الرئيسية » » بثينة العيسى: عن المرادف، والدلالة، والمعنى

بثينة العيسى: عن المرادف، والدلالة، والمعنى

Written By تروس on السبت، 27 فبراير 2016 | فبراير 27, 2016

بثينة العيسى: عن المرادف، والدلالة، والمعنى.. 
المعنى ليس في بطن الشاعر بقدر ما هو في ذهن القارئ

نحن في تماس مستمر مع اللغة، وتدور حياتنا ببساطة حول ما نقوله وما نصمت عنه، ما نرغب في قوله وما نعجز عن قولِه.

منذ كلماتنا الأولى التي نطقناها في عامنا الأول، ونحن نجتهد للتعبير عن أنفسنا بأفضل وسيلةٍ ممكنة، وفي بعض الأحيان.. نجتهد لكي نضلل الآخر، لكي نعبّر عن اللا حقيقة أكثر من الحقيقة. نحاول الوصول إلى المكان الأبعد، إلى عدم التفاهم.

يبدو لي أن اللغة تسعفنا في الحالين؛ التفاهم وعدمه. ويطرح ذلك السؤال حول مسئولية الفرد في الكيفية التي يُفهم بها. إلى أي حدٍ نحن مسئولون عما يفهمه الناس منا؟ هل الفهم مسئولية الآخر (القارئ، المنصت)، أم أنه مسئولية القائل، والكاتب؟ أم أنها مسئولية مشتركة بين الاثنين؟

كلما قرأتَ أكثر، وكتبت أكثر، أصبحتَ قادرًا فهم طبيعة اللغة واكتشاف حدودها. أصبت أقدر على التمييز بين المرادف، والدلالة، والمعنى.

ستصبح أكثر تواضعًا وتدرك بأنك لا تستطيع خلق المعنى في ذهن القارئ / المستمع، وكل ما تستطيع فعله هو توجيهه. الأمر يعتمد على براعتك وامتلاكك لأدواتك التعبيرية، كتابة أو مشافهة، في توجيه الآخر إلى المعنى الموجود في رأسك أنت.

لكي نفرّق، مثلًا، بين المرادف والدلالة لنتستخدم كلمة “سمين”.

المرادف هو ذلك الموجود في القواميس. إنه التفسير المحايد، المجرّد، لما تفعله هذه الكلمة في عقولنا. السمين هو شخص “جسيم، شحيم، كثير اللحم، ممتلئ”. تجد هذه المترادفات الكثيرة في قاموس المعاني مثلًا، ولكنها تبدو مثل وصف علمي محايد. ونحن نعرف بأن الكلمة ليست محايدة، وليست بذات البراءة أبدًا. نعرف بأن للكلمة طاقة كيميائية تضخها في الجملة دائمًا، وتقوم بتوجيه المعنى.

الدلالة تتخلق بحسب موقع الكلمة في الجملة، علامات الترقيم، وفي حالة المشافهة؛ لغة الجسد، تعبيرات الوجه، نبرة الصوت. الدلالة دائمًا لها طاقة، إيجابية أو سلبية، وفي كثير من الأحيان تكون تلك الطاقة مختزنة في الكلمة حتى قبل توظيفها في الجملة. كلمة “سمين” مثلًا في ثقافتنا هذه لها دلالة سلبية، وربما كانت في زمن آخر.. علامة جمال.

المرادف ثابت، الدلالة متحوّلة. والمعنى ليس في بطن الشاعر بقدر ما يوجد في ذهن القارئ، أو المستمع. إنه الصور والمفاهيم التي تتولد في رأسه أثناء استماعه إليك. كل ما تحاول فعله، عند الكلام أو الكتابة، هو مساعدة الآخر على خلق المعنى الموجود في رأسك أنت، ولكنك لا تستطيع، أبدًا، أن تنتزع من الآخر تاريخه وتجربته الحياتية وبصمته الخاصة في فهم الأمور. إنك لن تستطيع، مهما فعلت، أن تخلق المعنى في ذهن القارئ.. ولكنك تستطيع أن “تضبط الدلالة” بقدر الإمكان، لتوجيه المعنى إلى المكان الذي تريد، أو إلى منطقة قريبة منه.

بالتأكيد نحن مسئولون جزئيًا عما يفهمه الآخر، ولكن الآخر أيضًا مسئول، لأنه لا يستطيع أن يفرغ إناءه تمامًا من التجارب والذاكرة والخبرات لكي يفهمك. وحتى لو فعل، فهو لن يستطيع استعارة تجاربك وخبراتك وذاكرتك لكي يرى الأمور بعينك أنت.
لأجل ذلك، تحدث تلك الحوادث (البديعة في رأيي) والتي تؤدي إلى ولادة معاني كثيرة، من عبارة واحدة.

  * نشرت في الصدى الإماراتية. 


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads