الرئيسية » , , , , » تيد هيوز و «مرض» سيلفيا بلاث | بهاء عبد المجيد

تيد هيوز و «مرض» سيلفيا بلاث | بهاء عبد المجيد

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 9 أكتوبر 2015 | أكتوبر 09, 2015

عندما ترتبط شاعرة بشاعر وهما في بداية حياتهما وليس لديهما غير بعض القصائد وأحلام الشهرة والاعتراف الإعلامي، وتنشأ بينهما قصة حب ثم يفترقان، ليس بسبب الغيرة أو التنافس، ولكن لاضطراب في شخصية الشاعرة، فما هي العواقب التي تسقط على زوجها، خصوصاً أن الزوجة أنهت حياتها بالانتحار؟ هذا ما حدث مع سيلفيا بلاث (1931- 1963) الشاعرة الأميركية التي تعرفت إلى تيد هيوز في إحدى منح «الفولبرايت» في انكلترا لدراسة الكتابة الإبداعية. أُفتتنت الغريبة الأميركية بالشاعر الإنكليزي وساعدت في تقديمه للقارئ الأميركي.

كان تيد هيوز صاحب كاريزما خاصة، فهو شاعر وسيم يتسم بالحيوية والذكورة الأنغلوسكسونية ويشبه أبطال الفايكينغ. ولد هيوز عام 1930 وقابل سيلفيا عام 1956 ودرس في جامعة كمبريدج علم الآثار والحفريات، وهذا أثَّر على وعيه بالبيئة الطبيعية واستخدام الحيوانات والطيور كنماذج في شعره الذي اتسم بالغموض والتنبؤية، كما فعل خصوصاً تحت تهديد الحرب النووية، وبخاصة في ديوانه الغراب ولبيركل. وأصبح أميراً للشعراء في المملكة المتحدة وصديقاً مقرباً للشاعر شيمس هيني. رفض هيوز الحديث عن انتحار زوجته وظروف علاقته بها، ولكنه عندما مرض فاجأ العالم بديوان نثري، وهو «خطابات عيد الميلاد» يوضح فيه تلك العلاقة، وكانت النغمة المسيطرة على ذلك الديوان هي الندم والتأثر بموتها والفراغ الذي يعاني منه بفقده لها على رغم ارتباطه بأكثر من سيدة. كتب عن زوجته، ضعيفة البنية، جميلة الملامح بعيون تملؤها الدهشة ويُتم الأب الذي تركها صغيرة بعد مرض أفقدها إياه. فغياب الأب جعلها مضطربة وتائهة تكتب أشعاراً اعترافية تنفِّس فيها عن هواجسها، بينما تيد هيوز تزداد شهرته ويسافر في أوروبا ليقرأ شعره. أنجبت منه طفلين وشعرت بعدها بتعاسة واكتئاب شديدين نظراً الى الصراع بين الرغبة في الانطلاق وراء نبضها الشعري وبين مسؤوليتها كأم وزوجة. هكذا زاد اضطرابها وانفصالها عن الواقع فدخلت مصحة نفسية لتلقي العلاج وشُخص مرضها النفسي بثنائية القطب المزاجي، فهي تفرح وتنشط أحياناً وفي أحيان أخرى تكتئب وتحزن حزناً شديداً. لم يتحمل تيد هيوز هذا التوتر ربما، فتركها، وحاولت سيلفيا الانتحار أكثر من مرة، وأفصحت عن ذلك في قصيدة «أبي»، حيث تعترف بالقهر والمذلة بسبب فقدان الأب وقهر الزوج الحبيب.

رسالة

كانت من عادة سيلفيا أن تترك رسالة للخادمة تطلب منها الاتصال بطبيبها في حال انتحارها، وفي كل مرة كان يتم إنقاذها إلا المرة الأخيرة والتي كانت تعاني قبلها من تدهور نفسي شديد، بخاصة بعد أن هجرها هيوز وذهب إلى امرأة أخرى. وقد حاولت أن تسأل صديقها الشاعر ألفارز المعونة، ولكنه رفض مقابلتها ربما لانشغاله، وظل نادماً على ذلك. وبعد موتها ظلت لعنة سيلفيا بلاث تطارد تيد هيوز في المحافل الأدبية التي ظلت تتهمه بقتلها حتى بعد سنوات طويلة من موتها.

الكثير من المعالجين لسيلفيا يرون أن هيوز لم يدفعها إلى الانتحار ولكن ميولها النفسية المعتلة ساهمت في ذلك، ويُعتقد أن فرضه ذائقته الأدبية عليها جعلها تشعر بالتوتر. هذا بالإضافة إلى عدم ثقتها بنفسها وشعورها بالحرمان والنقصان.

كانت سيلفيا في أيامها الأخيرة مصابة بهوس الكتابة، إذ كانت تكتب أكثر من خمس قصائد في اليوم تعكس ضعفها واضطرابها وغيرتها من آسيا ويلفيل، العشيقة الأولى لهيوز والتي تعرف إليها في إيرلندا بصحبة زوجها. تعاونت آسيا مع هيوز في رسم كتابه الشعري «الغراب»، واهتمت بطفليه بعد انتحار سيلفيا. انتحرت آسيا أيضاً بعد ست سنوات من موت سيلفيا، وهذا ما أثار غضب وحيرة القراء حول طبيعة هيوز ومعاملته للمرأة المبدعة.

سيلفيا مارست كل أنواع الكتابة وساهمت في تأسيس شعر الاعتراف والشعر السوريالي وقد كتبت بوفاتها مرحلة جديدة من مراحل الدفاع عن حقوق المرأة عموماً والمرأة المبدعة بخاصة، وأكملت ما حققته فرجينيا وولف خصوصاً لجهة أفكارها التي ذكرتها في «غرفة تخص المرء وحده» والتي أكدت فيها على الاستقلال النفسي والمادي للمرأة المبدعة بحيث تكون لها غرفة تكتب فيها ودخل تستعين به في الإنفاق على نفسها وإبداعها.

كتبت سيلفيا دواوين شعر مثل «كلوسل»، و «الشتاء في الخارج»، و «عبور المياه»، والتي تشكل مرحلة كبيرة من وعيها، بخاصة ديوانها «أيريال»، والذي يمثل مرحلة نضج إبداعها وذروة توترها النفسي على السواء. ومن أشهر القصائد التي كتبتها قصيدة «أبي»، والتي تتحدث فيها عن أن زوجها واصل مص دمها سبع سنوات، وأن والدها يشبه هتلر النازي الذي عذب وقتل الملايين. وفي هذه القصيدة تصرخ سيلفيا معلنة المعاناة والقهر اللذين تعاني منهما ورغبتها في الخلاص. وفي قصائد أخرى اعترفت برغبتها في الانتحار مثل قصيدة «السيدة العذراء»، التي توضح مدى الاضطهاد الذي واجهته من زوجها وفاقم مرضها النفسي. أما العمل الكامل الذي يصنف على أنه يمثل حياة سيلفيا، فهو روايتها «الناقوس الزجاجي» التي نشرت عام 1963 بعد وفاتها، وهي سيرة ذاتية، تتناول علاقتها بوالدتها وعملها ضيفة شرف لمجلة نسائية، وأيضاً صراعها مع المرض النفسي وتلقي العلاج. وقد ترجمت هذه الرواية إلى العربية وصدرت ضمن سلسلة «الجوائز»- الهيئة المصرية العامة للكتاب، بمقدمة مستفيضة لكاتب المقال. موت سيلفيا لا يتحمل مسؤوليته زوجها تيد هيوز فحسب، فالأمر يتعلق كذلك بمؤسسات ترى في المرأة مخلوقاً ناقصاً وترى في إبداعها جنوناً غير مبرر.




التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads