الرئيسية » » رواية سرير الرمان (13) | أسامة حبشي

رواية سرير الرمان (13) | أسامة حبشي

Written By هشام الصباحي on الخميس، 7 يناير 2016 | يناير 07, 2016

         
                  
 (13)

   وجدت ساحة مليئة بالشلت والسجاد البلدى ومقاعدها عبارة عن
" بوفوف "مكسوة بألوان زهرية فاتحة وكأنها قطعة واحدة من قماش الفراشة، وكثيرمن المناضد غير مرتفعة العلو وعلى كل منضدة زجاجة من البلاستيك مقصوصة إلى النصف ومليئة بالرمل ويعلوها شمعة ، والحقيقة أن بجانب هذه الساحة ساحات أخرى متشابهة التصميم والطابع ، الساحة هى مقهى تابع لفندق فى مواجهة الساحة ، ربطت الجمل فى مواجهة البحر، وجلست بداخل الساحة، كانت الموسيقى الأجنبية تصدح وحدها فى الساحة كانت الأغنية للفريق  الغجرى "الجيبسى كينج" ،
من الواضح أن الوقت مازال مبكراً لقدوم السائحين ،الوقت يقترب من العاشرة صباحاً، وهذا الوقت هو وقت السباحة أو أخذ الحمام الشمسى، طلبت قهوة من العامل، وتوغلت فى النظر للبحر، الذى تختلف رؤيته هنا عن رؤيته من خيمتى برغم أن البحر نفس البحر، هنا كثير من  الضوضاء وكثيراً من مغرمى السباحة وكثير من المراكب السياحية، أحضر الشاب القهوة، وطلبت منه سيجارة، فأعطانى إياها وترك العلبة كاملة كهدية،ودخل فى حوار معى عنى وعن الجمل، فقد كان الفراغ يقتله ، وأنا كنت أشتهى الحديث مع فرد غير البدوى.
فجأة جاءت فتاة أجنبية تكاد تقترب من منتصف العقد الثالث من عمرها، وجلست فى مواجهتى، ونظرت كثيراً للجمل، وسألت الشاب - الذى من الواضح أنها يعرفها - عن الجمل، فأشار لها عنى، بدأت الحديث معى وتبادلنا الأسماء والتحية ، ولكننى أوقفت الحوار بعد بضع جمل قصيرة، ونفذت رغبتها فى ركوب الجمل، وبعدها عدنا للمقهى وشرعت فى الانصراف، لكنها أوقفتنى سائلة فى لغة عربية واضحة:
- هل من الممكن أن نتقابل ثانية؟
أجبت بإصرار وخجل:
- لا أعرف.. فأنا لست من هنا، إننى عابر بالمكان.

كاثرين - هذا اسمها – لها جمال خاص ،ومن الواضح أنها درست اللغة العربية، شعرها  قصير جدا، ونحيفة ، ويبدو عليها الفضول الشرس  المخلوط بالـتأدب الملحوظ فى تصرفاتها ، لذا أصرت قائلة:
- أود السير معك قليلاً..على الأقل الآن يا عابر الصحراء، ألست عابر الصحراء؟
الحقيقة أنها المرة الأولى التى يلقبنى فيها أحد بهذا الاسم"عابر الصحراء"، والحقيقة أيضاً كانت لدى فى معرفتها أكثر، ولكن الخوف من جسدها النحيل هو ما جعلنى أتصرف هكذا فى البداية، فأنا أعشق النحيفات بسهولة. وافقت على طلبها وسرنا معا خارج المدينة، خلال السير قالت أشياء كثيرة عن نفسها، وعن عشقها لهذه المدينة ، وأنها تفضلها عن المدن الأخرى الشهيرة القريبة من هنا وأيضاً تفضلها عن مدينة القاهرة، وأخبرتنى أنها درست الأدب العربى وأنها  كادت أن تنتهى من الدكتوراه التى بعنوان" الصحراء فى الرواية الحديثة"، لكن كاثرين قالت جملة محددة ،جعلت الخوف بداخلى يتبدد قليلاً:
- أنا لم أكمل الدكتوراة ولا أريد شيئا من الحياة غير القراءة والموت فى الصحراء.... بالمناسبة عندى  شقة هنا وبها مكتبة كبيرة.
يعتقد الكثيرون أنهم يسرقون اللحظة، ويتناسون أن اللحظة هى السارق الأول والأخير، بل هى النداهة وما نحن إلا ملبون للنداء الغامض الخاص الكامن فى سحرها. أربعون عاما وأنا أعتقد أن قدرى صنعته بيدى أو أن اللحظات الماضية اخترتها عن طيب خاطر، ولكن الآن فى الثمانية والأربعين  أدرك أن اللحظات بعضها كنت مجبر عليه وأننى غير نادم  بحال من الأحوال على لحظات  اخترتها أم اختارتنى هى.
        كاثرين بجانبى تريد أن تدخل إلى حاضرى، لكنها لا تعرف أنها ستصبح لحظة من لحظات فىَّ، هى تدرك أننى عابر صحراء وأن القدر جمعها بى عبر جمل ورغبة عابرة، هل يمكن الثقة بكاثرين؟هل يمكن أن تكون كاثرين عوضاً عن البدوى؟ هل كاثرين هى اللحظات القادمة؟ هل كاثرين تدرك اللحظة أم هى تريد معايشة اللحظة فقط مثلى فى الأيام الخوالى؟ هل  قررت بداخلى اصطحابها إلى الخيمة أم اننى أتنفس معها الصعداء عقب موت البدوى ؟وكأنها قرص أسبرين يموت بمجرد موت مفعوله، أأنا حقا بحاجة إليها؟ هل سيسحرها السرير المائى؟ أسئلة كثيرة انتهت عندما حلت ضيفة بخيمتى الآن.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads