الرئيسية » » انتحاراتُ الماء | شريف بُقنه

انتحاراتُ الماء | شريف بُقنه

Written By غير معرف on الثلاثاء، 4 يونيو 2013 | يونيو 04, 2013

انتحاراتُ الماء
شريف بُقنه
(السعودية)
إلى رشا .. فقط
-1-
شريف بُقنه"كلمة واحدة تبقى لي في صمتك أيها العالم حين أموت : هي أنى قد أحببت"
كتَم بَكْوته مُذّ آلام و تسعة عشر دهليزاً
حتّى مسّدَ وجنتَيْه بعنُقِها،
تفرّغ ..
صدَقَت الطِّيَرةُ،
و أنهدر الختمُ وفار..
1 طاغور
-2-
ضجيجٌ وفوضى تعجُّ المكان..،
كنتُ بينهم ذات صبيحةٍ صائِمة..
لكأنّ الحياة كلّها تكتفي بأرَقِها في تلك الغُرْفة المُلَغّمة.
و ما أن تحلّين..
بَرْداً و سلاماً..؛
أراني أتسرّب بهدوء
بين شُقوق البَلاط..
نتماس على حَواف ماء عَطْشى..
نتلاسَع...،
عن شِفاه تُتوّج..
شِفاه مُتعبة..
تلفظُ انتقامات أسْفار عِجاف..
قُبْلتُها ،
أضغاثُ التباسات..
.. تجتاح أوصالي رَغْبةٌ جامِحةٌ لتدمير الطبيعة..
-3-
ضَمَمْتها..،
فتهدّل في روحي ماءُها..
أشفّ على مَهْل في عروق عُنقها..
أتهادى سَلسبيل فَتَر لا يصحو..
صُعداء آسنةٌ حتّى الثّمل..
اُمتشَقُ حُبوراً سماويّاً.. .
من أين لي إدراكٌ مكيناً و قانت
خيمة طَمَأنينةٍ لمُنية حلال ،
أنها ستلامُسُ صدري ..
ذاتَ مساء!
2 سعد الدوسري
-4-
"صدّقيني، حين أقول لكِ ، بأنني خرجتُ من فيضان الأحذية برأس تُسندُه صخرة على شكل امرأةٍ ، ذات أثداءٍ مُترهلة وحوض تهاوت عظامه الهشة.
عززت نفسي كي أسقط عنها، لكنها تشبثتْ بي،
صرختُ:
- سيغيضون مرة أخرى، وسيُحذئونني.
عوى الهواءُ من حطام حوضها:
- هذه سُلالتي."
ضَباب...
و كأنّ السّماء تتفاوه نُعاساً فائحاً لا غالب له،
و أنا أنعَمُ فاغراً في زغَبِ رَغيف..
هكذا.. أريد أن أنتفشَ بطريقتي
و أرقّشَ الجدارَ الذي يبنيني.
-5-
جُبلتِ من ضلعي،
يا أناي..
أحبّك قلَقاً وجوديّاً يحقّقني كلّ مرة..
أحبّك وَجْداً أصليّاً..
و أتصوّف بك
في هذا التوفّر الأبديّ للوقت والفراغ..
لا أجدَ عملاً أفضل من بقائي جالساً
أتهذّبُ بوجهك الجميل و أستحضرهُ بهجوع..
حتى أنساه تماماً،
و كل ما أفعلُه حينها..،
أن أُعلّق المُعتبَرَ عارياً و أصلْبه دُميةً مَشْكَل و من ثمّ أقلِبها..
للهْو فقَط
كنتُ أبحثُ عن وعي ما..
أتفحّصُ أداةَ وعيي..
أطمئنُ سريرتي..
... لكنني دائماً.. أغووور.
-6-
يا بَعَد عُمْري..
بعد حُزني، بعد النهار..
بعد النجوم العذارى الفارعات..
بعد السماء التاسعة في لُجّة النور
ترقُص قدَماك على سَقْف الجنّة
و تسبلُ أنفال أفلاك..
راينر ماريا ريلكه 3
-7-
و ترقُصين..
حفا قدميّك ترنُّ على حبل وريدي..
فأنبجسُ فلذةَ نشوء أوّل..
و أقطّر...
قطرةٌ تخبلُ شبَقاً عارماً و يُحْجر عليْها لتفْنى..
قطرَةٌ لا تكون.!
و قطرَةً لا بدّ أن تُسفَحَ وجعاً لاينتهي من فوق تُرْقوتي..
لأتطهّر.
حَفاكِ نُوري.
-8-
ايهِ رشّو..
يالهذا الكسَل المُذهِل في جسَدِك..
سَكَنٌ يشبه ثمَل السّماء قبل الغروب..
عندَ الأفول.
و تنعَسين..،
أي فضولٌ يملأني لأعرف فقط..،
كيف تفكّر تلك العينين في هذه الدّنيا..!
4 من أغنية لرابح صقر
-9-
و تنامين..،
يالهذا التناظرُ المُبدَع في جسدك الخادر
هلاّ أصبحتي نصفاً واحداً ..
لأسجعَ في كونك الطافر..
لتستغرق بقيّتي حيّاة تموتُ في نصفك الآخر..
كل عيدٍ و ماء روحك العَذْبة تغسلُني..
-10-
هلاّ أخذتيني من أوّل الوقت يابنت!
هلاّ انثالت فرائصي في بُخور عودك..
حيث الخروج من تعاويذِ الزمَن
عندَما تنهالُ انتحاءاتي.
عندَما .. أتشرنَق!
-11-
يا بنت..
إنه ذلك الحُزُن البغيض يفُحُّ في ناقوس صَدْري..
ويثور... على حين غرّة
يتمرّدُ.. لأتخبّط.،
أتحشرجُ
أتمسّخ
أتمسّح.. أتفسّخُ.
و كلّما عُدْتُ أتامّلُ محيّاك في صورتك الوحيدة..
حيث يسمقُ جذع أنفُك الفتّاك بانكسارة حادة تُصدّعُ فقرات قامتي الرعناء..
وترتقي بيقين جائر صوب جفنك الأيسر.،
ينكشف ظلُّ مكياجك المجيد عن خصلة قَصَّتك عندما
ترفُل..؛
حينها لا أستطيعُ أن أفكّر إلا في يَوْم القِيامة أو النّوم أو
الانتحار.. .
أزحفُ على بطني مُبنّجاً..
و أتلهفُ للانسحاب دقائقَ ريثما أصُلّي..
لأخور ساجداً.
-12-
يابنت..
إنني أعشقك..
لدرجة أنّك تتدخّلين بفِعل قوىً فَوقيّة حنُونة في تَحْليلاتي
الفلسفيّة الرياضيّة القاسية..
و تفسيدها تماماً.. .
هكَذا تُستَهربُ مرجعيّتي ومعرفاتي..
أنطحنُ بين المادّي والمحسوس..
أنفَقُ كذَنَبِ خروفٍ يحترقُ في الأخدود
طوبى لتلافيف مُخّي
هذا السيحان.
-13-
يابنت..
إنني أحبُّك غَيْباً أتقمّصهُ
نُزُلاً حميداً ..
أحبّك حتّى رأيتُ روحي في روحِك انتِحَارات الماء..
أحبك.. توحّد ناجز..
.. توحّد سَرْمدي.
أحبُّك لدرجة احسَسْتُ فيها
أنني أموت..
خَدَرٌ تسرّب من الجنّةِ فأباد كلّ حواسي.
... كان مهرُها أوزّة من زجاج.
-14-
"رغماً عن كل شيء، ياربي، كم أصيرُ غنيّاً الآن، و هادئاً و كاملاً، لو أصابني هذا الحب المُطلق، بدون أن تخدشه الآمال، الانتظارات، و طلبات هذا القلب الذي، من فرط خشيته من الفقدان، يبدو عاجزاً عن امتلاك سعادته."
لماذا لا أجد غير أن أصلّي كلّما فرحتُ بكِ!
غضبتِ مني ذات ليلة خالدة تأخّرت فيها عن موعدِ لُقياك،

خجلتُ أن أخبرك سببَ تأخّري.،
كنتُ أصلّي لئلا تستحيل تلك الليلة.. كسابقتها..
لَمْزُ ارتيابات
-15-
من لي .. من لها..!
من لنا ..!
غير أشلاء مَوْعد لم يحن..
غير إقامة مزورة تزفرُ في صدورنا
و تزأرْ
من لي..
من لها..
من للوَرَق.. من للغرق..!
تحتَ الورقة ظِلٌّ هَنْدَسي ..
ظلٌّ با ئسٌ لعين..
ظلٌّ مُمل ..
-16-
لماذا أبكي لو تذكّرت عينيك ذات ظهيرة!
قد يكونُ مجرّد إثباتاً آخراً لقُصور ترتيبي في سُلّم الثدييات
الراقية،
فشَل تحمّلي بيولوجيّاً..
كأن يُصبُّ في جسدي عَذْقُ الشمس
و بَرَدُ قدَميكِ..
-17-
يترنّم على أغنية..
..ماكرة.!
بكى.. و كأنّه ألف طفل،
.. ليلٌ طاعنٌ في الوَيْل لا ينقص من سخريته
غير ذئبٍ ضال يعوي..
سماءٌ فاسدة و غُيوم دخان تغمغمُ من قلوبنا
تغمغمُ من وداع..،
أتجاسرُ لحظَةَ الوداع الظالِمة..
و أنجحُ في رسم تقاطعات قسَمات وجهي اليابس
فأبدو مُفعماً بالفرَح ..
مثل طِفْل لايبالي بنِصْف قميصه يتدلّى من على حزامِه..
و ما أنْ
تختفين..
حتى يزمجرَ من على بُعْدٍ فرَسٌ يركضُ و يركُض صَوْب
حاجز القَفْز الأنيق، ..
يتأهّبُ لقفزة قاضية.. لينطحَ جدارَ صَدري ..
وأُصْرَع
-18-
"أموت بنظرة منك و ينبت في دروبي عِشق...
الا منه شربني صوتك الفتّان واحيا به"
صَمْتٌ طاعنٌ في النّيل..
مرة أخرى في حجرتي،
أراني أعربدُ وحيداً
خفقتُ أنفثُ في أناي ماءَها..
أبُلّل كلّ شَيء حولي..
غير أن الشّمس تشرقُ بوهَج رَتيب
تبخّرُ ما بقي منها..
لأركُد.. قَفْرةً أخرى..
رائحة عُنُقها في كوفيّته،
يتلثّمُها فيموت.. سبع مرّات.
-19-
نشبتُ في الحلقوم
وبَقبقَ في بلعومي فَقعُ التداعي
مشهدُ جنازتي يمشي وراءها أعورُ الدجّال
كَفَنٌ من غَزْل دودة قزْ خُنثى.. يرفعُ رفاة أمنيتي الوحيدة،
أن تكوني بقربي في هذه اللحظة المخذولة..
أنفلّقُ نوافيرَ من سَخَط
محضَ استحالةٍ أرضيّة قاتلة!.
-20-
يا ابن عُرْس!
ولتحرق النّار ماء وجهك و ألتمِس..،
أعاود النّكاية كل فَيْنة و ضحاها..
ليس لدي أيّة حيلة أو وسيلة أو احتمال
فيزيائيةُ وجودك غرغرةُ كيمياء
تغبّشُ صميمَ قلبي..
وبقاؤك المادّي بعيداً عنّي
محضُ خطأ حسابي فاحش..
انني أشكّك في أهليّة هذا الكَوْن للاستِمرار حين تبتعدين
مني
و منذُ مراهقتي وأنا أخضع لهكذا
إيحاءات روحيّة ناجِعَة..
أنا أثقُ بتجربتي النفسيّة
أنتِ مَحْض إرادةٍ خيّرة.
-21-
حتّى في انحرافات لاوعي..
في تباريح أحلامي..
في أثير خَدَري... على حافّةِ الموت..
لا يمكن لهبائي أن يحوم حول أنثىً سواها!.
كم تخبّلني عندما تخرجُ عن النصّ..
بعفويّة الحاذقة..
تمزّقُ كلّ الأقنعة التي نتخبّؤ.. فيها..
وتبرَأ زجاجة روحها..
تترَقرَق (مِن جِد أحبّك يا بعَد عُمري)
و أنا ابتهلُ الى الله عشقك ..
أنا أستحي الى الله عشقك..
فما قلبي غير صبخة مِلْح
قد قحلت
تنبتين منها كزهرة توليب..
تحبّينني..تحبينني بكل تلك القَسْوة!
بقسوةٍ.. تسحقني نَفْحة روح خامِدة.
-22-
عادَت وقالت:
( يَدُك تُغرقني
قَطرَةٌ منها تحييني
و أخرى تُميتُني)
أردَفتُها:
يَدُك تنسِفُني،
قَطرَةٌ منها.. بكاءُ الملائكَة..
تُغرقُ الكَوْن..،
نبضةُ حياتي تبدأ منّي و تنتهي في وريد عُنُقك..
أحبّكُ في اللّوح المحفوظ..
وإن دخلتُ الجنّة سأنشزُ عن حوريّاتي المُصفَرّات،
و أبكي الى الله سلواك..
أنشدُ لحَوْراء عيناك..
رَشا رَشا.. رشُو ..
.. رشَةُ الله..
رَشّةُ الجنّة.
جنّه تبكي ..
و أنا سجّيل.
أنسي- شرق فرنسا
شريف بُقنه
من مجموعة (مدن العزلة) د. شريف بقنه – المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت

عن جهة الشعر
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads