الرئيسية » » يعود مع الغروب | حمدان عطية

يعود مع الغروب | حمدان عطية

Written By هشام الصباحي on الثلاثاء، 28 يونيو 2016 | يونيو 28, 2016

يعود مع الغروب

يعمل موظفا بالإدارة المحلية لمركز الإقليم، يقوم كل حين بزراعة مشتل أو حديقة لأحد المعارف أو الأصدقاء، فيحصل على ما يدعم راتبه القليل، ويعود لبيته سعيدا فقد جلب ما يدخل البهجة على أولاده؛ فاكهة ولعباً، يعطي ما تبقى لزوجته التي ستمضي للسوق في الصباح فتحضر له ما يحب أكله، ينمو داخله على مهل أمل أن يكون منتميا لهؤلاء الذين يعمل لديهم؛ المنازل الواسعة، والأثاث المريح، والنضارة في الوجوه المُنعمة؛ تشده لآفاق بعيدة
ظل يعبئ أولاده بأحلامه المغدورة؛ لابد أن تفرضوا أنفسكم على هذا المجتمع الظالم؛ عشت مأمورا ولم أعش لحظة آمرا، من ذل ما كان بقبع بروحه
 يرتسم العالم أمام أبنائه ساحة للحرب المفتوحة، والفائز فيها من يفرض نفسه عليه، كل ليلة يُضفر حلما بالثراء ويبثه خلال حكاياته المحبوكة بدقة؛ فيتسلل ببطء ليقيم هناك بعقولهم، تخرج الابن الأكبر وسافر للخارج وجمع المال الكثير، وجاءته القرية إما طلبا لحاجة أو مال، يجلس الأب يعبث بشاربه ويرمق الغادين والرائحين فيمتلئ زهوا ورفعة، تشاكسه ذاكرته بأيام فقره، فيحاول اخفاءها؛ كان يمضي مع الشروق للعمل بعزبة الباشا ولا يعود إلا مع الغروب؛ أنا الحاج والد المحسن، ويُسلم بيد مفرودة لا تنثني  
ذات ليل تسلل المرض لزوجته فنسي الأحلام والمال، نظرة واحدة للزوجة وهي تذوي بسرعة عجيبة كانت كفيلة لتسرب المرارة وكانت أحيانا خليطا من الأحماض فتغلفان كل ما حوله، من طبيب لأستاذ، ومن مستشفى لآخر، وجرثومة المرض تمعن في التخفي، وتمارس فعلها بدأب، ولا يجدي معها مطاردة أو عقاقير.
ـــ رحلت؟
أصبح أرملا ذاهلا، يتذكر أيام فقره ويسرد مع نفسه تفاصيلها، أعود فأجدها تملأ البيت وتقابلني روائح الطعام الذي أحبه، ينتفض فجأة، يصب اللعنات، ويقف بمدخل بيته الشاهق ــ الذي بناه الابن ــ ناظرا للسماء بأسى ويصيح:
 يعني يوم ما الفلوس تيجي... الست تموت!    

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads