الرئيسية » , , » روي بيتر كلارك: الحوار بين الكتابة الأدبية والكتابة الصحفية | ترجمة: د. سمر طلبة

روي بيتر كلارك: الحوار بين الكتابة الأدبية والكتابة الصحفية | ترجمة: د. سمر طلبة

Written By تروس on الثلاثاء، 16 فبراير 2016 | فبراير 16, 2016

روي بيتر كلارك: الحوار بين الكتابة الأدبية والكتابة الصحفية
ترجمة: د. سمر طلبة

ينبغي عليك أن تتخلى عن الأجزاء التي تشعر أن القارئ لن يهتم بقراءتها

ينصح الروائي إيلمور ليونارد الكتـَّاب بأن يحذفوا من نصوصهم الأجزاء التي يرون أن القارئ سيكون ميالًا لتجاهلها عند القراءة، وأن يركزوا على ما يعتقدون أن القارئ سيهتمُّ بقراءته بالفعل. لكن ماذا يقصد ليونارد بهذه الأجزاء بالضبط؟ إنه يلخص لنا مقصده في السطور التالية التي يتحدث فيها عن: الفقرات النثرية الثقيلة التي تعج بكلمات أكثر من اللازم؛ تلك الفقرات التي يكتب فيها الكاتب لمجرد الكتابة وحسب، فيتحدث تارةً عن الطقس (مرةً أخرى)، أو يصوّر لنا ما يجري داخل رأس البطل (رغم أن القارئ يعرف بالفعل ما يجري داخل رأس البطل، أو لا يهتم بمعرفة ما يجري داخل رأسه أصلا). أراهن أنكم لا “تتخطّون قطعة حوارية”. 

حين أقرأ هذا أشعر أن ليونارد يتحدث عني وعن عاداتي القرائية، فأنا دائمًا ما أتجاهل الفقرات الطويلة التي يصعب أن تجد بينها مساحة بيضاء، وأهرب منها إلي الحوار، حيث أشعر أنني أستطيع أن أتنفس. إن الحوار، ذلك الحديث الذي يجري بين البشر، يجذب انتباه القارئ ، كما أنه يساهم في المضيِّ بالأحداث قدمًا إذا ما كان مكتوبًا بشكلٍ جيّد.

اقرأ معي هذا المشهد من رواية مايكل تشابون المسماة “مغامرات كافالير وكلاي العجيبة”:

 ثم التفتت إلي ابن عمتها وقالت:

–هل تريد أن تصير رسامًا للقصص المصورة؟

وكان “جو” يقف مكانه وقد أحنى رأسه واستند بإحدى كتفيه إلى إطار الباب، وبينما كان “سامي” و “إيثيل” يتحدثان ويتناقشان، كان يتظاهر بتأمل البساط الرقيق بلونه الأصفر الضارب إلى البنيّ، وقد بدا عليه الحرج فيم هو يجاهد ليبدو مهذبًا، لا يتدخل في المناقشة، ولا يسترق السمع، لكنه رفع رأسه في تلك اللحظة، وعندئذ كان شعر سامي بالحرج، ورمقه ابن عمه من أعلى إلى أسفل وقد علا وجهه تعبير من يحاول سبر أغوار الشخص الذي أمامه فيما يشبه الإنذار، ثم قال:

–نعم يا عمتي. أريد ذلك، لكن لديَّ سؤال: ما معني قصص مصورة؟

عندئذ مدّ سامي يده نحو الملف الذي يحفظ فيه أشياءه فأخرج عددًا من مجلة القصص المصور المسماة “أكشن”. كان العدد مهترئًا من كثرة ما قرأه سامي الذي قدمه إلي ابن عمه.

إن الحوار يرسم ملامح القصص بطرق عديدة، لأن القوة التي يتمتع بها الحوار تشدّنا إلى المشهد فنصير بداخله، وتجعلنا متأهبين متحفزين لمتابعة الأحداث.

ويتعامل الصحفيون مع حديث الناس بطريقة تختلف عن تلك التي يعالجه الروائيون بها، فهم لا يستخدمون الحوار كجزء من الحدث، بل كشيء من شأنه تعطيل وإيقاف الحدث، فهو مساحة يعلّقُ فيها الناس على الأحداث، ولهذا التكنيك أسماء عدة تختلف باختلاف المجال الذي يظهر فيه، فإذا ما ظهر الحديث في الصحافة المطبوعة مثلا كان اسمه “اقتباس”، أما الإعلاميون الذين يعملون بالتلفاز فيسمونه “مقطعًا صوتيًّا”، أما مذيعو الراديو فيستخدمون تعبيرًا ثقيلا هو تعبير “كلام الشخص الفعلي”، ببساطة لأن شخصًا ما قد قال هذا الكلام فعلا.

 اقرأ معي، على سبيل المثال، الفقرة التالية، حيث تناولت صحيفة “سانت بول بايونير” قصة وفاة قارئة النشرة سنثيا شوت، التي وافتها المنية في عامها الحادي والثلاثين نتيجة لاضطراب التغذية:

– كنت موجودة وأعرف ما حدث.

قالتها كاثي بيسن ، صديقة سنثيا شوت وزميلتها في المحطة التلفزيونية التي تعمل بها، وأردفت:

–الجميع فعلوا ما اعتقدوا – بشكل شخصي – أنه ما يجب فعله، وحاولنا معًا أن نعمل على سلك جميع السبل التي يمكن للمرء أن يسلكها حين يعلم أن شخصًا ما مصاب بمرض، إلا إن كل جهودنا قد ذهبت سدى، وليس بوسعي إلا أن أسأل نفسي: كيف لشيء مثل هذا أن يحدث؟

إن كاتب هذا الخبر يتبع تلك النصيحة التي توجَّه دائمًا للصحفيين الجدد، إذ يقال لهم دائمًا: ابدؤوا الخبر باقتباس لافتٍ للنظر، فللاقتباس الجيد عدة فوائد هي:

1- إنه يقدم لنا صوتًا بشريًّا نكاد نسمعه يتحدث إلينا من الخبر.

2- إنه يفسر أشياء مهمة في الخبر.

3- إنه يضع المشكلة المطروحة داخل إطار مناسب.

4- إنه يضيف معلومات جديدة.

5- إنه يكشف لنا بعض الأشياء عن شخصية المتحدث.

6- إنه يمهد الطريق لما سوف يلي.

 لكن عادة ً ما تكون هناك نقطة ضعف خطيرة تميّزُ الاقتباسات، انظر مثلًا هذا الاقتباس الذي يطالعنا من بين سطور خبر نشر على الصفحة الأولى من صحيفة نيويورك تايمز: “أقل من اثنين من مئة بالمئة يمكننا توفيرها إذا ما قللنا من مرات تناول طعامنا بالمطاعم”.

 يأتي هذا الكلام على لسان سيدةٍ تُدعى جويس ديفندرفر في معرض حديثها عن طريق تعامل أسرتها مع الديون المتزايدة نتيجة استخدام بطاقات الائتمان. لكن أين تكون جويس وهي تقول هذه الكلمات؟ في المطبخ؟ أم في البنك حيث تسدد ديونها؟ أم في مكان عملها؟ إن أغلب الاقتباسات – بعكس الحوار القصصي – تفتقر إلى التحديد المكاني، إذ تبدو كلماتها وكأنها خارج حدود الحدث. إنها تعليق على الحدث، لا جزءًا من الحدث نفسه، لذا نجد أن مثل تلك الاقتباسات تعترض تيار السرد.

ويعيدنا هذا إلى قوة الحوار، فبينما تعطينا الاقتباسات الصحفية معلومات أو تفسيرات فإن الحوار يزيد الحبكة الروائية عمقًا وثقلًا. إن الاقتباس كلمات سمعها شخص ما قاصدًا وبعلم المتحدّث، أما الحوار القصصي فهي كلمات يسمعها القارئ عفوًا دون علم الشخصيات. إن الكاتب الذي يعمد إلى استخدام الحوار يحملنا إلى مكان وزمان يمكننا من خلالهما أن نكون جزءًا من الأحداث التي تصفها القصة التي يحكيها.

وقد يستخدم الصحفيون الحوار، إلا إن هذا نادرًا ما يحدث، حتى إذا ما حدث بدا غريبًا لافتًا للنظر. اقرأ معي هذه الفقرة التي كتبها صحفي حائز على جائزة بوليتزر، وهي فقرة تتناول محاكمة إطفائي متهم بارتكاب جريمة بشعة ضد جيرانه:

نادى محاميه اسمَه فاستوى واقفًا ثم وضع يده على الكتاب المقدس وأقسم ألا يقول سوى الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة، ثم جلس داخل القفص ونظر إلى المحلفين كي يتسنى لهم رؤية وجهه وتفحصه جيدًا ومعرفة طبيعته، ثم قال له المحامي:

–هل قمت باغتصاب كارين جريجوري؟

– لا يا سيدي. لم أغتصبها.

– هل قتلت كارين جريجوري؟

– لا يا سيدي.  

 إن ما يقال عن استحالة توظيف الحوار في الكتابة غير الأدبية لا أساس له من الصحة، فليس من الصعب الحصول على الحوار الحقيقي الذي دار بين الأفراد الذين يتحدث عنهم الخبر بشيء من الجهد، وبالاعتماد على أكثر من مصدر، مع الأخذ في الاعتبار أنه ينبغي ذكر تلك المصادر ذكرًا واضحًا لضمان المصداقية بالطبع، كما أنه ليس من المتعذر أن يسمع أحدهم حوارًا دار بين الأشخاص الذين يتحدث عنهم الخبر عفوًا أو عمدًا، إذ يحدث مثلا أن يتمكن أحدهم من سماع مشادة بين العمدة وأحد أعضاء مجلس المدينة فيقوم بتسجيلها ثم نشرها، وقد لا يتمكن كاتب الخبر من حضور جلسة المحاكمة لكنه مع ذلك يستطيع الحصول على نص شهادات الشهود من سجلات المحكمة، التي عادة ً ما تكون متاحة للعامة.

وهكذا فإن الكاتب الماهر يمكنه توظيف الحوار إلى جانب الاقتباسات المشار إليها سلفًا، وذلك لإحداث تأثيرات مختلفة داخل الخبر الواحد، كما هي الحال في الخبر التالي، والذي نقتطفه من صحيفة “فيلادلفيا إنكوايرر”:

“الظاهر أنه كانت هناك طائرتان تتقاتلان يا أمي”.

قالها مارك كرسلر، الطفل ذو الأعوام الستة، والذي يقطن مدينة وينوود، لأمه جيل حين هرعت إلى مدرسته.

كان الطفل المذكور في الخبر قد شهد لتوه تصادم طائرة ومروحية، ما نتج عنه تساقط الحطام فوق ملعب مدرسة الطفل الابتدائية. وهاك مقتطف آخر من نفس الخبر:

–كان منظرًا فظيعًا

جاءت هذه الكلمات على لسان هيلين أماديو التي كانت تسير بالقرب من منزلها الواقع في شارع هامدين حين وقع حادث التصادم المذكور. وأردفت هيلين قائلة:

– انفجرت الطائرتان وكأنهما قنبلة وانتشر الدخان الأسود في صفحة السماء وكأنه يتدفق منهما دون توقف.

 تقدم هيلين أماديو هنا كلامًا مباشرًا تقوله للصحفي كاتب الخبر دون وسيط. لاحظ الفرق بين هذا الاقتباس وبين الحوار الضمني بين الصبي مارك ووالدته جيل. إن الصبي يصف المشهد الذي رآه لأمه التي استولى عليها الفزع والهلع، أي أنهذا الحوار يضعنا في مكان يمكننا منه أن نسترق السمع إلى الشخصيتين – الصبي وأمه – وهما يتحدثان.

وفي بعض الأحيان النادرة يقوم الصحفي بمزج المعلومات التي يتضمنها الاقتباس وما للحوار من قوة شعورية، لكن هذا لا يحدث إلا حين يكون الكلام الذي يقتبسه الصحفي قد قيل في أعقاب حدوث الحدث المراد التعليق عليه مباشرةً، كما إن هذا لا يقع إلا حين يكون اهتمام الصحفي موزعًا بين الكلمات والأحداث، كما نرى مثلًا في الخبر التالي الذي يغطي فيه ريك براجز التفجير الذي وقع في مدينة أوكلاهوما:

– انتهيت لتوي من جراحة أجريتها مع آخرين لطفل صغير كان جزء من مخه يتدلى خارج رأسه.

قالها تيري جونز، الذي يعمل بالمجال الطبي، وهو يبحث في جيبه عن سيجارة، وقد بدا خلفه رجال الإطفاء الذين كانوا يبحثون بعناية شديدة بين أنقاض المبني المنفجر، والذي تحول إلى هيكل وحسب. كان الإطفائيون يبحثون عن الأحياء وعن الموتى أيضًا.

ثم أكمل تيري حديثه قائلا:

–قل لي: كيف يمكن لإنسان ألا يكن احترامًا يذكر للإنسانية بهذه الطريقة البشعة؟

وخلاصة القول: ينبغي عليك أن تتخلى عن الأجزاء التي تشعر أن القارئ لن يهتم بقراءتها، لتفسح مكانًا للأجزاء التي لن يستطيع القارئ أن يقاوم إغراء قراءتها.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads