الرئيسية » » المقبرة | أحمد شافعي

المقبرة | أحمد شافعي

Written By كتاب الشعر on الأربعاء، 15 أكتوبر 2014 | أكتوبر 15, 2014

المقبرة

ودوما تظل هناك عجوزٌ
تبيعنا الحلوى بجانب حائط،
وبيوت تقع فتعلو شوارعُ
شبرًا فشبرًا
تغلق الشبابيكَ
شبرًا فشبرًا
تحاذى أسطح البيوتِ
شبرًا فشبرًا
تصير القرى والمدائن كتلة مصمتة.
ووحدك أنت على هذه المصطبة الهائلة..
مبتسمٌ لا تزالُ
ـ بجانب علم عالٍ لا يرى أي شيء ـ
وغير وحيد.
كيف تصبح أنت وحيدًا
وتحتك مقبرة جماعية
كل من فيها يردد اسمك
الذي لم تعلمه غيره.

أنا أيضا غير وحيد.
فدوما هناك بنات لهن شفاه داكنة..
وشوارع مخدوعة بالمصابيحِ
 والأغاني السعيدةِ
وصوت الأذان.
ولابد أنك تنظر متن ثقب إلى كل هذا
ـ ثقب بطول الركام الذي سدَّ كل الفراغات ـ
ضاحكا من كل هذا..
موقنًا أننا
ـ وإن وجدنا ذلك الثقب ـ
لن نجرؤ أن نراك من خلاله،
ولن تستطيع عيوننا
ـ التي سدَّها الركام مثلما سدَّ كل شيء ـ
سوى أن ترى إلى الداخل..
سوى أن ترانا..
نحن فقط.

أرى داخلي:
الصغيرَ يمس الترابَ
وقد يأكل الطينَ
ثم يبصقه من فمه،
فيبقى لديه ما عاش هذا اليقين:
إن هذا التراب الذي منه خُلقنا..
غير صالح أبدا لإمداده بالحياة.

أرى داخلي:
الطفلَ يجرى وراء دبُّور
يئز ويعلو
ويتبعه الطفلُ
عيناه لا تريان الحصى
يتعثر،
فيبقى لديه ما عاش هذا اليقين:
إن هذه الأرض التي منها خُلقنا..
لابد أن نحذر منها،
وإن هذه السماء الجميلة فعلا جميلة..
لكننا ينبغي ألا ننظر إليها
ونحن نسير.

أرى داخلي:
الشابَ يكتب شعرًا
فتحلوُّ روحه
ويحدس كل المعاني
ثم تقع المعاني واحدًا إثر واحد،
فيبقى لديه ما عاش شك عظيم
ويبقى ألم.

أرى داخلي:
البشرَ المدهشين
يطيلون عمر الحياةِ
فيبقى لديَّ يقين
بأن الركام الذي ملأ الفراغ أمام عينيَّ
ملأ الفراغ أمام عيونهم
وخلفها.

أرى داخلي:
آمنٌ أنت.
تعد الأزرار التي تغلقها حول نفسك:
ثلاثة في البذلة.
تضغط زرَّ الريموت
فينقل التلفاز صورة الناس تحيا
"لم يموتوا إذن"
تبتسم في ارتياح.

آمنٌ أنت.
تعد الأزرار التي تغلقها حول نفسك:
ستة في القميص.
تُوَجِّه الريموت نحو العلم العالي
وتضغط
 زره فيرفرف.

آمنٌ أنت.
تفك زر البنطلون الوحيدَ …
وتخرج عضوك.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads