الرئيسية » » عاشور الطويبي | السلاحف حساؤهم اليوميّ

عاشور الطويبي | السلاحف حساؤهم اليوميّ

Written By غير معرف on الخميس، 11 أبريل 2013 | أبريل 11, 2013


عاشور الطويبي
السلاحف حساؤهم اليوميّ

من تمنهنتْ البعيدة يأتي بالسلاحف – حساءهم اليوميّ-
تجّار الجِمال والعبيد،
ومن ترهونة أزيار الزيت الشعشاع.

الأرض هزّت كتفيها فتساقط حجرٌ وراءه حجر.
لم يعبر الحالمون باب الانتظار!
لكن شهقات الأمّهات  ساعة الطهور المقدّس
حَرستْ بداية الحكاية.

في ضحكات البالغين فصاحةُ جسد الليل. 
في أحواض الشهوة المترامية تيهُ الوقت وحيرةُ الدليل.


صفّفتُ أورادي وانشغلتُ بك.

ليس بيني وبين الضوء الخبيء
غير قدمين أضاعتا الطريق. 
الضوء الخبيء 
يخاف كلّ فمٍ لم يقلقه جوع.


أعوام

في عشية الثاني من شهر يونيو، عام 1973،
بنّاؤون يحفرون قواعد لأساسات بيت في منطقة السلماني،
بنغازي، قطع أحدهم سقف ضريح.
قال كبيرهم:
قد يكون في القبر خبيئة أو ذهب.
دخلوا قبل أن تمنعهم عتمة الليل
وحرّاس الحاكم المجنون،
خرجوا وعلى ملابسهم غبار أنفاس ميتة.

عام 1975
وادي سوف الجين
صار مرجاً مزهراً بعد فيضان كبير. 
الرعاة الذين أخذوا قطعان ماشيتهم بين فرعي وادي ميمون،
وقفوا فاغري الأفواه حول أطلال القصور.


في اتكاءة الوادي،
في الجنوب الشرقي من بني وليد:
أحجار كبيرة متراصة في سماء صافية.
أهذا قصر ملك شديد أم قرية أناخت إبلها
في قاع هذا الوادي الموحش؟

أواني فخارية للزيت القادم من مسلاتة،
أواني فخارية  بلون دم الطرائد في الصحراء،
شريط أحمر رفرف ذات ليلة
على جبين عروس غادرها حبيبها
منذ شتائين طويلين باردين.

عام 1976 وعام 1977
كانا بلا مطر.  

شتاء بلا مطر
وربيع بلا مطر،
غير أنّ القائد الأوحد
أمطر كراهية مرّة
وجنوناً لا يحتمل.

"في إبط الرمل، تنام السكينة" قالت الريح.
أعشاشهم ركام وقت حزين وجوع. 

إلى هذا الحدِّ من حائطهم
بناه رجل من واداي،
تركوا حبل آلامهم يصرخ في الليالي المظلمة
في فراغ الهروج المخيف.

وإلى هذا الحدّ
بناه فتى مسحور،
يرفع الحجر بغنائه
وكان لا يبني إلاّ ليلاً.

توأم الحائط
رآه رحّالة نصراني في قرزة.

قرأ حروفاً مبعثرة،
بشفتين مشققتين
وعينين نعسانتين.

"لا معنى لرمل أسود بعمق 8 سنتمترات!
لا معنى لمستطيل فيه
6 تيجان متآكلة و3 أعمدة و8 أساسات مبعثرة على الرمل!

بعيد هذا الركام
عن ركن مدوّر، ناعم لقصر،
لعله برج حراسة،
ينصت للريح
وحكايا القوافل الشريدة في الصحراء!


فن الحرب

ضع خطّاً هنا، ضع خطاً هنا،
تماماً فوق هذا الرمل المتراكم كالأحزان،
وقِفْ صامتاً، سترى الزورق الملكيّ،
على صفيحة البحر الغادر،
سترى جرار الخمر التي قذفها البحّارة الغاضبون، 
سترى الأغاني الواسعة والأغاني الضيقة 
في قصبات الأودية،
سترى يدك تمسّد نهدَ الوصيفة من تمبكتو،
ويدك الأخرى تلتقط الآهة الوحشية من فم الغزال.

ضع خطّاً هنا،
تماماً فوق نخلٍ لم يعرف سرّ السؤال، 
واضطجع أعمى
على سرير تركته كائنات الليل.
شقفٌ أحمر

شقفٌ أحمر من طرابلس من القرن الثالت الميلادي.
الشقفُ باب السماء،
يحلم بالبحر وبنساءٍ ينُخْنَ بشعورهنّ
على صوت المغني السكران أبداً.

لماذا يتلصّص شقف أحمر على مقبرة قديمة؟
لماذا يقذف منيّ المنبوذين ذوي الرؤوس المفلطحة
على رمل لا يمسك شيئاً؟
الشقف أنين الجنّ الجرحى.
وُجِدَ مكتوبا بلغة التيفيناغ على شقفة:
اترك ما تجده على الرمل
ولا تتبع رائحة الحنظل المسموم.



يناير المبجّل

من الحائط الشمالي الغربي، من على بعد أربعة أمتار، حطّت تنهيدة الصبيّة، خفيفة ناعمة.  الراعي ملأ مخلاته بجبن يابس ودقيق شعير وزيت حويل.  للحائط لسان وعيون، للحائط شمس وقمر وسماء، للحائط رعشته ساعة تحبل النعاج.
في يناير المبجل، في الليل ينهض خيال رجل طويل، يطوف على القرى القريبة والبعيدة في الوادي، يجمع حبات الزيتون، وفي جرار كبيرة يصفّفها حول عمود المعصرة.  يكلّمها واحدة واحدة، ويسمّيها بأسماء الرجال الصالحين والنساء الصالحات، وفي انتظار رحيل القمر يرفع صوته المرقّش بالحكمة عالياً.
قلتُ لهم حين نزلنا من الجبل، لا تقلّبوا بأيديكم رماد الأجداد، ولا تضيفوا حبّة هيل لقهوة تشربونها تحت قمر ساطع، وبعد تردّد طويل، قلتُ لهم الأرض ليست اسماء وأسوار ونوافذ عالية، الأرض هفوف القلوب ساعة أو بعض ساعة، خدّ يحطّ فوق خد، أغنيات دافئة في حناجر الطيور. الأرض فجيعة وضحك.  كنّا قد وصلنا سهلاً يمتدّ بين كثيبين عظيمين على بعد ستين فرسخاً من ونزريك. كنا نلتذّ برشح ندى الهواء البارد على شفاهنا وكان الصباح يهرول وراءنا، وأشجار الطلح تمدّ أعناقها كي تتابع المغني الزنجي. عندما نأوي إلى أسرتنا، فوق عمود عال، يبقى خلفنا واحد منّا يستكشف البحر عن زورق متسلّل أو سفينة بستين مجدافا، كلّ واحد منّا يعلّق جرساً نحاسياً على نتوء خشبي في أعلى جدار بيته، نبعد به الأرواح الضّالة ونوقظ به الطيور العابرة أرض الشك والخوف.


الرحلة

وضعوا لحمَ خنزيرٍ برّي زاداً للطريق الوعرة،
وتحت شجرة الخرّوب رفعوا على ثلاثة نصب
حوض فخار مليئ بالنبيذ.  

كتبوا بأيدي صغارهم تحت عين الكاهن الأكبر،
تعاويذاً للطير وللطرائد المختبئة في الصخور والوديان.
قالوا:
ذات نهار أو ذات ليل
ستخرج الأدعية من الظلمات،
ثم ذهبوا صامتين
إلى نوم طويل عميق بهيج.


مرآة ذات يد

 كتب كثيرة اقتنيتها، تبقى لسنوات دون أن أتصفحها، لم يأت وقتها بعد! أو لم يأت وقتي!
 حيوات كثيرة تستلقي منتظرة، مغمضة العيون. لا تشكو ولا تتألم. إن نازعتها رغبات تهتك أو زهد لم تنكرها على نفسها. قريباً سيمتليء الجدار بالأوراق والصور.
في الصفحة 218 من المجلد الثالث عشر والرابع عشر، 1976_1977 لمجلة ليبيا القديمة التي تصدرها مصلحة الآثار بليبيا: صورة لمرآة ذات يد اكتشفت في منطقة سيدي حسين، بنغازي، ويحتمل أنها تعود إلى النصف الأول من القرن الميلادي ويحتمل أن تعود إلى عصر الأمبراطور تيبريوس.

جاء في الصفحة 42 من نفس المجلد:
 هي مرآة ذات حافة شعاعية (أي متعرجة) غير أنها للأسف مفقودة اليد. زخرفت من الخلف بمجموعة عادية من الدوائر المتحدة المركز. يبلغ طول نصف قطرها 5.6 سنتمتراً. انتهى الاقتباس.
سبعة عشر شعاعاً من شمس غربت منذ قرون، من سرق يدها؟ ربما لا زالت في يد السيدة، التي تمشط شعرها في صباح بعيدٍ في بنغازي؟ أو هي ذات اليد لمرآة في حجر امرأة في سيدي حسين وهي تتابع أخبار الجزيرة؟
 أو ربما إن تمعنتُ جيداً في صورة المرآة، قد أرى تقلّب الشهوات على سرير في ركن الغرفة، وكسل الضوء الصباحي تحت إفريز النافذة ، وقد تتّخذ المرأة عند كلّ شعاع وضعاً لذيذاً بهيّا.


شاعر ومترجم ليبي، طرابلس

نقلا عن كيكا

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads