حانة الشعراء
هي حانة شتّى عجائبها | معروشة الزّهر و القصب |
في ظلّة باتت تداعبها | أنفاس ليل مقمر السّحب |
و زهت بمصباح جوانبها | صافي الزّجاجة راقص اللّهب |
باخوس فيها و هو صاحبها | لم يخل حين افاق من عجب |
قد ظنّها ، و السّحر قالبها ، | شيدت من الياقوت و الذّهب |
***
| |
إبريقه حلي من الدّرر | يزهى به قدح من الماس |
و كأن ما حوليه من صور | متحركات ذات أنفاس |
تركت مواضعها من الأطر | و مشت له في شبه أعراس |
منهنّ عازفة على وتر | متفجّر بأرقّ إحساس |
و غريرة حوراء كالقمر | تحنو على شفتيه بالكاس |
***
| |
أو تلك حانته ؟ فوا عجبا ! | أم صنع أحلام و أهواء ؟ |
و من الخيال أهلّ و اقتربا | فينوس خارجة من الماء ! |
في موكب يتمثّل الطّربا | و يميل من سحر و إغراء |
و بكلّ ناحية فتى وثبا | متعلقا بذراع حسناء |
يتوهّجون صبابة و صبا | يتمثلون غريب أزياء |
***
| |
حمر الثّياب تخال أنّهمو | يفدون من حانوت قصّاب ! |
جلسوا نشاوى مثلما قدموا | يترقبون منافذ الباب |
يتهامسون و همسهم نغم | يسري على رنّات أكواب |
إن تسأل الخّمار قال همو | عشّاق فنّ أهل آداب |
لولا دخان التّبغ خلتهمو | أنصاف آلهة و أرباب |
***
| |
من كلّ مرسل شعره حلقا | و كأنّها قطع من الحلك |
غليونه يستشرف الأفقا | و يكاد يحرق قبّة الفلك |
أمسى يبعثر حوله ورقا | فكأنه في وسط معترك |
فإذا أتاه وحيه انطلقا | يجري اليراع بكفّ مرتبك |
و يقول شعرا كيفما اتفقا | يغري ذوات الثّكل بالضحك |
باخوس يروي عن غرائبهم | شتّى أحاديث و أنباء |
قصص تداول عن صاحبهم | و عن الصّبايا فتنة الرآئي |
و عن الخطيئة في مذاهبهم | بدأت بآدم أم بحوّاء |
و الملهمات إلى جوانبهم | يكثرن من غمو و إيماء |
يعجبن من فعل الشّراب بهم | و يلذن من سأم بإغفاء |
***
| |
و تلفتّوا لما بدا شبح ! | فنانة دلفت من الباب |
سمراء بالأزهار تتّشح | ألقت غلالتها بإعجاب |
ومشت تراقصهم فما لمحوا | إلاّ خطى روح و أعصاب |
و سرى بسرّ رحيقه القدح | في صوت شاجيّ اللّحن مطراب |
و شدا بجوّ الحانة الفرح | لإلهة فرّت من الغاب |
***
| |
هي رقصة و كأنّها حلم | و إذا بفينوس تمدّ يدا |
الكأس فيها و هي تضطرم | قلب يهزّ نداؤه الأبدا : |
زنجيّة في الفنّ تحتكم ؟ | قد ضاع فنّ الخالدين سدى ! |
فأجابت السّمراء تبتسم : | ألفنّ روحا كان ؟ أم جسدا ؟ |
يا أيّها الشعراء و يحكم | اللّيل و لّى و النّهار بدا ! |