الرئيسية » , , , » "رسالة أخيرة" أو قصيدة اللقاء الأخير للبريطاني تيد هيوز

"رسالة أخيرة" أو قصيدة اللقاء الأخير للبريطاني تيد هيوز

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 9 أكتوبر 2015 | أكتوبر 09, 2015



ترجمة : ياسر عبد الله*

رسالة أخيرة، قصيدة كتبها الشاعر البريطاني تيد هيوز، المولود عام 1930 في يوركشاير بانجلترا والمتوفى عام 1998 بلندن، والذي ظل منذ عام 1984 حتى وفاته شاعرًا للبلاط الملكي البريطاني، عن انتحار زوجته الشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث، المولودة في بوسطن عام 1932 والمنتحرة في لندن عام 1963.

نشرت القصيدة صحيفة "نيوستستمان" البريطانية مؤخرًا، وهي أول قصيدة لتيد هيوز يروي فيها بشكل مباشر تفاصيل آخر لقاء تم بينه وبين امرأته التي ستنتحر بعد هذ اللقاء بيومين.

 

ما الذي حدث في تلك الليلة ?، ليلتك الأخيرة

لمع برق لمرتين، أو لثلاث مرات

فوق كل شيء، في وقت متأخر من بعد ظهر يوم الجمعة

 آخر مرة أراكِ فيها وأنتِ حية

 تحرقين رسالتك لي، في مطفأة السجائر

بتلك الابتسامة الغريبة، هل أفسدتُ خطتك بصورة خرقاء؟

هل فاجأتني رسالتك قبل الأوان الذي دبرتيه؟

هل عجلتُ لك دون أي إبطاء؟

بعد ساعة أخرى – ستكونين قد رحلتِ

لمكان لا يمكنني اللحاق بكِ إليه،

سأستدير عن بابك الأحمر الموصد

الذي لن يفتحه أحد

وأنا ما زلتُ ممسكًا بخطابك

صاعقةً لا يمكن لها إخفاء "نفسها"

صدمة كهربية، ستصير علاجًا لي.

ستتكرر وتتكرر، طوال نهاية الأسبوع

كلما قرأتُ الرسالة، أو فكرتُ فيها

ستعيد صنع أفكاري، وحياتي

العلاج الذي خططتِ له يحتاج لبعض الوقت

لا يمكنني التخيل

كيف أمكنني المضي عبر نهاية الأسبوع تلك؟

لا يمكنني التخيل، هل دبرتِ كل ذلك؟

 

وصلتني رسالتك مبكرًا جدًا - في ذلك اليوم نفسه

 بعد ظهر الجمعة، كتبتيها أنتِ في الصباح

أوصلتها الشياطين القادرة سريعًا

تلك قشة أخرى من سوء الحظ

عامت ضدك من قبل مكتب البريد

 وأضافت إلى حمل ظهرك، تحركتُ سريعًا

عبر الجليد الأزرق، شباط، وغبشة ضوء لندن

 دمعتْ عيناي بدموع الخلاص حين فتحتِ الباب

جعبة ألغاز ذات حل وحيد، دمعات ثمينة

سقطت لتترجم عمّا بداخلي

وفشلتْ في الكشف

عن معناها الحقيقي. لكن ما الذي قلتيه أنتِ

أمام قطع الورق المحترقة من رسالتك

المحترقة بعناية شديدة، وبهدوء شديد

كلماتك التي جعلتني أطلق سراحك، وأتركك.

لتطلق أوراقك غاز رمادها بعيدًا عن خطتك، بعيدًا عن مطفأة الرماد

أمام ما ستجعليني أنحني لقراءته

رقم هاتف الطبيب

 

هروبي

صار شيئًا يطاردني

من دون نوم وبلا حيلة

نفدت كل أحلام هروبي

التي كانت تنتظر فقط أن أعيد صيدها

تنتظر فقط أن تسقط بعيدًا عن فضاء الأحلام

يومان إثنان معلقان يتأرجحان، يومان إثنان إضافيان

يومان إثنان في اللا تقويم،

مسروقان من اللا عالم

من وراء الواقع، والاحساس، أو الأسماء

حب حياتي جمع هذين اليومين، حب حياتي الخالي من إحساسه

بإبرتي حياكة مجنونتين

تطرزان وردتيهما، تثقبان وتحيكان

على نسيجهما المطرز، وشمهما الدامي

في مكان ما خلف حبلي السري

إبرتا حياكة مجنونتان

تشابكا، عكسًا بعكس، خيطي جراحتهما

تتخيران من بين أعصابي ألوانهما، وتعيدان تشكيلي داخل جلدي ذاته

 كل واحدة تعيد تشكيل الأخرى بصورتها المضحكة نفسها

وهوسهما، داخلًا خارجًا،

 كامرأتين، كل امرأة بأبرة حياكتها.

 

 في تلك الليلة

سوزاني المطرزة على طراز ديلا روبيا[i]،

تحركتُ وداخلي شك

من لهب لمنصهر كهربي، غضب حياتي كله

كان جهدًا متروكًا للإنفجار

كانت ظلال العالم القديم تميل عليّ

الرمادي الدال على أثر أقدامي، اتبعته

من هنا وهناك، وجهه ملقى للخلف، كفيلم معكوس

في أي إتجاه؟ ذهبنا إلى شارع رجبي

المكان الذي بدأنا فيه، أنا وأنتِ،

لمّ ذهبنا إلى هناك؟ من بين كل الأماكن

لمّ ذهبنا إلى هناك؟،

كانت الحماقة في محترف أقدارنا

توفق تعديلاتها لكِ، ولي

ولسوزان، كانت هي لعبة الورق

التي لعبها المينوطور في تلك المتاهة

متاهة ضمت حتى هيلين، الساكنة في الطابق الأرضي

لقد لاحظتيها من قبل، فتاة تصلح لتروي عنها قصة

لم تلتقيها أبدًا، لم يلقها أبدًا غير القليلين

سوى عبر الآذان والقناع اللاعاقل

القادم معها من الإلزاس، أنتِ حتى لم تلمحيها

فقط أحسستِ بالرعب

عندما طرح حيوانها البهيم وزنه

فوق بابها، ونحن ننسل عبر الردهة

ونسمعها تختنق بحنقها الألماني اللانهائي

 

ليلة الأحد تلك سمحت لبابها بأن يظل مفتوحًا

ببوصاته القليلة المتروكة

حيت سوزان عينها السوداء، غير السعيدة

الممتلئة أكثر من اللازم،

ووجهها الجميل، الذي يتلصص

عبر السلسلة الصغيرة، أغلقْ الباب

سمعناها تتشاور مع سجينها

داخل زنزانته، داخل حظيرته، حيث، بعد أيام لاحقة،

ستخنق بالغاز كلبها المتوحش كوبو، وتخنق نفسها

 

سوزان وأنا قضينا تلك الليلة

على فراش زفافنا، أنا وأنتِ، لم أره

منذ أن استلقينا هناك في ليلة زفافنا

ولم آخذها إلى فراشي

خطر ببالي صوت: عطلة نهاية أسبوعكَ انتهت

 

قد تظهرين - في زيارة مفاجئة

هل ظهرتِ، لتطرقي على نافذتي المظلمة؟

لذا فقد بقيتُ مع سوزان، مختبئًا منك

في فراش عرسنا نحن – الفراش نفسه الذي

ستؤخذ منه سوزان بعد ثلاث سنوات لتموت

في ذلك المشفى نفسه، هناك،

حيث، في خلال اثنتي عشرة ساعة،

سأجدكِ ميتة

 

صباح الإثنين

سأقلها إلى عملها، في المدينة

ثم أركن عربتي شمال طريق يوستون

وأعود إلى حيث تنتظرني مكالمة هاتفية

ما الذي حدث في تلك الليلة، خلال ساعاتك أنتِ،

أمر غير معروف كأنه لم يحدث قط

أي تراكم لحياتكِ كلها

كجهد غير واع، كميلاد

يدفعك عبر نسيج لكل ثانية بطيئة

للثانية التي تليها، حدثٌ

كأنه ما كان له أبدًا أن يحدث

كأنه ما كان يحدث، كم من مرة

رن الهاتف هناك في الحجرة الخاوية

- تسمعين رنين الهاتف داخل أجهزة استقبالك –

على طرفي الذاكرة الذاوية

لهاتف يرن، داخل عقل كأنه مات بالفعل، أُحصي

المرات التي قمتِ فيها بالمشي إلى كابينة الهاتف

أسفل ممشى القديس جورج

كنتِ هناك كلما كنتُ أنظر، أتحول فقط

خارج طريق فيتزروي، أعبر

بين الضفتين المتراكمتين من السُكَر القذر

في معطفكِ الطويل الأسود،

وياقتكِ مطوية للأعلى، خلف شعرك

تمشين، غير قادرة على الحركة، أو تستيقظين، أو تكونين هناك

_حقيقةً لا أحد كان يمشي_

تمشين بجانب الأعمدة الحديدية تحت تل بريمورز

إلى كابينة الهاتف التي لا يمكن الوصول إليها أبدًا

قبل منتصف النهار، وبعد منتصف النهار، أيضًا،

أيضًا وأيضًا، و قرب الفجر، أيضًا.

 

على أي وضعٍ كانت يديك على وجهي المُراقَب

هل قمتِ بمحاولتك الأخيرة،

قدرتي على أن أسمعك، مضت بالفعل، بعيدًا جدًا،

أهز الوسادة

على السرير الخالي؟

هل تلمسين برفق كتبي، وأوراقي، لمرة أخيرة ؟

في الوقت الذي وصلتُ فيه هناك كان هاتفي نائمًا

كانت الوسادة بريئة، كانت غرفتي تنام بالفعل

ممتلئة بضوء الصباح المضاء بالثلج

أشعلتُ ناري، كنت على وشك إخراج أوراقي

والبدء بالكتابة، عندها رن الهاتف

 صاحيًا بتشنج، في إنذار مثرثر

متذكرًا كل شيء، تعافى الهاتف في يدي

 ثم أتى صوت كسلاح مُنتقى

 أو كحقنة تم قياس الدواء الذي بداخلها

ببرود أسمعني ثلاث كلمات

عميقاً داخل اذني: لقد ماتت زوجتك.

 

 

* مترجم وكاتب من مصر

[i] لوكا ديلا روبيا (1400-1482) نحات إيطالي من فلورنسا، اشتهر بنحت التيرا-كوتا أو الطين الني، وسوزان المعنية هنا هي عشيقة ال[i] لوكا ديلا روبيا (1400-1482) نحات إيطالي من فلورنسا، اشتهر بنحت التيرا-كوتا أو الطين النيء، وسوزان المعنية هنا هي عشيقة الشاعر آسيا ويفل.



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads