الرئيسية » , » قصائد من إيران - فروغ فرخزاد - ترجمة نزار سرطاوي

قصائد من إيران - فروغ فرخزاد - ترجمة نزار سرطاوي

Written By هشام الصباحي on الأربعاء، 24 يونيو 2015 | يونيو 24, 2015




— مقدمة

تعتبر الشاعرة فروغ فرخزاد أشهر شعراء إيران وأعظمهم تأثيراً في القرن العشرين. فقد أسهمت إسهاماً كبيراً في تطوير الثقافة الشعبية الإيرانية، ولعبت دوراً بارزاً في نقل الشعر الإيراني إلى الحداثة. تميزت بشجاعتها النادرة في تجاوز المحرمات الثقافية، وهذا ما منح شعرها أصالة فريدة.  وقد ساعدتها على ذلك الظروف التي سادت في أربعينيات القرن الماضي، حيث شهدت إيران إعادة للبناء الاجتماعي في تلك الحقبة وما بعدها، مما أدى إلى إعادة النظر في الحدود التي فرضتها التقاليد الراسخة.

ولدت فرخزاد في 5 كانون الثاني / يناير عام  1935 في العاصمة طهران لأسرة ميسورة الحال، حيث كان والدها يعمل ضابطاً في الجيش. التحقت بالمدرسة وأنهت الصف التاسع لتتابع بعدها دراسة الرسم والحياكة في مدرسةٍ للفنون الحرفية خاصةٍ بالإناث. وحين بلغت عامها السادس عشر تزوجت من أحد أقاربها، وهو الكاتب الإيراني الساخر برويز شابور، وانتقلت معه إلى الأهواز حيث رُزقا بطفلهما الأول والوحيد كاميار.

في عام 1954، بعد مضي عامين على زواجها من شابور انفصلت عنه بالطلاق، والتحق كاميار بعائلة والده فيما عادت فرخزاد إلى طهران. وفي العام الذي يليه أصدرت ديوانها الأول الأسير (1955). ولم تلبث ان أصيبت بانهيار عصبي ونُقلت إلى عيادة للأمراض النفسية.

في أيلول / يوليو من العام التالي سافرت فرخزاد إلى أوروبا في رحلة استغرقت تسعة أشهر، كما أصدرت ديوانها الثانيالجدار (1956). وبعد عامين أصدرت ديوانها الثالث بعنوان عصيان (1958). وفي تلك المرحلة أخذت مكانتها تترسخ في الأوساط الأدبية، لكنها كانت مشوبةً بشيءٍ من سوء السمعة. وقد ارتبطت آنذاك مع المصور السينمائي إبراهيم غولستان، وظلّ لهذه العلاقة أثرها الكبير في حياتها الشخصية إلى مماتها.

أخرجت فرخزاد في عام 1962 فيلماً وثائقياً قصيراً بعنوان "البيت أسود" يدور حول منطقة مخصصة للمصابين بالجذام. وكان هذا هو الفيلم الوحيد من إخراجها قبل وفاتها. ثم أصدرت بعده ديوانها الرابع ولادة أخرى (1964). وفي العام الذي يليه أعدت مخطوطة ديوانها الخامس والأخير لنؤمنْ ببداية الفصل البارد. لكن الكتاب لم يطبع إلا بعد فواتها.

توفيت فرخزاد في 14 كانون ثاني / يناير عام 1967 في حادث سيرٍ مريع. فقد انحرفت بسيارتها لتتجنب مركبة قادمة باتجاهها، فارتطمت بجدار. وقضت متأثرة بجراح بليغة في الرأس. وشُيّع جثمانها تحت الثلج" ودفنت في مقبرة ظاهر الدولة في طهران. 
---------------------------------

— الأسير 

أريدك، غير أني أعلم أنني لن أتمكن أبداً
من أن أضمك حتى أقضي لُبانتي.
أنت تلك السماء الصافية المشرقة.
وأنا – في هذا الركن من القفص – أنا طائرٌ أسير.

من وراء القضبان الباردة المظلمة
أوجّه نحوك نظرةَ الدهشة الكئيبة،
أتصور أن يداً قد تأتي
وأنني قد أفرد جناحيّ نحوك.

أتصور أنني في لحظة غفلة
قد أطير من هذا السجن الصامت،
وأضحك في عينيّ الرجل الذي هو سجّاني
وأبدأ الحياة من جديد بقربك.

أفكّر في هذه الأمور، غير أني أعلم
أنني لا أقدر، لا أجرؤ على أن أترك هذا السجن.
حتى لو أن السجّان كان يتمنى ذلك،
ليس ثمّةَ نَفَسٌ ولا نسمةٌ من أجل رحلتي.

من وراء القضبان، كل صباح مشرق
تبتسم في وجهي نظرة طفل.
وحين أبدأ أغنية فرح،
تقبل شفتاه نحوي بقبلة.

أيتها السماء، إن أردتُ ذات يوم
أن أطير من هذا السجن الصامت،
ماذا عساي أن أقول لعيون الطفل الباكي:
عليكَ أن تنساني، لأنني أنا الطائر الأسير؟

أنا الشمعة التي تنير أطلالاً
باشتعال قلبها.
إن كنت اريد أن أختار العتمة الصامتة،
فسأدمّر عشّاً.
----------------------------------

— قد يموت العصفور

أشعر بالحزن،
أشعر بالأسى.

أمضي إلى الخارج وأروح أفرك أصابعي الباردة
على محارة الليل الصامت الملساء.
أرى كل أضواء التواصل معتمة،
وكل المسارات التي تربطنا معاً مسدودة.

لن يُعرفّني أحد إلى الشمس،
لن يأخذني أحد إلى لقاء الحمائم.

خلّوا رحلة الطيران في بالكم،
فقد يموت العصفور.
---------------------------------

— هدية 

أتحدث من أعماق الليل أنا
من قلب العتم
ومن أعماق الليل أنا أتحدث يا صاح

إن جئتَ إلى بيتي أحضرْ لي مصباحاً
أحضر نافذةً أشهدُ منها
الجمعَ الحاشدَ في الدرب الحافل بالأفراح

----------------------------------

— خاتم الزفاف  

ابتسمت الفتاة وقالت: ما
سر هذه الحلقة الذهبية،
سر هذه الحلقة التي تحتضن
إصبعي بإحكام،
سر هذا الخاتم
الذي يلمع ويضيء هكذا؟
قال الرجل وقد أرعشته المفاجأة:
إنها حلقة حسن الحظ، حلقة الحياة.

قال الجميع: مبروك وأطيب التمنيات!
قالت الفتاة: واحسرتاه 
فما زالت تراودني الشكوك حول معناها.

مرت سنون، وذات ليلة
ألقت امرأةٌ يائسةٌ نظرةً على ذلك الخاتم الذهبي
ولمحت في صورته البرّاقة
أياماً ضائعةً في الرجاء المعقود على إخلاص الزوج
أياماً ضائعةً تماماً.

اهتاجت المرأة وصرخت بأعلى صوتها:
يا ويلتي، هذه الحلقة التي
لم تزل تتلألأ وتلمع 
هي خاتم الرقّ والعبودية.
---------------------------------

— إلى أختي  

أختاه ، انهضي سعياً وراء حريتك،
لِمَ أنت ساكنة؟
انهضي فمن الآن فصاعداً
عليك أن تشربي دم الرجال المستبدين.

اسعي إلى نيل حقوقك، أختاه ،
من أولئك الذين يبقون عليك ضعيفة،
من أولئك الذين بحِيَلهم ومكائدهم التي لا حصر لها
يبقونك قاعدةً في زاوية من المنزل.

إلى متى تظلين هدفاً للمتعة
في حريم شهوة الرجال؟
إلى متى تُططئين كبريائك عند قدميه
مثل خادمةٍ جاهلة؟

إلى متى تظلين من أجل لقمة خبز،
زوجةً مؤقتةً لشيخٍ كبير ،
وترين زوجتيه الثانية والثالثة المنافستين لك.
إلى متى يستمر الظلم والقسوة، أختاه ؟

آهتُك الغاضبة هذه
ينبغي أن تتحول إلى صرخةٍ صاخبة.
عليك أن تمزقي هذا القيد الثقيل
لتكون حياتك حرة طليقة.

انهضي واقتلعي جذور الظلم.
امنحي الراحة لقلبك النازف.
من أجل حريتك، كافحي
لتغيري القانون، انهضي.
---------------------------------

— دعوة لحمل السلاح

وحدك أيتها المرأة الإيرانية، لا تزالين ترسفين 
في قيود من البؤس وسوء الحظ والقسوة.
إن كنت تريدين لهذه القيود أن تنكسر،
فاقبضي على تنورة العناد

لا تليني بسبب الوعود المفرحة،
لا تستسلمي للطغيان.
تحوّلي إلى طوفانٍ من الغضب والكراهية والألم،
اقتلعي حجر القسوة الثقيل.

إنّ صدرك الدافئ الحنون
هو الذي يُغذّي الرجل المنتفخ بالغرور والخيلاء.
وابتسامتك السعيدة هي التي تمنح
قلبه الدفء والعنفوان. 

إنّه لقبيحٌ أن يتمتع ذلك الشخص
الذي صنعتِهِ أنت بالأفضلية والتفوق.
أيتها المرأة، افعلي شيئاً، فالعالم
ينتظر ويقف في صفّك. 

النوم في قبر مظلم أسعد لك
من هذه العبودية المُذلّة وهذا الحظّ البائس.
أين هو ذلك الرجل الممتلئُ زهواً..؟ أخبريه 
أنّ عليه أن يطأطئ رأسهَ من الآن فصاعدا على أعتابك.

أين ذلك العُرْفُ المتباهي؟ اطلبي إليه أن ينهض واقفاً
لأنّ هنا امرأةً تنهض لتحاربه. 
كلماتها هي الحقيقة، التي من أجلها  
لن تذرف الدموع عن ضعف أبدا.
---------------------------------

— ولادة أخرى

كل كياني أنشودةٌ معتمة
سوف تحملك
وتمنحك الديمومة
إلى فجر النّماء والإزهار الأبديين
في هذه الأنشودة أنا تنهدّت أنتَ تنهدّت
في هذه الانشودة
جعلتُ منك تطعيمةً للشجرة للماء للنار.

ربما كانت الحياة
شارعاً طويلاً تمرّ عبره امرأة
تجمل سلّةً كل يوم

ربما كانت الحياة
حبلاً يُعلّق رجلٌ نفسه به من فرع شجرة
ربما كانت الحياة طفلأ عائداً إلى بيته من المدرسة.

ربما كانت الحياة إشعالَ سيجارة
في فترة الراحة المتخدرة بين جِماعين 
أو نظرةً غائبة يلقيها أحد العابرين
رافعاً قبعته تحيةً لعابرٍ آخر
يرفقها بابتسامةٍ لا معنى لها، وتحيةٍ صباحية.

ربما كانت الحياة هي تلك اللحظة المطوية
التي عندها تدمر نظرتي نفسها في بؤبؤ عينيك
وهي في الشعور
الذي سوف أضعه في انطباع القمر
  وتَصوّر الليل.

في حجرةٍ واسعةٍ بقدْر الشعور بالوحدة
قلبي
الكبير كما الحب
ينظر إلى الحجج البسيطة وراء سعادته
إلى تلف الزهور الجميلة في مزهرية
إلى الشتلة التي زرعتَها في حديقتنا
واغنية طيور الكناري
التي تغني لحجم نافذة.

آه
هذا هو نصيبي
هذا هو نصيبي
نصيبي
سماءٌ تُسحَب بعيداً بإسدال ستارة
نصيبي هو أن أهبط  درجاً مهجوراً
لأسترد شيئاً وسط التعفن والحنين
نصيبي متنزهٌ حزينٌ في حديقة الذكريات
وأن اموت في حزنِ صوتٍ يقول لي
أعْشَقُ
يديك.

لسوف أزرع يديَّ في الحديقة
لسوف أكبر أعلم ذلك أعلم أعلم
ولسوف تضع السنونوات بيضها
في تجويف يديّ الملطختين بالحبر.

لسوف أرتدي
زوجين توأمين من الكرز قرطاً في أذنيّ
ولسوف أضع بتلات زهرةِ أضاليا على أظافري
ثمّة زقاق
ما يزال الفتيان الذين كانوا يحبونني
يتسكعون فيه بنفس شعورهم الشعثاء
ورقابهم النحيلة وسيقانهم العجفاء  
ويفكرون في الابتسامات البريئة لصبيّةٍ صغيرة
عصفت بها الريح ذات ليلة.

ثمّة زقاق
سرقه قلبي
من شوارع طفولتي.

رحلة جسم على خط الزمن
تغرس الجسم في خط  الزمن
جسماً يعي أن ثمّة صورة
قد عادت من وليمةٍ في المرآة

في هذا الطريق بالذات
يموت شخص
ويظل شخص على قيد الحياة.

أبداً لن يجد صيادٌ لؤلؤةً في ساقيةٍ صغيرة
تصبّ في بركة ماء.

أعرف جنيةً صغيرةً حزينة
تسكن في محيط
وقد جعلت من قلبها ناياً سحرياً
تعزف عليه بهدوء
حوريةً صغيرةً حزينة
تموت كل ليلةٍ بقبلة
وتولد من جديد كل فجرٍ بقبلة.
---------------------------------

— الخطيئة

اقترفت خطيئةً مترعةً بالمتعة،
في عناقٍ كان دافئاً متوقداً.
اقترفت خطيئةً وقد أحاطت بي ذراعان
كانتا ساخنتين انتقاميتين وحديديّتين.

في تلك العزلة المعتمة الصامتة
بحثت في عينيه المليئتين بالأسرار.
ارتعش قلبي في صدري وقد نفذ صبره
استجابةً لطلب عينيه المحتاجتين.

في تلك العزلة المعتمة الصامتة،
جلسْتُ شعثاءَ إلى جانبه.
صبّتْ شفتاه لوعةً على شفتي،
هربتُ من حزن قلبي المجنون.

همست في أذنه حكاية الحب:
أريدك يا حياتي،
أريدك أيها العناقُ الواهبُ الحياةَ،
يا عاشقي المجنون، أنت.

لمعت الشهوةُ لهيباً في عينيه.
رقص النبيذ الأحمر في الكأس.
في الفراش الليّن، راح جسدي
يرتعش ثَمِلاً على صدره.

اقترفت خطيئةً مترعةً بالمتعة،
إلى جانب جسدٍ يهتزّ غائباً عن الوعي.
ربّاه، من يدري ما الذي فعلته
في تلك العزلة المعتمة الصامتة 
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads