الشَّاعِرُ وَالْـ(حَبِيبَتُهُ) الْعَالِقَةُ بِدِبْقِ نَجْمَةِ الْمَجَازِ
محمَّد حِلْمِي الرِّيشَة
"لَقَدْ عَثَرْتُ عَلَى الْمِفْتَاحِ وَتَفَرَّدْتُ بِهِ وَحْدِي"
(آرْثَرْ رَامْبُو)
1.
أَيُّهَا الشَّاعِرُ:
لِمَ تُصِرُّ عَلَى انْتِظَارِ الْآتِيَةِ/ ارْتِكَابِ التَّالِيَةِ؟
أَلَمْ تَتَعَلَّمْ أَنَّهَا نَدَّاهَةٌ فِي بَرِّيَّةٍ تَشَّاسَعُ دَائِرَةً حَوْلَكَ؟
2.
(أُحِبُّكَ)..
أَقُولُهَا لَكَ عَابِرَةً إِيَّاكَ نَحْوَ عُنْوَانِهَا الطَّائِشِ
فِي شِغَافِ الْقَلْبِ.
3.
هِيَ وَحْيٌ؟ إِلْهَامٌ؟
لَا..
أَنْتَ تَشْعُرُهَا..
أَنَا أَرَاهَا أَكْثَرَ مِنْكَ:
هِيَ لِسَانُ احْتِرَاقِكَ خَارِجًا مِنْكَ/
مِنْ فَمِ الرُّوحِ.
4.
أُشْفِقُ عَلَيْكَ..
تَضْرِبُ الْبَحْرَ بِفَأْسِ المُخَيَّلَةِ..
كَيْفَ لَا تَرَاهَا مَطْعُونًا بِهَا؟
5.
أُخْرُجْ مِنْكَ..
إِنَّكَ الطِّفْلُ الَّذِي يَنْدَهُ عُصْفُورًا طَازَجًا
عَلَى شَجَرَةٍ ضَجِرَةٍ.
6.
تَحْمِلُ شِرَاعَ الضَّوْءِ فَوْقَ جَبِينِكَ وَلَا تَرَاهُ،
وَتُبْحِرُ فِي جَدَاوِلِ الدُّنْيَا وَلَا تَرْتَوِي،
وَتَفْلِقُ فَاكِهَةَ الدَّهْشَةِ وَلَا تَشْبَعُ،
وَتَحْيَا عُمْرَكَ الْآتِي وَلَا تَحْيَاهُ.
7.
تَفْعَلُ سُدُولُ اللَّيْلِ بِكَ مَا تَشَاءُ..
يَتَنَفَّسُ الصُّبْحُ رِئَتَكَ،
وَيَتْرُكُكَ فِي آخِرِ أُكْسِيدِ النُّعَاسِ..
تَتَمَطَّى يَدَاكَ،
وَتَعُودُكَ تَرْتَجِفُ كَأَنْ مَسَّتْهُمَا كَهْرَبَاءٌ قَلِقَةٌ،
فَتَجْرَحُ تَثَاقُلَ نَافِذَتَيْ عَيْنَيْكَ المُبْرَحَتَيْنِ..
تُحَاوِلُ قَرَاءَةَ اللَّوْنِ الْوَحْشِيِّ،
الَّذِي انْسَكَبَ مِنْكَ كَعُصَارَةِ رَمَادِ رِيحٍ..
يَااااه..
مَن يُدْرِكُ مَن؛ هِيَ أَمْ أَنْتَ؟
8.
أَغْبِطُكَ جِدًّا لمَّا تَنْدَهُهَا..
أَتَمَنَّانِي أَنَا..
لكِنْ؛
كَمْ أَحْزَنُ حِينَ أَجِدُهَا غَرِيبَةَ غَابَةٍ عَمْيَاءَ بِدُونِكَ..
تَعَالَ..
خُذْنَا ثَلَاثَتَنَا مَعًا.
9.
لِأُغَنِّيكَ، أَيْضًا، أَنَا:
أَيُّتُهَا الْـ(حَبِيبَتُهُ) الْعَالِقَةُ بِدِبْقِ نَجْمَةِ المَجَازِ..
اِهْبِطِيهِ بِفُيُوضِكِ أَكْثَرَ..
أَنْزِلِي سُلَّمَ شُعَاعِكِ كَيْ يَصْعَدَكِ إِلَيْهِ..
أَوْ/
اِرْفَعِيهِ إِلَيْكِ بِلِبْلَابَةِ التَّوْقِ مِنْ طَوْقِ غَرَقِهِ فِيكِ.
10.
مِنْ مَعْلُومٍ مَهُولٍ إِلَى مَجْهُولٍ مُؤْلِمٍ تَسِيرُ..
تُعَرِّي المَوْجَ كَيْ تَغْسِلَ عَرُوسَ الْبَحْرِ..
تُقَشِّرُ الزَّبَدَ بَحْثًا عَنْ لُؤْلُؤَةِ الشِّعْرِ..
تُقِيمُ عَمُودَ رَمْلٍ، بِرُطُوبَةِ جُنُونِكَ، مَنَارَةً لِهُدَاكَ..
كَمْ تَضِلُّ وَتَشْقَى؟
11.
لَا تَبْحَثْ عَن قَارِئِكَ..
عَنْ نَاقِدِكَ..
هُمَا فِيكَ إِنْ لَمْ يَكُونَا أَنْتَ.
12.
تَجِيئُكَ الْفُصُولُ..
تَمُرُّكَ الْأَمْكِنَةُ..
لَسْتَ زَمَانِيًّا..
لَسْتَ مَكَانِيًّا..
لَسْتَ فِيهَا.
13.
تَنْدَهُنَا وَلَا نَسْمَعُكَ..
تُبْصِرُنَا وَلَا نَرَاكَ..
تَلْمَسُنَا وَلَا نُحِسُّكَ..
تَشْتَمُّنَا وَلَا نُعَبِّقُكَ..
تَتَذَوَّقُنَا وَلَا نَسْتَطِيبُكَ..
فِي حَاسَّتِكَ السَّادِسَةِ تُقِيمُ.
14.
لَا يُحْزِنُكَ ضَعِيفُ المَوْهِبَةِ..
فَقِيرُ اللُّغَةِ..
قَلِيلُ الْحِيلَةِ،
وَ...
لَا مَنَاصَ لِلْمُنَافِقِ الْوَاهِمِ..
لِلنَّرْجِسِيِّ المَرِيْضِ..
لِرَاكِبِ الْقَصِيدَةِ لَا حَامِلِهَا أَمَامَهُ.. لِـ...
سِوَى أَنْ يَزُولَ حَتَّى عَنْ كَعْبِ قَدَمِهَا.
15.
مَا أَكْثَرَ طَوَاوِيسَ الشِّعْرِ؛
شَكْلٌ أَنِيقٌ وَصَوْتٌ نَكِرَةٌ.
16.
بَعْضُهُمْ يُقِيمُونَ فِي أَبْرَاجٍ عَالِيَةٍ وَلَا تُعْلِيهُمْ..
يَفْتَرِشُونَ الْحَرِيرَ المَسْرُوقَ وَلَا يُرِيْحُهُمْ..
يَكْتُبُونَ لِصَيْدِ الْفَرَائِسِ وَلَا تُشْبِعُهُمْ..
أُشْكُرِ اللهَ أَنَّكَ لَسْتَ مِنْهُمْ.
17.
كَأَنَّكَ تُقَدِّمُكَ قُرْبَانًا لِآلِهَةِ الْفَرَاغِ..
كَأَنَّكَ تَفْرُكُ غِيَابَ عَيْنِ الشَّمْسِ بِفُلْفُلِ الْانْتِبَاهِ..
كَأَنَّكَ تَزْرَعُ رَائِحَةَ الْحِبْرِ فِي رَاحَةِ الضَّوْءِ..
أَأَنْتَ أَنْتَ؟
18.
مَسَاحَاتٌ بَيْضَاءُ تَمْتَدُّ أَمَامَكَ؛
لَا رَصِيفَ لَهَا وَلَا ظِلَّ..
وَحْدَكَ تَطْوِي،
وَتَطْوِيكَ الْكَلِمَاتُ،
بِسَاقِ الْيَرَاعِ الَّتِي تَنِزُّ سَوَادَ احْتِكَاكِ الْخُطَى.
19.
"عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ سِوَى أَنْفَاسٍ،
فَإِنَّ الْكَلِمَاتِ الَّتِي تَصْدُرُ عَنِّي أَبَدِيَّةٌ"..
وَ...
"عِنْدَمَا تَمُرُّ أَيُّهَا الْغَرِيبُ عَلَى المَقَابِرِ،
لَا تَقُلْ إِنَّنِي شَاعِرَةٌ مَيِّتَةٌ مِنْ (ميتيلين)،
فَالْأَيْدِي الْبَشَرِيَّةُ قَدْ بَنَتْ هذَا وَأَعْمَالُ الْبَشَرِ تَتَلَاشَى،
لكِنْ إِذَا حَكَمْتُمْ عَلَيَّ مِنْ قِبَلِ المُوزَاتِ التِّسْعَ،
وَالَّتِي أَعْطَيْتُ كُلًّا مُنْهُنَّ زَهْرَةً،
تُدْرِكُونَ تَمَامًا أَنَّنِي قَدْ هَرَبْتُ مِنْ كَآبَةِ عَالَمِ المَوْتَى،
وَلَنْ يُشْرِقَ يَوْمٌ أَبَدًا دُونَ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ
اسْمُ سَافُو الشَّاعِرَةِ الْغِنَائِيَّةِ"..
كَمْ تَوَقَّفْتُ أَمَامَ شَاهِدَةِ الشَّاعِرَةِ سَافُو (610-580 ق.م) كَيْ أُطِيلَ نَظَرَ الْإِنْصَاتِ إِلَيْكَ.
20.
يَذْهَبُ بِكَ حَاضِرُ الْغِيَابِ إِلَى غِيَابِ الْحَاضِرِ..
ثَمَّةَ سَكِينَةٌ غَيْرُ مُطْمَئِنَّةٍ لِجَدْوَاهَا..
قَاسٍ هُوَ النَّوْمُ فِي اسْتِيقَاظِ الْغَبَشِ..
تَحَسَّسْ خُيُوطَ الْمِرْآةِ الَّتِي تَتَجَدْوَلُ حَرِيرَ أَبَدٍ..
مِنْ دَوِيِّ صَمْتِكَ يَنْبَلِجُ صَوْتُ الْقَصِيدَةِ.
21.
هَاوِيَاتٌ تَتَلَاقَفُكَ بأَيْدِي تَوَائِمِهَا..
أَعْرِفُكَ تُتْقِنُ الطَّيَرَانَ بَيْنَهَا وَلَا تَأْسِرُكَ..
سَتَهْبِطُ فَوْقَ فِرَاشِ فَرَحٍ فِي فَضَاءِ فُسْحَةِ اللَّامِ..
تَحْضِنُكَ حُرُوفُ الْأَلِفِ..
تَحْتَفِيكَ بِبَلَلِ تَوْأَمَيِّ الْمِيمِ.
22.
أُفُقِيًّا..
عَمُودِيًّا..
صَلْبًا..
طَرِيًّا..
يَنْشُرُكَ الشِّعْرُ فِي فِرْدَوْسِ الْغِبْطَةِ المُخَاتِلِ..
تَكْظِمُ جَذْوَةَ جُذُورِ الدَّمْعِ..
تَعْبُرُ مِنَ ارْتِطَامِ أَنِينِ الطُّرُقَاتِ بِكَ.
23.
يَا أَوَّلَ الْحُرُوفِ/ آخِرَهَا..
يَا أَوَّلَ الْحُبِّ/ احْتِرَافَهُ..
يَا أَوَّلَ الْحُرِّيَّةِ/ أَسِيرَهَا..
24.
"نَحْنُ لَا نُنْهِي الْقَصِيدَةَ، بَلْ نَتَخَلَّى عَنْهَا"..
(بُول فَالِيرِي)
نَحْنُ لَا نَتَخَلَّى عَنْكُمَا.
25.
تَوَارَ كَثِيرًا..
الْعُزْلَةُ تُبْهِجُ الْإِبْدَاعَ لِيُظْهِرَكَ.
26.
"كُلُّ امْرِئٍ يُصْبِحُ شَاعِرًا إِذَا مَسَّهُ الْحُبُّ".. (أَفْلَاطُون)
كُلُّ امْرِئٍ مَسَّهُ الشِّعْرُ يُصْبِحُ مُحِبًّا.
27.
"بَحْلَمْ وُبْضَلْ شَهْرْ/ بَالِي مَشْغُولْ
بِطْلَعْ لِي قُولْ شِعْرْ/ مَا بَعْرِف قُولْ".. (فَيْرُوز)
نَعْرِفُ نُنْصِتُ إِلَيْكَ بِذُهُولْ.
28.
كَثِيرٌ هُوَ الْحُلُمُ..
غَزِيرٌ هُوَ الْأَمَلُ..
كَبِيرَةٌ هِيَ الْفِتْنَةُ..
عَسِيرَةٌ هِيَ الْأَسْئِلَةُ..
لَا تُفَسِّرْ شَفِيفَ حِجَابِكَ..
دَعِ الْحُبَّ يَدُلُّنَا عَلَيْكَ.