الرئيسية » » الَّذي | كريم الصياد

الَّذي | كريم الصياد

Written By Unknown on الجمعة، 16 يناير 2015 | يناير 16, 2015


أقتل الفحمة الحية بمصيري الرخو في قاع فنجاني، وأكفّنها بمنديلي، كيلا يدل عليها جيراني الدخانُ. أجلس متوسدًا ظهرَ المدفأة المعدني، متذكرًا ظهر أبي الذي التهمه السرطان، وظهرَ أمي المكسور.

أتمنى لأبي ظهرًا دافئًا، ولأمي ظهرًا رخوًا المجازُ فيه انكسار.

أنا أقتل الفحم من أجلكم. أقتل كل الفحم بعد أن يضاجع أوراق التبغ السوداء، بعد أن يضاجع في الفضاء الواغر موسيقى الستينات بتآلفاتها المتناقصة، ويبعث في الهواء بأطفال الدخان ذوي المواهب الموتسارتية، الذين يؤلفون سريعًا ويموتون موتًا مشبوهًا غير سالم من كل روح. أنا أقتل فحماتي من أجلكم. أعطِي كل ظلالي التي تتلو قرآن الفجر وأنا غافٍ، أعطي كل مُسْتَطاعاتي قبل الموت، وآخذ فقط لحظةً مع أخوَيَّ. لا يجتمعان إلا حُلمًا. من أنا كي أراهما؟ لم أبلغ بعدُ العديمَ، ولم أصبح منه. لم أصر وحشًا يقتات على غضروف المفاصل، ولم أعرج منه. لم أكن، ولم أنهض من الكون. أنا رجل العائلة، الذي ذهب إلى أبعد الأرض، والذي عبد الآلهة الأحدث في العالَم، والذي أطلق الرصاص فأردى رقصات البوليرو والبولونيز قتلى من الطلقة الأولى، الذي ظهر وعاصر وسافر وعاد وتقيأ وغادر، الذي خاض حتى المرافق وحتى الكعوب في البيتهوفن الرمادي المزرقّ، والذي أرسل معطفَه طردًا إلى مجهولٍ في صحراء البرامْز، الذي لبس شعرًا مستعارًا في الكرنفالات الكولونية، والذي ظن فتيات الليل نقوشًا بارزة على الجدران، الذي ظل وحيدًا حتى تعددَ كل شيء، الذي قرأ عهود (إنيو موريكوني) و(نينو روتا) و(مايكل جياتشينو) بلغاتها الأصلية، الذي بعث هيدجر ذاته ببلازما عنكبوت مقتول، الذي لعق ثلج برلين، وتذوق ماء الراين، الذي بكى حتى أودعوه القبرَ، والذي مات حتى أخرجوا القبرَ خديجًا من بطنه. أنا الذي لا موت لي أو موسيقى. أنا الذي خنتُ وكذبت وتاجرت بالكلمات وعصيت الآلهة، وأصبتهم في ركابهم بالأورام الخاوية. أنا الذي شخّصت سرطانَ اللا شيء في المخلوقات، وفتحتُ النارَ وحرّرت الأممَ. أنا الذي بذلت سائلي الشوكي من أجلكم، فساح على الأرض أعزَّ من الدم-وأعزّ من الدم لم يوحَ إلى أحدٍ من قبل-فأهدره الجفاف والتشقيق، وتناهت عائلتي إلى أصفارها. كل شيء يضيع. كل شيء شائب الرَّماد. الموت رائج في جِلدي، والسرطان ميراث العائلة.

هل أنت فعلاً أبي؟
أم أنت صورة خلوية من ذاكرتي؟
هل أنت ذلك غائر العينين، مصفرّ الوجه، ضامر الأطراف؟
في عينيك العذاب في البقاء، والخوف من الفناء.
لستَ إله الحرب الذي حكمتْ عليه الآلهة بالنفي في الأرض.
لستَ الخرافة التي حاربتها في حياتي.
لستَ الذي أحببتُ عليه الموسيقى، وأودعني الذكورة قسرًا.
لستَ الذي كنت أقرأ القرآنَ خوفًا منه أن يأتي،
لا خوفًا من الله.
كيف أواجه العالَم بلا خوف؟
كيف أرغب في شيء بلا خوف؟
*  *  *

ظلالي ومُسْتَطاعاتي وقَتْلِي
وقَتْلِي
من أجل زمنٍ صغير
يمر على ثلاثة الإخوة،
الذين فصمهم العقلُ والجنونُ،
الحلُّ والترحالُ.
زمنٌ صغيرٌ يكفي.

#
Köln
9.1.2015

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads