الرئيسية » » نحن حفظة الأغاني العراقية | أحمد باشا

نحن حفظة الأغاني العراقية | أحمد باشا

Written By Lyly on الأربعاء، 1 أبريل 2015 | أبريل 01, 2015

المعطف

كل الوجوه التي أورثها الفقر ابتسامة تعطّلت 
كل الساعات الواقفة عن الحركة منذ سنوات عادت إلى عملها 
عادت ظلال غرفة المؤونة، وظلال مصابيح الكاز، ورائحة النفتالين في السجّاد احتلّت المكان
أنثى طفولتنا التي أخفت وجهها بثوبها المدرسي، صارت تقرأ طالع النسوة بالرمل وبفناجين القهوة
بائعات الحليب القرويات مللن الندب في المآتم 
لا أتحرّك من مكاني ولا ألقي التحية على جارتنا بعد أن خطفها حبيبها.
الضجيج يتعالى، أضع رأسي على الطاولة 
لا أنظر من الثقوب إلى نساء حارتنا اللواتي اعتدن إزالة الشعر في أرض الدار 
ولا أركض مع أبناء القرية خلف شاحنة كبيرة تأتي في كل عام لرشّ مبيدات الحشرات
أشعر بحرارة جسدي وأنا أتمدّد على الزفت الجديد بعد انتهاء عمّال البلدية من تعبيد الطريق. 
الطريق يصبح أكثر ضبابية عندما تصافحني فتاة أجنبية 
وأكثر غربة عندما لا أجد سوى البرد في أصابعها ولغتها.
تزداد الصفوف أمام أفران الخبز، كما تزداد أعداد الأهالي الذين ينتقمون من بؤسهم بالإنجاب.
تخفت الأضواء، وتنتهي الأصوات فجأة، المشهد يكتمل عندما يقف بائع الورد البنغالي مبتسماً أمامنا،
لا أنظر للفتاة، ولا صوب المدينة من القمة العالية
أفكر في أمر بائع الورد:
كيف يرتدي ذاك اللعين معطف أخي الكبير؟


نحن

نحن الذين كبرنا في ورشات البناء والدهان والمشاحم الفقيرة،
لم نفكر بالكتابة يوماً على قصاصات الأسمنت 
كنا نشعل بها النيران فقط.

***

نحن من لا يفسر الحنين سوى بضربات الأهل الموجعة وشتائمهم التي لا تنتهي، 
لا يستطيع أحد منا أن يسعد فتاة أحبّها منذ أيام إلا بالقول: 
سأتزوجك قريباً.

***

نحن أصحاب الحكايات الإعدادية،
منا من مارس العادة السرية بينما كانت المدرّسة الجديدة تكتب على السبورة،
وآخرٌ قدّم لمعلمته في عيد المعلّم
ربطة خبز.

***

نحن الذين إذا ما تألمنا، ضربنا رأسنا بالحائط 
وقلعنا أضراسنا بالـ"بانسة"
نحن من كان يشعر بقيمة العلم إذا ما قال أهالينا لمدرسينا: 
"اللحم لإلك والعضم لإلنا".

***

نحن الذين تعلّمنا السباحة في خزانات المياه،
صدّقنا مفاعيل حجابات السحرة
مثلما صدّقنا ظهور وجه صدّام في القمر ووجه حافظ.

***

نحن الذين حسدنا الرجل الجالس على طاولة أنيقة أمام دورات المياه العامة، 
تذوّقنا شعور الأغنياء عندما رمينا في صحنه قطعة نقدية، 
ونحن أيضاً من جعل من الأعراس والمآتم سواء،
لوفرة الطعام فيهما

***

حفظنا أفلام باصات "الهوب هوب" عن ظهر قلب، 
ومن الجرائد صفحات الحوادث والجرائم، 
أكثر ما كان يعنينا من الكتب؛
دفتر الديون في بقّالة حارتنا

***

نحن حفظة الأغاني العراقية كلها
إذا ما ابتغينا الفرح؛ 
بكينا


* شاعر من سورية



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads