الرئيسية » » بَهْجَةُ الياقُوت | أحمد الشهاوى

بَهْجَةُ الياقُوت | أحمد الشهاوى

Written By هشام الصباحي on السبت، 23 أغسطس 2014 | أغسطس 23, 2014

هنا بعضُ نفسي ، أو جزءٌ من كلِّي ، مئةٌ من شُذُوري ، وأنا أعرفُ أنكَ مشغُولٌ " ةٌ " ، أو مهجُوسٌ " ةٌ " بغير ما أنا فيه ، لكنْ جرِّبْ ، واقرأ كأنكَ من كتبتَ ، ومن شذرتَ من ذهبٍ ، وربَّما لا تكُونُ شُذُورًا ولا ذهبًا ، لكنْ اعلمْ " ي " أنني أحملُ ألمًا وتجربةً وهذا بعضُ تجلِّيها ، أو
جُزءٌ من نارها التي أحرقتني ، فقط غُصْ واغرقْ ، فما الغرقُ إلا نجاةٌ من غرقٍ أفدحَ .
....................................................
بَهْجَةُ الياقُوت
1
لي عقلٌ في قلبي ،
لكنَّ قلبي يرأسُهُ .
2
أنتِ لي طائري الذي في عُنق قلبي ، 
يعرفُ لُغاتي وأتحدَّثُ لغتهُ ، أنتِ منطِقي
3
من السَّهل تعلُّم اللغات ،
لكنَّ لغةَ القلبِ أصعبُ ، إذْ لا أبجديةَ لها ، 
فهي تخلُقُ كل ليلةٍ أبجديةً لها ،
وتحبلُ كُل ثانيةٍ بحرفٍ جديدٍ .
4
صرتُ ابنا لقلبكِ ،
كانت الهاءُ في اسمي يتيمةً ، 
واليوم وجدَتْ أمَّها فيكِ . 
كم أحبُّ تداخل عينيْ الهَاءِ ،
وكنتُ وأنا في المدرسة أتفنَّنُ في رسمِها وتشكيلِها ، 
لأنَّ الهاءَ عالمٌ رحْبٌ مسكُونٌ بالأسرارِ .
5
الجُمُوحُ سمةُ العاشقِ ، وصفةُ العارفِ ، وبابُ الطامحِ ،
فمن لا يجمحُ خَمِلٌ بائسٌ ، ساكنٌ ، ولا مكانَ له تحت شمسِ الحركة .
10
لستُ كغيري ، لأنَّني ابنُ رُوحٍ أخرى وثقافةٍ مختلفةٍ ، وقد علَّمتُ نفسي وثقفتها كنخلةٍ تثمرُ ، ودومًا يأتي قولي من منبعِ المعرفةِ والتجربةِ ليصُبَّ في قلوبِ أهلِ الشَّوق .
11
الحمامةُ المطوقةُ ليست أسيرةً ، تملُكُ قلبها ، وتُدركُ رُوحَها ، ولنا حق أن نعتبَ عليها إنْ لم تطر نحو العشقِ ، ولها أن تُقبلَ وإنْ أدبرتْ جنَّتِ السمواتُ وطار عقلُها .
12
ثقي بمائي ، قدر ثقتكِ بالنَّارِ التي تحرقُنا ، 
كُلَّما أقبل الليلُ في لباسهِ الجديد .
13
لستُ شاعرَ إنشاءٍ ، بل شاعر كشْفٍ ، أخفي أكثرَ مما أظهرُ ، وأبطنُ أكثر مما أبوحُ ، وأراوغُ أكثر مما أعترفُ ،
وأراودُ الكلامَ أكثر مما أتحرشُ به وأقتحمُه .
14
حفرتِ أرضًا أخرى فيَّ ، كلما مرتْ ثانيةٌ فيها تثمرُ
أنتِ مزيجٌ مُصفَّى من عناصر الكونِ
كلُّ شيءٍ فيك بمقدارٍ موْزُونٍ
لازيادةَ ولا نُقصانَ ، حتَّى لا ينقلبَ عُنصرٌ ما على آخر 
لا أعرفُ المبالغةَ وإن كنتُ ابنًّا للبلاغةِ ، والبلاغة تمقتُ المبالغةَ ، وكل بليغٍ ليس مُبالغا
أنا فقط مُبلِّغٌ عن حسنكِ بلغتي .
15
أكتبُ كما لو أنَّ جسدي في العشْقِ
أكتبُ كما لو أنَّ العشقَ في فمي
أكتبُ كما لو أنَّ فمي في الكلام
أكتبُ كما لو أنَّ الكلامَ تجمَّعَ في فعلٍ اسمُهُ : أعشقُ .
16
كلُّ سنٍ هي سنُ عشقٍ .
17
المرأةُ نارٌ لا يفت الزمنُ في عضدِ رغبتِها ، ولا يلعبُ العُمرُ لعبته مع نساءٍ خُلقن من طينِ النُّورِ والنارِ معا .
18
المرأةُ عندما تحبُّ ،
لا يشغلها عن حبها شيءٌ ،
تتوحدُ مع من تحبُّ ، وتحلُّ فيه ،
يكونُ هو أسطورتَها وكينونتَها وأرضَها وسماءَها ،
بينما الرجل حيوانٌ في تعدُّدهِ ،
كلَّما رأى امرأةً أراد نيْلَها ،
وإنْ فشلَ ، نالَها في خيالهِ.
19
الرجلُ السويُّ ليس الجنسُ همَّهُ الأولَ ، 
لأنَّ الحبَّ طريقُ المُحبِ والعارفِ ، 
ويمكنُ للرجلِ كالمرأة تمامًا ، أن يبقى بلا وصلٍ جنسيٍّ لسنواتٍ دُونَ أن تُمطرَ عليه غيمةٌ .
20
أحبُّ النهدَ في شُموخه ، لا أحبهُ ذليلا كسيرًا ، أحبُّ غضبَه وعصبيتَه ونفورَه ، أحبُّهُ كأسلافي ملء الكفِّ ، يزُنني ويُزيِّنُ فمي ، أحبُّ النهدين وهُما في خصامٍ ، كلٌّ في بيتٍ وحدهُ ، لا يتصافحانِ أبدا ، أحبُّ الحلمةَ بارزةً نافرةً حادةً صلبةً جامدةً ، وكلما بُستها فاقتْ ، وزادتْ وزانتِ النهد وجغرافيته .
21
النَّيْلُ هِبةُ قلبٍ ، لا هِبةُ جسدٍ .
22
قالت له دُون عتابٍ :
وأنتَ في سريرِها ،
فكِّرْ بي ، 
ومشتْ نحو غيمةٍ لا تدركُها يدا رأسِهِ .
23
أعرفُ أنَّكَ تثقُ في نفسِكَ كثيرًا
فلماذا تهزُّها بأنْ تضع قبلها صِفة الشَّاعر
وأنت الشَّاعرُ.
24
أنا ابنٌ لروحي ، أعوِّلُ عليها في كلِّ شيءٍ ، أشعرُ أن نُقطتي بحرٌ ، وأنَّ طريقي دومًا يبدأ من الصِّفرِ ، وأنَّني قد أمُوتُ قبل أن أحيطَ بالدائرةِ رغم أن نقطتها في قلبي.
25
كلَّما نِمْتُ ليلةً في جهلي أشعرُ أنَّني نمتُ أبدًا، وأنَّ معرفةَ رُوحي ناقصةٌ ، وأنَّ عليَّ السيرَ على شرانق دُودٍ حريريٍّ دُونَ أن أمسَّ الفراشات بسُوءٍ ، إذ هي من تحملُ سرِّي ، وتكشفُ الحجبَ لي .
26
لا أحدَ يأخذني من نُوري ،
فهاء الله مضْفُورةٌ كعينينِ زائدتينِ لي ، 
بهما أحدسُ وأحرُسُ وأحرُثُ وأحرقُ وأحرُنُ وأحرصُ وأحرِّضُ .
27
الشِّعرُ هو أن تكتبَ عن ما تعرفَ ، وتحسَّ وتشعُرَ ، عن المكانِ الحيِّ لا المستعار ، عن الوجعِ ، عن الموتِ والعشقِ ، لا عن ثلجٍ ليس في بلادي ، ولا عن زهورٍ لم أرها أو أشمَّها .
الشِّعرُ هو أنا تامًّا وناقصًا ،مكسورًا وكاملا ، عن وضعي ك : حالٍ واسمٍ وفاعلٍ وفعلٍ ومفعولٍ به من الحياة الأقسى ،
الشِّعرُ هو النجومُ التي تنامُ على مخدتي ، هي ما رأيتُ في السَّماء وأنا صغيرٌ ، عن الرَّاء التي فشلت في نطقِها وأنا طفلٌ ، وماتزال تشاغبني وتمُدني بالغين بدلا عنها ، 
الشِّعرُ هو سيرتي وصُورتي ومسيرتي ، 
هو أن أكتبَ عن صرصورِ الليل لا عن الجُدجد الذي لم يجترح أفقي ، عن زهرة البشنين وليس عن زهور هولندا ، عن نهر النيل والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والترع الصغيرة التي نزلتها صغيرًا ، وليس عن الأطلنطي أو الهندي أو الهادي أو غيرها ، حيث شفتُها زائرًا سائحًا ، لكنَّها لم تدخلني ، 
أنا أكتبُ عن الطين حيث عشتُ ، وحيث إنني ابنُه ، لا عن الرَّمل الذي ليس لدي خبرةٌ بغدره وتقلُّب مِزاجه وسرقته للبيوت ليلا . 
الشِّعرُ أن تكتبَ معنى قريبًا من الرُّوح ، من السماء ، بلغةٍ ليست قريبةً ومتاحةً ومتداولةً ، ، لأنَّ كلَّ معنى بعيد ، يذهبُ أيضًا بعيدًا كأنه زبدٌ لا يمكثُ في أرضِ الشِّعرِ .
28
لا ذئبَ فيَّ يسكنُ ، رُوحي لم تعرف النَّهمَ إلا في المعرفةِ ، ولم تلتهم شيئًا في مسيرتها سوى أطنان من الورقِ المطبوعِ ، ولا أخفي أنكِ امرأةٌ مثمرةٌ وناضجةٌ وحان أن اقطفكِ ، و لذا يُعجبُني عقلكِ كثيرًا ويثيرني ،
وأرتاحُ في حِضْنهِ .
29
الرجالُ طوال الوقت يشكُّونَ في المرأةِ العارفةِ ، والنساء لديهم جاهلاتٌ ، مدعياتٌ ، مثرثراتٌ ، يُكتبُ لهن ، لايُميزن بين الألفِ وكوزِ الذُرة ، ولذا هم طوالُ الوقت لايحترمونَ المرأة وإن ادَّعوا غير ذلك ، ورأيي أن الرجالَ ناقصو تربيةٍ ، ويحتاجونَ إلى الكثير من التعلُّم ، إذْ ضرَبهم الجهلُ في مقتلٍ
30
أنا مستثنى بإلاَّ ، 
اسمٌ مشتقٌ ، لا جامدَ ، 
وكلُّ علاماتِ اللغة تقدِّرُني ، وتمنحني الدرجة النهائية لغليانِ الحُرُوف .
31
أنا الذي لايهدرُ ثانيةً ، 
صرتُ مأسورًا لعينينِ واسعتين في حرفٍ
أمنحُ الليلَ لشمسكِ
ولم يعُد الوقتُ يقفُ بعصاه على بابي مُهدِّدًا عرْشِي
وصارَ سريري لا يراني
وإنْ رأى فهو لمن أحبُّ وآنسُ .
32
كلُّ الطرقِ المسدُودةِ ، 
لها بابٌ سِريٌّ يُفْتَحُ متَى أردنا لهُ أن يرانا .
33
كلُّ خفاءٍ لكِ عنِّي ،
هو كشفٌ وتجلٍّ لي فيك وفيَّ .
34
المتزنُ يهْدرُ ولا يسكُنُ
بابي لم يصِر مُباركًا إلا مع طرْقكِ ، والإسرافُ لا يُؤذي بل يملأ الرُّوحَ شموسًا ،
ما أظنُّ أديم أرضنا إلا من وقعِ تساقطِ حرُوفنا وتوالدها في الماءِ
وما الإبحارُ إلا محاولةٌ من السفينةِ البعيدةِ عن الشاطيءِ ؛ كيْ لا تثقبَها شمسُ الناظرين
المجنُونُ لا يُترَكُ ليرتاحَ ، لأنهُ كلَّما تُرِكَ جُنَّ أكثرَ
راحتي في جُنوني
ومائي لا ساحلَ له
لأنَّ كلَّ السَّواحلِ عند الحبيبِ
الظمآنُ لا يندمُ ، والسَّرابُ ليس كلُّهُ وهمًا ، وكلُّ حقيقةِ هي في الأصل بنتُ سرابِ المُخيلةِ،
لُقمتي في يمينكِ
ومائي في ضلعكِ الأيسرِ صارَ نبعًا يصُبُّ فيَّ
أكتبُ ولا أقتاتُ مما أكتبُ ، وغنايَ ليس في استغنائِي عن شمسِ المعرفةِ وماءِ هيكلِ النُّور .
دومًا أدعُ الكونَ لنفسه ‘ إذْ هو أدْرى بدرجةِ حرارةِ الشَّمسِ منِّي ، وأعرفُ بسرِّ الطيرِ من رأسي ، رغم أنَّ الهداهدَ تعترفُ بأنَّني مَلكُ مُلوكها .
35
الحلماتُ سيدةُ نفسها ، تسرقُ حريتَها من السوتيان ، 
ودائمًا ما تغافلهُ ، وهي من ترفعُ الثوبَ في تحدٍّ صارمٍ وصادمٍ وصارخٍ لرفعِ الهِممِ .
دعي الحلمتينِ تعيشانِ ، أخرجيهما من قفصهما الأبيضَ
فهُما الحالمُ الأولُ بالطيرانِ
وهُما من كتبا مُعجمَ الحريةِ
وأسَّسا أبجديةَ العشقِ
شكرًا لدانتيلك الذي فكَّ أسْرِهما .
36
كلُّ كائنٍ لهُ حُلُمُه ، فلمَ نقْصرُ الأحلامَ علينا نحن البشر ،
كأنهُ ليس في الوجودِ غيرنا .
37
الإنسانُ الذي لا يحلمُ ميِّتٌ ، 
لا وجودَ لهُ ، هو والعدمُ سواء ، لا شرايينَ له ، ولا دماء ، 
مسدودُ الحوائطِ ، عمرُهُ قصيرٌ ، وأساسًا ما استحق أنْ يولدَ .
38
طرقُ الوصولِ إلى الجنَّةِ على عددِ أنفاسِ البشرِ ،
وكلُّ طريقٍ مصحوبٌ باللذةِ والانتشاءِ والإشراقِ فهو منِّي ولي
.
39
كل نفسٍ مُرْهقةٍ مطرُها فيها ،
فما خُلِقتْ نفسٌ إلا لتسعى ، 
والسَّماءُ التي لا تُمطرُ كالرُّوحِ تمامًا عقيمٌ أو مغضوبٌ عليها 
.
40
سأكونُ معك ، حتى يختفي الماءُ من البحارِ ،
ولا يبقى على اليابسةِ سوى حواء وآدم من جديدٍ اللذين هما أنتِ وأنَا .
41
الزيتُ عادةً لا ينضبُ من المِصباحِ ، 
إذ كلُّ مصباحٍ وإنْ كان مذكَّرًا في اللغةِ ، فهو مؤنثٌ في ولادةِ زيتِهِ كل ثانيةٍ ، 
لأنهُ يكرهُ أن يكونَ منطفئًا أو لا جدوى من وجودِهِ أصلا .
42
كان وحدهُ يُفكرُ في تعطُّلِ الحُرُوفِ ،
فهاجمهُ الجيشُ الأحمرُ 
ولما رآه العاشقُ ينزفُ 
شقَّه قمرٌ وحيدٌ
القمرُ وهو مَخنُوقٌ 
حرٌّ
فما الدمُ إلا بكاءٌ على قمرٍ مشْقُوقٍ .
43
الحبُّ ليس وظيفةً يوميَّةً ، 
إنَّهُ في القلب شجرةٌ أصلها ثابتٌ ، 
وفرعُها في سماءِ الرُّوح .
44
من يشْتم ، هو تحت حذاءِ من يكتبُ
ومن يسبُّ أدنى من الحبرِ الذي استخدمهُ في السِبابِ
ومن يتطاولُ على عالي المقام ، هو من قصارِ القامةِ ، 
ولن تطول قامته أبدًا
الشاتمُ شخصٌ ناقصٌ ، بائسٌ ، ممتلىءٌ بالحقد والحسد ،
لا يدخل الدائرة أبدًا ،
وهو دومًا يلفُّ حول محيطها ولن يصلَ .
45
ما أنا إلا سببٌ لجرِّ الحرْفِ نحو ورقتهِ .
46
الاستغلالُ أسوأ مُفردةٍ في تاريخِ اللغاتِ ، 
فاجتنبوها في الكتابةِ والحياةِ .
47
أصدِّقُ حدْسِي ، حتَّى لو رأتْ عيناي الحقائقَ مكشوفةً ، 
لأنَّ عُيونَ الحدْسِ أكثرُ وأحَدُّ .
48
كُلُّ قراءةٍ تحملُ كتابةً على جناحِها 
فاقرأ مئةَ صفحةٍ ،
واكتبْ سطرًا واحدًا .
49
راعي الحرْفِ ،
هو المهنةُ الأطولُ بقاءً على الأرضِ .
50
العتَمَةُ لا تعرفُ بابَ من ينعمونَ بخيالٍ غيرِ عاقلٍ .
51
صحِّحِ النصَّ
واتركهُ
وعدْ إليه ثانيةً بعد فترةٍ
لا تعُدْ إلى نصٍّ أبدًا وهو طريٌّ
لابدَّ من أن يجفَّ دمهُ ، كي نرى ملامحهُ جيدًا بعد الولادةِ
ولابد من مُساءلةِ الشَّاعرِ لنفسهِ
ومن مُساءلةِ آخرَنصطفيه لنصِّه.
52
القطةُ تقرأ الصوتَ ، وتُدركُ الحرفَ ، وتشمُّ الخطوةَ ، 
وتعرفُ نفَسَ صاحبها ، وتصبرُ على الفراقِ ، ولايأخذُها من صاحبها إلا العشقُ ،
وعندما تخيبُ ، أو تُنهي إشراقها الذي لاينتهي ، 
تعُودُ إليه مُرخيةً أذنيها ، صامتةً ، مدَّعيةً حُزنًا ، 
رغم أنَّها عادت من " رحلة تجلٍّ " ، لكنَّها تُظهرُ دومًا الاعتذار ؛ لتكسبَ رحلةً أخرى تُخططُ لها ، 
وتشرعُ في قراءة كتابٍ ، يحُضُّها على العشق ، الذي تراه أهمَ فعلٍ تُمارسُه ، وأهم مفردةٍ في لغة صاحبها التي تُحاولُ إرضاءً له أن تدركَها .
53
الفتنة دوما تأتي من الرمل ، والرمل لم يعد وحيدا ولا يعاني من عزلة ، فمن نخله طل الجمار ، ومن ليله أتت نساء لم نرهن حتى في الأحلام ، الصحارى لم تعد جافة كما هو شائع ، لكن جدرانها تحوي خلفها عطور الأسرار. 
في ليل الصحراء تشق اللذة النجوم ، لتعرف السموات سر منتهى الذروة ، وسدرة النشوة ، وتجلي العشق .
54
لا أحدِّدُ ملامحها جيدًا
هي تُحوِّمُ كخيالاتٍ مُدْهشةٍ
لكنَّني أتذكَّرُ يومَ موتِها كأنَّهُ الآنَ
كانت تلدُ ابنها السادسَ ، وكان ذلك في عام 1965 إذْ كانَ عمرُها وقت ذاك ستةً وعشرين عامًا ، يقولُ من عرفوها كانتْ سخيةً في فتنتِها ، وفي يديها ، من عائلةٍ لها مكانتُها الاجتماعيةُ في القرية هي " عائلة عيسى "
لم أكُن قد أكملتُ الخامسةَ بعد ، لكن ما وقرَ في ذهنِ رُوحي وصُورة رأسي يوم وفاتها ، وهي بين يديْ الطبيب " وليام" ، ولكن يبدو أنَّ يدَ الموتِ كانت أمضَى وأسرعُ في القطْفِ .
كانت أمِّي تحملُ اسميْن هُما نوال وفاطمة ، لكنَّها كانت تحملُ من أسماء الحبِّ أكثر ، نظرًا لفرادتها .
55
كأنَّ الأشياءَ تساوتْ ،
ولم يعُد الليلُ هو الليلُ ، ولم يعُد النهارُ هو النهارُ ،
غيابي كحضوري ، لا شيءَ يتحرَّكُ ، الكلُّ ساكنٌ ،
حتى أنَّ اللغةَ ماتتْ حركاتُها ، وما كانَ ساكنًا فيها يتنفسُ ماتَ هو الآخرُ ، لاشيءَ أعرفهُ سوى ما يسترُني
حتى اسمي المكوَّن من أربعةِ حُرُوفٍ خاصمهُ السِّحرُ ، وودَّعته الجِنُّ والملائكةُ ، وصارَ مترُوكًا يبحثُ عنِّي فيَّ .
56
الحبُّ دينُ المرأةِ
وكتابُ خرُوجِ الرجلِ من جنَّتِها .
57
من لم يكنْ نفسه فلن يكونَ أبدًا ،
وكلُّ مستعيرٍ أو مسْتعارٍ هُو وقودٌ لفُرنِ النسيانِ ، 
لأنَّ ذاكرةَ الزمانِ دائمًا ما يطرُدُ غِربالُها المقلِّدينَ والناقلينَ ، 
ولذا بقيت العلومُ العقليةُ حيَّةً في تراثنا ، بينما كان مصيرُ العلومِ النقليَّةِ 
أقل شأنًا ، إذ الناقلُ عاطلٌ ، وربَّما باطلٌ أيضًا .
58
الزَّعلُ من الحقائقِ لا يُنْجبُ مَتْنًا .
59
العاقلُ من يفقهُ كلمتَه ، ويزنُها بميزانِ الشكِّ والتقصِّي ، 
قبل أن يطلِقَها مدفعُ فمِهِ ، أو تفجِّرُها قنبلةُ دواتِه .
60
لقد أنجزتُ ديوانًا وأنتظرُ صُدورَهُ ، وأنا الآنَ ألعبُ ، 
كم أحبُّ اللَّعبَ بلاقيدٍ ، حيثُ لا شكلَ ولاسقفَ ولا محدداتٍ مسبقة ، ولا قانونَ سوى قانونِ المزاجِ والرُّوحِ وقبلهما اللغة ،
وفي لعبي هذا ، عادةً ما أخرجُ وفي يميني كتابٌ هو بين الشِّعرِ والنثرِ ، هو يُصنِّفُ نفسه ، ويخلقُ شكله الفنيَّ ، ودائمًا الكتابة عندي أسبقُ على التجنيسِ ، وقبل الشَّكل ، هي الجذرُ ، وكلُّ قاعدةٍ ينبغي أن تنبني عليهِ .
61
القصيدةُ تسبقُ القاعدةَ .
62
الحبرُ ابنُ الحُزْن .
63
أنا مُستثنى بالعشْقِ .
64
لا تنتظرْ من غُرابكَ أن يحلبَ لكَ لونًا أبيضَ .
65
اللانهايةُ تطرُقُ بابي كثيرًا
لتنذرني بقربِ النهاياتِ
لكنَّ خشبَ البابِ لا يعترفُ إلا باثنينِ : النار والرائحة .
66
أنا كأحمد الشَّهاوي سأموتُ قبل أنْ أصافحَ إسرائيليًّا ،
وشرفٌ لي أن أبقى شاعرًا مغمُورًا
منزويا ينتمي فقط إلى قريته كفر المياسرة ، وسأكسر عنقي إن وجدتُها يومًا تمتد نحو أفقٍ آخر لا تحبه رُوحِي .
67
كلٌّ له قناعاتهُ ، ولا أعلنُ الحربَ على أحدٍ ، بل أحبُّ طوالَ الوقتِ أن أعلنَ الحربَ على أنايَ ، ولستُ معنيًّا بسلوكِ أحدٍ ، فقط لن أفعلَ شيئًا لستُ مقتنعًا به ، حتَّى ولو كانَ موجودًا في الكتابِ ، ولا عنصريةَ في الاختيارِ ، أو السلوكِ الشخصيِّ لي ، أو في الجانبِ الذي أحبُّ أن أنامَ عليه ، والإنسانُ عندي هو ما يكتبُ ، وما يسلكُ أيضًا ، ولن يرفعَ من شأني سوى نصِّي وسُلوكي ، وعلى المرءِ أن يُحسنَ علاقاته بمنْ حوله ، قبل أن يُحسنَ علاقاته بالآخر الإسرائيلي أو غير الإسرائيلي .
68
النسيانُ لا يعرفُ طريقًا لبابي ،
أحيانًا يبيتُ خارجَ البابِ ولا أشفقُ لحاله ، 
هو قاتلٌ محترفٌ يفيدُ كثيرين ، لكنَّني أكرهُهُ ،
ورُبَّما رُوحي لم تكره شيئًا منذ خُلقتْ ، قدرَ كراهيتها لسارقِ الكلام والمجازِ ومنمنماتِ وفسيفساء العشْق.
69
لم أنشغل بزبدِ الحياةِ لأمكث فيَّ على الأقلِّ 
وأذهب نحو أنايَ ، مُتجردًا من هواجسِ الطَّريق .
70
من كانَ من طِينةِ الشِّعرِ ،
فالقصائد تُولدُ بينَ كفَّيْهِ .
71
أصعدُ السَّماءَ بسُلَّمٍ مكْسُورٍ .
72
أعتقني الليلَ من خيطهِ الأسْود
لكن لم تنس يداهُ أن تمنحاني النُّور .
73
الفتنةُ وحدها 
لاتقيمُ عمارةَ امرأةٍ .
74
مادامَ المرْءُ يقرأ ويتأمَّلُ ذاته ويُسافرُ ، لا تغيبُ الكتابةُ عنهُ ، ولا تُماطلُهُ ، بل هي في مُراودةٍ دائمةٍ معهُ
الكتابةُ لا تُعاقبُ سوى أصحابِ القلوبِ السوداءِ ، والنُفوسِ الدنيئةِ فقط ، 
والرُّوحُ لا تأسَنُ إلا إذا غادرَ الدمُ جسدَ صاحبِها .
75
لا أريدُ أن أقفَ في طريقِ الكلامِ ،
كيْ لا تغضبَ مني اللغةُ ،
وتلعن خُطواتِي .
76
ليسَ لديَّ شيءٍ سِواي .
77
الواهمُ يحدسُ أيضًا ، إذْ له عشرُ عيونٍ في قلبِهِ .
78
رُوحُكِ فرْضِي ، 
وجسدُكِ سنَّتِي .
79
ولدتُ بين يديْ بلقيس والهدهدِ الذي راودها ، وتبعته كمجذوبةٍ عاريةِ الساقيْنِ ، وكنتُ أوَّلَ من رأى غابتها ، وباس قُدْسَها .
80
ذمُ النَّاقصِ حسَنةٌ .
81
الصُّداعُ نحن نُربيه فِي رؤُوسنا ، 
لأنَّنا لا نفسحُ لسماءِ الرأسِ أن تُمطرَ ونبخلَ بغيماتها .
82
كلُّ بُكاءٍ يغسلُ ،
إلَّا بكاءُ العاشِقِ يُميتُ .
83
المرأةُ أجملُ ثمارِ اللهِ على الأرضِ وأشْهَاها ، 
وتجارُ الدين هُم من أفتُوا بسبْيها وبيْعها في أسواقِ نخاستهم البائرةِ كقلوبِهم المُقدَّدةِ ، والكاسدةِ كأرواحِهم الخَرِبة .
84
اليأسُ يُحْرِقُ ويُشْرِقُ ، 
والمحظُوظُ من يُحوِّلُ ترابَ يأسِهِ إلى طينِ الخليقةِ ، ولن أقولَ فقط إلى تبرٍ .
85
كُلُّ حبٍّ يؤدِّي إلى حرْقِ من و ما نحبُّ ونشتهي لم يكن حُبًّا ، 
بل كان نوعًا منَ التعلُّقِ الشديدِ ،
لأنَّ الحبَّ يُعْلِي ويُعْجِزُ ويمنحُ المُحبَّ حيواتٍ كثيراتٍ .
86
الحرقُ ليس نهجي ،
أحرقُ فقط ما لا آكلُهُ أو أشربُهُ ، أو المنتهي صلاحيتهُ منَ البشَرِ ، 
فلي وجهٌ واحدٌ ، ولا أحبُّ أقنعة الحياة ، ولم تُقْنعني ، وسأبقى فلاحًا يعرفُ أنَّه إذا ما دفنَ بذرةً تحتَ التراب ستنبتُ ، وتسلِّمُ يدي رأسَها للشَّمسِ .
87
لم أرَ أرضًا تتخلَّصُ منْ ابنِها ، 
هو فقط الدودُ الذي يغافلها ، ويسرقُ أولادَها ، ولذا تُعذبُ الدُّودَ فتُكثرُهُ عند الموتِ ، وتُرغمُهُ بعد تحلُّلِ الجُثثِ أنْ يأكلَ بعضُهُ بعضًا .
88
الرَّملُ لا يتألمُ من الشَّمسِ ، لأنَّهُ اعتادَ حُرقتها ، وأبناء الرِّمال قُدُّوا من صُخُورٍ من المُستحيلِ تشكيلها ، لأنَّها جُبلت على الصَّلادةِ لا الصَّبابة .
89
كُلُّ وِثاقٍ مُحْكمٍ ليس قيدًا .
القيدُ في دواخلنا ، فلنُحررْ أرواحَنا من عُبوديةِ الأعرَافِ ، والخوفِ منَ الرَّوائحِ التي تلدُ .
90
الرُّوحُ التي تعتادُ الغِيابَ 
فاسدٌ ملحُهَا .
91
هزمنِي الرَّملُ
هزمتْني عينا اسْمِكِ .
92
الحبُّ حياةٌ طويلةٌ وموتٌ أطولُ ،
هو الحقيقةُ الوحيدةُ التي لها وجهٌ واحدٌ ولونٌ واحدٌ ، ولا تحتملُ أي تأويلٍ أو شرحٍ أو تبريرٍ أو دفاعٍ أو شاهدٍ ، ومن رضَعَ من أثداء الرِّمالِ لهُ أن يُنكرَ قوْلي .
93
الكتابةُ الكتابةُ
كُتبتْ لتبقى لا لتُنشَرَ فقط .
94
الكسُوفُ لا يخاصمُ قمرَ الهاءِ ، لأنَّ عينيْ الهاءِ قُدَّتا من اسم الله الذي رفعَ نهديكِ بلا سواند أو روافع أو سوتيانات
.......
ليست كلُّ الأقمار يعتريها كسُوفٌ ، فما لم نكتشفه من أقمارٍ عُذريَّةٍ يفوقُ حصر العارفين بعلومِ الفلكِ والسِّحْر .
95
لم تُدركني خديعةٌ أبدًا ، 
وحتَّى لو تصورَ الآخرُ أنه يخدعُ ، فهو لايُدركُ أنني كنتُ أقيسُ المسافةَ بين يمينهِ ويسراه ، لأعرفَ ما حجمُ الهواءِ الفاسدِ الذي يقتلُ به كائناتِ الإله .
96
منْ عشقَ حرفًا ، كتبَ اللهُ لهُ في كلِّ سماءٍ قصرًا من كلامٍ ،
لا يدركُهُ سوى الطَّائرِ الذي ولد في فراش الفراديس الزائلة .
97
كيْ يعيشَ صادقًا ، بنى مدينتينِ منْ أكاذيبهِ ، 
وفي سبيلِهِ إلى المدينةِ الألف .
98
كلُّ كلامٍ لا يقودُكَ إلى الخُلْوة ، 
مولُودٌ من رحِمٍ عاقلةٍ .
99
الأرضُ تحيا ثانيةً على طينِ من ولدوا من رحمِها ، 
كيْ لا تجوعَ وتفْنى .
100
عِشْ خادمًا لحرفكَ
لا مُسْتَخْدِمًا لهُ .


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads