الرئيسية » , » هواّت طبيعية | محمود شرف | كتاب الشعر | العدد الثالث الثلاثون

هواّت طبيعية | محمود شرف | كتاب الشعر | العدد الثالث الثلاثون

Written By غير معرف on الخميس، 11 أبريل 2013 | أبريل 11, 2013










هواّت طبيعية

محمود شرف


لأُناولكَ مداكَ..
 خطوة واحدة نحوي،
ولنتناول مدانا.. دّعي هوّاتنا الطبيعّية
تنمو كما تشاء..
أنتِ..
   وهو..
        وأنا



·          تطورات روحية
مثل قسّ..
حاول منح نفسه فرصة أخيرة،
وهو واقف خلف نافذة لامرأة
وحيدة في القرية
لكي يستطيع استشفاف ملامحها الخاصة
ناسيا كل التعاليم
التي تجعلني أضحك بصدق شديد
كنت أضع مخلاتي ..
وبهذه العناية نفسها.،
كولد مؤدّب لا يحب إيذاء البنت
التي تجلس على الدكّة المقابلةِ لدِكته
تبكي كلما حنّت لأمِّها
تماما كما يبكي البشر..
كان عليّ أن احافظ على بشرتها
الرقيقة من أظافري الهاربة
من مسطرة مدٌرسة بلا منظارٍ طبيٍّ مثلي
كان عليَّ أيضا أن أحافظ على وجهي
من صفعات أبي
 الذي لم تنزل عليه الملائكة من قبل
وذلك بوضع مخلاتي بعيدا عن رؤوس المسامير
التي لم يحاول الفرّاش منعها من مشاكستي .
بِوَعيٍ شديد أتنفٌس
أجلس على المقهى أنتظر
لعلّها تأتي
أو ترسل هؤلاء البيوريتانيين
الذين سأوزّع عليهم
أنفاس سجائري
ولا يفرّون
أو يختفون مثل ملاك .
كنت أحافظ على وجهي
وعلى أشياء أخرى كثيرة
أتعبني جدًا أنني أحملها
لكن الرصيف لم يكن يتحرك .،
ولم أعد أستطيع الجري
لأنه توقف عن الحركة
والبالوعات المفتوحة امتلأت
ببصمات الآخرين
الذين لا يشبهون ذاكرتي ؛
لذلك كانت كقرش صدئ
تحاول الاختلاط بالمشاهد
وتعود .
لم أستطع حمل كل هذه الأشياء
والأسماءُ – بعد أن انطبعت فوق
البالوعات –
لم أستطع الاحتفاظ بها
وكان لزِامًا عليّ أن أبتلع كل هذه الكمّية
من المخاط
هذه الكمية التي تكفي لبناء مدينة
كاملةٍ من الأساتذة الجامعيين
الذين تهرّأت أفكارهم
تكفي لبناء مدينة
وبناءِ بالوعاتٍ لا تحمل أسماء إطلاقا
لأنني لم أعد أستطيع – حتى –
الانتقال من حارة إلى أخرى
محاولا رصد مشاهد جديدة
بعد أن تكوّمت بقع سوداء كثيرة
في صفوف طويلة أمام الدور المتهدمة
وكانت كَقِرشٍ صدئٍ
تحاول الاختلاط برملي
الذي تعكّر اصفراره
وأصبح بُنّياً
أكداس من بالونات الصبايا
التي كنّ يحككنها بشدة في ذقونٍ وهمية
ويحشين السوتيانات الكبيرة
بالقطن الذي لم يبتل – بعد –
هذه الأكداس
كانت تحاول الاختلاط أيضا
لكنه لم يكن أمامي سوى وضع يدي بالمخلاة
بعيدا عن صفعات أبي
وعن أجولة القطن المرصوصة
في ساحة الجمعية الزراعية
منتظرةً حتى تصبح أثداء صناعية
هي الأخرى
كنت أحمل قدميّ
بعيدًا عن متناول ضمور العضلات
وأحمل كتفي بعيدا عن حمل المخلاة
وأسير في طابور الصحة العامة
بأظافري
بعد أن قلّمتها أمي لي
وبعيدا عن سورة "إذا جاء نصر الله والفتح"
وأسير في طابور الصحة العامة
لكي نذهب إلى الوحدة الصحية
حتى أستطيع اكتشاف إخفاء أبي
عني أشياء أخرى
لم أكن أستطيع حملها
وأكتشف أن البنات صاحبات أكداس
البالونات سيهربن مني بالتأكيد؛
عندما يكتشفن هذه الأشياء
التي لم أستطع حملها،
وأنني سأظل طويلا
واضعا يدي فوق أجهزتي الخاصة
وحاملا مخلاتي باليد الأخرى
ونائما فوق أكياس القطن
- لفترات طويلة –
محاولا نسيان الديدان الشريطية
وطوابير الصحة
والمخلاة التي لم تعد ناتئة
- كما كانت –
فقط ..
سأظل متذكّرا أن القسّ العجوز
فشل تماما في اللحاق
بلهاث المرأة الوحيدة
في القرية
وأظل متذكرا أشياء جانبية أخرى
لم أستطع حملها
ولم أحاول

























·          فرعوني صغير
كان يحمل لعنة ما
وحاولت الجهات الأرضية العادية
أن تجتذبه إليها
لكنه استطاع – ببراعة – الإفلات
مكّونا حالة من المرح
وحاول أن يبتسم لهؤلاء النسوة
الصغيرات
مثل جنتلمان يعرف أنهنّ يكرهنه
وأنني أيضا أحاول أن أكرهه
ولا أعرف
فلا يمزّق أربطة رأسه
ولا يغمض عينه بهذه الكراهية
العميقة
لكي لا يرى هذه الأشياء السيئة
- في اعتقاده –
ويختفي حقده
بضحكته التي تجعلني أنزف
هذا الفرعونيّ متقدّم السن
بالرغم من موته قبلي
وبالرغم من محبته القاتلة
كان يضحك
وينسج أكفانا جديدةً لي
وللنسوة الصغيرات
لأن هوّاته لم تعد طبيعية
ولأنني لم أمت قبله 
لكنه – على الرغم من ذلك –
لم يكن يكرهني
أنا متأكد



·          غدًا في المساء
أستطيع إخفاء آخرين داخلي ؛
استطعت في الماضي إخفاء العديد من أصدقائي
- الذين لا حصر لهم –
داخل جسدي
الذي تعتريه رعشة كلّما تذكر المطر
بعد أن اكتشف – فجأة –
أنه سيتلاشى بمجرد سقوط المطر
ويصبح بركةً من الوحل
ويذوبون جميعا.
غدًا..
أكون قد استطعت حشو العديد من الكتب
الجامعية
بموادّ أخرى خرافية تناسبني
وأكون قد استطعت إخفاء أسماء أصدقائي
اللّواطيين
وصورهم فوق أشرطة حسّاسة
أستطيع تهديدهم بها عندما يهزؤون
من هواتي الطبيعية
ومن أشجار الليمون الموجودة خلف المنزل
سأهدِّدهم بهذه الشرائط
وأزعم أنني سأسلّمها للسلطات المختصة
وقد أرفع الأمر إلى اللهِ .؛
اللهُ الذي أعتقد برغم كل هذه الأشياء التي
أفعلها وتكون عادةً في غير صالح علاقتنا
الخاصة – يحبني –
بعدها
أعطي الإسكافي حذائي
وأخبره إنه ضيّق جدا
ولا يصلح لارتدائه سوى في رأسي
التي تضخّمت
أخبره بذلك حتى يوسّعه قليلا
لكنه يكون غبيا
ويحاول تضييق رأسي بإلقاء بعض الأشياء
خارجها
يخبرني بأنه يحب الأشياء الضيقة
تكون دوافعه قوية جدا
لا أستطيع إنكارها
لكنني – مع ذلك – لا أسلّمه رأسي



·          أُورسولا.. أيتّها الطيبة
الأصنام التي وضُعت في الطريق
والتي بصقتُ عليها كلّما مررت من أمامها
كانت تتبوّل وترقص
وتبكي بحزن لا يشبه أي حزن
ولا حتى حزن أورسولا الغبية
وتجري – فقط – عندما تجد الطرقات
خاليةً
بعد أن تحلّ الرباط الحريري
الذي يزّينها، ويزّين جسدي
وأجساد المارة بصدرك المتسع جدا
كانت تتحرك بحرية شديدة
لاعنةً كلّ هذه الطوائف التي تجعلها
تتقيأ من كثرة الضحك
عندما تفرغ هذه الكمية الكبيرة من البيرة
وتنسى أن تأخذ معها الليمون
والحبوبَ الواقيةَ من التقيّؤِ
فحاولي أن تنامي الآن
متخففةً من شهوتك العارمة
لرائحة الأربطة الحريرية
فالبنايات أصبحت أكثر ارتفاعا من قلبي
كذلك الشوارع صارت بعيدةً جدا
ومكتظةً بالناس
بطريقةٍ لا تسمح بالتنفس الطبيعي



