الرئيسية » , » أمتارٌ مكعّبة لنملأها بالعزلة | غيما غورغا

أمتارٌ مكعّبة لنملأها بالعزلة | غيما غورغا

Written By تروس on الأحد، 20 ديسمبر 2015 | ديسمبر 20, 2015

سيرة ذاتية
بعد أن تقولَ وتتراجع في القول 
بعد أن تُضمّن وتَستبعد 
بعد أن تُسطِّر وتنسى 
بعد أن تجمعَ وتطرح 
بعد أن تصنعَ وتهدم 
بعد أن تحب 
ماذا 
بعد ذلك.


التربية الجيدة 
الصيفَ الذي أتمّت فيه عامها السابع 
أهدوها مِقلمة من خشبٍ 
بقلم رصاص وممحاة. 
القلم لكي تستنفد رصاصَه 
حتى تبلغ نقطة العثور على الوتر اللامضبوط 
للكلمة. 
والممحاة لكي تمحو الكلمة 
قبل أن تقولها.


ربيع 
في ظلال الأوكاليبتوس، تكتسب 
الكلمات لوناً أزرق كما لو أن نسيماً ناعماً جدّاً 
أبهجها في لوحة بوتيتشيلي. 
الربيع يأتي حين تلفّ الأرض حول الشمس 
وحين تقوم الروزنامة بلفّة حول قلبنا، 
وحين يقوم طيف الألوان 
بلفّة كاملة حول عجلة الحظ ونراهن نحن 
مرّة أخرى على خانة الضوء.


النوتي 
أنْ تستفيق مبكّراً وتتأكّد أن كلّ الأمور ما زالت على حالها. 
أن النوافذ لم تشِخ كثيراً في أثناء الليل 
وأن خبز البارحة ما زال طرياً للأسنان الحليبية 
لليوم الجديد، وأن الرائحة الكريهة للتوابل التي تبقى 
في المطبخ، رائحة أيادينا وهي تعِدّ العشاء، 
تعدّ العشق تحت اللوحة البيضاء للطحين، 
والتي بعدُ ما زالت الكتب تحفظها في عنادٍ، ذاكرة 
للكلمات، وأن كل شيء في النهاية يوجد حيث يجب أن يكون، 
بدءاً بالعظام ووصولاً إلى الفراشات، مروراً 
بدوائر خطوط الطول وبالصمت إذ يشغلون 
البعد السماوي الدقيق ذاته حيث يرسمها شخص ما. وهكذا في كل يوم 
عمل مماثل للمضي من الأمس إلى اليوم، 
ولعبور المياه المعتمة لليل بنجاح 
والعودة إلى البدء كما لو أن لا شيء قد مضى 
أكثر من برهةٍ من الزمن، ومِن وحْل الثواني. 
وهكذا حتى نُبحر في ليلةٍ ما. لكن النهر سيكون آخر 
وسيكون النوتي آخر، إلى ذلك الحين قل لي 
من سيحفظ الاسم ومن سيحمي رائحة كل ذاك 
الذي كنّاه والذي من أجلنا كان يحيا، أية نظرةٍ 
ستلمّ النوافذ والخبز والأيدي والذاكرة 
والكتب؟ أيّ وحل سيتجرّأ على إغراق هذا الكَمِّ مِن الحياة؟


تأمّلات أخيرة قبل إطفاء الحاسوب 
كم من الوقت سيبقى للكتب 
مثلما عرفناها؟ رائحة الأوراق 
مضمومة وِفْق الترتيبِ اللازم 
للأحاسيس، وزن المادة 
غير القابل للخلط والمحتفى به في الأيادي، 
سلاسة الضوءِ 
- المقعّر أحياناً والمحدّب أحياناً - 
عند تقليب الصفحة. أتصوّر 
الحيرة في مواجهة كلّ تلك الكائنات 
التي وُلِدت بروحٍ من ورق 
- فلنقُل سوسة الخشب والعناكب والقردان 
والمسهّدين الذين سحبوا الدم الأبيض 
للسليولوز - حينما تنقرض الكتب 
مِن الرفوف. طبعاً أفكّر أيضاً 
في الفوائد الناشئة 
عن التحوّلات: البيوت ستتّسع 
والفضاء سيتمدّد، والجدران 
ستنكشف حيثما لم نكن نتخيّلها 
وهكذا، ستكون لدينا أمتارٌ مكعّبة أكثر 
لكي نملأها بالعزلة.


Gemma Gorga شاعرة كتلانية من مواليد 1968، من دواوينها: "فوضى الأيدي" (2003) "أدوات مبصرية" (2005) و"كتاب الدقائق" (2006). 

** ترجمة خالد الريسوني



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads