الرئيسية » , » كِتابُ الماءْ | كريم دشتى | ترجمة: المهندس محمد حسين رسول

كِتابُ الماءْ | كريم دشتى | ترجمة: المهندس محمد حسين رسول

Written By غير معرف on الثلاثاء، 14 مايو 2013 | مايو 14, 2013


كِتابُ الماءْ
شعر: كريم دشتى
ترجمة: المهندس محمد حسين رسول


ألماءُ الأَكثَرُ ماءاً

1
كَيفَ أَكتُبُ جَمالَكْ؟
كِتابَةُ المِياهِِ 
إنها فِعْلُ الآلهةْ
مُستَصْعَبٌ على نارِ النُحورِ 
خَطُّها 
تَثنِيَةُ إنشاءِ جَمالِكَ مِنَ الماءِ
شُعُّ الأساطيرِ
لنْ تُحْدِثَهُ أصابِعُ القَلبِ القَصيفَةُ قَطُّ

2
جَمالُكَ صِنوُ الماءِ
أُلْقِيَّتي أَنّي مُكْرَهٌ أبداً
أنْ أُشايِعَ كُلَّ المياهِ

3
أراكَ أنا في أيِّ ماءٍ
إذْ أَنَّكَ في حَشى عَيْني
مُحالٌ الآنَ كَرَّة أُخْرى
أنْ أُبصِرَ ظاهِرَ قَسَماتي

4
أَمضي صَوبَ المياهِ دوماً
وأنتَ مَضْمومَ المياهِ دوماً
حينَ أَوَدُّ احتِضانَكَ
لابُدَّ أنْ أُفَكِّرَ في البَحرْ
عَلَّني أسطيعُ احتِضانَهْ؟

5
أنتَ ماءُ الأمطارِ تِلكْ
تَهْمِي فوقَ قُلوبِ سائِرِ الأشجارِ
أُحِسُّ أحياناً
أشجارُ الثَّرى كُلُّها
بجَمالِكَ دامَتْ قائِمَةْ 


جَمالُكَ صِنوُ الماءِ
يُطْفِىءُ أَوارَ الترابِ
لكنّي حينَ أَشْرَبُكْ أَظْمَأُ أكثَرْ

7
حينَ تدخُلُ الماءَ لا أَرى فارِقاً
أشعُرُ أَنَّكَ ذاكَ الماءُ عَينُهُ
تَنْثالُ في مَنْهَلِكَ ذاكْ

8
سأَلتُ المياهَ أَنفُسَهُمُ فأَفاضُوا
أَنَّكَ من سُلالَةِ الماءِ
لِذا شاعِرٌ أنا يوماً فَيوماً
أَنِّي أذوبُ وأُمْسِي ماءا

9
جُلْتُ بُلداناً كثيرةْ
واجْتَزْتُ مَنازِلَ خَصَرٍ كثيرةْ
أينَما كانتْ ناحِيَتي
كُنتَ معي باطِّرادٍ
إِذِ المياهُ دوماً تُنادِينِي 

10
جَمالُكَ رائِقٌ كالماءِ
تَصُبُّ في كلِّ الشِّعابِ
لِذا يُغرِقُ بُخارُ جَمالِكَ 
كلَّ الأرجاءِ بالضبابِ

11
أظَلَّ ظامِئاً دوماً هوَ قَدَري أنا
إذْ أني حيثُما مدَدْتُ يَدِي إلى أيِّ ماءٍ
أُحِسُّ أني مَغصُوبٌ على ارتِوائِي مِنْكْ

12
أنا تُرابِيٌّ وأنتَ مائيّ
ذَوَبانِي بينَ يديْكْ
مَزُّكَ بينَ يدَيْ


13
منذُ اليومِ الذي استَحَلْتَ فيهِ ماءاً
تَعظُمُ صحراءُ قلبي وتَتَمَدَّدُ

14
أنتَ مِنْ كيمياءِ ماءٍ آخَرَ
لونُكَ يُحاكي لونَ العُشْبِ
عِطرُكَ يُضارِعُ عِطرَ النعناعِ
مَذاقُكَ يُماثِلُ مَذاقَ الألهْ

15
كلُّ الطُّيورِ التي تَشْرَبُكَ رَشْفَةً رَشْفَةْ
استَعَرَتْ حَناجِرُهُمْ بالغِناءِ
أجنِحَتُهُمْ بالطَّيَرانِ
إنَّها منقوشَةٌ ألوانَهُمُ بِشُعِّ الأساطيرِ

16
قَطَراتُ المَطَرِ حينَ الهُطولِ
يُنْشِئْنَ غَديرَ جَمالِكَ
والغدرانُ تُصبِحُ بَحرَ خُلودٍ
والبحارُ تَغدو مَبْعَثَ الوجودِ
17
حينَ يَهطُلُ المطرُ 
جَمالُكَ يَكسُو كلَّ الأرضِ
حينذاكَ أُدرِكُ أَنّي 
لنْ يَبْقى لِيَ مَوضِعٌ على التُّرابِ

18
أنا أعلَمُ لِمَ أنتَ ماءُ بَقائي
إذْ تُصبِحُ وُرَيقَةُ روحيَ صفراءَ 
حينَ يَرْشَحُ مِنها الماءُ قطرةً قطرةْ

19
يُقْتَضى وجُودُ سِرٍ ما
أعودُ الى أيِّ شاطِىءٍ
تُظْهِرُ نَفْسَكَ بألْفِ ضَريبْ
أبسُطُ يَدِي في أيِّ صَوبٍ
تَنْتَقِعُ أعماقُ روحيَ بالماءِ

20
أحياناً أَقولُ إنَّّكَ تُشْبِهُ العُشْبَ
لكنّي حينَ أَرى نَدى أوراقِ العُشْبِ
أقولُ كَّلا إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ ماءَ الخلودِ

21
صباحاً يَنهَضُ شَوقٌ
أَقولُ إنَّهُ أَنتَ تَتَفَقَّدُ المياهْ
عِنْدَ الظَّهيرةِ يَتَرقّى بُخارٌ الى السماءِ
أقولُ إنهُ أنتَ تَصيرُ مَطَرا
مساءاً يَكسُو نورٌ مُقْلَةَ العينِ
أقولُ إنهُ أنتَ سَتُمْسي ماءاً كَرَّةً أُخرى

22
أَسمَعُ هَسيسَكَ مِنَ الماءِ مُجَدَّداً أيها الماءُ
تَسْلُبُ مِنِّي سَعةَ رَشادي
أرى طَلْعَتَكَ من الماءِ أيها الماءُ
تُفْعِمُ جُذورَ ذِهْنيَ المُنَدَّى
أنا الآنَ لستُ شيئاً غَيرَ الماءِ 

23
أرفعُ القَدَمَ أغرقُ في الماءِ
أتَحَدَّثُ يُتْرَعُ اللِّسانُ بالماءِ
أُغنِّي يَمتلِىءُ القلبُ بالماءِ
جُلُّ ما أعقَلُهُ أَنكَ أنتَ وُرَيقَةُ عُشْبِ الماءِ
عَمَّدْتَّني في الطَّورِ الأَزَلي للماءِ

24
كلُّ الأَحلامِ التي أَراها 
تُفَسِّرُ لِيَ المياهَ
حينَ أصْحو صباحاً
تَنَزُّ من أنامِلي ماءُ جَمالِكَ قطرةً قطرةْ

25
سَيَأْتي يومٌ تُغْرِقُني في القَحْطِ أنتَ أيها الماءُ 
سَيَأْتي يومٌ أُحْيِيكَ أنتَ من نَداوَةٍ أنا الغَريقُ 

26
يا مائِيَ أَنتَ أيها الماءُ الأوحَدُ
لستُ جِلجامِشَ أبحثُ عن الخُلودِ
أنا نَرسيسُ مُتَمَهِّلا أذوبُ 
حَسْبيَ إِبْصارُ صُورَتي مرةً واحدةً
في ماءِ صَفْحَةِ مُحَيّاكْ 


27
أنتَ أيها الماءُ أيها الماءُ الأوحَدُ
أنا هناكَ حيثُ تَقِفُ عِندَ المَضائِقِ 
أنا مَعَكْ حيثُ تَنهَمِرُ على الترابِ 
في وقوفِكَ وانهِمارِكَ 
في حَضْرَةِ مَوجةٍ مِنكْ أيّانَ تَعرِضُني؟

28
كثيراً ما أسمَعُ صَوتاً
يَنبَلِجُ من ظاهِرِ المياهِ
أَعدو مُسْرِعا صَوتُكَ لِيَ أنا مأْنُوسُ 
لكِنّي لا أسمعُ شيئا آخَرَ غَيرَ خَريرِ الماءِ 

29
أنتَ ماءٌ ذو سبعةِ ألوانٍ
أَحَدُ ألوانِكَ يُشبِهُ النارَ
بهذا اللونِ تُحرِقُني
أَحَدُ ألوانِكَ يُشبِهُ الريحَ
بهذا اللونِ تأخُذُني أجتابُ الدنيا
أَحَدُ ألوانِكَ يُشبِهُ الترابَ
بهذا اللونِ تُوارِيني الثَّرى
30
في أحدِ الصباحاتِ ألْقَيتُ سَمعيَ للماءِ
كان يتحدَّثُ عنكَ بهدوءْ
إذْ ذاكَ أدركتُ أَنّي قد عشِقْتُ أُقنُوماً 
أوقفَ كُلَّ المياهِ في انتِظاري

31
في جَوفِ أي سَحابٍ تكونُ
أنتَ ماءُ عَينَيَّ الأثنَتَينْ
تُغادِرُ إلى أي سَماءٍ
سوفَ تَنسَكِبُ عَلَيّ

32
لأنكَ ماءٌ أنا إنسانٌ مائِي
أينَما مَضَيتَ في الدنيا
العُقْبى امتِزاجُنا معا

33
أنتَ أيها الماءُ الأكثرُ ماءاً
أحيانا أراكَ في بَريقِ نَدى الجبالِ
ذاهباً الى مَنزِلِ العُشْبِ
34
حينَ أرتَدُّ الى المياهِ
أتَمَعَّنُ في مُحَيّاكَ المائيِّ
أرى انبِلاجَ حِكمَةٍ ما
أَعلَمُ أَنها حِكمَةُ اللهِ

35
أفكِّرُ في سيمائِكَ المائي مِرارا
أُحِسُّ كأنَّ أرباعَ الأرضِ كُلَّها ماءٌ
لمْ يبقَ مُقامٌ أَضَعُ عليهِ قَدَمي 
العِلَّةُ أَنَّكَ موجودٌ في كلِّ المياهِ
لِذا تَخَثَّرْتُ أنا ها هُنا

36
أَيا مِرآتيَ الأَبَدِيَّةْ
لا أعلمُ هلِ الماءُ وَهَبَكِ الخلودَ 
أم أَنكِ وَهَبْتيهِ؟
ما أَمَضَّ سُقوطِي في هذهِ الأُحبُولةْ

37
أنتَ ماءٌ ساجٍ 
أعلمُ أَنَّكَ ستُميتُني ذاتَ يومٍ
أنتَ ماءٌ صاخبٌ 
أعلمُ أَنَّكَ ستُحْييني ذاتَ يومٍ
لِذا يَتَأَرجَحُ جَسَدي بينَ الموتِ والحياةِ أبدا 

39
أَعرِفُ كلَّ الرياحِ أنا
ريحٌ مائيةٌ أنتَ 
عند هُبوبِكَ أنتَ
الدقائقُ والساعاتُ والأيامُ والأعوامُ وقلبي
تَعصى في حَمأَةِ الزمنِ
لكنها تَهْوى كُلَّها في جَوفِ الزمنِ 
حينَ تهدأُ أنتْ

40
حينَ تَؤوبُ الى مَثوى الثلجِ
تُخْفي ذاتَكَ عني كماءٍ رائِقٍ
تَغدو كُلُّ الدنيا لِيَ كَفَناً
وتَلوحُ بيضاءَ بيضاءْ


41
في طريقي صادَفَتْني الجِرارُ الخَضْراءُ لِلمَقْبَرَةْ
شَرِبْتُ رَشْفَةً مِنْ ماءِ خُلودِكْ
رأيتُ جِلجامِشَ مِنْ بَعيدٍ
يَرفَعُ لي يدَيهِ
عَلِمْتُ أنَّ ما يَبْحَثُ عنهُ هوَ
لنْ يجِدَهُ الآنَ أبدا

42
حينَ زُرْتُُ المَقابِرَ 
رأيتُكَ تحتَ كلِّ شَجَرَةِ كَرَزٍ
كنتَ أصبَحْتَ بِرْكَةَ ماءٍ زَرقاءَ
والسماءُ والأرضُ مُتَمازِجَتانْ 

43
يا خاقانَ جَمالِ كلِّ المَراسي
كنتَ تُمسِكُ يدَِ سُنْبُلَةٍ ذلك اليومْ 
فاكتَسَتِ الدنيا كلُّها لونَ القمحِ


44
أنا الآنَ أيضاً صِرتُ ماءاً
ألآنَ أُدرِكُ كلَّ أسرارِكْ
غيرَ أنكَ ماءٌ مِلؤُكَ النورُ 
وأنا قطرةٌ وحيدةٌ وحيدةْ
موجٌ مِنْ أمواجِ جَمالِكَ
يََدْسُرُني الى بحرٍ ما كُلَّ مرةٍ
ألوَداعُ أيها الماءُ الأكثرُ ماءاً الوَداعْ


ما قالَهُ لي مَولانا

1
بِكُلِّ هذا الجَمالِ والهَيبَةْ
بِكُلِّ هذا الشَّوقِ والنُورِ
انسَكَبَتْ غابةُ القَصَبِ في سَديمٍ أبيضَ غامِضٍ
هي وجَيشُها المُتْخَمُ بِدِرَّةِ أوراقِها
هي ويَواقيتُ جِيدِ غُصُونِها
هي وكُلُّ رَقَصاتِها
ارتَحَلَتْ صَوبَ السَّماءْ
2
غَمَرَتْهُ فَوعَةُ نَدى الصباحاتِ
في الْتِياعِهِ التَّليدْ
في ظِلٍّ وضَبابٍ امْتَزَجا بالغَضاضَةِ
فامْتَلَأَتْ آلافُ الكُتُبِ بالتَّغْريدِ 

3
كأنَّ عازِفَ النايِ 
قد سَكِرِ بِشَرابِ الجبالِ الأَزَلي
إنْغَمَرَ في سيماءِ الألهِ
يَتَمَرَّغُ في العُشْبِ والغُدْرانِ والرَّميمِ
يَتَخَلَّى عنْ حُمّى عِشْقِهِ في الجُروفِ والشطْآنِ 
يُعيدُ شَدْوَ أغْنِيَتِهِ العَتيقَةْ
أينَ أنتِ يا فاتيمةْ أنتِ أينْ؟
كَما كُنّا في الخَوالي 
تعالَيْ نَقِفُ تحتَ المَطَرِ
ألشَّمالُ بعيدٌ بعيدْ لنْ يُغيثَ جَمالَكِ
بَلْ يَسْحَنُ في الثلجِ سيماءَكِ 
شَجَرُ الصَنَوبَرِ يُشَذِّبُ شَوقَ عَينَيكِ
ويَمْزِجُ أحْلامَكِ بِضَبابِ الوادي
فاتيمة: تصحيف لأسم فاطمة في بلاد المشرق كالكرد والفرس وآخرين.

4
وحيداً ودائِباً
يُعيدُ عازِفُ الناي شَدوَ أغانيهِ 
تُنْكَأُ جُروحُهُ القَديمةْ
صَوتُ الناي يُفعِمُ الجِبالَ بالغُربَةِ
وهناكْ كانتِ النارُ لِوَحدِها تَندَلِعُ 
وفي قَلبِ العازِفِ تَضْطَرِمُ

5
فاتيمةُ أينَ أنتِ أنتِ أينْ
أرى قلبَكِ مِنْ بَعيدٍ 
إنهُ كُوزٌ صَديعٌ في أَلْفِ مَوضِعٍ
تََنْثالُ منهُ اللوعَةْ 
إني أَرى جُروحَكِ
تَنْبَجِسُ مِنها الدماءْ

6
هيّا أَفْصِحْ هلْ ثَمَةَ رَجاءٌ في قلبِكَ لمْ يَحتَرِقْ بَعدُ 
كَمْ مَرَّةً أَتْرَعَ الهَوى قلبَكَ بالنارِ 
كَمْ مَرَّةً خَيَّمَ الليلُ عليكَ 
حَسْرَةً على ضَياعِ الضِّباءِ ؟
ظَلَلْتَ وحيدا آنَذاكَ
إنكَ لمْ تَرَ شيئاً بَعدُ
إشتَعَلَتْ في روحِكَ حُمَّةُ ذلكَ العِشْقِ
والأحتِراقُ لَمْ يُعَلِّمْكَ حَرْفاً بَعدُ

7
هلْ أضاعَتْ عَيْنُكَ الرؤيَةَ في نورِهِ مَرَّةً
هلْ وَجَدْتَ دَربَكَ الى السماءِ مَرَّةً؟
كَي تَفهَمَ لُغَةَ الهَوى
تعالَ تَأَمَّلْ مَلامِحي
حينَها تَعْلَمُ ماذا فَعَلَ العِشْقُ بِقَلْبي
كيفَ أَودَعَني بينَ أَيادي المَوتِ
وطَوَّفَني أَجوسُ البُلدانَ كُلَّها

8
لو لمْ يَكُنِ الوَجدُ
ما كنتُ أموتُ مِنْ نارِ فِراقِ الأحبابِ
تعالَ وأبصِرْ روحيَ
كي تُدرِكَ ما فَعَلَ بيَ الوجدُ
لو لمْ يَكُنِ الوجدُ ما كانَ كَبِدي يُثْخَنُ بالجراحِ
تعالَ وأبصِرْ كَبِدي 
كي تعرِفَ شُقَّةَ قِبْلَةِ الأحبابِ 

9
زَهْرِيَّةَ قلبِكَ أراها منْ بعيدٍ 
أعلمُ كمْ مرةً تهَشَّمَتْ
كمْ مرةً غَدَتْ رَماداً
اندَلَقَ في صَدرِكْ

10
تعالَ واسمَعْ سِرِّيَ الذي هوَ إفْشاءُ المُحالْ
تعالَ واسمَعْ سازيَ الذي تضَرَّجَتْ أوتارُهَ 
بدِماءِ أنامِلي وَتَراً وَتَرا

11
هوَ بُكائي مَنْ أَعطى الماءَ للسُحُبِ 
ومنَحَ الحُلْمَ للعُشاقِ
كيما يَروا بهِ الألهْ 
كانَ بُكائي مَنْ أَعطى الأغنيةَ للسُكارى 
كي يزرعوا بحُزنِها
فوقَ قلوبِهمْ شُجَيرَةَ عِشقٍ أبَديّ

12
كانَ أَنيني مَنْ أَعطى التنَفُّسَ للغُرَباءِ
سَلَّمَ الجيشَ لأسكندرَ كيما يَجوبَ بهِ البُلدانْ
وضعَ السيفَ في كَفِّ تَمُّوزَ
وهبَ المِزمارَ لداوودَ كيما يُرَجْرِجَ به البحارْ
أَهدى الجَناحَ للحَمائِمِ
كيما تطيرَ بها في ازرِقاقِ السماءْ

13
أَرى جِراحَكَ كيفَ تجوبُ الأوردةَ 
في جسدِكَ عِرقاً عِرقا
لمْ يفعلْ بكَ الوجدُ بَعْدُ شيئا 
كانَ عليهِ أنْ يُغوِيَكَ الى الرحيلِ
حينَها تَعلَمُ كيفَ أنَّ البُكاءَ يقتُلُكْ
كيفَ أنَّ الفِراقَ يسلُبُكَ سُلْطَةَ الروحِ



ألريحُ أيَّتُها الريحُ الأكْثَرُ روحا

1
قُبَيلَ أنْ تُقيمي صلاةَ الضياءِ
قلتِ لي إنَّ شَوقيَ لنْ ينبعِثَ منَ الترابِ
كيما يختَلِطَ بالريحِ
ويَمضي الى مَلَكوتِ الألهْ
2
ها أنا قد خُلِقْتُ منْ تُرابِ جَمالِكْ
جَمالُكَ نارٌ لاسكونَ لها

3
حينَ جاءتِ الريحُ سألتُها لِمَ أنتِ مُتعَبَةْ
أيُّ شوقٍ أوقَفَكِ فَغَدَوتِ نورا
هلْ جَلَبْتِ بُخورَ العَنبرِ
أمْ مَرَرْتِ فوقَ ينابيعِ الوجدْ؟

4
فَتَحَتْ ريحُ الأزلِ كَفَّها
فاندَلَقَ بَريقُ الترابِ
كُلُّهُ كانَ رُفاتَ جَمالِ الوجدِ
ذابِلاً مثلَ أوراقِ الشجَرْ

5
حينَ تُصبِحُ الريحُ حزينةْ 
لا أحدَ مِثلي يعلمُ 
من أينَ جاءتْ وعلى أي قَلبٍ تَعرُجُ 

6
قبلَ أنْ تترُكَ حُجرَتَكَ الوحيدةْ
تَتَجِّهَ الى دارَةِ الألهِ الواسِعةْ
سَكَبْتَ دِرَّةَ الوجدِ في جَوفِ الريحِ
كيما تَفورَ نحو الأبدِ

7
ضاعَ الآنَ جَمالُكَ في الريحْ
لابُدَّ أنْ يُفْعَمَ بنورِ الألهِ 
مثلَ بَلُّورِ الكُهوفِ

8
أعلمُ أنهُ سيأتي يومٌ 
تدفَعُني هذه الريحُ الى القبرِ
حينَها تعلمُ كيفَ أنَّ جَمالَ وجدِكَ
يَتَقَطَّرُ مِنْ تُرابِ صَدري

9
ذلكَ اليومُ شَجَرَ شَعْرُ الريحِ
كعَسجَدٍ في الشجَرِ
رأيتُكَ تُشبِهُ عقيقاً
يُحيطُ بجيدِهِ فيروزُ الشفَقِ

10
عندما تَرُشُّ ريحُ الصَباحاتِ
نافذةَ غرفتي برَذاذِ ظاهِرِ المياهِ
أعلمُ أنهُ هوَ أنتَ
قد أوصَيتَ الريحَ
أنْ تزرعَ بذورَ الخلودِ في روحي

11
لو كنتُ أعلمُ أنَّ القدرَ يضعُ مُحيّاكَ داخلَ الرياحِ
كنتُ أَلُفُّ وَجديَ فيها
وأُصبِحُ شجرةً كيما أرقصَ
كلَّ صباحٍ في شوقِ جَمالِكْ

12
في الأيام التي لا تَهُبُّ فيها الرياحُ
أعودُ الى السفوحِ
عسى أن تأتَيَني زخةُ مطرٍ بعطرِكَ
ويُنهي صمتَ قَدَري

13
كَمْ هوَ خَرِبٌ قلبيَ بعدَكْ
والأشجارُ كَمْ هِيَ حزينةْ

14
ماذا كانَ سيجري لو أَمسَكَتِ الريحُ هذهِ هُنَيهَةً
لتُصبحَ مُطلقاً في يدِ الألهِ المَلأى بالشوقِ 
أو يَميزَ عرشُ جَمالِكَ
عن العرشِ النوراني للألهِ

15
ترابُكَ أيا فيروزَ الصَّحْوِ
ترابُ مروجِ الرياحِ
زهريةُ قلبِكَ
زهريةُ شرابِ الآلهةِ الأزلي 

16
قبل أن توصِدَ أنتَ 
بابَ روحي الى الأبدْ
وتَمضي الى بيتِ الريحِ البعيدْ
كنتُ أعلمُ أنكَ شوقٌ ونورٌ
تَتَسامى الى اللهِ

17
يومَ كنتَ تهبِطُ منْ داخلِ الريحِ 
بمِعراجِ العاصفةْ
إشتعلَ عَقِبُ قدمِكَ في روحي
والحالُ الآنَ أَنِّي بنورِ وجدِكَ يقينْ

18
إنكَ الريحُ وأنا أيضاً
حينَ أكتبْ لنْ أَلتَفِتَ الى الوراءِ
كلُّ انعطافٍ يُُهَشِّمُ
قنينةَ شِعْرٍ في حديقةِ قلبي
وتُذوي زهرةَ نعناعٍ في ماءِ دمي

19
طائرٌ في كَبِدِ السماءِ
كانَ مُتَذَلِّلاً داخِلَ الريحِ
علِمتُ أنهُ في كَفِّكَ
قد فَقَّسَ عُشَّهْ

20
وَجْدُكَ هوَ كالريحِ 
حينَ تَهُبُّ داخلَ رأسي
تُوقِفُ تَنَفُّسَ الكونِ
وتُذْكي لهيبَ روحي

21
يا قُطنَ نُعومَةِ روحيَ لقدْ غدوتَ ريحا
لذا أركضُ أنا دوماً خلفَ الريحِ
منْ يقدرُ على أنْ يُمسِكَ بالريحِ
إنساناً يكونُ لا الألهْ 


22
جَمالُكِ ريحُ كلِّ السماواتِ
أنتِ الريحُ وكلمةُ الألهِ
هَبَطْتُما من رَحِمٍ ما
هوَ رَحِمُ التوائِمِ ليسَ إلاّ

23
لا تََلْتَفِتُ الريحُ الى الوراءِ حينَ تَهُبُّ
وأنتَ حينَ تَهُبُّ على دَمي
لا تَلْحَظُ امتِثالي أمامَ حُضورِكُمْ 

24
قَبْلَ أنْ تَسأَمَ مِنَ الأرضِ
وتذهب الى نداءِ الريحِ ذي الألْفِ لونْ 
قَبْلَ أنْ تَرميَ كتابَ وَجدي بعيدا
وضعتَ كتابَكَ داخلَ صدرِكَ
كي تَمْضِيَ على جَناحِ الريحِ
الى الطاقِ السَّنِيِّ للألهْ

25
تحمِلُ الريحُ أحياناً ورقةَ شجَرٍ
كي تَهَبَها الى نورِ الماءِ
لكنكِ أنتِ أيا ريحيَ الأبدي
حينَ تحمِلُني
تَهَبُني الى القبرِ 

26
ما جاءَني فَوحُ أي ريحٍ
إلا كانتْ عِطْرَكَ المُلْتَهِبِ
لذا أعلَمُ أنَّ الريحَ ليستْ شيئاً آخَرَ
سِواكْ

27
أخافُ الحديثَ عنكْ
أعلمُ أنَّ الريحَ سَتَطوفُ بهِ كلَّ الدنيا
لذا يَبقى عِشقُكَ الى الأبدِ
في صَدري وقَلبي خالدا

28
مذُ أمسَيتَ أنتَ ريحاً
أنا أشتعلُ ناراً كلَّ يومٍ على إِحدى الضفافِ
أعلمُ أنْ سيأتي يومٌ
أموتُ فيهِ داخلَ زُجاجَةِ ريحٍ غاضبةْ

29
ضَمَمْتُ حَضْنَةَ ريحٍ بقوةْ
كنتُ أُحِسَُ بخَفَقانِ قلبكَ
كيفَ كانَ في حُضْني يَصُبُّ 
دمَ الطيرانِ في روحي

30
أنتَ صوتُ الريحِ
صوتُ هَدْهَدَةِ الريحِ
يأتي منْ بيتِ الألهِ

31
لأنكَ تَهُبُّ من كل اتِجاهٍ
لذا أمْلِكُ أنا بيتاً أرضِياً
لا بابَ لهُ ولا جُدرانْ

32
مراتٍ كثيرةْ حينَ أَقتَفي أثَارَ قدمِ الريحِ 
ألأرضُ كلُّها مواطِىءُ كَعْبِكَ الفضي
وقد صارتْ ينابيعَ عقيقٍ

33
أنتَ ريحٌ شديدةْ
أعلمُ أني سأختَنِقُ يوماً ما
لا أجرؤُ على الشهيقِ
أخشى أن تَنْحَطَّ في صَدري
لا أجرؤُ على الزفيرَ
أخشى أن تَنْفَلِتَ من صَدري

34
حينَ تَغَيَّرَ صقيعُ تأريخِ الجبلِ لأولِ مرةٍ
أَخرجَتْ نَجيلُ آلَكُوكَ رأسَها
رأتِ الدنيا رائعةً جِداً
مُنذئذٍ خَضَبَتْ آلَكُوكُ رأسَها بالحِنّاءِ 
خشيةَ أن يَفطِنَ اليها الثلجُ
ويُخْفِيَ عنها الدنيا كَرَّةً أُخرى
آلَكُوك: نبتة تنمو في المناطق الجبلية ذات الثلوج الدائمة. تقول اسطورة كوردية أن هذه النبتة في موسم الربيع تخرج برأسها من بين الثلوج بيد أن الثلج يقضي على هذا الأمل. 

35
حينَ تَهُبُّ أنتَ فوقَ البحارِ
كلُّ حورياتِ البحرِ
يتعَلَّقْنَ بالريحِ
حينَ تَهُبُّ عَلَيْ
تُطْلِقُ سراحَ كلِّ عُروقيَ المَزْمُومَةْ

36
يومَ كانتِ الريحُ
تتحدثُ عن جَمالكَ
تنسابُ كلماتُها مثلُ قطراتِ النَّدى
على أوراقِ شُجَيرَةِ روحي

37
حينَ تَهُبُّ الريحُ كَلْيلَةً
أُدرِكُ أنهُ أنتَ تُنشِدُ أغنيةْ
حينَ تَهُّبُّ الريحُ عاتيةً
أدركُ أنهُ أنتَ
تَبكي غُربَتَكْ 

38
أيها الأكثرُ خَفاءاً من الرّيحِ أيتها الرّيحُ
تعالَ نَمْ مرةً في كوخِيَ أنا
كي أسهرَ أنا الى الأبدِ

39
جاءَ القدرُ واخْتَطَفَ وَجْدي
وَجَعَلَكَ حَلْقَةً في أُصْبُوعِ الرّيحِ
تساؤلٌ واحدٌ أستفهِمُهُ
حينَ يقتُلُني الجَمالُ
أين الألهْ؟

40
إذا كنتَ أنتَ الريحَ
شَعيرَتي أنا أنْ أقِفَ وحيداً في حَضْرَةِ الريحِ

41
حينَ أقِفُ تحتَ الأشجارِ تلكْ
أفهمُ أنكَ مثلَ الريحِ بينَ كلِّ الأوراقِ
أخشى أنْ أرفعَ بَصَري
مخافةَ رؤيةِ تساقُطِ إحدى الأوراقِ

42
تجيءُ ريحُ الشَّمالْ
أنتَ مشهودٌ في هذه الريحِ مثلَ الثلجِ
تجيءُ ريحُ الجَنوبِ
أنتَ مشهودٌ في هذه الريحِ مثلَ الماءِ 
تجيءُ ريحُ الشَّرقِ
أنتَ مشهودٌ في هذه الريحِ مثلَ الشعاعِ 
وتجيءُ ريحُ الغربِ
أنتَ مشهودٌ في هذه الريحِ مثلَ شجرةِ خريفيةْ 

43
لوِ اقتَدَرْتُ لأوقفْتُ كلَّ رياحِ الدنيا
كيما أُحَدِّقَ في محياكْ
لكن أُوّاهْ كيفَ أقدِرُ على إيقافِ الرياحِ أنا
إذْ أني إنسانٌ لا إلهْ

44
قالتْ لِيَ الريحُ لا تَجْرِ ورائي أكثرْ
وجدُكَ مُحالْ
لقد ضَلَّ في جسَدي أنا

45
أعودُ كلَّ يومٍ الى السفوحِ
أبكي مثلَ طِفلٍ
لكِنِّي أَتَحَسَّسُ أنامِلَكْ 
حينَ تَمْسَحُ الريحُ أَدْمُعي

46
أيتها الريحُ الأكثرُ خُلودا
ما أَكثَرَ ما عَلَوتْ
إني أرتَعِبُ أن تصيرَ إلها


ألماءُ حَصْراً مُضارِعُ الماءِ

1
حينَ عُدنا الى الغاباتِ على جَناحِ صاعِقةْ 
كانَ القمرُ ملأَ نجومَ الينابيعِ بالشوقِ الألهي
كانَ القدرُ لِتَوِّهِ يعودُ من دفنِ جُثمانِ المطرْ
وكانَ عشقُ الكونِ كُلُّهُ غافِياً
داخلَ سقيطِ الأوراقِ على الطريقِ


2
صَداقَتي أنا والمطرُ سِرَّانِ داخلَ الكتابِ الألهي
جوهرتانِ بَلُّوريتانِ فوقَ أصابعِ العشاقِ الطرِيةْ 
أنا والمطرُ نتلاقى 
بُعيدَ تَحَطُّمِ الخِزانةِ البيضاءِ لأسرارِنا
نُمسكُ بزجاجةِ قلبَينا 
مثلَ ضبابٍ جبليٍ رقيقْ
وإنِ افترقْنا عن بعضِنا أنا والمطرُ 
نموتُ معاً في حِضْنِ الغُمَّةِ والغُربةْ

3
أنا والمطرُ كُنّا قطرةً واحدةً منذُ الأزلْ
جاءتْ ريحٌ من الشَّمالِ المجنونِ
بورقةِ خريفٍ صفراءَ باعدتْ بيننا
رَمَتْ كلَّ واحدٍ مِنّا على إحدى الضفافِ
لذا حتى الساعةَ حينَ تعودُ الطيورُ الى أعشاشِها مساءاً
أو حينَ تتساقطُ الأوراقُ
أعودُ أنا الى صَخرةِ الضبابِ الغريقةْ 
ظانّاً أنَّ المطرَ سينهَمِرُ


4
مطرْ مطرْ مطرْ دوما مطرْ
أنا بُكاءُ الضفافِ
هو تِسفارٌ في السماواتِ
أنا نُزهَةُ الأماسي
هو ترتيلٌ فوق الغمائمِ 

5
سفرتُنا القصيرةُ أنا وهوَ كانتِ المُفارَقَةْ
حديثُنا أنا وهوَ كانَ سُكَّرَ سمرقندٍ الصافي
وكانتْ أغنيةُ ونُواحُ قلبَينا
زنانيرَ ِظِباءِ أشجارِ الصَنوبرِ تلكْ

6
أنا والمطرُ آهٍ أنا والمطرُ
وُلِدْنا مِنَ حَشى الألهِ
كُنّا نَركُضُ فوقَ صهوةِ جوادِ الريحِ
كانَ وطنُنا الأبديُّ داخلَ حَفنةِ ترابٍ وعَفَرْ
كانتْ مِشَدَّاتُ مُهودِنا أعوادَ غُصَيناتِ الأرجوانِ 
كنا نَخْتَزِنُها في ليالي الخريفِ
وبرائحةِ الشَّبوى ذاتِ ألْفِ لونْ
كُنّا نأسِرُ الدنيا لِكِلينا

7
لُحْمَتُنا أنا والمطرُ تعودُ الى زمنٍ
كنتُ قد وُلِدْتُ فيه تَوَّاً
تَرَذَذَ هوَ على قَسَماتِ طفولَتي
ومَنَحَني أسرارَ قلبِهِ كلَّها
منذئذٍ يقولُ مَنْ يَراني إنَّكَ تُشبِهُ الماءَ
وفي أي رَجاءِ يهطلُ المطرُ
يَسْتَحْضِرُني الآخَرونْ

8
ألمطرُ دوماً المطرُ
هذا الرذاذُ كأَنَّهُ حقيبةُ الذكرياتِ
حينَ يزورُ دارَنا يَفتحُ وجدانَهْ
يَحكي كلَّ ما رآهُ
يُحَدِّثُنا عنِ الرياحِ البعيدةِ
كيفَ أنها تَهُبُّ على البحارِ
في البقاعِ التي لاتَغرُبُ عنها الشمسُ أبدا
يُطَوِّفُ في الدنيا
كلَّ ما هوَ عطرُ الجسدِ الجميلِ للضفافِ 
كلَّ المشداتِ الضيقةِ للنهودِ البضيضةْ
كلَّ ما هو شوقُ الشعورِ المنسدلةِ للصَّبايا
يُحدثنا عنْ هجرةِ الطيورِ
كيفَ أنها تعودُ الى أعشاشِها الملأى بالجَفيفِ
او عنِ اللقالقِ الحزينةْ
كيفَ أنها تَرنُو الى السماءِ
وتَقطَعُ دُروبَ المدائنِ
نَوادرُ هذه الحقيبةِ لن تنتهي
وحينَ تَبدأُ الأمطارُ بالأنهمارِ
لا أعلم لِمَ يَرتَجُّ قلبيَ هذا وتَتَزَكّى ذِكرَياتي
هوَ ذا سِرٌّ لا أُدْرِكُهُ أبَدا

9
ألمطرُ مرآةُ نرسيسَ
يَجىءُ الجَمالُ ويَرى ذاتَهُ دائماً فيها 
تَجىءُ الريحُ وتكتبُ فيها ذِكراها
يَحُطُّ عليها باشِقُ القلاعِ
كي يبعثَ الحياةَ في ماضيها البعيدِ
والعشاقُ يدخلونَها سِراعا
كيما يجِدوا فيها قابلَ الأيامِ

10
الماءُ من عِتْرَةِ المطرِ الأبديةْ
إنهُ خليلُ الأنهارِ والجبالِ والسفوحِ
يَجتابُ الأرضَ أبدا
يُصبِحُ أغنيةَ العُشبِ ويُصبحُ ثلجا
يذوبُ على قامةِ القَصَبِ الهيفاءِ 
وفوقَ جذورِ وبذورِ الأعماقِ

11
ألمطر سليلٌ وحيدٌ للألهِ وفيرُ الطيبةِ
يَدُلُّنا على طريقِ الجنةِ
يَمنَحُنا سيماءَ الملاكِ
يَكتُبُ لنا صفاتَ النارِ
ماءُ القلبِ ملىءٌ بمواقِدِ هذا الكونِ الكبيرِ
خبيرٌ بهذا المقدورِ
يُعَلِّمُنا لغةَ الريحِ
ويُفشي لنا أسرارَ الألهِ
إنْ عَكَّرْناهُ أنْهَكَنا
ألماءُ حَصْرا مُضارِعُ الماءِ
ألماءُ لاغيرْ مفعمٌ بشَوقِ ونورِ الألهِ

12
أنا والريحُ منْ سُلالةِ كِتابِ العشقِ والمطرْ
أنا والريحُ نَنْشَأُ من خِيامِ غَجَرٍ 
على التُّخومِ البعيدةِ جداً عنِ المُدُنِ
حينَ جِئنا كانتْ أرواحُنا مليئةً بالنورِ الأبدي
مُتخَمَةً بأغانٍ جميلةْ
كانتْ تُعَلِّمُنا الوجدَ
مُشْبَعَةً بأَحلامٍ
تأخُذُنا بعيداً بعيدا
في أسفارٍ على ظهورِ البُراقِ
لأصَطِيادِ المَحَبَّةِ وياقوتِ الخلودْ

13
أنا والريحُ منْ سُلالةِ الرُّحَلِ
مِنْ أنْسِباءِ الشَّجَرِ الأَدْنَونْ 
فينا قليلٌ منْ جَمالِ القمرِ
قليلٌ منْ لونِ الماءِ
قليلٌ منْ أغنيةِ الرَذاذِ
قليلُ منْ غُربةِ الشَّبّابَةِ
قليلٌ منْ قدسيةِ الألهِ
وفينا بِضْعُ قطراتٍ منْ دمِ الشيطانْ
حينَ جِئنا واسْتَكَنّا لِعُطارِدَ
أسلَمَنا لسنطورٍ وسازِ 
فانْتَشَينا بألحانٍ سَكْرى
كنا نُدَنْدِنُ بِها دوماً للمعشوقينَ فوقَ الأرضِ
مليئةً كانتْ بأحاديثِ طَمأَنَةِ القلوبِ
نَحكيها لأوراقِ الشجرِ أوانَ الخريفِ

14
أنا والريحُ مقدورُنا دوماً الضَّلالُ والطوافُ
مقدورنا الخيامُ وصهواتُ الجيادِ
أينما ذهبتُ أحملُ مِلءَ كفيَ ريحاً
أنا مع جوادِ الريحِ أنسباءُ منذُ غابرِ الأزمانِ
كانتِ الريحُ أسلَمَتْني الى مُبتدأِ هذا الطريقِ
كانتِ الريحُ منَحَتْني حقيبةَ مَنكِبي
فيها الأمسُ ومُقبِلُ الأيامِ
إنها ملأى بالصباحاتِ الباردةِ لي وللريحِ
كنا معا نزورُ ذلكَ النَّدى الذي على ورقِ الشجرِ
أنها ملأى بغُدرانٍ ضَحْضاحةٍ
كانتْ تَنقُلُ تحياتِنا الى السنابلِ

15
أنا والريحُ أخِلّاءُ جداً ومنْ سُلالة ِالرَّحالةْ
أحيانا نعودُ الى أنينِ حَنْجَرَةِ العشاقِ
أحيانا تَنتقُلُ أرومَتُنا وتعودُ الى الألهِ
نَضْحى أقاربَ الفَراشَةِ ونَصِلَ ورقةَ النعناعِ
أينما أذهبْ أملأُ راحةَ يَدِي
مِنْ سُكَّرِ حديثِ الريحِ
مِنْ جذوةِ قلبِ الريحِ
مِنْ طَعْمِ قُبْلَةِ الريحْ

16
أنا والريحُ جَزَّتْ دايَةٌ واحدةٌ سُرَّةَ أغانينا
أَضَلَّنا عشقٌ واحدٌ في الدنيا 
في الهندِ والسندِ وبُخارى
في أيدينا سنبلةٌ خَضْراءَ للألهِ 
نَطوفُ بها الدنيا أبدا

17
أنا والريحُ نذهبُ بعيداً دوماً بعيدا
وَجْدٌ يمورُ في صدري وصدرِ الريحِ
يُعيدُنا الى أَجيجِ آيةٍ 
تنبعثُ من لغةِ الألهِ
أحيانا نذهبُ الى الكهوفِ
نهدأُ في المنابِتِ الجبليةِ العسيرةْ
أحيانا في زجاجِ نهرٍ ما
وأحيانا أخرى نُوَشِّعُ ذاتَيْنا في الغابةْ

18
أنا والريحُ رَحّالَةُ النَسَبِ لا تَسَعُنا الأرضُ
لذا نجوبُ السماواتِ
أنا والريحُ ذهبْنا الى بيتِ القمرِ 
في عَزاءِ نورٍ إلهي
طَرَقْنا بابَ القمرِ بهدوءْ 
جاءَ البدرُ وفتحَ البابَ
حينَ الأنصرافْ بكى القمرُ بكى كثيراً
فانكسرَتْ قُلَّةُ قلبِ القمرِ المليئةُ بالشعاعِ
والحالُ الآنَ أينما ذهبْنا
نَجعَلُ كِسرَةً مِنْ ذلكَ القمرِ مِرآةْ

19
أنا والريحُ من الأقارِبِ المُقَرَّبينَ للبدرِ
أينما ذهبْنا نَهَبُ العاشقَ كِسْرَةً من قلبِ ذلكَ القمرِ
كيما يُعَلِّقَها على صدرِهْ
حينَ ذهبْنا الى بيتِ القمرِ لَمْ أكنْ أعرِفُ
أَنّي والريحُ امتَلَأنا بِدِرَّةِ الحياةِ
كانَ دفترُ تغريدِ الطيورِ مَعَنا
حينَ ذهبْنا الى بيتِ القمرِ
امتلأنا بصَدى ضِباءٍ كانتْ تَجْري مُسرِعَةْ

20
أنا والريحُ مِنْ سُلالةٍ قَبَسْنا السُّكْرَ مِنَ العِنَبِ
قَبَسْنا الوجدَ مِنْ بيتِ العصافيرِ
والآن نَمضي الى قلبِ الغابةِ
كيما نَهَبَ جَمْعَ العشاقِ 
كِسَرَ قلبِ هذا القمرِ
ونُقْحِمَها في كتابِ مُكْتَظٍّ بخَيالِ السُّكارى


الأسْرُ في العُشْبِ

1
آهٍ كمْ أنا مَشدوهٌ أنتَ أصبحْتَ عُشْبا
لَفْظَتانِ الألهُ والعُشْبُ
كم هما سِيّانُ

2
نَبَتَ العشبُ على قلبي
نَبَتَ العشبُ في راحةِ يَدِي
نَبَتَ العشبُ على صَدري
نَبَتَ العشبُ في روحي

3
حينَ أعودُ الى المروجِ
أعلم أنكَ في كلِّ مكانٍ
أخضَعْتَ كلَّ الأرضِ
وأعْتَقْتَني الى خارجِ الكونْ

4
قَدَرٌ قاسٍ
زَجَّني في حاقَّةِ جَمالِكَ
أنتَ تأخُذُني دوماً صَوبَ الدروبِ القَصِيَّةْ

5
نارُ عشقِكَ أُواهٍ مِنْ نارِ عشقِكْ
أحرَقَتْ سَوسَنَ روحي
لذا تَراني أذوبُ يوماً بعد يومْ 
وأَنْضَحُ الى قَرارةِ جذورِكَ قطرةً قطرةْ 

6
أذوبُ أنا فيكَ وأنتَ في العُشْبِ
أيا وُرَيقَةَ العُشْبِ إني أتوَسَّلُ إليكِ 
يا دِرَّةَ الألهْ

7
مِنْ فَيضِ اذْدِكارِ اسمِكَ
نَبَتَ العُشْبُ على لِساني
ومِنْ فرطِ أَنظاري إليكَ
نَبَتَ العُشْبُ في عَينَيّ

8
أنتَ عُشبٌ أَزَلِيٌّ كَليمُ الألهِ
ألريحُ امتزجتْ بروحِكَ 
إنْ دَنَوتُ منكَ أضيعُ
ألماءُ ابتَدَعَ سيماءَكَ 
إنْ قبَّلْتُكَ أغرَقْ
ألنارُ حِظارُ جَمالِكَ 
إنْ دنوتُ منكَ أُحْرَقْ

9
تُغَنِّي لكَ الأعشابُ 
يقولونَ إنكَ تعلمُ لغةَ العُشْبِ
تَمشُطُ الرياحُ شَعرَكَ 
إنكَ تعلمُ سِرَّ الريحِ
لَمْ يَبْقَ لي شىءْ
أنا أحزَنُ العُشَّاقِ

10
حُزني هوَ في أنكَ مُحالٌ
مُحالُكَ هوَ في أنكَ استَحَلْتَ عُشبا
يا وُريقةَ العشبِ
كيفَ أُحيلُكَ الى حالِكَ الأولى

11
إنْ رَغِبْتُ في احتِضانِكْ
يَعوزُني حَزْمُ كلِّ موجودِ العُشبِ
لذا أفَكِّرُ دوماً في الخريفِ
أهِ أيها الخريفُ لِمَ لا تأتي؟

12
جَمالُكَ ضِرْعُ دِرَّةِ العُشبِ
مِثْلُ فُضاضَةِ جوهرِ العقيقِ
انْدَلَقَتْ على الترابِ
لستُ قَبيلَ لَمِّها أبدا 
13
أنتَ القَدَرُ مِنْ غُصَينِ العُشبِ 
تَوَشَّعْتَ في مَنْحَري
أنتَ رَسَنٌ عُشْبِيٌّ 
عَلِقْتَ في جَوادِ روحي

14
لو كنتَ أنتَ العُشبَ
لنْ أرى الخريفَ كَرَّةً أُخْرى
عَجَبي سأَظَلُّ أنا في العذابِ أبدا

15
بِما أني أُحِبُّ العُشبَ
فريضةٌ أنْ أَتْبَعَكَ الى الأبدِ
أنتَ وحدَكَ لستَ في صِراطٍ واحدٍ دوماً
وأنا أَصْطَرِخُ الخُلودَ
كيما أطوي كُلَّ الصُّرُطِ

16
مِنْ على غُصَيْناتِ العشبِ
أشرَبُكَ في الصباحاتِ قطرةً قطرةْ
لذا صارَ صَدْري
مَرَجاً بينَ حُزوزِ الجبالِ

17
أسمعُ صوتَ نداءٍ آناءَ الليلِ
أعلمُ أنهُ نداءُكَ والصريخُ
إذ ذاكَ أَفِرُّ إليكَ مُسرِعاً
لكنّي لا أُبْصِرُ شيئاً 
سِوى النسيمِ وهَزهَزةِ العْشبِ 
إيهٍ يا حسيسَ الأوراقِ

18
وَطَني كُلُّهُ عُشْبٌ 
لأنكَ أنتَ العُشْبُ
أَهناكَ ثَمَّةَ مَنْ يَحتَلُّ بَلَدَ العُشْبَ؟

19
منذُ اليومِ الذي غَدوتَ أنتَ فيهِ عُشبا
كُلَّما تأَمَّلْتُُ عُلُوِّي
أطمَئِنُّ أني يوماً بعدَ يومٍ
تََقْصَرُ قامَتي
وأستَحيلُ عُشْبا 


20
في ذلكَ اليومِ الذي رأيتُكَ
في مَراتِعِ العُشْبِ
عَدَوتُ مُسرِعاً كيما ألقاكَ
لكنْ أَسَفاه لقدِ امتزَجْتَ بالعشبِ
لذا أضَعتُكَ مرةً أُخرى

21
أنتَ العُشْبُ ذاكَ
تَنمو في أيِّ مكانٍ غَيْرَ مَرَّةْ
لذا الأماكنُ كلُّها لي هِيَ نَفْسُُها
إنْ عِشْتُ في الجَنوبِ أو الشَّمالِ
كنتُ في الشَّرقِ أو في الغَربِ

22
أنتَ أحزنُ آلَكُوكٍ أنتَ عُشْبُ قلبي 
أخشى أنْ يمنَعَكَ ثلجُ نَفَسي
أنْ تُخرِجَ رأسَكَ يوماً 
لِذا فأنا أحزَنُ العُشاقِ


23
حينَ تَهُبُّ الريحُ
في سهولِ ووديانِ المعاشِبِ
كثيراً ما أجولُ بناظِريْ 
غَيرَ أنَّ غُصيناتِ الأعشابِ كُلَّها
في هَزهَزةٍ أزلِيةْ
أَنَّى لي أَتَبَيَّنُكَ أنتْ؟


سناريا سَديمٌ بَعيدٌ بَعيدْ

1
إنها لَغُصَّةْ 
لقد بَهَتَتْ فاكِهَةُ السفَرجَلِ 
وَلّى زمانُ 
إردافِ الحورياتِ على صَهوةِ الجيادِ
وَلَى زمانُ 
التحديقِ في شوقِ الألهِ عندَ غروبِ الشمسِ
والتوقفِ عندَ المياهِ 
وأخذِ حَضْنَةِ زهورٍ الى سناريا

2
ولى زمانُ الجلوسِ قُبالةَ الزجاجِ المكسورِ للعشاقِ 
وذرفِ الدموعْ 
نَستَمرِىءُ بِغُصَّةْ 
شرابَ جامِ الحُبِّ 
شرابَ اللَّعْلِ الرُّمانِيّ
في ذِكرى الحُلُمِ الماضي

3
لازلتُ الآنَ جالساً إزاءَ الأفُقِ
أترقَّبُ مجيئَكْ
جيئةً تُجَدِّدُني
تُفعِمُني بالشوقِ والنورْ
لازلتُ الآن أنسُجُ شُعاعَ الأفُقِ خَيطاً خَيطا
أحسِبُ أنكَ
ستُحْضِرُ لي بعضاً من حديثٍ ملىءٍ بالنارنجِ
بعضاً من بسماتِ شفاهِكَ
لازلتُ الآن واقفاً إزاءَ الأفُقِ
أحسِبُ أنهُ بينَ آنٍ وآنٍ ستعودْ
وتأتي لي بماءِ الأزلْ

4
أدرَكَني الظَّلامُ ولَمْ تَأْتِ
عادتِ الطيورُ الى الضِفافِ ولمْ تَأْتِ
آبتِ الغزلانُ الى السفوحِ
إرتدَّ الخريفُ الى السنةِ ولمْ تَأْتِ

5
مع حَضنةٍ من الريحِ 
وباقةٍ منَ رقصِ الخلودِ
أردتُ جَلْبَ بعضٍ من ضبابِ السفوحِ
أردتُ حينَ المجىءِ 
أنْ تَكْتَظَّ كَفِّيَ بالصواعقِ
أنْ أغرقَ في الضياءِ
أردتُ حينَ المجىءِ 
أنْ تَمتَلِىءَ شِفاهي بالجمراتِ 
كيما تُدفِىءَ قَلبكْ

6
لكنِ الشَّجْوُ أَنّي حينَ وصلتْ
رأيتُ الجُثمانَ الأبيضَ لوطَني
رأيتُ الأوراقَ الصفراءَ للقلعةْ
رأيتُ لونَ موتِ الجبالِ
رأيتُ الليمونَ الذابلَ لوجناتِ الفتياتِ 
رأيتُ الروحَ المَيِّتَةَ للمدينةْ
أضَعْتُ الدروبَ كُلَّها
تَصَلَّبَتْ رُكْبَتايَ
بَصَري كانَ يَرْعَشُ كالماءِ
وحينَ عُدْتَ أنتْ عادَ اسوِدادُ عَيْنَيْ

7
قرأتُ في رسالةٍ عاجلةٍ نَدِيَّةٍ للمطرْ 
أنَّ الغَضاضَةَ قدْ أمسَكَتْ تَوّاً 
عن دَرِّ الدِّرَةِ تحتَ الأَجَماتِ
تلكَ الدِرَّةُ كانتْ دِرَّةَ الجمالِ
كانتْ شرابَ خلودٍ
كان الألهُ أرسلهُ لي في إناءِ الملائكةْ
نارُ صدورِ العُشَّاقِ خابِيةٌ
لنْ تضْطَرِمَ كرَّةً أُخرى أبدا

8
سناريا الآنَ زهرةُ عُشبٍ
تحتَ حجرٍ أبيضْ
أَعطَتْ شَذْوَها الى الطيورِ
جَسَدَها الى الترابِ 
كانَ ذلكْ حينَ كانَ القمرُ
يَستَحِمُّ في راحَةِ يدِ الألهِ

9
كنتُ أنا حينَذاكَ طِفلاً
داخلَ ضبابِ العَراءِ
كنتَ أنتَ نوراً في قلبِ سناريا
كنتُ حسرةً فوقَ وريقةِ العُشْبِ

10
أسَفاً اندثَرَتْ آثارُ أقدامِنا على الضفافِ
جاءتْ صاعقةٌ
حَطَّمَتْ كُوزَ قلبِ مَلِكَةِ نورِ الشمسِ
إنسكبتِ المحبةُ على الترابِ
غدا الوجدُ سقيفةً وظُلَّةْ
وامتلأتِ الأرضِ بجوهرِ النورِ
أوراقِ العطرِ المُنْسَكِبَةْ

11
كانَ ذلكَ حينَ كانَ الغَضُّ يُخرِجُ رأسَهُ
مِنْ تحتِ الصخورِ الكبيرةْ
وكانَ عصافيرُ الجنةِ يدخلونَ غُرَفَاً مَبْنِيَّةً باللَّبِنِ
إلهي ماذا كانَ ذلك الطِلَّسْمُ 
لا أستطيعُ فَكَّهُ 
ماذا كانتْ تلكَ المحبةُ التي انسكبتْ على الترابِ
أنا لا أستطيعُ جَنْيَها الآنْ 

12
دَثَّرَني الضبابُ 
وإلا كنتُ قدْ ذهبتُ الى السفوحِ
أتوقَّفُ قليلاً قُبالةَ شجرةِ الكرَزِ
أحَدِّثُها عن المطرِ 
كيفَ عادَ مِنَ الضبابِ الأبيضِ
ثمَّ كنتُ أثوبُ الى العشاقِ
آخذاً لَهُمُ رشفةً منْ ماءٍ عندَ مناقيرِ الحمائمِ

13
لنْ ألحقَ بالأفُقِ بعد الآنْ
لأقولَ لهُ تَوَقَّفْ قليلاً 
ريثما تعودُ الغزلانُ
هاتوا لي عُشْبَ رُبوعَ الخَصَرِ
كيما يهَبَني قوةَ البقاءِ
لمْ تجلبْ لِيَ الصاعقةُ شَرَرَها بعدُ
كيما يأذنَ لِي بالوقوفِ أمامَ نورِ مُحَيّاها 
أرسلتُ الرذاذَ الى حضرةِ الريحِ
كيما يأتِيَني بالنورِ لِناظِرَيْ
لَقَّنْتُ الهدهدَ أن يَنقُلَ خَبَري الى المطرِ
ويجلِبَ لي عِطرَ عقيقِ الشفقِ وعِطرَ كَفِّهْ

14
لازالَ الوقتَ مُتَأخِراً 
لا أعلمُ إنْ كانتِ الكراكي تَمُرُّ مِنْ ها هُنا
أو هُمُو أيضاً يَضيعونَ في الضَّبابِ الأبيضِ 




ثلجُ الثلوجْ

1
أيها الأَثْلَجُ بينَ كلِّ الثلوجِ
كيفَ أدنو منكَ أنا بنارِ العشقِ هذهِ
إذ أني أعلمُ أَنكَ تذوبُ ومَجيئي

2
أنتَ ثلجٌ تَعْقُبُ عاصفةً عاتِيةْ 
أنا مطرُ وَجْدٍ هَتونْ 
إذا ما جِئْتُ أنا
أعلمُ أَنكَ سَتُصْبِحُ نهراً ستُغادِرُ
ولنْ أراكَ بعدَهُ الى الأبدِ

3
يومَ نزلَ الثلجُ أيها الثلجُ والنورُ
عَلِمتُ أَنكَ جَثَمْتَ عندَ نافذَتي
ريثَما أطفأتُ نارَ وَجْدي
كنتَ قدْ مَضَيْتَ منذُ زمنٍ بعيدْ

4
أنتَ ثلجٌ لاتُشبِهُ ثلوجَ الجبالِ 
لمْ أَرَ ثلجاً كانَ نارا

5
يومَ استَحَلْتَ ثلجاً
إحَْتَمَّتِ المحيطاتُ

6
أيها الثلجُ والنورُ
أأنتَ إلهٌ أمْ حِدَّةُ البَلُّورِ؟
تَوَشَّعْتُما هكذا

7
أيا عاهِلَ ثلوجِ كُلِّ الجبالِ
هلْ أَقَرُّكَ أنا مِنْ هِجرانِ الأبدِ
أم أَحَرُّ قلبي

8
مُحالي هو في أنكَ دوماً
تَجيءُ مِنَ السماءِ
وأنا على الأرضِ دوماً
وَجْدِيَ موجِعٌ يا إلهي

9
يا ثلجَ خُلودي
أنتَ مَنحَري أم السيفُ
أنا في ذُهولْ لقدْ أَسَرتَني 

10
إذا كنتَ أنتَ الثلجَ أبداً
يَنبغي أنْ أكونَ أنا صَيحةَ الرَّعْدِ

11
يا أَبْهى ثُلوجِي أنا
أصبحتَ أنتَ ذاتاً ما
لا أدري أَأُصْبِح أنا إنساناً أم إلها

12
قانِعٌ أنا أنكَ أثلجُ مِنَ الثلجِ
لذا يََثقُلُ علَيَّ اختِصامُكْ
إذ أني بوجدِكَ أنتْ أنا النارُ 
13
أنتَ الثلجُ يا ثلجِيَ الوحيدُ
سَيَحينُ يومٌ تَسْفَعُ فيه عِظامي

14
يا أَنأى بياضِ الثلجِ
هنالِكَ جِبالٌ وسُفوحٌ كثيرةْ
لِمَ احتلَلْتَ قلبي؟ 

15
حينَ يتساقطُ الثلجُ شَتاتاً
تَبْيَضُّ الأرضُ
أُواهْ أنا مُرغَمٌ على الوقوفِ أبدا

16
مُذْ أصبحتَ أنتَ ثلجاً
أنا لا أرى شيئاً آخرَ سوى البياضِ

17
أرى ثلوجاً بعيدةً بعيدةْ
لازالتْ ماكِثَةً بينَ صُدوعِ الجبالِ العَصِِيَّةْ
أعلمُ أنكَ هناكْ
مُغصوبٌ أنا على قَطْعِ تلكَ الدروبِ

18
أودُّ الأغتِمارَ في انهِيارِ الثلوجِ
لأني أعلمُ أنهُ هوَ أنتَ
تنهارُ على جَسَدي
وتُدْفِئُني الى الأبدْ

19
أيها الثلجُ حينَ تُبعَثُ حيا
أعلمُ أنهُ أنتَ الذي تُعيدُني الى العَدمِ

20
أيا شاهَ الأطلسِ الأبيضِ 
حينما تتساقَطُ أنتْ
تَستَحيلُ الدنيا صَقيعاً 
وأنا نارا 


أنتَ أبداَ أنتْ

1
أنا دوماً أمضي بعيداً بعيداً أَتْبَعُُكْ 
وأنتَ دوماً خافٍ عَنِّي
في المياهِ 
أنتَ موجةٌ تتقدمُ الفيضانَ
في سلسلةِ الجبالِ
أنتَ قِمَّةٌ إزاءَ آلافِ القِمَمْ
في الليالي الُمضاءةِ بنورِ القمرِ
أنتَ فصيلٌ مِنَ أرانِبَ بيضاءْ
في أعماقِ الضبابِ الأبيضِ وفي المروجْ
أنتَ زهرةُ قُطْنٍ ثانِيةْ
في قطيعِ الغزلانِ 
أنتَ الزعيمُ
وبينَ أوراقِ الخريفِ 
أنتَ الأكثرُ اصفِرارا

2
آهٍ أينما أبحثُ عنكَ أنا دوماً 
أنتَ أبعدُ من أجمَعِهِمْ
أنتَ قَدَرٌ تَفِرُّ مِنّي الى الأبدِ
أنتَ مطرٌ لا تهطلُ عليَّ أبدا
أنتَ ريحُ الأزلِ لا تَهُبُّ عليَّ قَطُّ

3
أنا دوماً أمضي بعيداً بعيداً أَتْبَعُُكْ
وأنتَ دوماً خافٍ عَنِّي 
عندما تَهُبُّ الريحُ
مُرتَدِياً ثَوبَ السحابِ 
تَمضي أنتَ
مِنَ الذُّرى البعيدةِ 
الى الشَّمالِ البعيدِ البعيدْ 
عندما تفتحُ الغابةُ بابَ الخريفِ
أنتَ قُدْوَةُ الأوراقِ المتساقطةْ
حينَ تشتعلُ النارُ 
أنتَ الجذوةُ والجمرةْ
وحينِ تتَخَطّاني أنا
أُوّاهٍ أُوّاهْ 
خَطْوُكَ دوماً الى الفِراقِ
4
أنا دوماً أَمضي بعيداً بعيدا
وأنتَ دوماً خافٍ عني
حينَ تُشرِقُ الشمسُ
أنتَ أرَقُّ خيوطِ شعاعِ الشروقِ
عندما يَجِنُّ الليلُ
أنتَ أولُ نجمةٍ في كلِّ السماواتِ
في الأماسي يُناديني القمرُ من بعيدْ
أعلمُ أنهُ أنتَ قدْ عُدْتَ الى سلةِ الخلودِ
آهٍ آهْ أنتَ لمْ تُبقِ لي مَوضِعا
وأنا سوى القلبِ لا أملكُ لَكَ مَوضِعاً آخرَ

5
أنا دوماً أذهبُ بعيداً بعيدا
وأنتَ دوماً خافٍ عني
في الشتاءِ إبتنيتَ سكناً داخلَ المطرِ
في الصيفِ داخلَ النسيمِ
دَثَّرْتَ جسدَكَ بالعُشْبِ في الربيعِ
وفي الخريفِ سقيطِ الأوراقِ 


6
أنا دوماً أذهبُ بعيداً بعيدا
وأنتَ دوماً خافٍ عني
حين أذهبُ الى الأعالي
أجدُكَ أنتَ في السفوحِ 
أشعلتَ النارَ في الجفيفِ
وحين أعودُ الى السفوحِ
أنتَ في الأعالي البعيدةْ
ملأتَ الدنيا نورا
قَدَري هو العَومُ في ماءِ السرابِ
أوِ السُّكْرُ
في نعناعٍ ذي ألفِ لونٍ لكوزِ شرابْ

7
أنا دوماً أذهبُ بعيداً بعيدا
وأنتَ دوماً خافٍ عني
رَوْمُ كلِّ أسفاري
أنْ أجدَكَ يا موطِني الأبدي
وأنتَ مع الزمنِ تبتعدُ أبدا
لا تهدأُ في أي موضِعٍ
أسفاً يا موطِنيَ الوحيدُ
حَتّامَ لا تحْضَنُ طفلَكَ الرضيعْ

8
أيا بستانَ الكُرومِ في كلِّ العطورِ 
أنتَ الموجودُ 
في كلِّ المزاميرِ 
أنتَ نَغَمُ الناي يا حديقةَ الناي
داخلَ كلِّ زهورِ النعناعِ 
أنتَ الرقصُ
في كلِّ الثلوجِ 
أنتَ العُشْبُ
أنتَ سورٌ من الوَهْمِ
تَميزُ عن كلِّ الأسوارِ
أنتَ الأوحَدُ منْ بين خلائقِ يدِ الألهِ 

9
أجتازُ أيَّ مكانٍ
أعرفُ آثارَ قدمِكَ أنتْ
أعرفُ أيةَ زهرةٍ بريةٍ قطفتَها
جنيتَ أيةَ كمثرى بريةٍ منْ شجرةِ وَجْدِي أنا
حدَّقْتَ في أيةِ زَخَّةِ مطرٍ
أيِّ طائرٍ مائِيٍّ حَطَّ على شَعرِكَ أنتْ
آهٍ كمْ أنا كَليلُ

10
طائرٌ في المياهِ أنتَ 
اعتَدْتَ على الضفافِ
شرابُ كوزِ الجَداءِ والجَدْبِ أنتَ
رشفةٌ مِنكَ تُسْكِرُ الترابَ
أنتَ جوهرُ غَرّافَةِ عمقِ البحارِ
وَمْضَةٌ منكْ تُفْعِمُ الدنيا نورا

11
في كلِّ مكانٍ 
أنتَ صوتُ الدَّفِّ والشَّبّابةِ والناي
ورقةُ الحبِّ 
أنتَ فوقَ كلِّ الأشجارِ 
أنتَ حَنيفٌ إلهيٌّ متعبدٌ داخلَ كلِّ الكهوفِ 
في الحاناتِ 
أنتَ الساقي 
وأنتَ الثمِلُ
آهٍ الى أيِّ دربٍ أعْرُجُ أنا
هلْ أُصْبِحُ درويشَ وجدِكَ
أم أَتناوَلُ كأسَ الخمرِ منْ نورِ يدَيكْ؟


لا شَوقُكَ ظاهرٌ ولا سيماؤكْ

1
يا نورَ وشوقِ الألهْ
لِمَ أطلقتَ سِرَّكَ على روحي
أنا مجرَّدُ عبدٍ
لا رسولاً أحملُ رسالةً منَ الألهْ

2
إنْ كانَ العشقُ رونَقَ الألهِ
لِمَ جعلتَ أنتَ حياتي كُلَّها بُكاءا

3
وضعتُ الزيتَ والعسلَ للأله
إني أراقبُ عشقيَ بكُلِّ حَمِيَّةْ
أيها الذاتُ الطاهرةُ للأله 
قلْ لي 
إنْ لمْ تكنْ أنتَ موجوداً 
ماذا يقولُ ليَ الألهْ؟

4
على علياءِ قِمَّةٍ 
أنتَ نورٌ
في السفحِ العميقِ للغمزةِ
أنتَ مفقودُ

5
لا شَوقُكَ ظاهرٌ ولا سيماؤكْ
يا إلهي ما هوَ عشقيَ هذا 
وقد اضْطَرَمَ هكذا نارا 

6
أنتَ من الريحِ في أحايينَ كثيرةْ 
ونادرا أنا منَ الريحِ
كِلانا عشقٌ ربانيٌّ في النهايةْ 
لا أنتَ ريحٌ ولا أنا ريحْ

7
أأنتَ التجَلِّي أمِ الرقصُ
يا إلهي أنتَ نورُ اللهِ في قلبي 
يا إلهي أنتَ وحيدٌ وأنا وحيدْ 

8
ظننتُ أنكَ طُفْتَ الدنيا إكراماً لي
لمْ أدركْ أَنّي لازلتُ في المَلْقى الأولِ 
9
أنتَ آهٍ أنتَ 
ضبابُكَ ما أشدَّ بياضُهُ 
أنتَ آهٍ أنتَ 
ليلةٌ ما أطولَها
أنتَ آهٍ أنتَ 
لا أبيضُ ولا أسودُ


10
نَعدو معاً الى الفَناءِ 
أنا إليكَ
وأنتَ تَفِّرُّ مِنِّي

11
أنت صارمٌ 
مثلُ حالِ ثلجي أوانَ الأنهيارِ
أنتَ ساذَجٌ 
كالثلجِ أوانَ السقوطِ

12
أيا مطري أنا 
إذا ابتَغَتْ سنبلةُ قمحٍ دِرَّةً
أنتَ نسيمُ الخريفِ
حينها تَرضَى 
أنْ أبتغيَ أنا سِرَّ وريقةِ الروحِ

13
أنا الآنَ أعرِفُكَ أنتَ سِيُّ الريحِ
أراكَ سِيَّ المطرِ
14
أعلمُ لا أنتَ ريحٌ ولا أنا ريحُ
لكنْ كِلانا داخلَ الريحِ
إما ثَمِلَينِ في حانةْ
او كلانا داخلَ شوقِ الألهِ

15
عدوتُ وراءَكَ كثيراً
أنتَ امتزجْتَ بالعُشْبِ
أَنَّى لي أتَبَيَّنَكْ

16
أنتَ مثلُ الخمرِ 
كلما شربتُكَ أكثرْ
تُهَيمِنُ عليَّ أكثرْ
كلما قَتَلْتَني بفراقِكَ أنتْ
تعودُ آرابُ جسَدي الى الحياةِ
واحداً واحدا

17
أفٍ أفِ الليلُ ما أطولَهْ 
هُدوئي ما أقصَرَهْ

18
حينَ يشتعلُ قلبي
أنتَ دخانُ نارِ قلبي
حينَ يَضْحى القلبُ منطفِئاً 
أنتَ النارُ

19
تُشرِقُ الشمسُ فتَغرُبُ أنتْ 
أنتَ تغربُ فتُشرِقُ الشمسْ 

20
أمانْ 
ما أقربَ شوقُكَ وما أصفاهُ
قلبي أنا ما أبعدَهْ
أمانٌ أمانْ 
قلبي ما أقربَهْ
شوقُكَ ما أبعدَهْ


21
إغفِرْ لي يا روحي
إِنِّي إنْ أكلِّمُ أحداً فهوَ أنتْ 
وأنتَ أيا أنا إغفِرْ لي

22
إلهي لمْ أرتكبْ جُناحاً على الترابِ
لمْ أرَ السماءَ
كانَ عشقيَ ساذَجاً
جعَلْتَني أطوي الأرضَ والسماءْ

23
حينَ جئتَ أدركتُ أنا 
أنكَ ستضيعُ الى الأبدِ
حينَ مضيتَ أدركتُ أنا 
أنكَ ستكونُ معي الى الأبدِ

24
بيني وبينَكْ 
لا الأرضُ منظورٌ و لا السماءُ
بيني وبينَكْ
تشتعلُ نارٌ واحدةٌ
منظورٌ كالألهِ


سأعيدُ مَثوايَ الى السَّماءِ

1
تأخَّرَ الوقتُ 
لنْ أصِلَ الدارَ في هذا الغروبِ
ضِيائي لا يكفي الدربَ 
أنا مُنهَكْ
حسبيَ الآنَ وجدُكَ أنتْ 
لم يبقَ لي أيُّ شىءٍ آخرُ

2
وَجْدُكُ يَكْفيني
كيما أعيشَ ألفَ عامٍ
وَجْدُكَ يَكفيني
كيما أسطيعَ العُروجَ بهِ الى السماءِ
أعودُ الى تلكَ الأماكنِ البعيدةْ
هناكَ أرنو الى اللهْ

3
أعودُ الى دروبٍ 
ستُعيدُني الى الكهوفِ
ستُعيدُني الى أنّاتٍ
تنسكِبُ من حَناجِرِ العشاقِ

4
لكنْ أسفاً أينما أحمِلُ رأسي
أعودُ إليكَ دوما
أنتَ أنتَ ألقيتَ عليَّ الطَّوقْ

5
أنتَ قوةٌ منَ الماءِ
ماءٌ يَتَدَفَّقُ منْ أشَقِّ الجبالِ
جَمالُكَ هو في هذا التَّدَفُّقِ
ليسَ في دوامِ سيمائكَ الخطيرِ 
إنهُ في قَتْلي أنا


6
أنتَ حُلُمٌ منَ السِّحْرِ
سِحرٌ يُزلزلُ الكونْ
جَمالُكَ نوعٌ منَ السِّحْرِ

7
أنتَ نورٌ منَ النَّدى
ندىً يُغرِقُ الدنيا بالنورِ
جَمالُكَ أنتَ منْ ذلكَ النَّدى

8
غَزَوتَ قلبي في صورةٍ 
أيها الخافي
جعلتَني منظوراً لكلِّ الدنيا
ظهوري أنا وخفاؤك أنتْ
هشَّما زُجاجَ قلبيهِما في قَفَصِ الصدرِ

9
كَثْرَةَ ما رنوتُ في شوقِك الفوَّارِ
كَلَّ بَصَرُ ناظِرَيْ
كَثْرَةَ ما تمَعَّنْتُ فيكَ
انكسرتْ شَبّابَةُ لساني
ها هنا الريحُ والضبابُ 
يُطَوِّفانِ بها الدنيا

10
كَثْرَةَ ما نَمَوْتُ فيكْ
أشعر أنْ لا موضِعَ يسَعُني على الترابِ
لذا فإني أطوفُ السماواتِ

11
أيها العطرُ والنورُ
نورٌ يفورُ من فمِ الألهِ
نورٌ جعلَ آية جَمالِكَ لِيَ دينا 

12
أيا زخَّةَ مطرِ البخورِ
بخورٌ يَتَّقِدُ بلسانِ حمامةْ
جعلَتُ شَفَقَ جَمالِكَ لِيَ شَعِيرةْ 

13
أيا مطرَ عِهادِ الخريفِ
خريفٌ مكتظُّ الأسرارِ
جعلَ جَمالَكَ اهتِرائي

14
أنتَ جميلٌ بهذا الخَفاءِ
تُضارِعُ خفاءَ الألهِ
جَمالُكَ هَلْهَلَ روحي

15
لا موضِعَ لي على الترابِ
لقد عَلَوتُ كثيراً
كأنَّ الألهَ الى عرشهِ يأخُذُني

16
أنا منظورٌ وأنت خافٍ
ظهوري أنا شوقُ جمالِكَ أنتَ
خفاؤكَ أنتْ كَلالَةُ عَيني أنا

17
أنا التُرُنْجُ وأنتَ النارِنْجُ
تُرنجي أنا 
حِجازٌ الْتَفَّ حولَ روحي
نارِنجُكَ أنتَ 
لونيَ الأصفرُ انْغَرَزَ في صدرِكْ

18
أنا الصُّراخُ وأنت الصمتُ
صمتُك هروبٌ من كينونَتي
صُراخي انصهارٌ في كينونتِكْ
أَيّاَن نلتَقي أيّانْ 

19
حينَ تَهُبُّ أنتَ 
وحضنةٌ منْ ريحٍ غاضبةٍ نَحْوي
أكونُ أنا أَعَدْتُ مَثوايَ الى السماء
بعضُ المراتِ هناكْ 
يمكنُ لرسولٍ آتٍ من بعيدٍ 
كانَ قطعَ طريقَ الجَدْبِ
أنْ يُجرْجِرَ روحيَ الى الدنيا
حينها يَنْثالُ وَجْدي على روحكَ
على كلِّ شَعْراتِ شَعْرِكَ المُغْبَرِّ
مثلَ أوراقِ الخريفِ

20
يا أجملَ منْ قِشرَةِ الرمانِ
يا حضنةَ عُشْبِ الجبلْ
يا أيها الدَّريسُ المُذَهَّبُ للألهْ


مَدَدْ آهورا مَدَدْ
1
أيها الصديقُ 
لا تضربْ قلبَ الثرى بكلِّ هذا الأَيْدِ
سيقتُلُكَ الظِّلُّ الخَصِرُ وآفةُ الغربةْ
قالَ آهورا 
اشتقتُ إليكَ أيها الترابُ
أخشى أنْ يكونَ قلبُكَ قد انْخَرَمَ ثُغورا
2
أنا إله لا مُكْنَةَ لي على خلقِ أَحَدٍ 
ولا سَطْوةْ
قالَ آهورا 
منْ يحملُ عِظَتي في روحهِ 
خالدٌ هوْ
ومنْ يودِعُها في يدِ الريحِ 
يموتُ كلَّ ساعةٍ خلفَ الأحجارِ

3
عَرَضَ الجيادُ ذواتَهُمُ معاً 
أمامَ الشمسِ فوقَ التلالِ
يرنونَ بعيونِهِمُ السوداءُ الجميلةُ في الشمسِ
قالَ آهورا 
الجيادُ ذكرى الألهِ فوقَ الأرضِ
لذا أنا والجيادُ نُحَدِّقُ في الشمسِ أبدا
نحنُ جِئنا مِنْ بعدِ مُقبِلِ الأيامِ
نحنُ شذىً لا ماضيَ لنا
كانَ آهورا يقولْ 
حينَ يعودُ الأنسانُ من الآتي 
الى الأيامِ الخَصِرةِ للتأريخْ 
فهوَ موجودٌ 
لكنْ لا ماضيَ لهُ البَتَّةْ

5
حينَ وقفتُ 
عندَ أزهارِ القُطنِ ونظرتُ الى المَدْفَنِ
تساءلتُ ماذا أنا؟
نَطَقَتْ زهرةُ قُطنٍ و قالتْ
أنتمُ البشرُ 
والبشرُ يشحذونَ المناجلَ دوما

6
في زحامِ البشرِ توقفَ آهورا قليلاً
تَفَرَّسَ في شُعاعِ الشمسِ
كانَ يخاطبُ نفسهُ ويقولْ
يستطيعُ الأنسانُ أن يُنَظِّفَ كلَّ شىءٍ
كيما يلتمعَ مثلَ الشمسِ
لكنْ آهٍ 
لا يستطيعُ أن يُطَهِّرَ قَلْبَهْ أبداً

7
وإني وإنْ كنتُ أنا مَلِكَ الأرضينِ وناسكاً بوذيا
وإني وإنْ كنتُ عابداً ضائِعاً في رمالِ الصحراءِ
أو نوراً في عيونِ ميديا
الختامُ هوَ أَنِّي إنسانٌ أبدا 
وقدمي على الترابِ
كانَ آهورا يقولُ 
أنا لَمْ أُخْلَقْ للتحليقِ
ميديا: 

8
حينَ انْحَدَرْتُ داخلَ وادٍ ذي ألفِ لونٍ 
بينَ سلاسلِ الجبالٍ 
أيُّما رأيتُهُ كانَ مذهولاً فَزِعاً يَجْفَلُ
قالَ آهورا 
أيها الأنسانُ ما أجهلَكْ
نحنُ حَصْراً نعرفُ كلَّ شىءٍ 
قبضاتُنا يتقطَّرُ منها الدمُ
نفتقرُ الى مِرآة نَرى فيها أنفسَنا
قلوبُنا مليئةٌ بالمقتِ مليئةٌ بالهَرَعِ
لكنّنا من شدةِ وَهْنِنا نبكي

9
كنتُ أنا أتوجَّهُ الى دارةِ الألهِ
فوقَ ذلكَ الصخرِ المخرومِ
الذي يُشبِهُ روحَ الأنسانِ
وإنْ كانَ استُهْدِفَ بسهمِ الشكِّ 
ألفَ ألفَ عامْ
قالَ آهورا
حينَ وضعتُ قدمي على عتبةِ بابِ الألهِ
ذابَ جسَدي وصرخْتُ
ما أبعدَ بيتِ الألهِ 
ما أبعدَهُ ما أبعدَ بيتِ الألهِ
لا يمكِنُُنا الأمساكُ بالغيبِ
ألعَناءُ مهنةُ الروحِ

10
في أواخرِ الخريفِ
بينما كانتْ أوراقُ الأشجارِ القليلةِ الباقيةِ
على الأغصانِ والفروعِ تمسحُ دموعَها 
ابتدأتْ في معبدٍ جبلي وقبةٍ فضيةْ
صِناعةُ الريحِ والحاصِبِ
أشعلَ إنسانٌ فرعاً يابساً
قالَ آهورا 
ألانسانُ دائما يُشعِلُ النارَ
لكنهُ لا يُطْفِئُها أبدا
أيها الأنسانُ 
إنْ كنتَ في المعبدِ 
كنْ صادِقاً وأشعِلْ نفسَكَ 
كيما ينتهيَ ظلامُ آلافِ السنينِ في قلبِكْ

11
يجىءُ ثمَّ يذهبُ ولا يعودُ أبدا
ليسَ للزمنِ أَوبَةْ
كانَ آهورا يقولْ 
إنكَ وإنْ عُدتَ 
فَهْيَ لألتقاطِ جثامينِ السنينِ والشهورِ
عودتُكَ 
هَي ليعرفَ الأنسانُ 
أنَّ الزمنَ لايُجْرِي التوديعَ
ألزمنُ والأنسانُ على خِلافْ
سيأتي يومٌ يقتُلُ فيهِ أحدُهُما الآخرُ


12
تَجالَسَ الأطفالُ كُلُّهُمُ
رسَموا شكلَ أبيهمْ على الترابِ
لكنهمْ كانوا يُزيلونَهُ على عَجَلْ
كانَ آهورا يقولْ 
الأطفالُ قبلَ أنْ يَكْبروا
يُزيلونَ شكلَهُمُ اليقينْ

13
باكراً في صباحِ الغابةِ 
شرِبَ رشفةً منْ ماءِ الصنوبرِ
قطفَ حبةً واحدةً من الكرزِ الأحمرِ 
وابتلعَها
تذكَّرَ آهورا 
أنَّ الكرزَ لهُ لونُ الدمْ
منذُ اليومِ ذاكَ الدنيا مليئةٌ ببُقَعِ الدمْ
تركَ آهورا الغابةَ ولمْ يعدْ أبدا

14
مضى الوقتُ أيها الأنسانْ
لمْ تكْفِكَ كلُّ السنينِ والشهورِ
إنكَ قَدْرَ ما تركُضْ لنْ تصلْ
أنتَ صغيرٌ جداً لكنِ الكونُ هذا لا يَسَعُكْ
كانَ آهورا يقولْ 
بغيرِ حفناتٍ من الترابِ
لنْ تمتلىءَ عينُ الأنسانِ أبدا

15
كانَ آهورا يقولْ 
منذُ اليومِ الذي كنا نكمنُ لبعضنا أنتَ وأنا 
أُغْلِقَ كتابُ الحكمةِ 
وعاد الحكماءُ الى السماءْ
يطوفُ الأنسانُ الآنَ ناقصَ الحكمةٍ على الترابِ
يكتبُ كتابَ العذابِ
هل أنا آهورا أم أحدُ صعاليكِ الغابةْ؟

16
يَغْتَمُّ آهورا أحيانا 
يضعُ قبضةً من الجفيفِ على كَفِّهِ 
ويتذكَّرُ نفسَهُ في الموتِ
يُغني أغانيهِ الغابِرةْ
آهورا دوما في حُزنهِ على المَوتِ
يمتلىءُ قلبُهُ بالأغاني
يُواسي نفسَهُ بالأوراقِ النديةْ 

17
كانَ آهورا داخلَ ضبابِ الأنسانِ 
لمْ يكنْ يميزُ الشمالَ ولا الجنوبَ
لمْ يكنْ يفقَهُ الشروقَ ولا الغروبَ
كانَ هوَ دوماً يقولْ
منْ كانَ طَوِيَّتَه المصيرُ
يجبُ أنْ يعيشَ في الضبابِ

18
حينَ نزلتُ داخلَ الضبابِ
كانتِ النجومُ بالكادِ تُرى
كانتِ الأنهارُ جَفَّتْ
ألأشجارُ تَقَصَّفَتْ والدروبُ عَمِيَتْ
ماذا أفعلُ؟ 
هل أعود الى ما كنتُ عليهِ أم أتوقفُ؟
ألعودةُ موتٌ 
والتوقفُ موتٌ آخرُ
إني اخترتُ نفسي 
وحَطَّمْتُ زُجاجَ الضبابِ
كانتِ الشمسُ على الجانبِ الأخر 
قدْ أطلقتْ شُعاعَها توا

19
توقفَ آهورا تحتَ مطرٍ زَمْزَمٍ 
وعاصفةٍ ثلجيةٍ بيضاءَ بيضاءْ
وصرخْ
أيها المطرُ 
فتحَ الترابُ حَضْنَهُ في تَرَقُّبٍ بعيدْ 
لاتندفعْ الى قلبهِ سِراعا
أخشى أنْ يموتَ فَرَحا
أيتها العاصفةُ الثلجيةُ 
دعي غابةَ القصبِ تُغَنِّي نايَها
أُوّاهٍ المطرُ مُسرعٌ 
لايُتيحُ استمرارَ عطرِ الترابِ
والأنسانُ ليسَ كُفُؤاً في أَداءِ أغنيتِهِ أبدا

20
الُمحيطونَ بآهورا 
لا يعرفونَ السؤالَ أبدا
لِمَ تَخْرَسُّ ألسنَتُهُمْ 
تتداعى قلوبُهُمْ
مِنْ أجلِ ماذا يفورُ النورُ منْ عيُونِهُمْ
ولكنْ حينَ يضيعُ آهورا
يعلمونَ لِمَ تَشُلُّ أياديهِمُ
وتنطفىءُ نارُ قلوبهمْ
لِمَ يجري دمُهُمْ 
هكذا بتَوانٍ
إنهمْ لا يعلمونَ أنَّ آهورا 
وَهْمٌ وخيالُ نورٍ ليسَ إلاّ

21
كانَ ذلكَ في بدايةِ الربيعِ
كانتْ سنبلةُ القمحِ في الحقولِ 
تتحدثُ الى السماءْ 
توقفَ آهورا وقالْ 
ما أسرعَ ما يُخرِجُ هؤلاءِ رؤوسهمْ
لايعرفونَ أنهم يستعجلونَ موتَهُمْ 
تحتَ مِنجَلِ يدِ الأنسانِ
ما أشدَّ براءةِ سنابلِ القمحِ الجميلةْ
بالله عليكمْ لا تستعجلوا
أوَدُّ أن يمكثوا داخلَ عينيَّ الى الأبد

22
منْ هنا تبدأُ أنتَ 
ومن ها هنا نفسِهَ تنتهي أنتْ
لُزومٌ عليكَ 
أن تَكتُبَ على الماءِ 
كي تُصبحَ خالِدا
كانَ آهورا يقولْ 
نحنُ كِتابةٌ على الماءِ الماءِ
ليسَ للماءِ توقفٌ 
يأخُذُ كلَّ حرفٍ منّا الى وطنٍ ما
ويخُصُّ الشمس بأسرارِنا 

23
بيتُ آهورا منْ طينٍ وسطحُهُ من ترابٍ أحمرَ
جدرانُهُ من طوبِ البخورِ
حينَ تَضرِبُ الشمسُ 
يلتمعُ تِبْنُ ضميمِ جدرانِِ البيتِ كالذهبْ
كانَ آهورا دوماً يقولْ 
قلوبُ كُلِّنا مِنْ طينْ
إنْ لم يكنْ داخلَ القلوبِ 
لايعيشُ الوَجْدُ في زُجاجةْ 

24
أنتَ مثلُ غُصينٍ مكسورٍ
في هذا البحثِ العَصِّيِّ 
تبحثُ عنْ أجزائِكْ
أيها الأنسانُ ما أشقاكَ
أنتَ ضائِعٌ منذُ زمنٍ بعيدْ 
قالَ آهورا 
عندما ينكَسِرُ الأنسانُ 
لن يتلئِمَ بعدَهُ أبدا

25
في ليلةٍ حالكةٍ شتائيةْ 
تذكَّرَ آهورا 
موتَ شجرةِ خوخٍ أخضرَ
فأجهشَ بالبكاءِ
تحتَ شجرةِ الخوخِ هذهِ 
حَلَمْتُ بالألهِ
تحتَ شجرةِ الخوخِ هذهِ 
قطفتُ باقةَ نورٍ
تحتَ شجرةِ الخوخِ هذهِ 
شرِبتُ رشفةً منْ ماءِ العشقِ
وكانتْ يدُ الأنسانِ 
ذهبتْ الى دمِ الألهْ

26
أمامَ مُستوقدٍ خافتٍ 
كانتْ جمرةُ عشقٍ تحترقْ
ينبعثُ منها دخانٌ أبيضُ أبيضْ
كانَ كَبِدُها يحترقُ من شدةِ الوجدِ
أينما رأيتمْ دخاناً أبيضَ
فإنه شوقُ وجدي أنا يفورُ 
أو هوَ شوقُ العشاقِ

27
ساعةَ كنتُ معهُ 
كنتُ أراهُ يتحولُ الى ماءٍ قطرةً قطرةْ
ينسكبُ داخلَ نارِ نفسي 
وتمتلىءُ عينايَ بالنورْ
وحينَ كانَ يضيعْ 
كانَ سِراجُ عقلي ينطفىءُ

28
وقفتُ على غَديرٍ من زُلالٍ 
ونَظرتُ الى الألهِ
كانَ الألهُ في كلِّ مكانْ
حينَ كانتِ الطيورُ تشرَبُ الماءَ
كانَ نورُ الألهِ ينبعثُ منْ أجنحتِهِمْ 
قطرةً قطرةْ
وحينَ كانتِ الأشجار تَضَعُ أفمامَها في الماءِ
كانتْ قاماتُها تَزدادُ طولا 
ذِراعاً ذِراعا
إنزَلَقَ حَجَرٌ وقَتلَ ضِياءَ الغديرِ 
قالَ آهورا حائِراً
سأعودُ الى الغابةِ 
لا يَعيشُ الألهُ في ماءٍ عَكِرْ

29
يا آهورا 
ألشمسُ على وشكِ الغروبِ 
إكسِرْ جوهرةً منْ روحِكَ 
وامنَحْها للترابِ
أَنْعِمْ بحبةَ لوزٍ منْ التماعِكَ 
على أرواحِنا
وأَعطِ تغريدةً من لسانِكَ 
الى القلبْ
نحنَ داخلَ شُعٍّ أبديٍّ 
ننتظرُ هُدهُداً نورانياً منكْ
وأنتَ مثلُ ظلٍّ منْ حريرٍ أو ريحٍ من ماسّ
تجتازُ أخيِلَتَنا 
ولنْ تعودَ أبدا
عَجِّلْ يا آهورا 
تعالَ الحياةُ تدعوكْ
تعالَ ودعِ الأنسانَ يراكَ

30
لا تُشْعِلِ النارَ داخلَ القلبِ 
القلبُ موضِعُ الوَجدِ
لا تَنْشُرْ أسرارَكَ 
أمامَ الريحِ 
وألا سترتَحِلُ منْ بَلْدَةٍ الى بَلْدَةْ
لا تقفْ إزاءَ الكُتُبِ 
إفتَحْها 
كي تتحرَّرَ الجواهِرُ الأسيرةْ
إنْ قرأتَ الشِّعرَ الجميلْ 
تَعْلَمُ حينَها 
ماذا فَعَلَ العشقُ بقلبِ الشاعرِ
آهورا قالْ آهورا
***************************************




.كريم دةشتى............
من مواليد 1955 اربيل
خريج جامعة بغداد قسم القانون
من دواوينه الشعريه
1- الارض والصقر 1980 بغداد
2- الضباب البيض للروح
3 بيانو الشرق
4-شجرة الحكمة
5-سفر النار
6- البرج الابيض
7- الكتاب المقدس للعشاق
8- كتاب الماء
9- كتاب الناى
الترجمة الى الكردية
1-رامبو فصل فى الجحيم
2-نداء البرية جاك لندن
3- الجذور الكسلى هيلى
4- رحلة الى الشرق هرمان هسة
5—الاغواء الاخير للمسيح – نيكوس كازانزاكى
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads