الرئيسية » » بعد أن | أديب كمال الدين

بعد أن | أديب كمال الدين

Written By Lyly on الثلاثاء، 19 مايو 2015 | مايو 19, 2015

1. 
بعدَ أنْ ماتَ غرابُ نوح 
تركَ لي سِرّاً ريشَه الأسْوَد 
وصراخَه المُخيفَ في كيسٍ أسْوَد. 
وقال: 
لا تعبثْ بالريش 
فتسودّ أيامُك 
ولا تسمع الصراخ 
فتُصاب بالصمم. 
لكنّني فتحتُ الكيس 
ونثرتُ الريشَ في البحر 
فاسودَّ البحر 
ثمَّ نثرتُ الصراخَ في الهواء، 
فبكتْ حروفي طويلاً من الألم 
ولم تزلْ. 

2. 
بعدَ أنْ مشيتُ ألفَ عامٍ على الشاطئ 
وجدتُ ذاتَ فجرٍ عجيب 
بقايا سفينة نوح. 
فدخلتُها بعينين دامعتين 
وقلبٍ يرفرفُ كحمامةِ نوح. 
صلّيتُ فيها ألفَ عام 
وبكيتُ ألفَ عام 
ونمتُ على خشبِها العاري العتيق 
ألفَ عام 
وتأمّلتُ الشمسَ والقمرَ فيها 
ألفَ عام. 
لكنّني، 
وا أسفاه، 
لم ألتقِ أحدًا مِن الناجين. 

3. 
بعدَ أنْ غرقَ عباس بن فرناس 
تركَ لي جناحيه الكبيرين 
وأوصاني أنْ أكملَ المشوار. 
لبستُهما، 
وبسرعةِ البرقِ، سقطتُ 
مثل عباس بن فرناس في البحر. 
لكنَّ البحرَ كانَ بي رحيمًا 
إذ تركني جُثّةً طافية 
على مائه أبد الدهر، 
جُثّة سعيدة تنطقُ بأسرار الحروف 
وتفكُّ مغاليقَ الكلام. 

4. 
بعدَ أنْ ماتَ هرمان هيسّه 
تركَ لي مخطوطتَه الكبرى: سدهارتا. 
فقرأتُها بجنونٍ ليلَ نهار، 
وقرأتُها بجنونِ بلُغاتٍ شتّى 
حتّى أدركتُ 
أنَّ المرأةَ إناءٌ من ذهبٍ 
وأنَّ الذهبَ إناءُ المرأة 
وأنَّ اللذّةَ إناءٌ من هواء 
وأنَّ الهواءَ إناءُ اللذّة. 

5. 
بعدَ أنْ رقصتُ طويلاً في شبابي 
مع زوربا، 
تعبتْ قدماي حدّ الإعياء. 
فجلستُ طويلاً على رملِ الشاطئ، 
وربّما نمتُ 
فرأيتُ حُروبًا شتّى 
ومراكبَ تغرق 
وجُثثاً تطفو 
وعواصفَ تترى. 
فلمّا أفقتُ 
وجدتُ زوربا أكذوبةً جميلة 
ورقصتَه وهمي الأعظم. 

6. 
بعدَ أنْ ماتَ الفرات 
تركَ لي وصيّتَه على الشاطئ، 
قالَ فيها: 
اذهبْ إلى دجلة 
وقلْ لها بما جرى، 
فإنْ حدّثتكَ فَبِها. 
وإنْ لم تحدّثكَ 
فخذْ حروفي اسمي الأربعة 
واحرقْها واحترقْ بها: 
في الفاءِ سترى فوضى لا حدّ لها، 
وفي الراءِ سترى رُعباً بحجمِ الجبال، 
وفي الألفِ سترى شاعراً تائهًا، 
وفي التاءِ سترى مركبًا يغرق. 
اركب المركبَ وتعال 
فلا جدوى مِن كلِّ هذا المقال. 

7. 
بعدَ أنْ ماتَ جلالُ الدين الروميّ 
تركَ لي سرّاً وصيّتَه الهائلة، 
قال: أيّها الحُروفيّ، 
صلِّ صلاةَ الحُبّ، 
صلِّ صلاةَ الحاءِ والباء: 
في الفجرِ نقطتين، 
في الظهرِ نقطين، 
في المغربِ ثلاثَ نقاط. 
وفي الليلِ قُمْ فارقصْ 
حتّى مطلعِ الفجر 
رقصةَ الطائرِ الذبيح.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads