الرئيسية » » قراءة في ( وردة الفضيحة للشاعر بشير عاني )

قراءة في ( وردة الفضيحة للشاعر بشير عاني )

Written By تروس on الجمعة، 11 مارس 2016 | مارس 11, 2016

في أواخر عام 1993 صدر للشاعر بشير عاني ديوان شعر بعنوان : ( وردة الفضيحة ) وهو ديوان من الحجم الصغير ضم بين دفتيه سبع قصائد غلاف الديوان للفنان صفوان فرزات . اعتقد انه عبر عن قصائد الديوان بلونه الشقائقي المطرطش بالأخضر على خلفية بيضاء .

كتبت قصائد الديوان حسبما ألمح الشاعر بين عامي 1980 - 1986 وهو الديوان الثاني له بعد ديوانه ( رماد السيرة ) أما عدد صفحاته فبلغ ستاً وثمانين صفحة .

الديوان نداء في هذا العالم نداء توخى منه الشاعر كشف بعض ما يحس به ، وما يراه أو ما حاول ان يراه رؤية شعرية ليقدمها لنا ، تحول هذا النداء في بعض جوانبه الى صرخة تهز من يسمعها .

بعد هذا التعريف الموجز بالديوان نقدم قراءة تمس أبعاده ولغته صوره وموسيقاه الى آخر ما هنالك من قضايا فنية رأينا الحديث عنها .

تراوحت افعال الديوان بين المضارع والماضي في كل قصيدة من قصائده ولكن الغلبة فيه كانت للمضارع إلا في قصيدة واحدة هي : القصيدة الاولى فيه وهي بعنوان ( وردة الفضيحة ) ولهذا ابعاده وخلفياته فهو يدل ان الشاعر يقدم شعره من خلال زمنه من خلال مايرى الآن أو ما سيراه غداً وليس من خلال ما حدث وما حكي عنه ، فالحدث آني يكثف رؤيته عنه ولا يصفه ويكشف رؤى آتية حارة تتولد ضمن أزمان لها علاقة حميمة ببعضها .

أما موسيقا الديوان فقد اتت على شكل قصيدة التفعيلة وهي الشكل الذي تطور عن شكل قصيدة العمود القديمة ، وهذا الشكل لم يصل بعد فنياً الى غايته فلا زال الكثير من الشعراء يطورون اعمالهم ضمن قوالبه ويغنونه ويزركشون شكله ويعملون جادين في هذا السبيل . ولقد تغلبت موسيقا بحر الخبب على قصائده إذ ان خمس قصائد من اصل سبع على تفعيلة االخبب ، أما القصيدتان الباقيتان منهما من الخفيف و الرجز .

لقد حرك الخبب الشعر في الديوان وأرقصه فهو من الابحر الخفيفة اللطيفة وتفعيلته ( فعلن ) قصيرة المد الموسيقي ، وهي راقصة اللحن غير ثقيلة .

يستطيع القارئ الترنم بها عند قراءتها ، وهذا ساعد في تسريع الحركة والايقاع الموسيقي وقد أتى الخبب ضمن تحولاته في التفعيلة في التحريك والتسكين .

تميزت قصائد الديوان كلها تقريباً بالقصر عدا قصيدة واحدة هي القصيدة الأولى ( وردة الفضيحة ) التي عنون الديوان باسمها ، وكذلك لوحظ قصر البيت الشعري في كل قصائد الديوان ، وقد ساعد قصر القصيدة وقصر البيت الشعري في تقديم الشعر مكثفاً ، وخفف من التفصيل والإطالة والتكرار ولو ان طول القصيدة وطول بيتها يدلان على طول النفس الشعري ، وعلى امكانية الشاعر في تقديم لوحة متكاملة ولكن ذلك يأتي بعد خبرة ومران وممارسة نجد عند الشاعر ملامحها ودلالاتها ،كما ساعد التكثيف على الايحاء الشعري .

وتراوحت ضمائر الديوان بين ضمير المتكلم وله الغلبة على قصائد الديوان ،إذ ان هناك قصيدتين من المتكلم وهناك قصيدتان فيهما ضمير المتكلم وهو الغالب إضافة إلى ضمير الغائب ويلي ذلك ضمير الغائب إذ جاء مفرداً في قصيدتين وجاء بعد ضمير المتكلم في قصيدتين ، وآخر الضمائر ضمير المخاطب إذ جاء في قصيدة واحدة .

تدل هذه التفصيلات في الضمائر على ان الحديث الذاتي والوجداني كانت له الغلبة في الموضوعات مع الأخذ بعين الاهتمام أنه لم يقصد الذاتي لذاته إنما جاء من خلال العام ، أما القصائد الأخرى فقد توجهت له ولهم أو لكم ولك وهي بمعنى من المعاني موجهة للعام ولكن أيضاً دون نسيان الذاتي .

ولو عرجنا قليلاً على تقنية القصيدة وتوهجها الشعري أو بالأحرى شاعريتها لرأينا اختلافاً بيناً بين قصيدة وقصيدة فمستوى القصائد ليس واحداً فقصيدة ( قراءة أولى ) اجمل قصائد الديوان تقريباً تأتي وراءها قصائد ( محال - محال ) و( حرية ) و ( قصائد ) أما قصيدة ( ليالي الجوال الفلسطيني ) فهي قصيدة عادية أقرب الى الخطابية في لغتها ، طغت عليها المباشرة ، وقصيدة (وردة الفضيحة) أثرت القافية في توهجها وأضعفت من شاعريتها، كذلك قصيدة (احداثيات حلم صابىء) فقد أثرت مباشرتها عليها قليلاً ،و في الديوان شاعرية لكنها لم تستطع التحليق .

تميزت قصائد الديوان أيضاً بالرقة واللطافة فليس هناك لغة صعبة ثقيلة فاللفظة خفيفة منسجمة وهناك تكامل بين الألفاظ فلم نشاهد تنابذاً أو خللاً بين الأبيات ، أما أضعف قصائد الديوان من هذه الجهة فهي (ليالي الجوال الفلسطيني)وذلك لمباشرتها القوية ، والرقة نقطة ايجابية لصالح القصيدة .

أما بالنسبة للصورة الشعرية فقد اختلفت من قصيدة لأخرى وكانت بين ثلاثة مستويات ، فقصيدة (ليالي الجوال الفلسطيني) صورها عادية لم تمس إلا السطح أما صور قصيدتي (محال حال) و(حرية) فصورهما حاولت الارتقاء والتخلص من التسطح والدخول إلى الأعماق ولكنهما لم تسطيعا تحقيق ذلك ، أما الصور في قصيدة (وردة الفضيحة ) فهي جميلة عميقة ارتقت الى آماد بعيدة فنحن نقرأ مثلاً:

حتى هامت أرض الأشعار بناي الحنطة.

أما قصيدة (احداثيات حلم صابىء) فصورها راقية عالية أدهشنا بعضها وعمق فينا حساً جمالياً خاصاً نقرأ منها هذه الصورة :

فيسيل الوقت على الطرقات

يسيل نهار

وغير ذلك من الصور الجميلة .

وهناك قصيدة (قراءة أولى) صورها جميلة ومدهشة أحياناً ، وكذلك القصيدة الأخيرة في الديوان (قصائد) فيها صور جميلة كشفت لنا عالماً ثرياً مملوءاً بالعجيب.

عناوين المجموعة منها العادي كقصيدة (محال - محال) وقصيدة (ليالي الجوال الفلسطيني ) ومنها عناوين لابأس بها كقصائد (حرية) و(قصائد) ومنها الممتاز كقصائد (وردة الفضيحة) و(احداثيات حلم صابىء) و(قراءة أولى) .

كما لحظنا في الديوان بعض الصفات للأشياء ، ومعروف أن ذلك يضعف القصيدة الحديثة إن كانت على شكل قصيدة التفعيلة أو على شكل قصيدة النثر ، وكما تبيّن فهناك الكثير من صفات الأشياء مما أثر سلباً على تجلي القصائد .

وهذه بعض الصفات المعنية على سبيل المثال لا الحصر:

اللغة المذعورة ص17 - القصائد الملساء ص27 - اللمعة الدفينة ص 29- الفرح الجوال ص39- المدن المسبية ص 61 .

كما أن هناك بعض الجمل والتعابير الجاهزة مثل :(أساس القياد) ص 43 .

في الديوان نكهة فراتية جميلة رغم بعض الهنات والسلبيات القليلة التي يمكن للشاعر تخطي أمثالها في دواوينه القادمة .وأشد على يديه شاعراً قادماً من بيئة الفرات الدافئة .


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads