبٌ | به عن سبيليها ورعب ملازم |
يرى النصرات البيض يلمعن دونه | وليس له منهن إلا الهزائم |
رمى نفسه في جوف دهياء أطبقت | عليه فأمسى وهو خزيان نادم |
وما الحتف إلا نزوة ٌ من مخدعٍ | تمادت به أوهامه والمزاعم |
رويداً بني روما فللحرب فتية ٌ | تهيج الظبى أطرابهم واللهاذم |
إذا نفروا لم ينفروا عن شمالها | ولم يصحروا عن سيلها وهو عارم |
بنوها الألى لا يرهبون بها الردى | إذا اهتزمت في حافتيها الزمازم |
معمون فيها مخولون إذا اعتزوا | نمتهم قريشٌ في الحفاظ وهاشم |
وشوسٌ شداد البأس من آل يافثٍ | تخوض دم الأبطال والبأس جاحم |
لهم كل يومٍ غارة ٌ تصبح العدى | وأخرى تضيء الليل والليل فاحم |
إذا أقدموا لم يثنهم عن مغارهم | غداة الوغى أهوالها والمآزم |
أولئك أبطال الخلافة تحتمي | بأسيافهم إن داهمتها العظائم |
هم المانعوها أن يقسم فيئها | وأن تستبى بيضاتها والمحارم |
دعائمها الطولى وآطامها العلى | إذا أسلمت آطام أخرى الدعائم |
وما الملك إلا ما أطالت وأثلث | طوال العوالي والرقاق الصوارم |
لقد خاب من ظن الأساطيل عدة ً | تقيه الردى إن قام للحرب قائم |
ألست ترى ذؤبان روما ومالهم | من الحتف في بطحاء برقة عاصم |
إذا استصرخوا أسطولهم لم يكن لهم | من النصر إلا أن تثور الدمادم |
تناءى به الأمواج آناً وتدني | ويجري حفافيه الردى المتلاطم |
ففي البحر مذعورٌ وفي البر طائحٌ | وما منهما إلا على الحرب ناقم |
رجوا من لدنا السلم إذ فات حينه | وإن الذي يرجو المحال لواهم |
أبوا أن يكف المشرفيات حلمها | أفالآن لما استجهلتها الملاحم |
أسلماً وفي البيداء عاوٍ من الطوى | وفي الجو عافٍ يطلب القوم حائم |
علينا لكل ذمة ٌ لا تضيعها | وعهدٌ على ما يحدث الدهر دائم |
تواصوا به الآباء حتى إذا مضوا | توارثه منا الأباة القماقم |
وما عاب عهد العرب في الناس عائبٌ | ولا لامهم يوماً على الغدر لائم |
ولا جاورتهم منذ كانوا مسبة ٌ | ولا فارقتهم منذ حلوا المكارم |
هم الناس لا ما تنكر العين من قذى ً | وتوشك أن تنشق منه الحيازم |
أرى أمماً فوضى يسوس أمورهم | مسيمٌ بأطراف الدياميم هائم |
له جهلات يرتمين به سدى ً | كذى أولقٍ لم تغن عنه التمائم |
ألا إن بالبيض الخفاف لغلة ً | وإن بنا ما لا يطيق المكاتم |
رفعنا لواء السلم براً ورحمة ً | وقلنا يسوى الأمر والسيف نائم |
فما هابنا من جيرة السوء هائبٌ | ولا سامنا غير الهضيمة سائم |
أرى القوم أحيوا سنة الظلم والأذى | فقامت بهم آثارها والمعالم |
وأصبح ما سن الهداة وما بنوا | تعاوره تلك الأكف الهوادم |
سماعاً بني الحق المضاع فإنني | لأطمع أن يعطي السوية ظالم |
وما هي إلا غضبة ٌ فانطلاقة ٌ | فوثبة ضارٍ تتقيه الضياغم |
أنذعن للباغي ونعطيه حكمه | وفي الترك مقدامٌ وفي العرب حازم |
هما أخوا العز الذي دون شأوه | تخر الصياصي خشعاً والمخارم |
أقمنا على عهدي وفاءٍ وألفة ٍ | فما بيننا قالٍ ولا ثم صارم |
على طول ما قال الوشاة وخببت | حقود الأعادي بيننا والسخائم |
وكيف نطيع العاذلين وترتقي | إلينا وشايات العدى والنمائم |
أنصدع ركن الدهر من بعد مارسا | وقرت أواسيه بنا والقوائم |
فأين الوصايا والمواثيق جمة ً | وأين القوى مشدودة ً والعزائم |
وأين النهى موفورة ً لا يزيغها | من الأمل المكذوب ما ظن حالم |
ألا إن من شق العصا لمذممٌ | وإن الذي يبغي الفساد لآثم |
ومن كان يأبى أن يوالي إمامه | طواعية ً والاه والأنف راغم |
يعلم من خان الخليفة أنه | مواقع أمرٍ شره متفاقم |
أطاع هواه واستزلته فتنة ٌ | عضوصٌ تلوى في لهاها الأراقم |
له الويل ماذا هاج من نزواته | فثار يرامي ربه ويراجم |
أيطلب ملكاً أم يريد خلافة ً | تقام لها في المشعرين المواسم |
تباركت ربي كيف يعصيك مسلمٌ | فيوقع بالإسلام ما أنت عالم |
تباركت إن المسلمين كما ترى | تفاريق منها مستطير ورازم |
فيا رب بالبيت العتيق وما ثوى | بيثرب من قبرٍ له الروح خادم |
تول شعوب المسلمين برحمة ٍ | تؤلف فيما بينهم وتلائم |
أيرضيك ربي أن يقادوا لحتفهم | قياد الأسارى أوثقتها الأداهم |
ولولا ذماءٌ من حياة ٍ ذميمة ٍ | لقامت علينا في البلاد المآتم |
ولولا إباءٌ من رجالٍ أعزة ٍ | إذن وطئت منا الجباه المناسم |
وضاعت بلاد نام عنها ولاتها | إلى أن تولاها المغير المهاجم |
أقام يصاديهم وظل ملاوة ً | يراودهم عن عقرها ويساوم |
فقالوا يمين الله نسلم أرضنا | ولما تزل أنجادها والتهائم |
وإنا لنأبى أن يحارب قومنا | عدو وفينا ما حيينا مسالم |
وجاشوا إلينا بالقواضب والقنا | سراعاً كما جاشت بحورٌ خضارم |
أولئك جند الله هل من مغالبٍ | وفيلقه الغازي فأين المقاوم |
لهم من فنون الحرب ما تجهل العدى | وتعرفهم أسلابهم والغنائم |
وقائع يمشي النصر في جنباتها | وسرب المنايا والنسور القشاعم |
وللصدمة الكبرى قريبٌ وإنها | لتلك التي يزور عنها المصادم |
لئن هد بأس الباسلين من العدى | فإن كبير الباسلين لقادم |
سيحيى رجاء المشرقين وتشتفي | على يده منا النفوس الحوائم |
لنعم الشهاب المستضاء بنوره | إذا اسود من ليل الحوادث قاتم |
ونعم فتى الجلى إذا ما توثبت | وأمسى الفتى من دونها وهو جاثم |
سلام عليه يوم يسمو إلى الوغى | يهز لواء النصر والنصر باسم |
ويوم يعيد السيف في الغمد ما به | فلولٌ ولكن أعوزته الجماجم |