·          أجداد وهميّون
من الصعب أن يكون منزل بلا شارع واسع
أمامه يصلح للاستعمال كملعب لكرة القدم
عندها تصبح – بتلقائية –
حاملا لملابس اللاعبين.،
أو حارسا للمرمى المكوّن من حجرين ثقيلين
على الجانبين
المرمى الذي يشبه فتحة في الروح
تتلقى هزائمها بهذه البساطة التي تدركها عندما تكون حارسا لهذه الفتحة
لحظة دخول هدف مباغت
يكون سببا رئيسيًا في إصابة مؤخرتك
ببصمات أحذية لاعبي فريقك .،
أخيرًا تكتشف فائدةً أخرى للشارع المترب
الذي تثير ترابَه كراتُ أصدقائك القدامى
وأقدامُ البهائم الميتافيزقية
العابرة – بهدوءٍ – المجالَ الجويّ لغرفتك
وفي هلوستك الدّاليَّة،
فتسكن أرففَ المكتبة الموّرثة عن أجدادٍ
وهميين على الأقل
وغير حقيقيين.
هنا وسط هذه الأتربة،
وبينما تصعد أرواح وتهبط أرواح أخرى
يتسع مرماك القابل للاتساع،
والقابل لتلقّي المزيد من الهزائم الطبيعية،
هنا بالضبط تكون أنت الوحيد
القادر على اصطياد الفتحات الطبيعية
في أرواح الآخرين
- أنت الوحيد القادر –
بينما روحٌ وحيدةٌ تصعد ولا تعود
روحٌ وحيدةٌ
منطويةٌ على هزائمِها
وعلى فتحاتها الكثيرة
الأعرض من الطبيعي









ما الذّكرى أساسا؟!

                       1996




·          في صنادِيد
لا توجد رمال ولا بحار أو أشجار طبيعية
كالتي تنمو وحدها في أفلام "أنور وجدي"
و "ليلى مراد"
في صناديد،
لا توجد إماء كإماء الأغاني
 ينظرن من جيوبهن..
فيبصرنه ملء الكفّ متوهّجا بكثافته المخمليّة ،
فيتعرّين على شواطئ الأنهار الوهمية الموجودة
في صناديد
والتي تجري منذ تاريخ لم يستطع التاريخيون
تحديده،
يوجد دِشٌ واحد يبتسم ببشاشة قوّاد حقير
في مواجهة سيارات ستالين أو الرفيق الكولونيل
على أكثر تقدير
هذه تواريخ كئيبة لا يبدِّدُ كآبتَها البرنامجُ
الموسيقيّ
المتوزّع مع قائمة الطعام الوحيدة


تواريخ تثير حنَق الأبقار والنِّعاج التي يجرّها
أصحابها
من أعضائها المتخثّرةِ،
 فتعفّر على قلبي،
وتترك لي أوراقها المالية لألصقها
بدون إعطائي الحق في وضع صورتي عليها
أنا وحيدٌ تمامًا
أنسى طعامي عادةً فوق المنضدة،
 وأفكر في
طائرة مروحيّة تنقلني بعيدا عينين تطاردانني
من جوف أطباق الوجبة الوحيدة
المعترف بها رسمّيا
هناك في صناديد .
أنا وحيد ..،
ولي ساقان معرّضتان للإصابة بضمور العضلات
أنسى كل هذه الأشياء عندما أسير بجوار حبيبتي
في شوارع طنطا، وأمام الجراندبابليون،
عندما أمسك يدها، وأقبّلها،
عندما نرقد سويّا أشعر أنني أقوى من هذه
الشوارع الغامضة
المبتسرة كذراع محارب خاسر

في صناديد
لنا حديقة خلفيّة، ومزرابٌ وحيدٌ فوق السطح
الذي نخشى من سقوطه في الخريف
ونحن خارج المنزل
 ونسنده بأعواد الذرة المفرودة الصفراء
وننام تحته بلا ألم أو خوف
الشوارع مبينّة فوق آثار سحيقة،
سحيقة وعظيمة،
أعظم من آثار أقدام روميل المقزّزة
كل هذه شوارع تختفي من قصائدي القديمة
لا أذكرها، ولا شوارع صناديد المقيمة دوما
بلا تغيير
في صناديد هذه الأشياء تبدو عادية




·          لخمسة وعشرين كيلو مترًا
الميادين الخالية التي تبعث على القشعريرة،
برجل وفتاة قصيرة.. جالسَين في المساحة
المظلمة من أيّ ميدان من تلك الميادين،
تضع رأسها على صدره كملمحٍ
أساسيّ لرومانسيةِ الوضع كلّه .،
ولخمسةٍ وعشرين كيلو مترًا
وأنت تتذكّر عينيْ رجل عجوز
رفض أن يزوّجك ابنته
فاضطررت لأن تصادق هذه الميادين
الخالية – بطبيعتها – واضُطررت لأن تجبرها
على وضع رأسها فوق صدرك،
منزوع الشعر، وأن تترك ذاكرتك
بحريّتها
تتوغّل داخل دموع هذا الرجل العجوز
الذي يبكي لأن خمسةً وعشرين كيلو مترا
من البعد الرّوحي تقع بينكما
وتقع أسئلة عبقريّة
عن كيفية إماتتك دفعة واحدة
بِعَيْنِ رجلٍ يقع خلف التاريخ تقريبا

لم يكن لديها شامةٌ
- تكون مبُرِّرًا أساسيًا –
لأن تقع في حبها من النظرة الأولى
وتأخذها بعد ذلك إلى الفراش
في أقرب فرصة
حتى تشرح لها ظروفك العائلية بِحُرِّيةٍ أكبر
ولتستطيع – هي – أن تضع تجاعيدها الروحية
الخاصة فوق جلدك الأبيض
- الأبيض للغاية –
في هذا الوقت لأسباب بيولوجية
بعد أن توضّح لك موقفها من الحرية بشكل
شرير
يأخذ طابعه المتفتح ؛
الأكثر تفتُّحًا من مسامك وقتها
 من عدم وجود تلك الشامة فوق وجهها
ستصبح مسامٌ جلدك
أكثر شراهة من حوت صغير
عندما تتأكد من إغلاق أبوابها
- وأبوابك قبلها –
ولن يكون هناك مجال واسع لاستخدام
الكلاشنكوف
خمسةٌ وعشرون كيلو مترا مسافة عادية
ليستطيع فيها الإنسان أن يتأكّد من أن
مفاتيح الكهرباء ليست في وضعها الطبيعي
وأن الطقوس القمرية لم تتم بالشكل الأمثل
وحيطان القرية
المختلفة عن حيطان واحد وعشرين عاما
 تأخذ شكلها في الوضع كله
بانسيابية الذاكرة نفسها
كل هذه الظروف العائلية الواضحة – وأكثر –
تكتبها فوق روحها ، وتكره أمك بعدها
تخرج هذه الكراهية المحترمة مع أنفاس السجائر
التي تسوّلتها من أصدقائك
وتصرّ على الاحتفاظ بالكرسي المتحّرك كإرث
طبيعي من أجدادك
ولتسير بسرعة أكبر لن تتنازل عنه.
عدم وجود مفاتيح الكهرباء في أماكنها
الطبيعية يحدّد كل هذا
بالإضافة إلى ذاكرة تصر
على الاحتفاظ بعينيْ الرجل العجوز لمسافة
خمسة وعشرين كيلو مترا

الميادين قشعريرة بارزة
تماما كشَعْرِ عانتك المبتلُ
كقطعة أخيرة من معجون الأسنان في حجم
فرشاتي تقريبا،
لكنها ليست في حجم طلاء غرفة تلوّثت بغبار
العابرين وإشعاعاتهم الغبيّة
العابرون الذين تلقّفتهم تلك الميادين الواسعة
- فيما بعد – وبنفس الملامح :
ميادين واسعة.. بها أماكن مظلمة في الأطراف
نساء قصيرات نسبيّا يحملن داخلهنّ توقّعاتٍ
منطقيةً بالفقد .،
 بجوارهن رجالٌ طوالٌ بعض
الشيء تحتفظ ذاكرتهم بعيون عجائز
وبمسافاتٍ،
لابد وأن تكون كل واحدة منها
خمسةً وعشرين كيلو مترًا
                                              8/1996



·          لعنة ما تطاردني
مقعدٌ تكنولوجيّ يتوسّط قاعة السينما
مقعدٌ يشبه جَدّي
الذي لم أره إلا معلّقا فوق الحائط
منذ عشر سنين – مثلا –
قبل أن يتكسّر فجأةً
وتبكي عليه جدّتي
مقعدٌ تكنولوجي أحتاجه.،
ولا أستطيع الحصول على الحقّ في استخدامه
لأنَّ كُرَتي هي التي أسقطت كلَّ هذا الرعب
 من عينين خارقتين
أتخيَّل رعبَهما وهو يتهشّم
التّاريخ الكثيف تُسْقطه القنابل دفعةً واحدةً
تدفعه نحو البالوعات
- وبالموسيقّية ذاتها –
تعلو دوائر كثيفةٌ من الدّخان في قاعة السينما
لتصبح أكثرَ عدائّيةً من تنين صغير
فَقَدَ شهيَّتَه أخيرا.
يجبُ أن أعتقدَ أنَّ لعنةً ما تطاردني
وأنني مُستهدفٌ دائما من عيون الآخرين
الذين ينظرون إلى مؤخّرتي مرتبكةِ الإيقاعِ،
كما أن أمي وضعت لائحةً شديدةَ الصرامةِ
لتحديد قيمة استنماءاتي
ووضعها ضمن عاداتي السّيّئة .
يجب أن أحصل على هذا المقعد التكنولوجي
وعلى السّينما،
وعلى رجالٍ كثيرين يرتبكون عندما أبصر
مؤخّراتهم تهتز
وعلى قنابلَ أكثرَ شراسةً من قنابلي السابقة
قبل كل ذلك
سأحاول الحصول على بعض المرونة
في استقبال أطفالي المولودين في البالوعات
وأكون على استعداد لدفع مصاريف الولادة،
والمدرسة أيضا،
وفي المقابل
لن أدعهم يلعبون الكرة في حجرات المنزل
إطلاقًا.



·          دالي .
فجأةً
 أكتشفت أن أصابعي أضخم من وردة طيّبة،
 وأنني أصبحت عاجزا عن تكوين شكل
هندسي – ورقيِّ على الأقل –
يصلح لاستقبال ثلاثة من الأطفال
الذين تتورّد خدودهم عندما أقبّل أمَّهم أمامهم
وأكتشفت أنني لم أفهم "جالا" تماما
هكذا تتكشف لي أجزاء أخرى من هذه الروح
التي تستلقي على بطنها كّهِرّةٍ صغيرةٍ
تعبث في خيوط اللوحات المشدودة
بين رُكْبَتَي امرأةٍ قصيرة ٍ
يصل الخيط إلى ركبتها، والباقي على الهرة .
الانسيابّيةُ البرّاقةُ في الأحشاء
 لا تتيح لي مشاهد أكبر من الذاكرة
وهذه هي النهاية التي توقّعتُها
فالهرّة أصبحت داخل الخيط بأكملها ولم يعد
أمامي الكثير
سأتخيّل وسادةً خفيفة لم تعد تجلب الذباب،
وجسدا شفّافا خرج من النافذة ولم يَعُدْ
ولست بحاجةٍ إلى الأطفال الثلاثة الآن
فأعضائي صارت أكثر ترهّلا من وردة طيبة
تموت الآن ببطء
والهرّة الصغيرة لم يعد أمامها سوى
أن ترقد على بطنها لتتيح لنفسها المزيد من
المشاهد  الساطعة



·          فأرة عادّية .
لا توجد رمال بين ساقيك،
ونعومتها مرهونة بأبعاد طبيعيّة تحتلّها أرواح
الأخريات
لا توجد رمال بين ساقيك
تصلح للتطهير المقترح من الله.،
ولا لكل هذه الأشياء الطبيعية التي تقيم تحت
ضرسك الأيمن
أنت تحتاجين إلى دهان الشارع زيتا ضدّ
الشمس ثم تخلعين ملابسك،
تدخلين في طقسك العادي – بعدها –
كفأرة سقطت أسنانها الأمامية



·          أصدقائي بوجوه مبتسمة
لم يكن من الضروريّ أن أضغط
على الـ Redial  
ولا أحاول الاتصال ببوليس النجدة
قبل أن يُفسد رنين الهاتف هواء الغرفة
رّبما حاولت أن أطرد هذا الهاجس الملحّ
 بأنه لا يوجد هواء في هذه الغرفة
ولا في أيّ غرفة أخرى
قد يتوقّف أصدقائي عن الضحك الهستيري
عندما أصل إلى نقطة لا يمكن الرّجوع عندها
عن إخبارهم بالحقيقة
بأنني توصّلت – أخيرًا –
إلى موعد موتهم النهائي
ينفجرون في الضحك مرة أخرى – بعدها –
لا بأس
فلست بحاجة إليهم أو لهواء الغرفة
للـ Redil فقط – بعد أن يفسد الهواء في الغرفة –
وبعد أن أوقف التعامل مع أجسادهم التي
أكلتها الرطوبة وتشبعت بالكحول المغشوش
أحتاج للـ Redial  بعد أن أنسى عناوينهم،
والشوارع التي يسيرون فيها – في المعتاد –
يكفي أن الدّيدان الخارجة من بطونهم الميتة
تصادقني وتفتح لي قلبها
يكفي هذا حتى أتحاشى النّظر إلى وجهوهم
الضاحكة
وأتحاشى السير في شوارعهم،
والجلوس في غرفهم الخانقة،
لو يرن جرس الهاتف فقط.
لو يرن

                                       7/ 1996



·          عن الحقائق الخاصّة
الحقائق..
التي نخفيها لمدّة طويلة
والتي نخرجها من تحت الملابس الشتويّة الثقيلة
- أحيانا –
في الأمسيات التي تحتاج إلى مدفأة
ولبيت بعيد عن الأمطار الصناعيّة
تلك الحقائق التي نسعد كثيرا بإخفائها،
ونضحك – من غفلتهم –
- الذين يقفون أمامنا في وضع محرج لنا –
فيضطّروننا لوضع أيدينا فوق أفواهنا
حتى لا يغرق رذاذنا وجوههم
فيحترقون
تلك الحقائق التي نلوّنها في شم النسيم
مع سلال البيض وأكوام الرنجة
المسمّمة بدخان مدافئنا 
حقائقنا الخاصة
حقائقنا المحبوسة بين أربعة جدران – وحيدة –
فاقدةً الأمل في الخروج إلى الهواء الطلق
فنوافذنا شبه مغلقة دوما
حتى عندما نفتح النّوافذ نخفيها داخل الصدور.,
داخل الرئات التي تقلع عن التنفس في وقت
محددٍ مسبقا،
نضعها في هياكلنا كعضٍو ناقص عاد أخيرًا
إلى مكانه
 بعد أن نضعها فوق أحجارنا الملونة
قليلا من الوقت..
نلهو بهزائمنا أمامها
وندرك حقائق جديدة :
تستحقُ الشفقةَ هذه الحقائقُ
نعتقد هذا ولا ندرك أننا أيضا
بهذه الرّئات التي أقلعت عن التنفّس .،
بهياكلنا الناقصة، وأعضائنا المتآكلة .،
وشعورنا المتساقطة ..
بالفعل
نحن فقط نستحق الشفقة



·          خلف المنزل
الشّوكة التي نمت في معطفها،
ومنعتها من التحرّك بسهولة،
كما منعتها من تسلّق الأشجار كعادتها
كانت طبيعيّةً
– شوكةٌ طبيعية محترمة كهذه
المانشيتات الكبيرة في أوراق الجرائد
التي تلفّ ساندوتشات الطعمية التي أحبها –
كانت تتحرك مثل قطِّ عجوز
تخفي قلقها المتوطن داخلها تجاه أشجار الليمون
الموجودة خلف المنزل
تعتقد أنها تشبه صدفة محارٍ مات حيوانها
بالداخل
لكنّها لا تريد أن تريني إيّاه
اهدئي تماما
فلن يجبرك أحد على التخلي عن جسدك
الشفيف
اهدئي وأشعلي سجائرك ببطء كما تريدين
ببطء كقطٍ لم ينته من تدليك جسده تحت
شمسٍ ساطعةٍ
الأشواكُ المّيتةُ أقلُّ ضراوة من مانشيتات الطعمية
·          A true story

كان لابدّ له أن يعبر من أمامي
على فتراتٍ متباعدةٍ لكي يضع على جسدي
كلَّ ما يستطيع من البصمات التي أحاول
أن أمحوها في الأمسيات التي يتوطّن فيها حنيني
الخاص للأشياء القديمة
كان لابد له أن يعبر من أمامي، ويضع قبلة
فوق فمي – بعنف –
وتضطر حلمتا نهديّ للارتفاع تحت وقع
جسده الخفيف فوق عظامي التي تمدّدت فوق
أكوام الجرائد البائتة
كان لنهدي الأيمن أن يُلمس مرةً واحدة ً
وعندها أحرّك يدي اليسرى لجذب يده من
فوقه
لم يكن من الممكن أن أتخلّص من بصماته التي
تركها برغم كل هذه المحاولات التي قمت بها
بالتأكيد
سأظلُّ أحلم في المستقبل بكلِّ هذه الأشياء
وأظلُّ أضحك لفترةٍ طويلةٍ وأنا واقفة أمام
المرآة حتى أصاب بالفُواق،
وأضطرَّ لشرب دورقٍ كاملٍ من المياه المثلجة
لتطفئ كل هذه الرومانسية التي احتشدت
- كصفوف النّمل في منزلنا القديم –
داخل جسدي
بالتأكيد – أيضًا – لن تصيبني أصابعُه بالّلذة،
أصابعُه التي جاست لفترات طويلة
عبر حدود جسدي الصغير، فوق الشّريط
الضيق
الأضيق من اللازم – وقتها –
والذي لم يكن قد تلقى أي أصابع
- حتّى أصابعه –
لم تعتدْ على الظلمة الخاصّة بي – إلا قليلا –
هذه الظلمة كانت تحتاج إلى القليل من الرَّدَّة
مثل ثمرة طماطم خضراء
لكي تنُفش وتصير أكثر نعومة
الأمر الذي حدث بالفعل – بدون ردّة فيما
بعد –
وكان يستحق أن يُعرَض في
A true Story ) (


البيانو الأسود الكبير الذي كنت أعزف عليه
مازال يخرج أصواته عبر أصابعه السوداء
فقط
- و بِلا سأمٍ – تظلّ تلاحق أصوات الآخرين
الذين مرّوا
وتُسقط خمسةَ عشر عامًا – فجأة –
بمجرّد أن أخلعَ ملابسي أمام المرآة
وأصير باردةً للغاية
لأكتشف أن البصمات لم تستطع أصوات
الأصابع السوداء
أن تقنعها بالرحيل .،
كان لابدّ له أن يعبر
لكي يأخذ جسدي شكله – الذي أخذه فيما بعد –
ولأستطيع التحررّ بعض الشيء
من لعناتي اليومية التي أصابتني بعد مرور وقت
طويل على رحيله،
ولأجلِ الآخرين الذين أتوا أيضًا بعد ذلك
وكانوا ساطعين كنصِّ معرفيِّ واضح
في التوراةِ
ومُحمّلين بحمى التيفوئيد

كان لابد
لكي يتحقّق كلّ شيء كما أردت بالضبط :
يموت هو بعد ذلك – ذات صباحٍ –
ويصير جسدي أكثر استيعابا للدروس التاريخية
المعروفة،
وأصبح أكثر حزنا مما مضى
فأكوام الجرائد أصبحت أسِرَّّةً وثيرةً،
لا أستطيع البصق – بحرّية – فيها
ولا وضع زجاجات الكولا على الأرض،
- وقلبَها أحيانا –
أو وضع أعضائي جانبا عندما أريد
حتى لا ألوِّث الموكيت
ولا أستطيع فيها إزاحة الأصابع
بيدي اليسرى
ولا حتّى بيدي اليمنى



·          أركان أخرى
ساعةٌ واحدةٌ.. ليستطيع هذا التاريخ
- الذي يضع ساقًا فوق ساقٍ مثلك –
التمدُّدَ بلا اكتئاب
ناسيًا آخر زجاجة من البيرة شربها،
ناسيًا مرارةَ طعمها المثير للاعتذار
عن كل هذه الخرائب التي صنعها
وضحك منها كثيرًا فيما بعد
ساعة واحدة
لتستطيع هذه الملائكة – التي وضعتني في سريرك –
أن تخرجني مرة أخرى
محمّلا بكل هذه الهزائم .. وبرائحتك الوحشيّة
وبنظرة غريبة من عينيك عندما وضعتُ يدي
فوق صدرك وضغطتُ،
ضغطتُ أكثر من اللازم
كنت أحاول إخفاء قلقي تجاه
أصدقائي الذين اقتحموا مجال رؤيتي
وحاولوا تصويري
وأنا أرتدي ملابسي بعد أن اغتسلت
ووضعت بصماتي هناك

السّاقطات
اللواتي كشفن لي عن عريي المفاجئ،
واللواتي جحظت أعينهنّ عندما ضغطت على
زرِّ غريب فتوقّفت الحياة لديهنّ
- بفزعِ – كنت أحاول صنع أركان أخرى لهنّ
غير التي ازدحمت بجثث السابقات،
حتى أستطيع الاحتفاظ بآخر قدرة لهنّ على
كشف عريي
الذي يكون مفاجئا للغاية ومدهشا
اجتهدت لكي يصير شكلي طبيعيا عندما أُواجَه
بهذه الأشياء التي أخفيها هناك في الأركان
الرجال الأربع – فوق –
- وتحت – إمرأة وحيدة تتأوهّ ببراعة
والأشياء الأخرى
ومع ذلك فشلت ،
فضحتني تلك النظرات الخبيثة من أصدقائي
رغم أنهم لم يستطيعوا تصويري وأنا أحاول
ارتداء ملابسي
بعد أن فشلت في التسلل داخلك
لأن يدكِ كانت تجذبني دوما من أحلامي
اللذيذة
والجيران فوقنا كانوا يهبطون ليعبّروا عن
انزعاجهم من تلك الأصوات التي تشبه صرير
الفتق العالمي الشهير في (( خريف البطريرك ))
ومن رائحتي العجيبة التي اكتسبتها منكِ
والتي تجعل الجميع يتلّفت حوله باحثا
عن مصدر هذه الرائحة التي صارت
حمقاء أكرهها
هذه البيرة كانت ميّتة،
لم تستطع إرجاعي عن عداوتي الحقيقية
لكل الأصدقاء
وللجيران
وللروائح الأخرى
لم تستطع إجباري على التّعامل مع الساكنات
في الأركان اللّواتي مُتن من قبل
بضغطة بسيطة على الزر الصغير
كنت أكرههنّ جداً فقد تركنني ومضين
تركنني وحيدًا
فظلْت أسبّهنّ – بلا جدوى –
كنّ لا يرجعن
فلم يصدّقن أبدًا أنني أحتسي البيرة وحيدًا
فرفضن إعطاءها قبلة واحدة لتصير فعالةً أكثر
هؤلاء اللواتي أكرههنّ جدًا :
سأعتني بهذه الكراهية
لكي أصل إلى ما بعد داخلك
بعيدًا عن أعين الأصدقاء
وأعين الساكنات في الأركان
والرجال الأربعة
والمرأة الوحيدة



·          ما الذّكرى أساسًا
من منتصف الشارع بالضّبط
عبرت امرأةٌ الطريقَ
تحرسها ملائكةٌ عيونًهم نصف مفتوحةٍ
عبرت الشارع وتركتني وراءها
أتخبّط في الحمَّى
أنسى اسمي،
معتمداً على ذاكرتها
والحمىّ من الإنفلوانزا كمثَّلثٍ مائيٍ
متوسّط الحجم
يشقّ الأمواج الممتدة من مارسيليا
المسافرةَ لمسافة لا تقلُّ عن غروب شمسين
بِشروقٍ واحدٍ
في منتصف الشّارع
امرأةٌ تعبره  وتتركني خلفها
أعاني مع الملائكة عدمَ رغبتها  في
فتح النصف الآخر من عيونها السمراء
وخبطاتُ الترّام على الرّوح
علاماتٌ على تمكُّن الإنفلوانزا
- في تطوّراتٍ زمنيةٍ معّينة –
من اجتياز المتوسط
لتتشكّلَ في مثلثٍ مائيٍّ صغيٍر
يشقّ الأمواجَ في اتجاهٍ عكسيٍّ
وتأخذ قطعةً لا بأس بها من بيتزا أمي في جيبها
وتُخرجُ لي لسانَها
مع أنها تركت لي قطعةً منها
في تلافيفي الداخلية .،
إنفلوانزا المرأة التي عبرت الطريق
: الحقيقة كما حاولت رصدها
منذ واحد وعشرين عاما
- هي عمري كلّه –
إنفلوانزا المرأة المندفعة
تحت حراسة ملائكة بعيون نصف
مفتوحة
لا تتيح الحماية الكاملة
وتتركني وراءها
أدخّن غليوني وأنهي علب الثقاب الكثيرة
التي أتت بها قبل أن تقرّر عبور الشارع
من أقصى اتساع له
بدون أن أتأكد من فتح عيون الملائكة تمامًا


معي الآن ملائكةٌ
مغلقةُ الأعين
و إنفلونزا حقيرة
وخبطات التُرام على الرُوح
مقزِّزةٌ
كلُ شيء مرعبٌ هذا المساء أيضًا
الفراشات السّائرة مع الموج
وضلوعي النّاقصة
وخيالاتٌ على الأسفلت
توتِّر الإنفلوانزا أكثر
فتجعلها أكثر هياجًا
والذِّكرى أساسًا تكمن في امرأة
كنت أعتمد على ذاكرتها في حفظ اسمي
لكنها قرّرت عبور الشارع
بدون حراسة الملائكة
وبدون حراستي
                               10/1996



الفهرس

هوات طبيعية 1995
1-     تطورات روحية ....................7
2-     فرعون صغير.....................17
3-     غدا في المساء.....................21
4-     أورسولا أيتها الطيبة...............24
5-     أجداد وهميون.....................27

ما الذكرى أساسًا 1996
1-     في صناديد.........................33
2-     لخمسة وعشرين كيلو مترًا.........39
3-     لعنة ما تطاردني...................47
4-     دالي...............................51
5-     فأرة عادية.........................53
6-     أصدقائي بوجوه مبتسمة............55
7-     عن الحقائق الخاصة...............57
8-     خلف المنزل.......................61
9-     A true story....................63
10-  أركان أخرى......................71
11-  ما الذكرى أساسا...................79



نُشر الديوان ورقيا عام 1997
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads