الرئيسية » » أحمد الشهاوى | على كتفي أناشيدُ نِسْيانٍ

أحمد الشهاوى | على كتفي أناشيدُ نِسْيانٍ

Written By هشام الصباحي on الأربعاء، 18 سبتمبر 2013 | سبتمبر 18, 2013

على كتفي أناشيدُ نِسْيانٍ


لا اسْمَ لي
ولا نَهْرَ يُطلُّ بيتي عليْه
لا منفَى يلُمُّ عِظامِي
ولا وطَنَ يُدْفِئُ تُرْبَتِي



لم أتعارفْ أنا والظلَّ
إلا تحتَ شمْسٍ ميِّتةْ
فُطُورُنا صَمْتٌ
وعشَاؤُنا ما تبقَّى من شَعْرِ ذقْنِ السَّماءْ
وليسَ على قيْدِ الحياةِ سِوى زوْجيْنِ من حَسَدٍ
وأنا في الطَّريقِ إلى المقَابرِ أصْعدُ سُلَّمِي
عُزْلتِي في يمينِي
وفي اللَّوحِ بحْرانِ من ذُنوب
وعلى كتفي أناشيدُ نِسْيانٍ
ومِزْوَلةٌ من الوقتِ عطْلانةْ
تُصْغِي داخلِي
وتُرتِّبُ دُخلتِي للقبر



وتُوهِمُ أنَّنِي رَجُلٌ
تعْرفُ القِطَطُ الشَّريدةُ خَطوَهُ
وأنَّ آلهتي لا تمتَلكْ حُريَّةً
كالتي كانتْ تنامُ على شَجَري في الظَّهيرة
حيْثُ لاشُغْلَ سِوى تقليمِ أظَافرِ الأيَّام
ولقد أتيتُ لأحيَا على وتَرٍ
لا أنْ أعيشَ على سببٍ للوفاةْ
أو في انتظارِ مُوسيقى مُؤجَّلةٍ تَشُدُّ النَّحْوَ من بطْنِ الكِتَابْ
فالانفعال الحُر يضْبطُ الإيقَاعَ في الظُّلُمَاتْ
ويمنحُ الكلماتِ حُريَّةَ المبْنَى
وللإيقاعِ شَهَادةٌ أنَّهُ لاشَيءَ دُونَ الفكْرةِ الأُولَى .



ودُونَ سَعْيٍ مِنِّي
تنامُ أكاذيبٌ على بابي
ولا تترسَّخُ الأشْعارُ في قَوالبَ جَامدةْ
ولا أخْشَى زمَانًا عاريًا من مُقلتيْهِ
ولا مدًّا لبحْرٍ يَحْشُو مِخدَّتَهُ بالقلقْ
ولاذِهنًا تَشَوشَ قُربَ مِذْبَحَةٍ
ولا رأسًا لحريَّةٍ محْشُوةٍ بالفواجِعِ والدماءْ



أطْوي مِياهًا كيْ أجِيءَ مُحَمَّلا بالمَوْجِ
أو بالمَوْتِ
أو بروائِحِي
فآلهةٌ تنامُ إلى جِواري كُلّ ليْلةْ
لا تسْمحُ للنَّهارِ بغيْرِ أنْ يتلُو
كِتابًا للخُرُوجْ
ولا لزبدٍ جَارحٍ بأن يبنيَ دوْلةً من وهْمِهِ
ولا للشَّمْسِ أن تمْشِي
على قِطَعٍ من البللورِ حافيةٍ .



بين جَزْرٍ وجَزْرٍ
يمُوتُ البلاطُ الذي كانَ لي شَاطئًا
ويهْرُبُ سمَكٌ من النَّهرِ
نحو إيقاعٍ قديمٍ للكمانْ
ولا تصْحُو عرُوسُ النيلِ من مَوتِها
ولا يبقَى للقدمَانِ صَوتٌ غير صوتٍ لطُيورٍ من رَصَاصْ
لا مدَّ في البحْرِ أو في النَّهْرِ
سِوى مدٍّ لأذقانِ السَّواحل
والتي إلى زبدٍ أسودَ تغيبُ ضمايرُهَا في العُلَبْ .



بين جزرٍ لايجيءُ مُصَادَفَةً
يُصْبحُ الإيقاعُ عبدًا للقصيدةِ
وتأتمرُ الشُّمُوسُ بأمرِ مُرشِدهَا
ولا ترتاحُ إلا على حِبْرِ يمِينِهْ
ولا تموتُ إلا وفقَ قانونِ الجماعةْ
ولا تدْرِي العِبَارةُ أين جملُتها في الكِتابْ 
إذْ تبدلتِ السُّورْ
وتشَوهَتْ صُورٌ في مرايا من ميَاهٍ آسِنةْ .



في نِهارٍ كهَذا 
أشْرَبُ كأسَ نسْيانٍ بيدٍ أعشْبَ الموْتُ ظَاهِرَهَا
وخلَّى باطنَها فانِيةْ
وراحَ خناقٌ يضيقُ على الطيْرِ قُربِي
وتاهت نِمالٌ عن مسَاكِنِها
وضلَّتْ أرانبُ بيْتِي الطَّريقَ إلى الحُلمِ
وسِيقتْ بهائمُنا إلى الموْتِ الذي لا تُريدْ
وطارَ فَرَاشٌ كانَ لي
آمنَ أنَّ سماءً خارجَ البابِ
وعادَ لمَّا رأى الأفْقَ أوْطَى .



مازالَ في الموْتِ موْتٌ
كأنَّ شرَابَ المَوَاتِ قدِيمُ الأزَلْ
وكأنَّ شَجَرًا في يَدي
مازالَ يذْكُرُ قِصَّتِي
وكأنَّ التي صِرتُ قلبًا لها ما تزالُ تشَكُّ في المَاءْ
وكأنَّ أبا الهَوْلِ صَارَ بخِيلا ومَصْدَرَ شُؤْمٍ
وكأنَّ الذي في الأعالي قمَرًا فارِغَ الجيْبِ
وتُوشِكُ بئْرُهُ أن تجِفَّ
وكأنَّ عبَّادَ شَمْسِي انْحَنَى من صَفْعَةِ الظلِّ
وماعادَ لهُ مُرْشِدٌ
فإلى أيِّ عيْنٍ سأنظُرُ الآنَ 
وما عادَ في الحِبْرِ أيُّ حيَاةْ .



في نِهَارٍ كَهذا
حيْثُ الظلُّ أبردُ من كِلْمةٍ تائِهةْ
وحيْثُ مَالا تَحْدِسُ العيْنانِ بِهْ
لا مكَانَ لهُ فَوْقَ الخريطةِ
وحيْثُ منْ لا يطْرقُ الزمَانُ بابَها مشْغُولةٌ بالمَوْتِ
في حديقتِها البعيدةِ قُرْبَ بُحَيْرةٍ سُفْلَى مِنَ الأسْرَارْ
وحيْثُ هَبَاءٌ يجْلسُ في مِقْعَدٍ
يُجَاورُهَا ويشْغَلُ حيِّزًا منْ عُيُونْ
وحيْثُ كلبُ حفيدِها يقْرأُ الغيْبَ في كَفَّ السَّمَاءْ
وتنامُ هاويتانِ على مِقْعَدٍ شَاغِرٍ 
تحْلبَانِ النَّارَ من بِزِّ الغُيُومْ
تجْلِبَانِ الشُّؤْمَ منْ بِئرِ النُّحُوسْ
وتفْتَحَانِ يدَ الفَنَاءْ .



في نِهارٍ كهَذا
ستنْفُضُ من أُحِبُّ
الغُبارَ الحَييَّ عن فساتينِهَا ،
التي تنامُ واقفةً تحْمِلُ السرَّ 
وربما يخرجُ الأسْودُ في الليلِ
ليشربَ من كفِّها ذكْرياتٍ
لا تتبدَّلُ أبدًا ولا يذبُلُ الورْدُ فيهَا



الأسودُ الذي يتململُ من حبْسِهِ
حتَّى لو رأى نفسَهُ ربًّا أو إلهًا في الدُّولابْ
يُوهِمُ نفسَهُ أنَّهُ حُرُّ
إذا ما تذكَّرَ رائحةَ العشْقِ تمْشِي على قدميْنْ .



هي ليسَتْ موضُوعًا للتفكيرِ
وليستْ موْضِعَ شَكٍّ للشَّمْسِ
إذَا طلَعتْ أو نامتْ -
إذْ إنَّ الآلهةَ هي الآلهةُ
ولا يُمكنُ للعاشقِ أن يخْتبرَ الماءَ
أو يسْألَ عن معنَى الزَّهرةِ
هل تخْشَى الضَّوءَ أم العَتَمَة
أوهل تخْشَى غيْمَ الحَائطِ
أو هل تكتبُ سيرتَهَا في اللاَّشَيءِ
المركونِ على الرفِّ لسنواتٍ حُبلى بالدَّمْ .



أو يسألُ كيف تكونتِ المُوسيقَى من مَاءٍ مُفْرد
يدُهَا رِيحٌ تعشبُ عبْر الأفْقِ
وتطْوي ما بسطتهُ الأرضُ
وما عجَزَ الموسيقيون عن استدراكِ سلالمِهِ في اللَّحْن
ولذا في نَهارٍ كهَذا
أهبُ الرُّوحَ لآلهةٍ
لا تأكلُ حتَّى تشبعَ
ولا تشبع إن أكلتْ
ولا تحتاج إلى عطرِ
إذ تَحْتَ يديها نهرٌ من بشنين .



القاهرة
9 من سبتمبر 2013 ميلادية

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads