الرئيسية » , » بس يا سيدي.. «رزعته بلوك» | جمال الجمل

بس يا سيدي.. «رزعته بلوك» | جمال الجمل

Written By هشام الصباحي on الثلاثاء، 25 أبريل 2017 | أبريل 25, 2017



(1)
 عاتبني صديقي القبطان، المخرج سيد سعيد، قائلًا: انت حر يا جمال في تصرفاتك، بس انا عاوز أعرف إجابة عن سؤال محيرني: انت ليه عملت لي بلوك على «فيس بوك»، وبعدين طلبت صداقتي تاني؟

(2)
 وعاتبني صديق آخر «يمكن اعتباره ممثلًا لشريحة واسعة من الأصدقاء» على دعوتي لقبول المواطنين الإخوان ضمن سلطة المواطنة التي أنادي بتأسيسها، وعلى كتابتي لمقال في موقع «الجزيرة مباشر»، باعتبار أن الإخوان لا أمان لهم، و«الجزيرة» منبر يبث السموم ضد مصر.

(3)
 وعاتبني قريبي «المسؤول السابق» الذي يلاحقني بدروسه في الوطنية، ويفرض عليَّ وصايته بحجة حمايتي من التهور؛ لأنني لم أرسل إليه مسودة مقالي الذي اختلفنا على عنوانه من قبل؛ لأنه يتناول حكاية «بلحة»، وفي اتصال غاضب قال لي، واضح انك حظرت عني المقال لأنك مصمم تتصرف من دماغك، وعارف إن تصرفك غلط، بس بتعاند بالغلط ومكسوف تناقشني بالعقل والحجة.. العند يا جمال ما يحلش مشكلة، ما بالك بأزمة بلد في ظروف صعبة زي مصر؟
(4)
 لماذا أكتب هذا الكلام.. وهل هناك رابط بين الاتصالات الثلاثة؟

(5)
 أكتب هذا الكلام لكي أشرح جانبًا من الترجمة الواقعية لصفة «الأشلاء»، بمعنى أننا لو جمعنا «بلوك القبطان» ودلالاته، مع «عزل الفيروس الإخواني» وما يعنيه هذا السلوك، مع «الغضب من الحظر» الذي يتوهمه قريبي، سنكتشف أن هناك رابطًا بين الاتصالات الثلاثة، وهذا الرابط هو «سلوك البلوك» الذي انتشر بفخر بين الناس والفئات في مصر، لدرجة أنك إذا لم تمارس «البلوك» فإن أقرب الأصدقاء مع وجود أي خطأ في التواصل والاتصال لا يجد تفسيرًا أسهل ولا أكثر واقعية من «البلوك».

(6)
 قد يبدو كلامي أشلاء غير مترابطة، وقد يسارع أحدكم بإغلاق الصفحة، وعدم استكمال قراءة هذا المقال المشتت، أو يذهب إلى مربع التعليقات ويبث غضبه في شوية شتيمة بلا سقف لغوي أو حدود أخلاقية، وهذا أمر شائع، وهو تنويعة أخرى على «سلوك البلوك»، ومؤشر على زيادة درجة العدائية والتناحر وفقدان الثقة بين الناس وبعضها بعضًا، فقد نشأ بيننا إحساس جارف بالتربص واصطياد أي كلمة أو تعبير لتخطئة الآخر ووصمه، وتحميله كل البلاوي التي أغرقت المجتمع في مستنقع من الرذائل والأوحال، وبرغم أن السلطات الحاكمة كانت دائمًا وراء هذا اللمم، وهذا التمزيق للنسيج الاجتماعي، إلَّا أننا نستسهل ذبح بعضنا بعضًا، وخوض الصراعات في مواجهة بعضنا بعضًا، بينما السلطة تنعم بالرفاهية في القصور التي شيدتها بأموالنا وأيدينا.

(7)
 المضحك المبكي أن التعليقات الهجومية على كاتب مثلي، أعزل إلَّا من رأيه، تتضمن توصيفات بأنه شيوعي معفن، وإخواني خروف، وناصري شمولي، وسيساوي مؤيد للانقلاب، ومريض نفسيًّا يحاول لفت الأنظار بطريقة «خالف تعرف»، كما تتضمن هجومًا على كل منبر أكتب فيه، كما لو أن كل المواقع والمنابر التي أكتب فيها تمثلني وأمثلها فقط، دون أي اعتبار للآراء الأخرى المجاورة، والتي تتنوع بطبيعة الأشياء، وتفسير هذا في رأيي يرجع إلى «حالة الأشلاء» التي صرنا عليها، فكل واحد وكل جماعة ترسخ لديه اعتقاد بأنه صاحب الحق، وصاحب الحكم على الآخرين، فالسيساوي ينظر إلى ما عداه من الناس باعتبارهم خونة ومتآمرين ضد الرئيس، وبالتالي ضد مصر، والإخواني ينظر بنفس الطريقة للسيساوي، وهكذا تنتشر هذه الروح، حتى وصلت إلى العلاقة بين الأصدقاء، لذلك أفزعني أن يتصور الصديق المهذب وفيلسوف علم الجمال سيد سعيد، وبلا أي خلاف سابق أو سبب واضح، أنني «رزعته بلوك» حسب التعبير الذي يتفاخر به شعب «فيس بوك».

(8)
 الصورة ليست قاتمة تمامًا؛ لأن هناك نوافذ أمل لإعادة الثقة بين الناس، وإعادة ثقافة التعايش برغم الخلاف في الرأي وفي التوجهات، وهذا الأمل هو الذي دفعني لطرح بديهية «المواطنة» في مواجهة «الأشلاء»، فأنا لست وفديًّا لكنني خاطبت «الوفديين» في أول مقال عن المواطنة، محفزًا لهم على استعادة أنصع اللحظات في تاريخهم وفي أفكارهم، وتطهير تيارهم من جشع الرأسمالية وخنوع التبعية احترامًا لنضالهم من أجل الاستقرار والارتباط بفلاحي ثورة 19، كما أنني لست قبطيًّا، لكنني خصصت المقال الثاني لمخاطبة الأقباط ليكونوا مصريين ولا يعلوا أنفسهم في مصطلح «شعب الكنيسة»، فلماذا عندما خاطبت الإخوان، ودعوت للاقتراب منهم على أرضية الشراكة في الوطن، وليس على أرضية العضوية في تنظيم أو الارتباط بالجماعة، قامت ضدي هذه الحملة الشعواء؟

(9)
 لا أظن أن المهاجمين لدعوة الاقتراب من الإخوان، يدركون خطيئة الكفر بحقوق المواطنة، لكنهم يتصرفون بنفس سهولة «رزع البلوك» على فيس بوك، وتخيلوا معي لو أن هذا السلوك انتشر في الواقع، وأننا فقدنا كل المشتركات والأسس التي تجمع بيننا كمصريين، فكم سنة تتبقى من عمر هذا الوطن؟

إن الدعوة للمواطنة، وحق الجميع فيها، هي الأصل، ولا يحق لأي فرد أو طرف إسقاط حق المواطنة عن مصري يلتزم بقواعد الاتفاق الاجتماعي من دستور قائم وقوانين، فلا عقوبة إلَّا بحكم قضائي نهائي، كما أن المواطنة تأتي قبل الانتماء العقائدي والانتماء الحزبي والسياسي، فالمصري هو المصري ثم بعد ذلك نتعامل ونتشارك ونتنافس فيما بيننا كمسلمين وأقباط وأهلاوية وزملكاوية وإخوان ووفديين، وفق قواعد المنافسة الشريفة على أرضية الوطنية، أما أن نتلذذ بالبلوك ونستسهل التخوين، ونتعامل مع بعضنا بعضًا كأعداء، فهذه المرحلة الأخيرة من دولة الأشلاء، وبعدها نصير في العراء.. في حالة اللا مجتمع واللا دولة.

جمال الجمل
tamahi@hotmail.com
المصدر موقع البديل
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads