الآن تيقنت تماما ماذا أريد من حياتي؟ هكذا وبدون أسباب مقنعة اشتعلت فكرة اليقين كجمرة في رأسي ولم تخمد. أنا الجالس الآن في هذا المقهى وحيدا ، أحدق في الرماد المتكاثر في المنفضة رغم أني لم أشعل سيجارة منذ أتيت . أحدق في رماد قلبي ، وأقول ليس هو ، أحدق في اللون الداكن لسقف المقهى ، وأقول ليس معقولا ، يأسي لم يكن شاحبا بهذه الهيئة مسبقا. أرفع رأسي جهة المدخل أنتبه إلى أن رجلا عجوزا يجلس وحيدا أيضا ، واضعا مرفقيه على الطاولة ، مسندا رأسه بهما وكأنه يريد التخلص منه، مركزا ثقل جسمه على حافة الكرسي ،واثقا بأنه لن يسقط. يحدق بعينيه الواسعتين في البعيد، حيث ينقطع حبل تحديقي، ولا أرى شيئا. الرجل العجوز تتسع حدقة عينيه كلما ركزت النظر إليهما ، رموشه لا تطرف ، يحدق وأنا أحدق مثله ، هو يرى وأنا لا أرى . هو يزود نظراته بما تحتاجه من أكل وشرب وأنا لست كذلك ، لذلك حين يرتد طرفي إلى الرماد الذي يتكاثر أمامي ، أعرف بعد تفكير وتأمل ، أن ما أريده من حياتي :
يتوقف على الخارجين من رمادي دون أن يسقطوا في هذه المنفضة.
