الرئيسية » » رواية سرير الرمان (16) | أسامة حبشي

رواية سرير الرمان (16) | أسامة حبشي

Written By هشام الصباحي on السبت، 16 يناير 2016 | يناير 16, 2016

(16)


        بنهاية اليوم الثانى لكاثرين بخيمتى، أخذنا سرير الرمان وجلسنا ساعات به، مرة نمارس الحب ، مرة تتلو كاثرين أبياتاً من شعر ابن الفارض، ومرة أخبرها أنا عن القليل من حياتى، وبعدأن انتهت كاثرين من الغناء- حيث كانت تغنى(..ياحبيبى كل شىء بقضاء..ربما تجمعنا أقدارنا ذات بعدما عز اللقاء) عدنا للخيمة، وطلبت منى احتضانها بشدة، وبهمس قالت:
- سأقيم معك هنا للأبد...فقط سأذهب صباحا أحضر بعض الكتب.
كان ذلك مفاجئاً لى، فقد كنت أرى أنها مجرد لحظة، وستمر، حاولت إلغاء فكرتها وفشلت أمام إصرارها.
اليوم التالى اصطحبتها إلى مكان قريب يساعدها على العودة، وقلت لها بإصرار:
- لاتخبرى أحدا بمكانى من فضلك.
تبسمت وقبلتنى وقالت:
- إن القلوب إذا أصيبت بالهوى..لايرتجى من ذا المصاب شفاء.
ثم ذهبت.
مر اليوم  بدون كاثرين وتفكيرى ساكن، الرأس صافية ، والتذكر بدأ كالنهر بدون توقف، أرى السيدة العجوز أمامى وهى تبتسم فى وجهى ثم تختفى، البدوى يطبطب على كتفى ويختفى، أمى وأبى كل منهما يمسك بيدى ويدوران بسرعة مدهشة ثم يختفيان، وفى النهاية وجدتنى ولحظات الجامعة، حيث الحب الأول، وبداية تكوينى الفكرى، وبداية مدينة أكبر من قريتنا ومن المدينة المحيطة بقريتنا، بداية لرؤية أشخاص من أماكن مختلفة، كنت بالجامعة سعيداً بموت أبى وأمى معتقداً أننى فى حماية بهذا الموت من خجلى بسبب تسول أبى وفقر أمى، وبدأت تتشكل داخلى أفكار خاصة معقدة بالنسبة للآخرين، قررت ألا أمتلك بيتاً فى مصر كلها، وأن أبيع منزل أمى، فأنا لا أريد بعد حمل مفتاح أوحد وإنما سأجعل العالم كله مفتاحاً لى، كم رغبت حقيقة فى هذا، الحرية هى أن تملك مفاتيح كثيرة حتى وإن كنت لست أنت صاحبها، فى تلك الفترة كنت أكتب الشعر الغنائى، وكنت أحلم بالسينما أيضاً، كل هذا فى السنة الأولى لى بالجامعة،  يقتلنى كم  التشتت الفكرى وكم الكره لماضىَّ وكم الرغبة فى الذهاب لمدينة القاهرة.


   تعلمت أولى خطوات فلسفتى الخاصة، حيث تخزين اللحظة وصنع لحظات كثيرة متجاورة معقدة، لذا دخلت فى ثلاث تجارب للحب فى وقت واحد بنهاية السنة الثانية لى بالجامعة، الغريب أننى كنت أصارح كلا منهن بحب أخرى، والغريب أنهن لم يطلبن منى تركهن، وهنا اكتشفت شيئاً غامضاً فى المرأة،   أنهن يفضلن الشخص المرغوب دائماً والمحبوب، وأنهن يتفهمن صدق اللحظة، ولا يطلبن منى سوى الإخلاص لكل لحظة معهن، هل كن فتيات مضطربات التفكير مثلى؟أم هن بالفعل يعتقدن فيما يفعلن؟ أم أننى محظوظ ؟  هل هن معجبات بصدقى وعدم اللف والدوران عندما اخبرتهن بخياناتى ؟ ولكن بعيداً عن كل هذه الأسئلة صرت هكذا، والغريب أننى آمنت بفكرة واضحة محددة وهى أنك عندما تكون مع فتاة فمن السهل الحصول على أخرى وأخرى، أما إذا كنت وحيداً فمن الصعب الحصول حتى على فتاة واحدة، وبنهاية السنة الثانية أيضا تعرفت إلى صديق شاعر عنده مكتبة كبيرة وبدأنا نتبادل الكلام فى السينما وفى الشعر، وجدنا طريقنا لمدينة الحب والجنون عبر صديق ثالث كان يكبرنا بقليل من العمر، جامعتنا فى مدينة على أطراف مدينة الحب والجنون ، ولكن صرنا نذهب لها فى الامتحانات فقط ، وبدأنا نذهب لجامعة مدينة القاهرة  برغم كوننا لسنا مقيدين بها، هناك دخلت فى علاقات أخرى، وتأكدت من أننى أريد السينما فقط وليس الشعر، سار صديقى فى طريق الشعر للنهاية، هناك تعرفت إلى صديق من مدينة الحب والجنون وتحديداً من مدينة نصر"الحى السابع" صار توأمى فى الحياة إلى الآن، كان هذا الصديق المثل الأعلى لفكرتى عن النساء، وكنا نتفق معا فى ضرورة العلاقات المتعددة، كانت له "شلة"عرفتها كلها وتعرفت إلى الخمر والسياسة منه ومنهم، لكنه كان مميزاً عنهم جميعا،  كان قيادياً بحق ومغنياً وسكيراً وصادقاً ويمتلك تفاؤلاً مرعباً برغم كل الظروف المحيطة به وبالبلد ككل، كان يتشابه معى فى فقره لكنه لم يكن مثلى فى خجله من أهله، كان والده وأمه يبيعان الثلج للمقاهى والمحلات ، صار بيته بيتى، وصارت عائلته عائلتى، وحققت خطوات حلمى فى امتلاك مفتاح جديد غير مفتاح منزل أمى ومفتاح منزل خالى، وبدأت أدخل فى علاقات مع أجنبيات فى السنة الرابعة من الجامعة، وكنت أيضا فى علاقة مع أخريات، عرفت الطريق لمعهد السينما، وقررت عقب تخرجى فى الجامعة التقديم فى المعهد، وعملت بالصحافة أيضاً بتلك السنة ، وأجريت حواراً مع مخرج شهير جداً ومعروف بأنه الأكثراختلافاً وتجريبا فى مدينة القاهرة، وصرت دائم التواجد بمكتبه، فى قلب مدينة القاهرة، تخرجت من جامعتى، وسكنت بالإيجار فى مدينة الحب والجنون مع صديق عرفته بجامعة عين شمس ، مرت ثلاث محاولات فشلت فيها أن ألتحق بالمعهد العالى للسينما، وعلاقتى بالمخرج الشهير فشلت لمسائل شخصية لاأحب ذكرها ولاأرغب حتى فى تذكرها، كانت قريتى فى تلك الفترة فى البعيد البعيد بنفسى، أذهب إليها على مضض، وتسممت أيامى بفيروس وسط البلد، فصرت هناك يوميا، وصار الخمر والمركب النيلى والنساء جنوناً يومياً، وبدت لى وسط البلد بئرا أنهل منه لحظات ولحظات ومفاتيح جديدة باستمرار، تعددت الشقق التى سكنتها وتعدد المشاركين لى فى هذه الشقق.

رأسى متعبة الآن، أود التوقف عن التذكر، وأتعجب من هذه الدنيا، منذ ثمانى سنوات كدت أموت بسبب عدم قدرتى على التذكر والآن أرغب فى التوقف قليلا بسبب التعب الذهنى. استلقيت فى سريرى المائى ونمت وعينى تنظر لصحن السماء كحالى عندما كنت أتأملها بحجر أمى  فى بهو منزلنا الريفى.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads