الرئيسية » » أنشودة الحياة | الجّزء الثَّانى | صبرى يوسف | كتاب الشعر | العدد الثامن والأربعون

أنشودة الحياة | الجّزء الثَّانى | صبرى يوسف | كتاب الشعر | العدد الثامن والأربعون

Written By غير معرف on الثلاثاء، 4 يونيو 2013 | يونيو 04, 2013

أنشودة الحياة *

[الجزء الثاني]

 (نص مفتوح)



.... .... ...... 
عَبروا بُرَكَ القيرِ
ماتَتْ هداهدُ الروحِ

غبارٌ مُسربلٌ بجنونِ الدولارِ
 تفتتَتْ عظامُ الطفولةِ 
عطشٌ حارقٌ 
     فوقَ أسوارِ المدائنِ
ورمٌ في أعلى المخيخِ

صرخَتْ أمٌّ في وجهِ الدُّنيا
دموعٌ لا تجفِّفُهَا شهقة الأحلامِ
هطلَتِ الصواريخُ 
     فوقَ غلاصمِ بابل
هطلَتْ فوقَ أجنحةِ الحضارة
تريدُ أنْ تقصَّ بهجةَ المكانِ
ضبابٌ فوقَ خرائطِ الحروبِ
تخثَّرَ الغسقُ من سماكةِ الدماءِ

انقرفَ ظهرُ المدائن
لا كهرباء
عطشٌ ماحقٌ يسطو 
     فوقَ مهودِ البراعم

ألفيّةٌ مريضة
ناقمة على حبالِ السرّةِ 
ناقمة على فراخِ اللقالقِ

ألفيّةٌ ضالّة
مشحونةٌ بالرعونةِ 

خِرَقٌ متشرّبة بهواءٍ مدمى
انقضّتْ قنابلٌ غبيّة 
هرسَتْ أثداءَ الأمّهاتِ

أفواهُ الأطفالِ عطشى
اندلقَتْ دنانُ الحليبِ
آهٍ .. تمزّقَ صدرُ السَّماءِ 
     من تفاقماتِ القنابلِ

نَمَتْ مخالبٌ مخيفة 
     في شفاهِ البشرِ
تدرُّجاتٌ سقيمة 
     في سلَّمِ الشَّراهةِ 
     في كهوفِ الضَّواري

غوصٌ بغيضٌ 
     في أوكارِ الأفاعي
أنيابٌ مقطَّرة بالنَّارِ والقارِ 

تهرَّسَ وجهُ الغسقِ من الأنينِ
ذُهِلَ البدرُ عندما رأى 
     وحشيةَ هابيلَ العصرِ
تجتاحُ براءَةَ الأطفالِ 
تبيدُ أحلامَ الصَّباحِ 

ضجرٌ لا يُطاق! 

تساءَلَتِ النُّجومُ
لماذا خلقَ اللهُ الإنسانَ 
     على صورتِهِ ومثالِهِ؟!

هل فعلاً 
الإنسانُ مخلوقٌ 
     على صورةِ اللهِ ومثالِهِ
أم أنّ إنسان اليومِ  
تطايرَ في ليلةٍ مظلمة 
     من أنيابِ الذِّئابِ؟

إنسانٌ من لحمٍ ودمّ
يشطحُ نحوَ بُرَكِ الدمّ
لا ينامُ إلا 
     على دمدماتِ الحروبِ

فرشَتِ الصَّواريخُ كآباتها 
على سهولِ الروحِ
فماتَتْ فراخُ الحجلِ 
     قبلَ أنْ ترى نورَ الحياةِ 

هربَتِ الدَّوابُ الأليفةُ 
     إلى البراري
أعلنَتْ انضمامَهَا 
     إلى عالمِ البراري

لا تطيقُ موتَ الصَّباحاتِ
     في رابعةِ النَّهارِ
لا تصدِّق إلفةَ الإنسانِ
تتحوَّلُ بغمضةِ عين 
     إلى أنيابٍ مميتةٍ

ضجرٌ متغلغلٌ  
     في ظلالِ الأشجارِ

كآباتٌ مستشرية 
     في قبّةِ المساءِ

حمقى 
     على إمتدادِ 
          محطّاتِ العمرِ

تركَتْ رضيعَهَا مقمّطاً 
     بأعشابٍ بريّة
صعدَتْ سفوحَ الجبالِ
أزيزُ الموتِ يجتاحُ شهيقَهَا
هل أعودُ إلى رضيعي
أم أستمرُّ في صعودِ الجِّبالِ؟!

استيقظَتْ على صوتِ 
     صفّاراتِ الجُّنونِ
ابني 
رضيعي 
أينَ رضيعي؟

تدحرجَ من أثرِ ارتطامِ 
صاروخ غبي 
     على مقربةٍ من مهدِهِ

اغبرّتْ رموشُهُ النَّديّة  
رغوةٌ سوداء 
     على حافّاتِ شفتيهِ 

جرحٌ عميق 
     على صدغِهِ الطَّريِّ

أنفٌ شامخٌ 
     رغمَ تفاقمِ الغبارِ!

وجعٌ قبلَ الولادةِ
بعدَ الولادةِ
وجعٌ عبر الرَّحيلِ 
بعدَ الرحيلِ

وجعٌ أكثرَ إيلاماً 
     من غربةِ الرُّوحِ
     بينَ صقيعِ الزَّمهريرِ!

أيادٍ خشنة تؤشِّرُ 
     على مرابعِ نينوى

سلاحٌ أكثرَ شراسة 
     من ضباعِ الكونِ 
     مُشَرْشرٌ بالحماقاتِ
سلاحٌ مجنونٌ
يهرسُ جماجمَ الأطفالِ

وجعٌ في سَماءِ الرُّوحِ ينمو
وجعٌ يمحقُ شموخَ الجِّبالِ!

حربٌ أغبى 
     من ثعالبِ الوديانِ

حربٌ مشروخةُ الأفقِ 
     مكتنـزةٌ بالسُّمومِ
حربٌ داسَتْ 
     في جوفِ حيتانِ المحيطاتِ

حربٌ أدمَتْ قلوبَ العشّاقِ
     قلوبَ القبّراتِ

فرّتِ الزَّرازيرُ بعيداً 
تاركةً خلفَ أجنحتِهَا 
    دُخانَ الموتِ 
    يلعلعُ في وجهِ الخصوبةِ
ماتَتْ حبيبةٌ من قهرِهَا
انتظرَتْ حبيبَهَا 
حتّى فارقَتْ اشتعالَ المكانِ

فشلٌ في قمّةِ الأبراجِ
أبراجُ السِّياسةِ
أبراجُ الدُّولارِ

فشلٌ في بناءِ الكونِ
فشلٌ كثيفُ الحموضةِ
فشلٌ مريرٌ 
     مبرقعٌ بالغثيانِ

قرفٌ يرافقُهُ تقيُّؤي
مَنْ يستطيعُ أنْ يطفئَ
     محارقَ الرُّوحِ؟

أوجاعٌ على اِمتدادِ 
     جذوعِ النَّخيلِ
أوجاعٌ متطايرة 
     من مياهِ دجلة 
شظايا حارقة على وجوهِ الحجلِ
حرقَتْ عيونَهَا الكحيلة
لم تنْجُ أسرابُ السُّنونو الهاربة 
     من وهجِ الاشتعالِ

لماذا يحاربُ شبابُ هذا الزَّمان؟ 

فوائدُ الحروبِ
     قتلى من كلِّ الأطرافِ 
فوائدُ الحروبِ 
     مزيدٌ مِنَ الحماقاتِ
     مزيدٌ مِنْ عُفونةِ الرُّؤى

خرجَتِ الْحَشراتُ الصَّغيرة 
     مِنَ الأرضِ
تستقبلُ الرَّبيعَ
محقَتْ طراوتَها رذاذاتُ الشَّظايا 

ذُهِلَتِ الْوحوشُ البرّية
فرَّ قطيعُ الذِّئابِ 
عابراً كهوفَ الجِّبالِ
قصفَ صاروخٌ ثلاثةُ عجولٍ 
بكى ثورٌ دمعةً واحدةً

تخلخلَتْ عظامُ الكهولِ
طفلٌ مغبّرُ الوجهِ 
يبحثُ عَنْ أمِّهِ 
     بينَ الأنقاضِ

يصرخُ صراخاً 
يشقُّ وجهَ الشَّفقِ

أريدُ أمّي 
أمّي 
أينَ أنتِ يا أمّي؟

لا يكترثُ للكاميراتِ 
ولا لصفّاراتِ الإنذارِ
ينظرُ إلى السَّماءِ
مطرٌ يزدادُ اشتعالاً      
     فوقَ جموحِ الطُّوفانِ!

تآمرَ الإنسانُ على ذاتِهِ
بشرٌ تشرّبوا مناهجَ مِنْ رمادٍ

ضجرٌ يشرخُ شموخَ المكانِ

انزلقَ الكونُ 
     في وادي الجُّنون

شعاراتٌ مفهرسةٌ بالعناكبِ
 بأحلامِ السَّيطرةِ 
     على آبارِ الموتِ

تبخَّرَتِ الحكمةُ 
     من ذهنِ 
          أصحابِ القرارِ 

رؤى مجوَّفة بالاشتعالِ
اشتعالُ عباءَةِ المساءِ
     
ريشُ البلابلِ
     على تخومِ الاشتعالِ 
حتّى خفافيشِ الليلِ 
     لاذَتْ بالفرارِ

تزلزلَ الكونُ
ومازالَ أحمقُ هذا الزَّمان 
يداعبُ كلبَهُ ببرودةِ أعصابٍ
لماذا تداعبُ أطفالُ العراق بالقنابلِ؟
لماذا تبيدُ خصوبةَ الحضارةِ؟

نامَ العربُ نوماً 
     منافساً أهلَ الكهفِ

خرجَ العربُ خارجَ الزَّمانِ
عبروا نسيماً عليلاً 
ظلّوا معلَّقينَ بينَ موجاتِ النَّسيمِ

خفَّ وزنهم أكثر 
     من ريشِ الحمامِ
طاروا إلى الأعالي
تاركينَ براكين القيرِ  
تزلزلُ جبهةَ الحياةِ ..
تقلَّصَتْ خصوبةُ الروُّحِ

عربٌ من لونِ الهشاشةِ 

عربٌ قهروا الكونَ "بالسَّلامِ" ..

عربٌ في لبِّ الحضارةِ
لا يهمّهُم لو قُصِفَتْ بابلَ
لو تهشّمَتْ جثثُ الفراعنة المحنّطة

يلوِّحونَ أيديهم 
     باستهزاءٍ 
هامسينَ للجنِّ 
شَبَعْنَا من الحضارةِ

شبعنا من الحروبِ

شَبعْنَا من العلمِ 

شَبعْنَا من كلِّ شيءٍ 
     سوى الغباءِ!
هبطَ اللَّيلُ فوقَ خُوَذِ الجُّنودِ
أجسادٌ مشتعلة 
ارتعشَتِ الأرضُ 
خرّتْ دموعُ القمرِ 
     فوقَ نجيماتِ الصَّباحِ

ذُهِلَتْ مياهُ المحيطِ متسائلةً 
لِمَ كلّ هذا الإرتصاص؟

زمجرَتِ المياهُ 
     من أعماقِ القاعِ 

وجعٌ مشنفرٌ فوقَ هاماتِ المحيطِ
تأوَّه المحيطُ باكتئابٍ
زيحوا عن رقبتي أطنانَ الرَّصاصِ!

أكادُ أن أُسْلِمَ الروُّحَ
زيحوا عن رقبتي 
     رغوةَ طيشِكُم ..
أرهقْتُم كاهِلِي! 
                    *****
غيمةٌ سوداءموشّحة بالدمّ

غولٌ فوقَ أراجيحَ الطُّفولةِ
برقٌ فوقَ جسدِ المدائنِ

زنازينٌ غير مرئيّة
شيوخٌ مجنّحونَ بالحسرةِ
يخشونَ احتراقَ أحلامَ العمرِ
     أحلامِ البنينِ
     أحلامِ السِّنينِ

تاهَتِ الحضارةُ عن لُجينِ الطِّينِ
زاغَتْ عن دربِ الملوحةِ

لا طعمَ  في وهادِ العمرِ
ولا رائحة في دروبِ الرَّبيعِ

حضارةٌ مصقولةٌ بالاسفلتِ
     بطائراتِ الشَّبحِ
بالمكرِ
بشراهةِ السَّيطرةِ على مالِ الغيرِ 
آهٍ .. يا ثعلبَ الصَّحراءِ
عن قصدٍ أو دونَ قصدٍ! .. 
طرَحْتِ نفْسَكِ ثعلبَ الصَّحراءِ!

ماذا يتوقَّعُ الإنسانُ 
من ثعلبٍ
يعبرُ أعماقَ الصَّحارى ؟

تحملينَ في لاشعورِكِ الضمنيِّ
     مكرَ الثَّعالبِ
     منحى الثَّعالبِ
تهجمينَ هجومَ الثَّعالبِ
وإلا 
لماذا وُلِدَ ثعلبُ الصَّحراءِ؟!

هَلْ انبثقَ الثَّعلبُ
مِنْ بينَ القططِ الأليفةِ
مِنْ بينَ الخرافِ الوديعةِ؟

كيفَ فاتَكِ 
أنْ تطرحي نفسَكِ ثعلباً؟
أَنسيتِ أنّنا معشرُ الشُّعراءِ 
نمقتُ منهجَ الثَّعالبِ
رؤى الثَّعالبِ
طموحَ الثَّعالبِ
غدرَ الثَّعالبِ ..؟

 سلوكٌ مثلَ الثَّعلبِ
هذا كانَ نعتكِ 
هل يشرِّفُكِ 
أن تحملي بينَ ضلوعِكِ 
     خبثَ الثَّعالبِ
     خيانةَ الثَّعالبِ 
تسميمَ اشراقةِ الصَّباحاتِ؟! 

عجباً أرى حضارةً 
تنهضُ
     على ذيولِ الثَّعالبِ
     على جماجمِ الطُّفولةِ
     على جوعِ الكهولةِ
حضارةٌ من رملٍ
تطمسُ وهجَ الحضاراتِ!
تعفِّرُ وجهَ بابلَ
تقتلُ نينوى دونَ وجلٍ 
وتحرقُ عشبةَ كلكامش
غيرَ مكترثةٍ لدموعِ الثَّكالى
     لدموعِ العشَّاقِ المنسابة
     على قبورِ ضحايا قُتلوا 
     عندَ مفترقِ الصَّحارى 

حضارةٌ من نارٍ وكبريت
قائمة على نهجِ الكراتينِ
على زيادةِ بلوكوزاتِ الدُّولارِ
زيادة أوجاع الإنسان

حضارةٌ كثيفةُ الحموضةِ
غير مستساغة حتّى من بَنيها

حضارةٌ طائشةٌ 
تدوسُ فوقَ حميميّاتِ البشرِ 
     فوقَ عفويّاتِ الرِّيفِ
     فوقِ شموخِ السَّنابلِ

تكسرُ بحماقةٍ أغصانَ النَّخيلِ
تعفِّرُ دماءَ الأنهارِ
تهرقُ سكينةَ اللَّيلِ
تقلقُ هدوءَ الكهولِ
تفزعُ الطُّيورَ المهاجرة  

حضارةٌ ملطّخةٌ بالبراكينِ
تعفِّرُ وجهَ الشَّفقِ بالقيرِ 

تملأ الدُّنيا حيرةً 
     قلقاً
     ضجراً لا يُطاق!

سئمْتُ اشراقةَ الصَّباحِ
مللْتُ من الإنزلاقاتِ 
     في بُرَكِ الحزنِ

تحشرجَ الشَّهيقُ 
     في سماءِ الألمِ
أوجاعٌ من كلِّ الجِّهاتِ

جيوشٌ جرّارة 
تتربّصُ أطفالاً مرضى 

تتربَّصُ شيوخاً 
     أكلَهُم الأنينُ والقنوطُ

تتربَّصُ نساءً مصابَّاتٍ 
     بجفافِ العمرِ

تتربَّصُ شباباً 
كرهوا اليومَ الّذي وُلدوا فيه

تتربَّصُ أرضاً موغلة
     في أعماقِ الحضاراتِ
تريدُ أنْ تسحقَ جماجمَ آشور 
     الجَّنائنَ المعلقّة
     سورَ بابل ..

تريدُ أنْ تعفِّرَ عذوبةَ المياهِ
تريدُ أنْ تقتلعَ وردةَ الرَّبيعِ
تحرقُ الأقاحي
آهٍ ..
ما ذنبي يا أبتي أن أُوْلَدَ 
     في أرضِ الحضاراتِ؟

ما ذنبي يا أبتي 
أن أكونَ أوّل المشرّعين
كتبتُ دساتيري على الطّينِ

ها هم ثعالبُ الصَّحارى 
يريدونَ أنْ يكسروا 
     ألواحَ الطِّينِ

دساتيري 
اِبَقَيْ يا دساتيري صامدةً 
     في حنايا الطِّينِ!

إيّاكِ أنْ تستسلمي لثعالبِ 
     هذا الزَّمان

إيّاكِ أن تحني رأسكِ 
     لهراطقةِ العصرِ
أينَ أنتَ يا كلكامش
هل ماتزالُ نبتة الخلودِ
خالدةً 
     في وهادِ سومر وأكّاد

لا تقلقي يا بابلَ
ثعالبُ هذا الزَّمان 
غير قادرينَ 
     على طمسِ جنائنِكِ 
غير قادرينَ على زحزحةِ 
     وجهِكِ الشَّامخِ 
          في برجِ الحضارةِ

حضاراتٌ تأتي وتزول 
تبقى أنقى الحضارات  
     لا تزول

وحدُها الكلمة الحقّ
تبقى ساطعةً 
     بينَ أضلاعِ التَّاريخِ
شامخةً فوقَ قبَّةِ الحياةِ
وحدُها المحبّة باقية 
     فوقَ أجنحةِ الحضارةِ

كلّ معارك الكونِ
تنتهي في مهاوي الرِّيحِ
تنتهي في ظلمةٍ ظالمة 
عالقة 
     في هوامشِ التَّاريخِ 

كلّ معارك الكون 
معاركٌ باطلة 

لا منتصر في الحروبِ 

كلُّ الحروبِ في طريقِهَا 
     إلى وادي الجُّنونِ 
جنونُ البشرِ!

منذهلٌ أنا 
كيفَ يريدُ الإنسانُ 
     خوضَ المعاركِ
منذهلٌ أنا 
كيف يقتلُ الإنسانُ الإنسانَ
من أجلِ أرضٍ 
     أو نفطٍ 
          أو جاهٍ؟!

إنّه جنون الصَّولجان
انزلاقُ الحضارةِ 
     في قعرِ اللاحضارة

تختفي رويداً .. رويداً 
     تباشيرُ حضارةٍ منبعثةٍ
     من ضلعِ الوغى!

لا أرى في رؤى السَّاسة ِالكبارِ 
     غير انحرافٍ عن دربِ المنارة
لا أرى في وجهِ الشفقِ 
     ملامحَ فرحٍ
ولا في خيوطِ الشَّمسِ 
     وهجَ  الحرارة!

يراودني أن الشَّمسَ ضَجِرَت 
     من عبثِ الإنسانِ
فتقلّصَ وهجُهَا 
غير راغبة 
أن تغدقَ على البشرِ 
     دفءَ البرارة!

لم أعُدْ أطيقُ نشرةَ الأخبارِ
تحاليلَ السَّاسةِ
التعبئةُ الطَّارئةُ
تطلُّعاتٌ مشروخةٌ للغايةِ 

حواراتٌ منخورةٌ 
جيوشٌ مخيفةٌ 
حاملاتُ الطَّائراتِ
تُلَعْلِعُ على وجهِ المياهِ .. 

آهٍ .. مَنْ يهدِّد مَنْ؟
تلكَ هي المسألة ..

جنونٌ حتّى النِّخاعِ!
انحدارٌ 
     نحوَ الهاوية

إنّه آخر موبقاتِ الصَّولجان

هل الدُّولارُ
    الذَّهبُ الأسود
          البنّي 
     الذَّهبُ الأزرق
     الأصفر
هل كنوزُ الكونِ 
تساوي موتَ الطُّفولة؟!

هل كنوزُ الكونِ 
تعادلُ موتَ الكهولة
تعادلُ شهيقَ الصَّديقة؟

هل نحن باقون على وجهِ الأرضِ 
     أكثرَ من الأرضِ ..
لماذا لا نتركُ الأرضَ وشأنها؟!

نحن ياسادة ياكرام 
مجرّد كُتَلٍ صغيرة 
أصغرَ من حبّاتِ الرَّملِ 
     على الأرضِ

جزءٌ نافرٌ 
     من حبيباتِ الأرضِ
ضيوفٌ على الأرضِ

رحلةٌ عابرة 
      فوقَ شهقةِ الأرضِ

لماذا لا نعطي صورةً تليقُ بنا 
     لأمِّنَا الأرضِ؟

لماذا لا نردُّ 
     جميلَ الأرضِ للأرضِ
أَلمْ تأوِنا فوقَ لحافِهَا الدَّافئ
     سنيناً ..
     قروناً .. ؟!

لماذا نتركُ الأرضَ تغضبُ منّا

لماذا أيّها الإنسان 
يغريكَ بريقَ الدِّماءِ
     بريقَ الأخذِ لا العطاءِ؟

الأرضُ تغدقُ حبّاً عليكَ 
وأنتَ تغدقُ جمراً 
     من لونِ الوباءِ

آهٍ .. 
يا حمقى هذا الزَّمان
لو تعلمونَ 
كم رؤاكم المتحجِّرة 
     قصيرة!

لو تعلمونَ 
كم ثعلبياتم 
     معاصٍ 
          كبيرة!

لو تعلمونَ 
أنَّ الإنسانَ أخو الأرضِ
ابنُ الأرضِ 
صديقُ الأرضِ
سيّدُ الأرضِ
حبيبُ الأرضِ 

لو تعلمونَ أن علاقاتكم 
     غير داجنة 
          مع الأرضِ
غير معرَّشة 
     معَ شهقةِ الأرضِ 
     معَ اِخضرارِ الأرضِ 

ما تزالوا ضالّين 
     في جاداتِ الأرضِ
تائهينَ 
     بينَ وخمِ المالِ
وشبقِ الصُّعودِ 
     إلى قمةٍ الأبراجِ!

تائهينَ 
     بينَ رؤى مفهرسة 
          بجلدِ الثَّعالبِ
بناطحاتٍ مترجرجة 
     فوقَ كثبانِ الرَّملِ
تائهينَ عن خصوبةِ الحقِّ 
     عن درعِ العدالةِ
     عن جمالِ الوردةِ

حضارةٌ مندلقة 
     من جلودِ الأفاعي
شائخة في قمّةِ أوجِهَا 

ستهبطينَ أيَّتها المزركشة 
     بقشٍّ متطايرٍ 
          في مهبِّ الانحدارِ

نحنُ في عصرِ سرعةٍ مميتة
لا نستغلُّ سرعةَ العصرِ 
     لصالحِ العصرِ

يَقتِلُ العصرُ ذاتَه بذاتِهِ 
     بسرعَتِهِ المريبةِ

عصرٌ غيرُ مكترثٍ 
     لأغصانِ الحياةِ
لا مبالٍ لخصوبةِ الغاباتِ

يقتلعُ تعبَ العمرِ
يرميه في قاعِ الزَّنازينِ

عصرٌ يفرِّخُ سجوناً 
     من أوداجِ الحزنِ
     من قنوطِ الأيَّامِ والشُّهورِ والسِّنين!

عصرٌ لا يأبه بطموحِ البشرِ
     براحةِ البشرِ
     بنعاسِ البشرِ

عصرٌ منفلتٌ من مخالبِ الضِّباعِ 
     من جشاعاتٍ تجثمُ ثقلها المريعِ 
          فوقَ دماءِ الرَّبيعِ
عصرٌ خارجٌ عن القانونِ
عودةٌ مريبةُ 
     إلى شريعةِ ما قبلَ الغابِ

قرفٌ من ضجرِ التَّلاطمِ 

لماذا يفرشُ الشرُّ أجنحَتَهُ 
فوقَ رحيقِ الخيرِ
يدمي سموَّ الرُّوحِ

ضجرٌ عندَ الولادةِ
بكاءٌ على امتدادِ يفاعةِ الشَّبابِ   
حزنٌ 
     على مساحاتِ 
          أحلامِ الكهولِ
شيوخٌ تقارعُ 
     مرارةَ الحنظلِ

غريبةٌ أنتِ يا روح 
     في دنيا 
           من حجر!
وجعٌ أكثرَ مرارةً من الفراقِ
فراقُ الأحبّةِ 
فراقُ البنينِ
فراقُ نسيمِ الصَّباحِ 

وجعٌ أكثر إيلاماً 
     من فرارِ الأيّامِ
     من فرارِ الحجلِ 
     من فرارِ عبقِ الياسمينِ
من فرارِ العشّاقِ إلى قفرِ الحياةِ!

وجعٌ من لونِ الزَّمهريرِ
تتوالدُ المعاركُ كالأرانبِ
يتطايرُ من أوداجِهَا 
     أجنحةُ بشرٍ 
متوغِّلةً في  كهوفَ الموتِ

قبورٌ على مساحاتِ البحرِ 
قبورٌ على حافّاتِ اللَّيلِ
قبورٌ محنّطة بانشراخِ الحياةِ 
قبورٌ صغيرة من بتلاتِ الوردِ!
وجعٌ ينضحُ أنيناً هادئاً
يتصالبُ معَ زرقةِ السَّماءِ
يمتدُّ من فروةِ الحلمِ 
     حتّى أعماقِ ينابيعَ الرُّوحِ!

أريدُ أن أنامَ نوماً عميقاً 
أن أعيشَ قرناً من الزَّمانِ 
أن أعيشَ عمراً مفتوحاً على أغصانِ الحياةِ
لأكتبَ شلالاً من الفرحِ
     شلالاً من العشقِ
أسقي أجنحةَ الطُّفولةِ العطشى 
أزرعُ حبّاتِ المحبّةِ في سماءِ الكينونةِ
     في سماءِ العمرِ 
أفرشُ محبّةَ البشرِ فوقَ هضابِ الحياةِ
أعانقُ أصدقائي الشعراء
ألملمُ صديقاتي الشَّاعراتِ
وأدعوهنَّ إلى الشَّواطئِ البكرِ 
     من قبابِ الرُّوحِ
نعانقُ سويةً بهجةَ انتصارِ الشِّعرِ
     على موبقاتِ الصُّولجان!
                     *****
قاسم حدّاد ...
حدّادٌ ماهرٌ في وهجِ الكلمة
 غبارُ الملائكة حبرٌ يتناثرُ 
       فوقَ ثغرِ القصيدة 

السيّدُ  ..
     الجبلُ الأخضرُ
سيّدُ المكانِ
سيِّدُ العبورِ في لُجينِ الأسرارِ 
أسرارُ الحياةِ 
أسرارُ الحرفِ 

زادٌ ثمينٌ لانعاشِ الذَّاكرة 
لتلقيحِ الطُّفولة 
     بمذاقِ الخيالِ الوارفِ 
     فوقَ ظلالِ الهدوءِ 

سكينةُ الرُّوحِ
صعودٌ  إلى قمّةٍ متلألئةٍ 
بالتوحُّدِ معَ ذاتٍ تتشظّى ..

صعودُ القمّةِ 
صعودٌ 
     نحوَ هلالاتِ الرُّوحِ الضَّائعة 
           في متاهاتِ غربةِ الإنسان

عودةٌ إلى عبقِ الطُّفولةِ 

بحثٌ عميقٌ 
لتطهيرِ غبارِ السِّنينِ
     من أوجاعِ زمهريرِ الزَّمنِ 

زمنٌ من لونِ ظلمةٍ 
     مسكونةٍ بالأشباحِ
من لونِ اسفلتٍ 
     معفّرٍ بالأوجاعِ!

صعودُ القمّةِ ...
قمّةُ الاخضرارِ
ضربٌ من الولوجِ 
في دنيا من ذهب

مروجٌ في صدرِ الجَّبلِ
ينابيعٌ متوهّجةٌ 
في خاصرةِ الجَّبلِ

ذاكرةٌ يانعةٌ مهيمنةٌ
على جسدِ المكانِ!

ضوءٌ أخضر 
ضاربٌ إلى زرقةِ السَّماءِ
فوقَ تعاريجِ شهقةِ الجَّبلِ
جبلٌ من نكهةِ الخصوبةِ

ابتسامةُ طفلٍ 
شلالٌ من الفرحِ
دهشةٌ مسربلةٌ بانتعاشِ الرُّؤية

واقعٌ أعمق من خيالٍ
عبورُ القممِ
عبورٌ في خيوطِ الشَّفقِ
حوارٌ معَ الذَّاتِ 
تجلٍّ في محرابِ الكلمة
قاسم حدّاد
قلمٌ متوهِّجٌ بشطحاتِ الجِّنِّ 
هل ثمّةَ جنّ تعانقُ وداعةَ الكلماتِ؟

قلمٌ يشعُّ بخمرةٍ معتّقةٍ بالفرحِ
بنشوةِ الصُّعودِ 
      نحوَ وهادٍ مجهولة
    نحوَ مرابعِ المخيّلة 
الجامحة في سماواتِ الطُّفولةِ

قلمٌ مغموسٌ بتبرٍ غير مرئي
يغترفُ حروفَهُ 
     من حكايا الوالدِ 
     المحفورِ في مخابئ الذَّاكرة

والدٌ ململمٌ  بهدوءٍ 
     في ساحاتِ الحلمِ

مغطّى بحريرِ الكلمات
مبلسمٌ بخفايا السيّد، 
سيّدٌ ولا كلّ الأسيادِ
والدٌ ينمو دائماً 
     في أعماقِ قاسم 
مسترخٍ في فضاءاتِ جموحِ الخيال

رحلةُ القمّةِ
رحلةٌ من نكهةِ الحياةِ
توقٌ إلى عاشقةٍ معلّقةٍ 
بأهدابِ اللَّيلِ

رحلةٌ 
      مكتنـزةٌ 
            بدهشةِ المكانِ
تحملُ بين ثناياها 
     جموحَ شهقةِ الطفولةِ
متداخلة 
      معَ أغصانِ 
           بهجةِ الصَّباحِ 

مسربلةٌ بخيوطِ أساطيرَ الذَّاكرة
مسكونةٌ بلغاتٍ غير مرئيّة
لغاتٌ مفهرسةٌ بالشُّموخِ 

جبلٌ أليفٌ 
حنونُ الصَّدرِ
يحمي قطّاعَ الطُّرقِ 
يحمي الخارجين عن القانونِ
يخفِّفُ من ضجرِ الإنسانِ 

يحمي العشَّاقَ من غبارِ هذا الزَّمان
يفرشُ لحافَهُ الوثيرِ لكلِّ الوافدين إليهِ

لا يشاكسُ ضيوفَهُ
يحاورهُم بلغةٍ شفيفةٍ
لغةُ المطرِ وهفهفاتِ اللَّيلِ
لغةٌ مضمّخةٌ بصخورٍ 
تتصاعدُ منها البخور 
معلّقةٌ في رحمِ اللَّيلِ

جبلٌ يتشرَّبُ أوجاعَ هذا الزَّمان
يحاكي الأخيارَ والأشرارَ
يستأصلُ الشُّرورَ 
     من القلوبِ الغليظةِ
يزرعُ بسمةَ الخصوبةِ 
يحضنُ هديرَ الشِّتاءاتِ
غيرُ آبهٍ من ضجرِ السِّنينِ

يقاومُ رعونةَ الأشرارِ
يحوِّلُ خشونةَ المنحدراتِ
     إلى إلفةٍ أنيسةٍ
     إلى هدوءٍ عذبٍ
كأنّكَ في محرابِ القدِّيسين

تبتهلُ للسماءِ
على هذا العطاءِ الكريمِ

جبلٌ يتهاطلُ وداعةً 
يبقى في وجهِ الأعداءِ
دونَ وجلٍ .. 
شامخاً 
زارعاً 
     في سهولِ العمرِ 
          فسحةَ أملٍ 

مزارُ عاشقٍ
كهفُ ناسكٍ
حلمُ شاعرٍ 

رحلةُ اندهاشٍ في وهادِ الخيالِ

انتعاشُ الذَّاكرة
بهجةُ الرُّوحِ وهي تغرفُ الكلمات

شعراء في محرابِ الشُّموخِ
شموخُ الجِّبالِ
تعانقُ شموخَ الشُّعراءِ

قاماتُ الجِّبالِ 
     تلامسُ قاماتِ الشِّعرِ
تتلاقحُ القاماتُ
فتولدُ أشعاراً وحكايا
أكثرَ انتعاشاً من أقاصيصَ الخيالِ
جبلٌ يتصالبُ حناناً 
     مع سهولِ الرُّوحِ!
                     *****
يمورُ الحنينُ في مفاراتِ غربةِ الرُّوحِ 
زنبقة سوداء 
جذورُها معرَّشة في تلالِ "الدّرباسيّة" 
رمتْهَا عواصفُ هذا الزَّمان
     في غربةٍ كثيفةِ الاخضرارِ

تصوِّرُ وروداً ورذاذاتِ الصَّباح
تعشقُ الزُّهورَ البرّية
     نضارةَ الأقحوان ..

وجهٌ يحملُ رحيقَ الزُّهورِ
تتمتّعُ بحياةٍ هادئة 
منبسطةٍ على اِمتدادِ بهجةِ الطَّبيعةِ

زنبقةٌ سوداء 
نقيّةُ العطاءِ كدموعِ الأطفالِ
متجذِّرة في سهولِ الشِّمالِ
ترعرعَتْ في بيتٍ مِنَ الطِّينِ
على تخومِ الدّرباسيّة
على مقربةٍ من ينابيعَ الفرحِ 
على أمواجِ الرَّحيلِ
زنبقة سوداء 
متوغّلة في وهجِ الشَّمسِ 
هاربة من ظلالِ المرافئِ الخاملة
عابرة هضابَ الغربةِ 

تبحثُ عن أنواعِ النَّفلِ 
     عن قبّراتٍ مختبئة 
     تحتَ أغصانِ الفرحِ

تلتقطُ صوراً متطايرة 
من أهدابِ الحياةِ
تخصِّصُهَا
لاستراحاتِ مرافئِ العيونِ

زنبقة مسربلة 
     بالخجلِ والحياءِ
تنضحُ حبّاً مستتراً 
     لقلوبٍ عطشى للربيعِ
     لفراشاتٍ حالماتٍ 
          بعشقِ النُّجوم

هداهدُ الرُّوحِ طارَتْ
حطَّتْ على أغصانِ القرنفل

تاهَتْ عصافيرُ الجنّة من الجنّة
ما كانَتْ تعرفُ أنَّ الجنّة جنّة
طارَتْ صوبَ القمرِ
اختطفَهَا نيزكٌ 
     من بين وجنةِ القمر!ِ

شواطئٌ مفروشةٌ بالدُّفءِ
ملتحفةٌ بمنحدراتِ الفرحِ
تهفو نحوَ حقولِ الشِّمالِ
     نحوَ صحارى الشِّمالِ
      نحوَ مللِ الشِّمالِ ..

وهجٌ
 انزلقَ من خاصرةِ ذاكرةِ الشِّمال
حيث مروجُ الحنينِ تزدادُ سطوعاً
انزلقَ من خاصرةِ الذَّاكرة البعيدة  
عَبَرَ ظلالِ الرُّوحِ
آخذاً غفوةً  بينَ أحضانِ الياسمين ..
 أقراصُ العسلِ مجبولةُ 
     بوهجِ الشِّمالِ
بحارٌ هائجة 
تصرخُ في وجهِ الرِّيحِ 
أحلامٌ مبعثرة
تتبرعمُ بينَ بتلّاتِ الزُّهورِ
صورٌ نابعة   
     من هسيسِ الطَّبيعةِ
     من وهجِ المسافاتِ

تخبِّئُ ليالي الشِّمالِ
     في تعاريجَ غربتِهَا
تغزلُ من المساءاتِ الطَّويلة 
     صوراً ناضحة بالشَّوقِ
          إلى مفاصلِ الرُّوحِ

زهرةٌ بيضاء 
     كقلوبِ العذارى
وشاحٌ بنّي ضاربٌ إلى السُّمرةِ
يعانقُ ضفائرُهَا المتدلّية 
     على خدودِهَا 
في وسطِهَا دائرة صفراء 
منقطّة بزهورٍ ناعمة 
ملوِّنة بالمرجانِ والنّعناعِ البرِّي

تضحكُ الزّهرة 
     في وجهِ ناظرها
تنطقُ براءةً .. 
     عذوبةً

زرقةٌ شفّافة فاتحة 
بضعةُ بتلِّات غامقة الزُّرقة 
في وسطِ زهرة
مكثَّفة بالنَّقاءِ والهدوءِ  

تبدَّدَ ضجري 
أغصانٌ خضراء مزنّرة بالشَّوقِ
إلى بيوتِ الدّرباسيّة
إلى أزقّةٍ غائصةٍ بالحزنِ 
إلى مساءاتٍ بعيدة 
إلى قبورٍ نبتَتْ عليها 
     أوجاعُ الغربة
إلى أخٍ تاهَ 
     في سراديبَ هذا الزَّمان
إلى صديقاتها المتدلدلة 
     في تجاويفِ الذَّاكرة!

صباحٌ من جليد!

غابَتِ الدَّمعة الطَّافحة 
عبرَتْ سهولَ القلبِ
اهتاجَ البحرُ 
     من خصوبةِ الاشتياقِ!

ثمَّة صورٌ تداعبُ الخيال
تنمو على شواطئِ العمرِ
تحطُّ الطُّيورُ المهاجرة 
على أكتافِ المساءِ 
تستريحُ من عناءِ الإنتظارِ

تاهَتْ الرّسائلُ
غرقَتْ في أعماقِ المحيطِ
انتشلتْهَا عروسُ البحرِ
جمالٌ أبهى 
     من اخضرارِ الغاباتِ
أعبق من الزَّيزفونِ

غروبٌ متوهِّجٌ بحمرةِ الشَّفقِ
غيومٌ هاربة من دكنةِ اللَّيلِ 

تفرشُ بياضَهَا 
على بقايا خيوطِ الشَّمسِ
ملتحفةٌ بوشاحِ البحرِ 

نثرَ الغسقُ احمرارَهُ 
فتناثرَتْ حبيباتُ الشَّوقِ 
     من جنوبِ كاليفورنيا 
عابرةً البحارَ الهائجة
مسترخيةً ظلالها 
     فوقَ أوجاعِ الدّرباسيّة
تستأنسُ بأشجارِ اللَّوزِ
لا ترغبُ العودةَ 
     إلى خلفِ البحارِ 

عجباً .. غيومٌ سارحة
طفلةٌ من قرنفل
حلمٌ لا يفلتُ 
     من زنّارِ الذَّاكرة
أرخَتِ الذَّاكرة أوزارَها 
     على هاماتِ البحرِ

سهولٌ خضراء 
تمتدُّ من جموحِ الأمواجِ 
نحوَ قببِ الرُّوحِ المنفلتة
من جبالِ طوروس
مروراً بالدّرباسية وبحيرات استوكهولم
حتّى مروجِ الزّنبقة السّوداء 
     في مرتفعاتِ كاليفورنيا!

بلادُ الغربةِ والبكاءِ 
     على قارعةِ الرُّوحِ

ثمارٌ ناضجة منقَّطة بالعذوبةِ
تنتظرُ طفولة مسربلة 
     بنسيمِ الصّباحِ
زهورٌ ورديّة 
ذاتُ بتلات رفيعة  
     كخيوطِ الشَّمسِ
يتوسّطهُا تاجٌ ضارباً 
إلى اصفرارٍ مذهَّبٍ
يعانقُهُ البياض النَّقي 
خلفه غابة كثيفة الاخضرارِ
فرحٌ هاطلٌ 
     من خاصرةِ السَّماءِ

انقشعَ حزني
نما في شواطئِ الرُّوحِ براعمٌ
     من لونِ النَّدى

فاكهةٌ تميلُ وجهَهَا للشمسِ
زهرةُ الرُّمّانِ
وجهٌ مفتوحٌ لنكهةِ الحياةِ 
يتوسطُهَا عينٌ خضراء غامقة 
كأنّها تقرأُ 
ما يجولُ في خاطري 
      من اندهاشٍ
أدهشتني غاباتُ الجَّمالِ
رذاذاتُ المتعةِ 
وجهٌ أبهى من عشّاقِ اللَّيلِ
أنقى من وداعةِ النَّسيمِ
وجهٌ ينضحُ فرحاً 
شوقاً إلى بساتينِ الطُّفولةِ

بتلّتان لزهرةٍ مذهّبة تتعانقان
بينهما فاصلٌ صغير من الجَّانبين
بتلاتٌ متعانقة من الجّهةِ المقابلة
براعمٌ في طورِ الانفتاح
انفتاحُ الكونِ على أحزانِ الطُّفولة

غصنٌ شامخٌ .. 
اخضرارٌ متصالبٌ 
     بشهقةِ البحرِ

زهراتٌ ململمةٌ على بعضِهَا 
بانسجامٍ لذيذٍ
متوهِّجةٌ بالشَّوقِ 
     إلى ياسمينِ الرُّوحِ
 يداعبُ النَّدى خدودَ النَّهارِ 
فتهطلُ رذاذاتُ المحبّة على أغصانِ اللَّيلِ
تسقي صحارى الحلم  
خيوطُ بتلاتِ زهرةٍ بنفسجيّةٍ ناعمة 
كأيدي أطفالِ الملائكة
خيوطٌ منحنية في نهاياتِهَا 
متصالبةٌ معَ تغريدِ البلابلِ
في وسطِهَا دائرة قمريّة 
     مبهرة تويجاتها 
يشعُّ من وجهِهَا حروف مذهَّبة 
تسندُ أحلامَهَا على خشبةِ الخلاصِ!

زهورٌ بيضاء صغيرة 
تنافسُ الأقحوانَ رونقاً
تطايرَتْ بذورها من أزهارِ الجنّة 
سقطَتْ فوقَ خدودِ التُّرابِ 
فأزهرَتْ انتعاشَ الرُّوحِ
     شوقَ الإنسانِ إلى بساتينَ المحبّةِ  
استرخَتْ فوقَ الرِّمالِ النَّاعمة
نامَتْ على إيقاعِ وشوشاتِ البحرِ!  
                      ***** 
تريدُ أنْ تغفو بينَ مرافئِ الغاباتِ   
تعبرُ أوجاعَ القصيدة
غير عابئة 
     بانكساراتِ الحلمِ
     ولا بدخانٍ متصاعدٍ
          من تلالِ الرَّمادِ

تتواصلُ معَ وجنةِ الهلالِ 
محلِّقةً فوقَ بزوغِ الشَّفقِ
تنثرُ باقات الفلِّ 
     على تلألؤاتِ النُّجومِ

تبلسمُ جراحَ الطُّفولةِ 
     بحبقِ الشِّعرِ 

تستلهمُ رؤاها من وجعِ الأيامِ 
راغبةً 
أن تمسحَ المرارات الملتصقة 
     في سماءِ حلقِهَا 
لكنّ حلقها معفّر بمخالبِ الذِّئابِ
بشرٌ نبتَتْ لهم مخالبُ الذِّئابِ
أكثرَ افتراساً من الضَّواري

حلقٌ مزروعٌ بأنينِ الفراقِ
فراقُ حبل السرّةِ 
     عن الأمّهاتِ

وجعٌ هابطٌ كشهقةِ نيزكٍ 
فوقَ مصاطبِ زنبقٍ وطين 

الشِّعرُ يخفّفُ أوجاعَ المساء
حلمٌ نائحٌ بتلظّي الأرقِ

الشِّعرُ يهوى أحداقَ اللَّيلِ
يعاندُ مشاكساتِ النَّهارِ
يبقى في وجهِ الضَّجرِ
يريدُ أنْ يبلّلَ 
أجنحةَ بومةٍ 
متربِّعةٍ 
     فوقَ أيكةٍ نديّةٍ 
          بزبدِ المساءِ
خنادقٌ حولَ رقابِنَا 
حولَ حبِّنَا 

ترهّلَ النُّعاسُ 
     من شدّةِ الشَّوقِ

جمرةٌ مخبّأة 
     بينَ أجراسِ الرَّحيلِ

تناثرَ الخيرُ 
     فوقَ بيادرِ الحنطة 
تعانقُ النَّوارجُ 
     شموخَ السَّنابلِ

صهيلُ الجِّبالِ تناهى
     إلى ظلالِ الصَّباحِ

مَنْ يستطيعُ 
     أن يوقظَ اللَّيلَ 
          من نعاسِهِ؟

عاشقة غافية 
     تحتَ دفءِ القصائدِ
غداً سيغمرني نوماً 
     من نكهةِ الوردِ

وُلِدَ البكاءُ في حيَّنا 
دموعٌ منسابة على خدودِ البحرِ
     على خمائلِ العاشقة

نامَتِ الزُّهورُ على صدرِ غزالةٍ 
     مسترخيةٍ من تعبِ النَّهارِ

يتطايرُ وهجُ الشِّعرِ 
     من ندى اللَّيلِ

خمرةٌ معتّقة 
انبعثَتْ من آلامِ الصَّباحِ

سهولٌ فسيحة على مرامي الرُّوحِ
تتراقصُ فيها طيور 
     على إيقاعاتِ جموحِ الغزلانِ
عبرَتْ أحلامُ العاشقة 
     بينَ خمائلِ الفرحِ
ترنو إلى  عذوبةِ البحرِ
تسمعُ همهماتِ النَّسيمِ

مرسالٌ مثقلٌ بالشَّوقِ
يداعبُ خلوةَ العاشقة

ترشقُ ومضاتِ الشَّوقِ 
سهاماً من رذاذاتِ التِّبرِ 
     فوقَ وشاحِ الشَّمسِ 

ينابيعُ فرحٍ 
تصبُّ 
    في ضفافِ العمرِ

خرّتِ العاشقة 
     مبتهلة لزرقةِ السَّماءِ 
فهطلَ على تخومِهَا 
عاشقٌ مسربلٌ بزبدِ البحرِ 

للبلبلِ الشَّامخِ 
     على أغصانِ القلبِ
          تغريدةُ فجرٍ وليد 

للفراشاتِ الهائماتِ 
     حولَ نورِ العشقِ
          نكهةُ الحنينِ

للغابةِ المكتنـزة
     بأعشابِ الشَّوقِ 
          خصوبةُ الحياةِ

خرجَتِ العاشقة 
     من اخضرارِ غابتها
          مزنّرة بأزهارِ الجنّة

هطلَتِ السَّماءُ 
     حبيباتِ الرمّانِ والتوتِ

توافدَتْ طيورُ الغاباتِ 
تأخذُ حصّتها من هدايا السَّماءِ
تاهَ العاشقُ فرحاً
يا إلهي أصبحَتِ الجنّة جنّتان

تعالي يا جنةً متطايرة 
     من وجنةِ الغاباتِ

وحدُهُ الشِّعرُ كهفٌ آمنٌ 
صديقُ الهداهدِ 
صديقُ اللَّيلِ والنَّهارِ
يزرعُ عذوبةَ الرُّوحِ 
     في قلوبِ العشّاقِ

نهضَ اللَّيلُ مخبِّئاً تحتَ عباءَتِه 
وردةً 
     من نكهةِ البحرِ

تقافزَتِ الضَّفادعُ الخضراء
فرحانة بقدومِ الرَّبيعِ 
انزلقَتْ فوقَ زهورٍ 
     معانقة ساقية مسترخية 
     فوقَ حبيباتِ الرَّملِ
أسماكٌ صغيرة تناغي هواءَ الرَّبيعِ 
تسيرُ الحروبُ إلى موتِهَا 
     وتصبحُ مقبرةَ الكسالى 

تسيرُ الجنرالات إلى حتفِهَا 
     وتصبحُ تلالاً من رمادٍ

تسيرُ الجِّبالُ والغاباتُ  
     نحوَ خصوبةِ السَّماءِ 
مكحّلةً عيون الشِّعرِ 
بلونِ الشَّفقِ
فتنهضُ العاشقة أمامَ العاشقِ 
يرقصان على أمواجِ البحرِ 
     رقصةَ الإبحار!

 فرحَتْ من أعماقِهَا
نبَتَتْ في جذورِهَا  فسحةُ أملٍ
قبلَ أنْ تحلَّ ضيفةً 
     في بساتينَ مضرّجةٍ بالرُّعبِ
تريدُ أن تهزمَ ضجرَ الصَّباحاتِ
     بعبقِ النُّسيانِ!
لديها رؤية مغموسة بالعسلِ 
رؤى مترعرعة بينَ خصوبةِ الغاباتِ

تبدِّدُ بأحلامِهَا النَّابتة 
     فوقَ أجنحةِ الحمامِ
          عذاباتِ السِّنين

تنسابُ أنهارُ حبّها 
     إلى دنيا الفرحِ
     فوقَ ضراوةِ المكانِ

تصهرُ الزَّوابعَ الهادرةَ 
تهدِّئ تلاطماتِ خشونةِ الرُّوحِ
بكلماتٍ منبعثةٍ 
     من هداهدِ الشَّمسِ!

لغةٌ تهطلُ حبقاً فوقَ
      صحارى العمرِ 

لغةٌ منعتقةٌ من أحزانِ السِّنينِ
تعانقُ اخضرارَ الدَّالياتِ
سقطَتْ شظيّة 
     عندَ منعطفِ الرُّوحِ
لم تجفلْهَا ..
مَشَتْ بشموخٍ 
فاتحةً صدرَها لسفينةِ الحبِّ
تبحثُ عن فرحٍ 
تاهَ بين لُجينِ الموجِ

تناجي عبّادَ الشَّمسِ 
تبلَّلَتْ روحي بنكهةِ الياسمين

بحرٌ عميقُ القاعِ
تتراقصُ فوقَهُ نوارسٌ بيضاء
     من لونِ العذوبةِ 

تنتظرُ سفينةَ الحبِّ الآفلة 
غمامٌ حولَ حافّاتِ الذاكرة

أملٌ ينمو في خيوطِ الصَّباحِ 
ضبابٌ خفيفٌ 
يسربلُ هدوءَ المكانِ
تنسابُ أنهارُ الحبِّ 
     من بؤبؤيها
استرخَتْ هنيهةً
     على صدرِ طائرٍ ..

غفَتْ ورودُ الفرحِ 
     على أجنحةِ الحنانِ

إكليلُ الياسمينِ
يزيِّنُ واحاتِ الحلمِ

بهجةٌ متطايرةٌ من تدرُّجاتِ 
          الألوانِ الوارفةِ 
تعكسُ انتعاشاتِ الفرحِ الآتي
تفتحُ أبوابَ أرخبيلِ القلبِ
     على بحيراتٍ مليئة بلآلئٍ 
          في غايةِ الانتشاءِ

تستقبلُ ناقوسَ انتصارِ الحبِّ 
على خشونةٍ متطايرةٍ
     من رؤى مجوّفة بأحجارِ الصُّوّانِ
شوقٌ متصالبٌ 
     في أعماقِ الخافقِ 
مُباركٌ دفءُ الشَّمسِ 
عذوبةُ الماءِ الزُّلالِ

التأمَتْ جراحُهَا 
     من طيبِ الأزاهيرِ 
فرَدَتْ شعرَهَا 
مسترخيّةً حبقها 
     فوقَ بخورِ الرُّوحِ
تنتظرُ أجنحتُها عاشقاً من ضوءٍ

حمامةٌ بيضاء تحطُّ على أناملٍ 
     أنعمَ مِنَ الحريرِ 
حلمٌ أعذب من شذى العبيرِ 

الشِّعرُ بريقُ الحياةِ
تاجُ قرنفل ملفوف 
     بحبقِ الطفولة
جمرةُ عشقٍ 
     في دنيا الضَّجر 
الشِّعرُ انتشاءُ الرُّوحِ 
     رغمَ رمادِ الحرائقِ

صديقُ الحمائمِ
شوقُ العاشقِ 
     إلى رحابِ الحياةِ
     إلى عروسِ البحرِ 

الشِّعرُ جناحُ عاشقة تائهة 
     في دكنةِ اللَّيلِ
خشبةُ خلاصٍ 
     من أوجاعِ المكان
واحةٌ مريحةٌ 
     لقلوبٍ مشتعلةٍ بالحنانِ

الشِّعرُ يمنحُ صحارى الرُّوحِ 
     خصوبةَ الحياةِ!

تنهَّدَتِ العاشقة ..
غَرِقَتْ في مناجاةِ 
     هواءٍ بَلِيْلٍ
رحلَتْ سفينةُ الأحلامِ
تألمَّتْ
ثمَّ غفَتْ العاشقة
     تحتَ شجرةِ الرمّانِ

سقطَتْ رمّانة على نهدِهَا
جفلَتْ 
تلمّسَتْ طراوةَ النَّهدِ 
عجباً ..
هل أنبثقَ 
     من رمّاني 
          رمّاناً
أم أنَّ الطَّبيعةَ 
تحنُّ إلى خصوبةِ الحياةِ؟

بحرٌ من لونِ الكبرياءِ
تبحرُ في شطآنه 
تكتبُ شعراً 
     فوقَ رمالِ الفرحِ 
تمحوها الأمواجُ الصَّاخبة  

بعدَ اغفاءةٍ خفيفةٍ 
حطَّ على خدِّها 
     جرادٌ صغيرُ 
ذُهِلَ الجَّرادُ من كحلِهَا 
اقتربَ من رموشِها 
لامسَ بقرونِهِ الرَّفيعة رموشَها 
التصقَ قرنُهُ الأيمن 
     بكحلِهَا المدبّقِ 
          بأزهارِ الجنّة!

نسمةُ منعشةٌ هبّتْ من البحرِ
جفلَتْ مرّةً أخرى
فرَّ الجَّرادُ 
ملتقطاً رمشةً من رموشِهَا
  
 امتزجَتْ نداوةُ الشِّعرِ 
     مع أصدافِ البحرِ
تناثرَ رحيقُهُ فوقَ الطَّحالبِ
معانقاً عروسَ البحرِ
تطايرَتْ رذاذاتُ الشِّعرِ 
     فوقَ تاجِ العروسِ
انتعشَتْ
ثمّ انتفضَتْ مرحِّبةً بالرُّذاذاتِ ..

انـزلقَتَ الأسماكُ الصَّغيرة الغافية 
     فوقَ ظهرِ عروسِ البحرِ
حامَتْ حولها ثمَّ صعدَتْ نحوَ الأعلى 
وجهُ الشَّفقِ بانتظارِهَا ..

توارَتْ الأمواجُ 
عندما رأَتْ عروسَ البحرِ

هدوءٌ منعشٌ  
     هيمنَ على جسدِ المكان
هدوءٌ من لونِ الشَّفقِ
     يعانقُ أوتارَ الصَّباحِ

مرّ عاشقٌ منكسرُ الروُّحِ
قرأ على أمواجِ البحرِ 
شعراً متطايراً من حبيباتِ الرَّملِ
على تخومِ الشَّاطئِ 
استرخَتْ عاشقة مسربلة بالأملِ
شهقَ العاشقُ شهيقاً عميقاً
ارتعشَتْ ومضاتُ عينيهِ
نظرَتْ عروسُ البحرِ إلى العاشقة 
تمنّتْ أيضاً أنْ تصادفَ عاشقاً 
منبعثاً من خيوطِ الشَّمسِ

دندنَ نسيمُ البحرِ أنشودةً 
     مسربلةً ببهجةِ المكان

حلّقَتِ العروسُ 
     فوقَ سطحِ المياهِ
ارتسمَ حولها هلالاً ملوَّناً 
     بألوانِ قوسِ وقزحٍ
ثم غاصَتْ عميقاً إلى القاعِ

تَلمْلمَ حولها أسماكاً مذهّبة 
اقتربَتْ سمكةً منها
     تريدُ أنْ تعبرَ غلاصمَهَا
تريدُ أنْ تمنحَهَا 
     محاراً ثمينة 

كانتِ العروسُ ماتزالُ 
تحلمُ بعاشقٍ من لونِ النَّدى
     منبعثٍ من خيوطِ الهلالِ 
     أو هدوءِ اللَّيلِ

ضجرَتْ من غَزَلِ الحيتانِ
     من خشونةِ القاعِ 
     من الطَّحالبِ العالقة 
     بين رذاذاتِ الشِّعرِ! 

عاشقة تنضحُ عبقاً   
تشبهُ عروسَ البحرِ 
نمَتْ لها أجنحةُ فراشاتٍ

تاجٌ من الزُّهورِ 
يتوسّطُهُ سنبلةٌ شامخةٌ

تترجرجُ موجاتٌ صغيرةٌ 
     تحتَ قدميهَا 
     المتدلّية في الماءِ الزُّلالِ

تعانقُ فرحاً ناضِحَاً
     من خصوبةِ المروجِ

تسمعُ همساتِ البلابلِ
انسدلَ شعرُها القمحيِّ على كتفيها 
     مسترخياً على نهديها العاجيَين 

ترنو إليها الزُّهورُ 
نكهةُ النَّارنجِ 
     تفوحُ من أهدابِهَا 
     من ضفائرِهَا المجبولةِ بالقمحِ 

وجهٌ ساطعٌ بالطِّينِ 
     من لونِ الكبرياءِ 
     من لونِ الشُّموخِ 

تخترقُ الموتَ 
     من خلالِ عشقِ الحياةِ 
لا ترغبُ أن تكونَ 
     إلا من لونِ الأرضِ 

سنابلٌ تنبتُ حولَ جيدِها 
تنافسُ عروسَ البحرِ 
تنامُ فوقَ عشبِ الغاباتِ

امتزجَتْ معَ رحيقِ المروجِ 
ترتمي بين أحضانِ الغسقِ 
     قبلَ أن يودّعَ الكونَ

بلابلُ الرُّوحِ تغنّي 
رشّحتها الزُّهورُ 
     عروسَ البساتينِ

تعبرُ أحلامَ الصَّباحِ
تغفو على أريكةِ الشُّوقِ 

تصحو على إيقاعِ 
     أنغامِ الهداهدِ 
تبدِّدُ ضجرَ المكانِ
يهربُ الحزنُ 
     من وجنتيها
عابراً شقوقَ اللَّيلِ 
البحرُ صديقُهَا
لن تغلقَ الأسفارَ
ولا بوّاباتِ المودّةِ

تأملُ أثمنَ المحارِ
تريدُ أنْ تعبرَ صحارى العمرِ 
بعدَها أرضُ النَّجاةِ

رذاذاتُ ثلجٍ هذه
أم رذاذاتُ فرحٍ 
هاطلة من حنينِ السَّماءِ
فوقَ أجنحةِ العذارى
تروي عطشَ العاشقة 

وجهٌ يتأمّل الآتي 
صرخةٌ تنادي 
جبالٌ ملوَّنة بخصوبةِ العمرِ 

هطلَ الفرحُ 
    على وجنةِ اللَّيلِ
    على وشاحِ الطُّفولةِ 
تغفو على صدرِ الفراديسِ 

دفءٌ يتغلغلُ اهتياجَ القلبِ
طارَتِ الفراشات 
     من وهجِ الانتشاءِ

عاشقة مسترخية 
     على لآلئِ المحبّةِ

تحلمُ أنْ تحلّقَ عالياً 
ثمَّ تحطُّ فوقَ خمائلِ العمرِ
ترتشفُ دفءَ الشَّمسِ 
     عذوبةَ البحرِ
تكحِّلُ ارتعاشاتِ الزَّنابقِ 
     بومضاتٍ مخضَّبةٍ 
          برحيقِ الشِّعرِ
ترسمُ على جناحِ الفراشاتِ 
     جمرةَ الشَّوقِ

قلبٌ يرتعشُ في البراري
تاهَ العاشقُ عن خفقةِ القلبِ
أينَ أنتِ 
أيّتها المزنّرة بأجنحةِ الرِّيحِ؟

تسمعُ هسيسَ اشتعالِهِ
يرتعشُ قلبُهَا 
تحنُّ إلى جموحِ الاحتضانِ
     إلى دكنةِ اللَّيلٍ
     بينَ أحضانِ الحبيبِ

تريدُ أنْ تبدِّدَ 
     ضجرَ العمرِ 

نعومة اللآلئ 
     لا تبدِّدُ رعونةَ الأحزانِ

هدوءٌ من نكهةِ الصَّفاءِ 
يزنّرُ أعشابَ الرُّوحِ
يداعبُ غاباتِ الحنينِ 
     كإشراقةِ الشَّمسِ 
في صباحاتِ نيسان! 
                    *****
سَفرٌ في رحابِ الكلماتِ
تبدَّدَتْ وحشةُ المكانِ

نضارةُ أديمِ الصَّباحِ
تناغمَ معَ نسغِ الرُّؤى

عبورٌ في ينابيعِ الذَّاكرة
احتدامٌ معَ فرائصِ البحار

حوافرُ المسافاتِ 
     جاثمةٌ على صدرِ اللَّيلِ
يعلو سديمُ الأحزانِ 
     يراعَ السَّماءِ 
هارباً من أزيزِ الشَّوقِ
     من وهجِ الاشتعالِ       

تقافزَتِ العصافيرُ في ذاكرتها
 تحلِّقُ فوقَ حافّاتِ الإنتظارِ
تزقزقُ شوقاً 
     لحبَّاتِ الحنطة 
غربةٌ فسيحةٌ 
تسربلُ صباحاتها المعتَّقة 
     ببوحِ القصائد

فتحَتْ نوافذَ أحداقها 
تنتظرُ انسيابَ الدَّمعِ في المآقي   
     حروفاً من لونِ الهلالِ

تهمسُ لغيمةٍ طافحةٍ بالأسرارِ
كحلمٍ هادئٍ 
يتناهى إلى أسماعِهَا
     وشوشواتُ نوارسَ البحرِ 
     تناغي هديلَ الحمام!

فيروز يا صديقة الخمائلِ
يا نكهة وردٍ
أعبقَ من البيلسان!

تتلألأُ ذاكرتها 
محفوفةً 
     بغربةٍ فسيحةٍ 
تناجي روحَهَا 
رفرفي يا روحي 
ثمَّ اعبري غمامةً جامحةً
شوقاً 
     إلى بيادرِ الحنطة 
لعلّها تسقي 
     أرخبيلَ الطُّفولةِ

وجعٌ يلازمُ محطّاتِ الرَّحيلِ
غربةٌ تداهِمُهَا 
     عويلُ المسافاتِ

فحيحُ اللَّيلِ الظَّامئِ للقمرِ
نبرةُ الحنينِ 
     إلى ضفافِ المدارسِ
     إلى أحواشِ البيوتِ العتيقة

يتَّشحُ رحيقُ العمرِ 
     بقناديلَ غافيةٍ 
     تحتَ ظلالِ البيلسان

كلماتٌ متطايرةٌ 
     من زبدِ البحرِ
نديّةٌ 
جاهزةٌ للولوجِ 
     في محرابِ ترتيلةِ الحياةِ

قصائدٌ جامحة كوعولٍ تائهةٍ 
     في برارٍ شامخةٍ 
          على رحابِ الخيالِ

أبراجُ الطُّفولةِ شاهقةٌ
تلامسُ قيظَ النَّهارِ ..
تحطُّ كالنَّحلِ 
     فوقَ زهورِ الرُّوحِ

تمتصُّ قيثارةَ الوداعِ الغافيةِ 
     بينَ غبارِ الطَّلعِ
تخفتُ بيارقُ حزني 
شهقةٌ مذهلةٌ تسربلُني
تهشّمَتْ فخاخُ العمرِ 
     على معابرِ البحارِ
استقبلها ثرى قصيدٍ  
     غارقٍ في النَّدى

تثاءَبَ النهرُ 
     من تعبِ الانتظارِ 

متاريسُ حقولِ الرُّوحِ عطشى
لقطافِ تلاوينِ ترتيلةِ الأحلامِ

عناقيدُ شبقِ القصائدِ 
متدلّيةٌ 
     من مزاميرَ رنينِ الحنين

قلبٌ يزدادُ غبطةً 
يمتطي هامةَ الوئامِ
غير آبهٍ بصهيلِ الأوجاعِ
على مقربةٍ منه 
     دنانُ الخمرِ
يزدادُ انتعاشاً 
يلهجُ شوقاً 
     إلى أهازيجَ الطُّفولةِ 
تاهَتْ نبالُ الغربةِ 
     بين لجينِ المتاهةِ
شعشعَ الصَّباحُ معَ عندليبِ الغابةِ

أنغامُ المحبَّةِ ساطعةٌ
      فوقَ جسدِ المدائن 

رفرفي يا روحي 
وحلّقي عالياً 
     صوبَ ينابيعَ الطُّفولةِ

فاحَتْ نكهةُ الزَّنابقِ 
     من الحوشِ العتيقِ
وتسلّلَ بانتعاشٍ 
ذكريات حبقِ الطُّفولةِ
     في أغصانِ القصائد

رفرفي يا روحي رفرفي ..
نوافذُ القلبِ مفتوحة 
للهلالِ
     لحبّاتِ المطرِ
هطلَ الحلمُ حبراً كدكنةِ اللَّيلِ
     فوقَ رحابِ القصائد
تناثرَ فوقَ مناجلِ الطُّفولةِ

نهضَتْ أميرةُ البحرِ
تلملمُ أحلاماً راعشة
صمتٌ لا يختلفُ 
     عن هدوءِ الصَّحارى

ضلَّتْ قبّرةٌ الطَّريقَ 
     إلى فراخِهَا
دارَتْ حولَ نفسِهَا
تشمُّ الحشائشَ
فرشَتْ أجنحتَهَا تلامسُ الأرضَ
لعلّها تلتقطُ زغباً 
     متطايراً من فراخِهَا 

هَل ْكبرَتِ الفراخُ وطارَتْ 
تبحثُ عن حبّاتِ الحنطة
          المنبعثة من شموخِ السَّنابلِ
     أم أنّها تاهَتْ بينَ أخاديدَ الحياةِ؟
تنهضُ الطُّفولةُ متلألئةً
     فوقَ جمرةِ الشَّوقِ
تبحثُ 
     عن خيوطِ الخلاصِ ..
          من ضجرِ الغربة .. 
من ضجرِ اللَّيلِ الطَّويلِ .. 
من برودةُ المسافاتِ 
الزَّاحفةِ 
     على أسوارِ المراكبِ ..

قلبٌ مفتونٌ بحبقِ الرَّوابي
مسكونٌ في صهيلِ الرِّيحِ
شوقاً إلى بيادرِ الحنينِ
     ووشوشاتِ الهداهدِ

يخرُّ زيتُ العمرِ 
     على مصاطبِ الرُّوحِ
فتهطلُ دموعُ القلبِ 
توقاً 
     إلى الدَّالياتِ المظلّلةِ 
          فوقَ ساحاتِ البيتِ العتيقِ
نسائمُ الشَّرقِ 
تخورُ فوقَ دخانِ العمرِ

حنينٌ مخثَّرٌ بشهوةِ الاشتعالِ
     إلى شرفةٍ غارقةٍ 
          في 
                لوعةِ 
                     الانتظارِ!

نزهةٌ مصحوبةٌ بهديرِ الشِّعرِ
مزدانةٌ بعوسجِ الرُّوحِ
تضيءُ كهوفَ اللَّيلِ    
     بقناديلَ القصيدةِ

تاهَتْ حمائمُ الحنينِ 
عبَرتْ غاباتِ الشَّوقِ
اِرتطمَ جناحَهَا 
     بأغصانِ الطُّفولةِ
هبطَتْ 
تفرشُ حنينَهَا 
     فوقَ زنابقِ الهجرانِ
حلمٌ متَّكئٌ 
     على تعاريجَ العمرِ

عبرَتْ غزالةٌ برّية نهراً شحيحاً
عادَتْ قبلَ أنْ تعبرَ الصَّحارى 
شربَتْ إلى أنْ روَتْ غليلَهَا

نبتةٌ اقْتُلِعَتْ مِنْ نسيمِهَا
     من خصوبةِ الأحلامِ
عبرَتْ جدارَ الحزنِ ..

أبراجٌ مائلةٌ 
قصورٌ في طريقِهَا إلى الزَّوالِ

لم تنسَ نقوشاً مزهوَّة 
     فوقَ وهادِ الطُّفولةِ

خبَّأَتْهَا بينَ ترابِ الأزقّة 
كي تزفَّهَا لأغصانِ القصائد
شوقٌ فائرٌ 
يشقُّ كثافةَ الضَّبابِ
حنانٌ دافئٌ
يُذيبُ سماكةَ الصَّقيعِ

تشمخُ الأمُّ 
     في واحاتِ الحُلُمِ

سفرٌ يتنامى بالعذابِ

ودَّعَتْ مسقطَ الرُّوحِ
ودعَّتْ بريقَ المناجلِ
عبرَتْ كهوفَ الظَّلامِ
حاملةً مشعلاً 
     مزنَّراً بالكلماتِ!

ودَّعَتْ حميميّاتِ الطُّفولةِ والشَّبابِ
ودَّعَتْ الصَّداقاتِ 
مِنْ أجلِ العبورِ 
     في دنيا الكلمات 
          ووهجِ الفيافي
ودَّعَت طُرُقَاً ترابيّة 
متعرِّجة في برازخِ سهولِ القمحِ 
كَمْ مِنَ الأيّامِ والشُّهورِ والسّنينِ
عبرَتْ بينَ شموخِ السَّنابل!

قرأَتْ قصائدَ مدرسيّة
     دروسَ التَّاريخِ
قرأَتْ نصوصاً 
     في أعماقِ البراري

تسمعُ 
هسيسَ الحشراتِ الصَّغيرة
     زقزقاتِ العصافيرِ 

يشدُّهَا هديلُ الحمائمِ
أسرابُ الزَّرازيرِ 
     في أوائلِ الرَّبيعِ

تبهرُهَا نجيماتُ الصَّباحِ 
    في اللَّيالي القمراء
تعدُّها رغمَ تنبيهاتِ الأمّ
لا تخشى لو طلعَ لها 
     ثؤلولاً على أنفِهَا
تحكي مع النُّجومِ 
     قصصاً وحكايات

مبهرةٌ أنتِ أيَّتُهَا النُّجوم 
كم تمنَّتْ 
لو كانَتْ 
     نجمةً صغيرةً
تسبحُ في فضاءِ الكونِ

تساءَلَتْ مراراً 
هل تنامُ النُّجومُ
هل تجوعُ النُّجومُ
كيفَ تترعرعُ النُّجومُ؟
خرجَتْ من لُجَّةِ الحلمِ
   من ضياءِ اللَّيلِ والنَّهارِ 
ذكرياتٌ منفوشةٌ في أعماقِ اليراعِ  

رفعَتْ رأسها نحوَ هاماتِ الجِّبالِ 
عابرةً بُرَكَ الانكسارِ 
مخترقةً عواصفَ مغبرّة 
تومضُ عيناها أسئلةً معتَّقةً 
     بحفاوةِ الطِّينِ 

تحملُ في ساعدِها الأيمن 
غربالاً ورثته من أمِّهَا
تغربلُ ما يصادفُهَا  
     من شوائبِ هذا الزَّمان

قراراتٌ مصيريّة 
مفارقاتٌ مجنَّحة 
     على أمواجِ المسافات

تمسكُ باقات القمح 
     في خيالِهَا 
تثبِّتها في جذوعِ الذَّاكرةِ
تصارعُهَا أمواجُ الرُّوحِ
تتشبَّثُ 
     بوداعةِ الكلمة

تحضنُهَا
تلملمُهَا من محطّاتِ العمرِ
ثمَّ ترشرشُهَا على الجِّراحِ المتطايرة
     من اشتعالِ القلبِ

مزهوّةٌ بصداقةِ الكلمةِ
صديقةٌ ولا كلّ الصَّديقاتِ
قلمٌ يحملُ نكهةَ النّرجسِ البرّي
طفولةٌ شامخة بنداوةِ الحياةِ

تجذَّرَ عناقها معَ الكلماتِ
فارشةً جراحَ الذَّاكرة 
     على أجنحةِ الشِّعرِ

تنقشُ بمهارةٍ مفرحةٍ 
    عبيرَ القصائد
مبهورةٌ من اندلاقاتِ 
تعاريجِ الذَّاكرة البعيدة
     فوقَ ظلالِ الحلمِ
تنبشُ غاباتِ الذَّاكرة
فارشةً أجنحتها لنسيمِ الشَّرقِ
مُحلِّقةً فوقَ ضجرِ الأيَّامِ
تقمعُ أوجاعَ الغربةِ 
     برماحِ الكلمة

تلامسُ سهامُها 
     سفوحَ الطُّفولةِ
فتنهضُ ديريك متلألئةً 
في رحابِ الحلمِ
حلمُ العبورِ 
     في متاهاتِ القصائد!

غمامٌ خفيف  
يرتعشُ جسدُ الكلمات
تنبتُ في زنابقِ الرُّوحِ 
     نشوةُ اهتياجاتِ القصائد

يغمرُهَا التَّجلّي
تواصلٌ لذيذ معَ حميميّاتِهَا المخبّأةِ
     بينَ شغافِ القلبِ وحبورِ الطُّفولةِ
تكتبُ للنجومِ التّائهة
لعشّاقٍ من لونِ البحارِ

سفينةُ الشَّوقِ غابَتْ ..
عبرَتْ صحارى الرُّوحِ
تبحثُ عن بيلسانٍ معبّقٍ
     بأريجِ المسافات
تطهِّرُ فيهِ 
     أوجاعَ الحنين

شوقٌ أعمق من قبّةِ السَّماءِ
يفورُ من شهيقِ الصَّباحاتِ
نافذةٌ مفتوحة على ودادِ العالم

ترتعشُ الكلماتُ تحتَ أصابِعِهَا 
     المعطّرةِ برحيقِ الحشيشِ

تلتحمُ مع دمعةِ ابنها
فتنهضُ أمُّها 
     بين موجاتِ الذَّاكرة
     
تقدّمُ لها رغيفاً طازجاً 
يسيلُ لعابها
تهفو إلى خبزِ التَّنورِ ..
خبزٌ مقمَّرٌ ببخورِ المحبّة

تخثَّرَ الحنانُ 
     على جبهةِ الغربةِ

أسئلةٌ كحبّاتِ الحنطة 
تنهمرُ على هلالاتِ الشَّوقِ
     إلى نجومِهَا المعلّقة 
          في وهادِ جموحِ الخيال 

تعبقُ يوميّاً 
     في ظلالِ صباحاتها 
          نكهةُ الكرومِ 

تشمخُ أزقَّتُها الطِّينيّة أمامَهَا
تتوارى أمواجُ البحارِ 
تعبرُ رعونةَ المسافات
تنقشُ فوقَ برزخِ العمرِ نجمةً 
تتبرعمُ قامات الأحبّة
فوقَ أرصفةِ الرُّوحِ
فيتنامى الشُّوقُ 
     في ضلوعِ الحنينِ
     إلى مرافئِ الأمومةِ

تتلاطمُ الغرباتُ في داخلِهَا
وتغمرُها تساؤلاتٌ منبعثةٌ 
     من منحدراتِ الطُّفولةِ

تشتعلُ شوقاً إلى الدَّالياتِ
إلى سلالِ عِنَبِ "الْبَحْدُوْ"

دمعةٌ موجعةٌ تتلألأُ 
     على خدِّهَا الأيسرِ
ترافقُهَا ابتسامةٌ متطايرةٌ 
     من خيوطِ الصَّباحِ 
مرسومةٌ على وجهِهَا المعفّرِ 
     بغربةٍ متصالبةٍ 
          معَ خصوبةِ الأرضِ!

يكبرُ شغفها 
     بكتابةِ نصٍّ 
 تنثرُهُ فوقَ رحابِ الطفولة

تتراقصُ صوراً من الذَّاكرة
     مغبَّشة بضبابٍ خفيفٍ 

تنهضُ أمامَهَا شقاواتها 
تفرحُ .. 
تمدُّ يديها 
تمسكُ تلابيبَ الحلمِ
قلبٌ مرتعشٌ 
     من شهقةِ الإنذهالِ

تتداخلُ بهجةُ الحلمِ 
     مع أرخبيلِ الطُّفولةِ المنسابةِ 
معَ 
     تلألؤاتِ 
          نجمةِ 
               الصَّباحِ!

يسطعُ والدُها 
مُهشِّماً 
     صقيعَ الغربةِ

حاملاً منجلاً 
معانقاً 
     خشونةَ 
          الأرضِ.. 

الأرضُ التي عجنَتْ والدَهَا 
فانصهرَ عرقُهُ 
     مع زقزقاتِ العصافير
          وشموخِ السَّنابلِ ..

تتساءلُ:
هل أنا أنا، 
أم أنَّني 
     ذاتٌ أخرى 
          تشبهني؟


تريدُ 
أن تلملمَ ذواتها المنشطرة 
     على قارعةِ المسافاتِ!

تقبضُ على صقيعِ اللَّحظاتِ
عجباً .. 
تحترقُ يدها 
     من جمراتِ الصَّقيعِ

معادلاتٌ متشظِّية 
     من حضورِ المكانِ
أصبحَ المكانُ مكانَين

تمسكُ عوالَم الطُّفولة
من جذورِهَا ..
تجرّها إلى سماواتِ الصَّقيعِ
تدفئ برودةَ المكان
ترشرشُ فوقَهُ 
     أكوامَ الحنطةِ 
توهُّجاتِ حرارةِ تمّوز

يتبدَّدُ الصَّقيعُ
ذائباً في قميصِ اللَّيلِ

تبحثُ عن خيوطِ الحلمِ 
تلتقطُ حبّاتِ التُّوتِ المندلقة
     من جنباتِ الحلم 

تتدحرجُ الحبّاتُ بعيداً 
تعبرُ نهرَ الذَّاكرة الغافي 
     فوقَ جسدِ الأيامِ 
تنامُ الحبّاتُ باِطمئنانٍ  
     بينَ مرافئِ خصوبةِ الرُّوحِ!
..... ..... ....... يُتبَعْ الجّزء الثَّالث!

ستوكهولم: 2003
                       sabriyousef1@hotmail.com

*أنشودة الحياة ـ الجِّزء الثَّاني: نصّ مفتوح، قصيدة شعريّة،  ذات نفس ملحمي، تتألّف من عدّة أجزاء، كلّ جزء (مائة صفحة) بمثابة ديوان مستقل، ومرتبط مع اللاحقة.  أنجزتُ المجلَّد الأوَّل (عشرة أجزاء). يتناولُ النَّص قضايا إنسانيّة وحياتيّة عديدة، مركّزاً على علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان، مع الطَّبيعة، مع الكائنات، مع الأرض والسَّماء كمحور لبناءِ هذا النَّص ـ الأنشودة، المرفرفة فوق وجنةِ الحياة.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads