الرئيسية » , , , , , , » روي بيتر كلارك: نوِّع طول الفقرات | ترجمة: سارة أوزترك

روي بيتر كلارك: نوِّع طول الفقرات | ترجمة: سارة أوزترك

Written By تروس on الجمعة، 12 فبراير 2016 | فبراير 12, 2016

روي بيتر كلارك: نوِّع طول الفقرات
ترجمة: سارة أوزترك

أطِلْ أو أقصِرْ، أو انعطِفْ، كما يلائم مقصدك.

هاجم الناقد ديفد ليبسكي أحد الكُتّاب في مقالٍ نقدي في النيويورك تايمز لتضمينه كتابًا مكونًا من ٢٠٧ صفحة “أكثر من ٤٠٠ فقرة ذات جمل منفردة – وذاك علامة بؤس يعرفها قُراء الكُتب ومصحّحوا أوراقِ الامتحان على السواء.” ولكن علامة بؤسٍ على ماذا؟ الإجابةُ على الأرجح: التشوّش.

على الأجزاءِ الكبيرة لقصةٍ ما أن تتَّسِق، ولكن الأجزاء الصغيرة تحتاجُ بعضَ الصمغ هي الأخرى. عندما تتَّسِقُ الأجزاء الكبيرة، نسمي ذلك الشعور الطيّب ترابطًا منطقيًّا؛ عندما ترتبط الجمل، نسمي ذلك ترابطًا لغويًّا.

يقول عالِم النَّحو البريطاني هنري واتسون فاولر في استخدام اللغة الانجليزية الحديثة – القاموس غير القابلِ للتعويض الذي أعدَّهُ في عام ١٩٢٦- “الفقرة في الأساس وِحدةُ فِكرٍ لا طولٍ.” مثلُ ذلك التعبير يفيد بأن على كل الجُمَل في فقرةٍ ما أن تكون عن الشيء ذاته وأن تجري في تسلسل. ويعني أيضًا أنه بإمكان الكُتَّاب أن يُقَسِّموا الفقرات الطويلة إلى أجزاء. إلا إنَّ عليهم أَلَّا يُلصقوا فقراتٍ قصيرة وغير مترابطة ببعضٍ.

هل مِن طولٍ مثاليٍ للفقرة إذًا؟ تتحدّى جوان ديديون فرضياتنا عن الطول في سلسلة الفقرات هذه من روايتها ديموقراطية:

انظر إلى الأمرِ بهذه الطريقة.

انظر إلى الشمسِ تطلعُ في صباح الأربعاء ذاك في عام ١٩٧٥ كما رآها جاك لوفَت.

في غُرفة العمليات في مطار هونولولو.

المطرُ الدافىءُ في هبوطٍ على المُدَرَّجات.

رائحةُ وقودِ الطائرات النفاثة.

أَ بإمكان خمس فقراتٍ تجيء متواترةً أن تكون في ذلك القِصر؟ ثلاثٌ منها جُمَلٌ ناقصة؟ أيمكن أن تكون جملةٌ ناقصةٌ فقرةً؟

مرةً أخرى وجدتُ أجوبةً في استخدام اللغة الانجليزية الحديثة. يشرع فاولر في الحديث بفطنة نمطية ليخبرنا ما الذي وُجِدت الفقرة لأجله: “الغرضُ من إنشاءِ الفقراتِ منحُ القارئِ استراحةً. يقول له الكاتب: ‘أَفَهِمْتَ ذلك؟ إن كان كذلك فسأنتقل إلى المسألة الأخرى.” ولكن ما الكمية التي يحتاجها القارئ؟ أذلك يعتمد على الموضوع؟ الصنف أو الوسيلة؟ صوت الكاتب؟ “لا يمكن أن توجد قاعدة عن الطول الأمثل لفقرة ما،” كما يكتب فاولر. “تتابعُ القصيرة منها مُزعِجٌ كما أن الطويلة منها مُتعِبة.”

يمكن للكاتب أن يطوّر حُجَّةً أو يبني سَردًا باستخدام الكثير من الأمثلة المترابطة. إن الفقرة النمطية في بطاقة صاحب الكتاب لآن فاديمان أطول من مائة كلمة، مع كون بعضها أطول من صفحة كتاب كاملة. مثل هذا الطول يمنح فاديمان المساحة التي تسمح لتطوير أفكار مشوّقة ملتوية:

عندما أقرأ عن الطعام، يحدث أن تكون كلمة واحدة كافية لتفجير تفاعُلِ ذكرياتٍ ترابطيةٍ متسلسلة. إنني مثل فطيشيّ الأحذية الذي لم يعد بحاجة إلى أن يرى مرغوبه ليغدو مهتاجًا؛ يكفي أن يلمح عبارة تصف حذاء ذا كعب عالٍ بأنه “متوسط الطول، مقاس ٦ ونصف.” كلما صادفتُ كلمة plein الفرنسية، التي تعني “ممتلئ،” أعود فورًا لسن الخامسة عشر، حيث كنتُ أُخبِر مُضيفِي، بعد أكل حصة كاملة من poulet a l’estragon أني ” pleine،” وهي صفة علمتُ لاحقًا أنها تستخدم على وجه الخصوص لوصف النساء الحوامل والأبقار التي آن لها أن تُستحلَب. اسمُ طائر الترمجان يقذف بي إلى الوراء عشرة أعوامٍ نحو رحلة استكشافية رافقتُها إلى القطب الشمالي الكندي، حيثُ اصطاد عالم أحياء متخصص في الدببة القطبية، وقد مَلَّ الفاصولياء المُعلَّبة، نصفَ دزينةٍ من طيور الترمجان. نَتَفناها، قَلَيناها، وقَضَمْنا العِظامَ بِشَرَهٍ لأكل اللحوم جعلني أدرك حينئذ أنه لا يمكنني أبدًا أن أصبح نباتية. أحيانًا يكون الحرفان بت، متلاصقين، كافيين لأن يعود إليَّ إحساسٌ بالندم والجشع يتدفَّقُ حنينًا. قد أكون بالتالي الشخص الوحيد في العالم الذي يسيل لُعابه حين يقرأ كلمتيّ “تسمم بتوميني.”

بإمكان الكاتب استخدام الفقرة القصيرة، بالأخص بعد أخرى طويلة، لإيصال القارئ إلى وقفةٍ باغتةٍ درامية. اُنظُر إلى هذا المقطع في النيويورك تايمز من جيم دواير، حيث يجاهد جماعة من رجال للهروب من مصعد متوقف في مركز التجارة العالمي، مستخدمين فقط، كأداة، ممسحةَ غسَّالِ النوافذ.

ما دَرَوْا أنَّ حيواتِهم ستكون وقفًا على أداة بسيطة.

بعد عشرة دقائق، نَقَلَ صوتٌ في بثٍّ مباشرٍ خبرًا عبر جهاز الاتصال الداخلي. انفجارٌ ما كان قد وقع. ثم صَمَت جهازُ الاتصال الداخلي. تسرَّب الدخانُ إلى كابينة المصعد. لَعَنَ رجُلٌ ناطحاتِ السحاب. وَكَزَ السيد فونيكس-الأطول بينهم، ومهندس في هيئة الميناء-باحثًا عن بويب في السقف. حرّك آخرون باب المصعد، دافعين إياه باستخدام ممسحة السيد دمشور.

لا يوجد مخرج.

إن إساءة استعمال هذا الأسلوب عن طريق الإكثار منه، فقرة من أربع كلمات بعد أخرى من ست وأربعين كلمة، واردة، لكنه أسلوب ذو تأثير قوي في خلق المفاجأة.

بإمكان فقرة متماسكة مُوَحَّدة أن تؤدي دور قصةٍ مصغَّرة، دور أُطروفةٍ تأخذ منحىً جديدًا في منتصفها:

ثمة انفجارٌ من تصفيقٍ حدث بمجرد أن أحكمتُ ربطة العنق القوسية حول رقبتي، لكني ظللتُ متوترًا. إلا أنه بتمريري أصابعي المنتفخة على الأوتار، عادت إليَّ مقاطع موتسارت متدفقة كأنها مجموعة أصدقاء مخلصين متعددين. لانت وجوه القرويّين، وقد كانت عابسة جدًا قبل لحظة، تحت تأثير موسيقا موتسارت العذبة كَمَثلِ أرضٍ هَيمانةٍ أصابها ظِلٌّ، ثم تمازجت حتى توحدت في غشاء. (مقتبس من؛ بلزاك والخيَّاطة الصينية الصغيرة)

إن منطق هذه الفقرة التي كُتِبَت بواسطة الروائي داي سيجي لَهُوَ السبب والتأثير، حيث يأتي المنحى ساعةَ أَنْ تُلين الموسيقا العذبةُ وجوهَ القرويّين الصينيين.

يأتي في كتاب كيف تُعَلِّل كُرةُ القدمِ الكونَ لفرانكلين فويرمثالٌ آخر مشهودٌ للمنعطف في الفقرة:

بالنظر إلى تقارير صُحُف تلك الفترة، لم يكن باديًا على الإطلاق أن الفريق اليهودي كان يتميز بمهارة فائقة. إلا إن القُصاصات تأتي بِذِكرالمُشجِّعين اليهود المفعمين بالحماس، وبذكر مثابرة اللاعبين. أكثر تلك المباريات مثابرة وقعت في أعظم لحظة في تاريخ Hakoah. في المباراة الثالثة ما قبل الأخيرة لموسم ١٩٢٤ـ٢٥، دَرَأَ لاعبٌ من الفريق الخصم على حارس فريق Hakoah المَجَري المولد ألكسندر فابيان وهو يمسك بالكُرَة. [هنا يأتي المنعطف]. سقط فابيان على ذراعه، مُضِرًّا إياها على نحوٍ خطيرٍ جعل من غير الممكن استمراره في المرمى على نحوٍ معقول. لم تكن تلك بالمشكلةِ سهلةِ المعالَجة. كانت قوانين تلك الأيام تمنع الاستبدال في أي ظرفٍ كان. رجع فابيان بالتالي إلى المباراة وذراعه في حمّالة للكتف وتبادل هو وزميله المواقعَ، فانتقل إلى الهجوم في المَيمَنة من الجهة الخارجية. بعد مرور سبع دقائق من الإصابة الفاجعة، تقدَّمَ فريق Hakoah يشن هجومًا معاكسًا. هبط لاعبٌ يُدعى إرنو شوارز بالكُرَةِ عند قَدَمَي فابيان. سَجَّلَ فابيان الهدف الذي فاز بالمباراة وأكَّد فوز Hakoah بالبطولة قبل انتهاء المباراة بتسع دقائق.

في هذه الفقرة، الهَيئة تُعِينُ الكاتب على إنشاء قصةٍ كاملةٍ- مكتملة بما في ذلك العرْض الأولي، والأزمة، وتحلل الحبكة، مع رِبْحٍ في نهاية الأمر- داخل قصةٍ.

إلا أن تواجدَ عددٍ أكثر مما يجب من فقراتٍ بهذا الطول يجتاحُ المساحة البيضاء على الصفحة، والمساحةُ البيضاءُ صديقةُ الكاتبِ، والقارئِ كذلك. يقول فاولر كاتبًا أنَّ “إنشاء الفقرة مسألة ذات صلة بالعين أيضًا. سيتهيأ القارئ لأداء مهمته عن طيب نفسٍ أكثر إن رأى منذ البدء أنْ ستكون له مساحات للتنفس ما بين الفينة والأخرى مما إن كان ما يجده أمامه يبدو كمسارِ ماراثون.”

ورشة

١. اقرأ الفقرة أعلاه لآن فاديمان، التي تحتوي على ٢٠٣ كلمة. هل بإمكانك، إن لزم الأمر، تقسيمها إلى فقرتين أو ثلاث فقرات؟ ناقش خياراتك مع صديق.

٢. راجع نماذج من كتاباتك الحديثة. ابحث عن سلاسل فقراتٍ طويلة وقصيرة. هل يمكنك تناول بعض الفقرات الطويلة وتقطيعها إلى وحدات أصغر؟ هل الفقرات ذات الجملة الواحدة من الصلة ببعضها بحيث يمكنها أن تجتمع؟

٣. لاحظ طول الفقرات عند قرائتك النصوص الصحفية والأدبية. ابحث عن الفقرات إما الطويلة جدًا وإما القصيرة جدًا. تخيل مقصود الكاتبة في كل حالة.

٤. لاحظ فيما تقرأ تأثيرات التهوية الخاصة بالمساحات البيضاء، بالأخص تلك التي تحفّ أواخر الفقرات. هل يستخدم الكاتب ذلك الموقع كُنقطة تركيز؟ هل تصرخ الكلمات في آخر فقرة ما، قائلة، “اُنظر إليّ!”؟

٥. عاود قراءة هذا الباب، باحثًا عن نماذج لفقرات تأخذ منحى جديدًا في المنتصف. ابحث عنها في كل ما تقرأ.

المصدر: تكوين

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads