الرئيسية » , » أمزِّق نسختي من موبي ديك | لويس أرمنتا مالبيكا | الترجمة عن الإسبانية والتقديم: غدير أبو سنينة

أمزِّق نسختي من موبي ديك | لويس أرمنتا مالبيكا | الترجمة عن الإسبانية والتقديم: غدير أبو سنينة

Written By كتاب الشعر on السبت، 20 ديسمبر 2014 | ديسمبر 20, 2014

13 ديسمبر 2014[لقصائد الشَّاعر لويس أرمنتا مالبيكا هذه خصوصيَّة؛ فهي، في الأصل، تحاكي رواية "موبي ديك"، للكاتب الأميركي هيرمان ملفيل التي صدرت عام 1852، وتدور حول صراعٍ يدور بين الحوت والإنسان.
أما إسماعيل فهو الشخصية التي تروي الأحداث في الرواية وهو يصارع الموت للنجاة من الحوت باستخدام تابوت كان على متن السفينة.
في القصيدة عدَّة أصوات لأكثر من شخص اسمه إسماعيل، منهم الشخصية التي يُهديها الشاعر قصيدته وهو يصارع الموت في المستشفى. أما الحوت الأبيض وغرفة بابييون فهما لا يعودان فقط للحوت الأبيض في رواية "موبي ديك"، بل للمستشفى الغارق في البياض بسبب ملابس الأطباء والممرِّضين وللغرفة التي كان يُعالج فيها إسماعيل.
تبرز الانزياحات اللغويَّة والرموز في قصائد مالبيكا بشكل واضح؛ ففي قوله "عمود من النمل المتراص" يشبّه النمل بالكبسولات الطبيَّة في إشارة إلى بدء الشخصيَّة تناول كميات هائلة من العقاقير والكبسولات، كما يشبِّه المستشفى بالحوت وقاعة بابييون روسيتو المغلقة في المستشفى بالقارب الصَّغير.
ثم يُعيدنا مالبيكا لعصر يوليوس قيصر في الجزء (1) من القصيدة في حديثه عن نهر روبيكون الذي يرمز إلى الثّبات وعدم التراجع عن القرارات، حيث أحرق يوليوس قيصر سفنه عند ذلك النهر كي لا يتراجع جيشه في المعركة.
في القسم (2) من القصائد يستعير القربان ليشير للحبوب المهدِّئة والمخدّرات. فالشخصية التي يتحدَّث عنها الشاعر قد عانت من الإدمان، لكنها تتَّخذ من المخدرات وسيلة للشعور بالأمان وتناسي الخوف؛ وفي النهاية تقول "إلهي في البحر" أي الحوت الذي يرمز للمستشفى والأمراض وفي الأصل يتكئُ الشاعر على البعد الميثولوجي والديني في ذكر "الحوت" طوال القصيدة.
ربما تلتبس على القارئ العربي معرفة بعض أسماء الموسيقيين الذين يذكرهم الشاعر، كبرايتن وهو موسيقي بريطاني، وجيسي نورمان، المغنية الأفرو-أميركية، ومادو روبن المطربة الفرنسية.
في القسم (60) من القصائد يستكمل الشاعر رحلته في البحر ورحلة العلاج الذي لم يُسفر عن شيء، لكن الشاعر لن يكف عن الاستعارات والمحاكاة؛ فهو يأخذنا إلى عاصفة نانتوكيت المظلمة، ونانتوكيت ليست فقط المدينة التي وُلد فيها مؤلِّف الرِّواية بل أيضا أعماق إسماعيل المُظلِمة. كما يستعير "شابَّيْن شديديْ البياض" ليشير للمرِّضيْن، أما "النافورة" فهي البخارالذي يخرج من الحوت ويبدو كنافورة من الأعلى. "مُراقبان صبوران يرصدان عَرَقي/ المتدفق كنافورة والمختلط بدم فائض"
وفي قصيدة "الأنفاس الأخيرة" نفهم أن إسماعيل وصل لنهاية المطاف؛ فهو الآن في غرفة المستشفى "رغم الغرفة الفارغة المجاورة للحديقة الأخرى" أما الأعشاب التي تُصنع منها المخدرات فقد وصفها بـ"الزهور السامَّة التي تشبه الشباب الثائر".
كما نرى إسماعيل في القصيدة يهذي حين يُصاب بالهلوسة فيرى نسوراً وخنافس "نسورٌ أو خنافس شوهدت عائدة صباحاً خلف الإفطار".
تفترق نهاية إسماعيل (الذي أدمن المخدرات) عن نهاية إسماعيل (بطل رواية موبي ديك)؛ ففي حين ينجو بطل الرواية في صراعه مع الحوت، يسقط إسماعيل (القصيدة) في براثن الموت، حين عجزت المخدرات والحبوب المهدِّئة عن إزالة مخاوفه وتحريره والوصول به إلى شاطئ الأمان النفسي. لقد بقيت "ذراعاه متدلّيتيْن" إذ لم يَعُد هناك من يُعانقه، ورحل تاركاً صورة شخصية تكسوها خربشات باللونيْن الأحمر والأزرق "تبديد صورة ذاتيَّة تصوِّب/ سهمَها وتوقيعَها/ بالأحمر والأزرق"]

انقِضاض
لا أسأل نفسي إن عشنا معاً
كلَّ هذه السنوات
في صفحات
مُتفرِّقة
عينٌ بجانب أخرى
دميةٌ بجانب أخرى
وبيننا مِطواة
تخدش النّظرة
في فيلم سوريالي.

ثم يأتي ابتهال سحيق
فخلق الله الحيتان العظام
أتناول القُربان هنا
وفي الأثناء
أسحقُ بأصابعي نملةً
تمضي بخوفي الذي حلّ فجأةً
أمام حديقة زهور طبيّة فيها:
كبسولةٌ لعلاج التَّوحد
كبسولةٌ لعلاج الفصام
كبسولةٌ للاضطرابات العقليَّة
تدور وتتشظَّى عشوائيّاً
بينما عمودٌ من النّمل المتراص
يفتح ممرّاً
دون أدنى شفقة.

أمزِّق بعض أوراق
نسختي الذّاوية من
رواية موبي ديك
ما يكفي لخلق محيطٍ من الورق
تغوصُ به يداي
الفارغتان النازفتان
وتكتبُ قصّة مشتركة
لا تتَّسعُ لنا معاً
قصَّة حوت أبيض
ستُكتب بعد سنوات طوال
من تفرقنا
كنّا نعرف كيف يتآمر القلم والسِّكين
أمّا هنا فالقلم يلتقي مع الحربة

وأتساءل
عمّا يتبقّى من الله فينا
حين ينام
الإنسان والحوت معاً.

قلتُ له ذات مرَّة: ما يحدثُ على حاجز الأمواج
يمكثُ في المياه.

بلغة الإشارة، بمفاتيح مورس
بلغة بريل
أو بالكلمات المفكّكة
في كلِّ مجدافٍ وكلِّ رشفةٍ
في كلِّ ضربةٍ وكلِّ نفَسٍ
أقول مراراً:
السَّراب
في صواري بابييون روسّيتو
ذكّرنا بالسّاحات
بالسَّدِّ البحري في مخدع هيلينا.
بنجوم أبناء زيوس،
وبالعيون اللامعة في ضوء الدم.

بثلاث لغات ملتهبة وفي الوقت عينه
يسمّون جميع الحوتيّات المعروفة:
الحيتان البيضاء،
كركدن البحر والحوت الأحدب
خنازير البحر، الحيتان الرَّمادية
الدلافين والحوت الطَّيّار.
وبتلك اللغات يسمّون
القائد البحري ستاربك
الذي رأى ضوءاً على الصّاري.

لكنَّ هذا لم يعد بحراً
إنه نهر النّسيان،
نهر روبيكون
حيثُ تُحرَقُ السُّفن.

هذا هو الخوف..

2
المخاوفُ مكَثَت في الأرض
وفي صدر الإنسان حين يدفِن وجهه
بين يديه
متبدِّدة وسط ضباب المرآة
بدونك
تُباري بعضها البعض
تتفرّعُ لكلِّ العائلة
الخوفُ يزداد،
تآكلت وصدِئت من البكاء
جذور العين الغائرة
وكذا الأسنان القاسية في فم الإنسان
حين ينكرُ إن كان تناولَ القُربان بنشوة.
وينكر التهام إلهه.
وإن وجب علينا الكلام..
لا جدوى للمخدرات مع الخوف
فإلهي في البحر

9
رأيته تاركاً ملابسه العاديَّة وبراءته
في غرفة بابييون روسيتو البيضاء
رأيته يطوي اسمَهُ بين الشِّفاه.
رأيته يطوي يديْه
ويسقط
يسقط
في بحر الحياة المصاب بالأرق
ولا شيء يتعلَّق به
سوى قلقه.
رأيته بعينين مغلقتين
وفم مغلق
وجدْته يُقيِّدُ الوقتَ
وأنا مكمّم الفم
بنفس الحبل الذي فرضه علينا الحُب
حين انتهى.

وهكذا سمعنا نشيد
الحوت الأبيض.

10
رغم أنَّه يُفضِّلُ الأصوات الذُّكوريَّة القوية
كصوت برايتن
قال: جيسي نورمان
قلت: مادو روبن
وانتشينا.
ثم أطل الثَّلاثة
وبقي على المائدة
زجاجة تيكيلا وحيدة.

تصافحنا للمرَّة الأخيرة
وترك هاتفه مفتوحاً
وكان الخطُّ المشغول الأفقَ الأخير.

لم يكن هناك أثرٌ لله
ولا لمن
كان يكبِّل الأسئلة.

سقط الليل بهدوء
كشريط بلون القرفة معلَّق في الهواء
ومراسيه من بكاء.

قال: سمِّني إسماعيل
وبصمتٍ
فقدتُ صوابي.

60
"بتدفق شديد البياض مدفونٍ في الوريد"
هكذا أبدأ كلَّ شيء من جديد،
تُجاه جسدي الذي أزوره نادراً
ولا أعرفه
تُجاه الكلمة التي تسبق اسمك ونشيده.
هذا أنا
حيوان تحميه الأشواك
حلقي يحتضر
لساني ممزّقٌ وعيوني تتلجلج
في عظمي شظايا
وعليَّ قميص المرضى.
أسبح للخارج
بأجنحة مغطّاة بالنطرون
أرى كل شيء من لحظة مختارة وأشوّهه.
أنا مؤقتٌ.
أسبح للدّاخل
في عمق عاصفة بابييون نانتوكيت المظلمة
في سفينة روسيتو
مع شابّين شديديْ البياض
مُراقبان صبوران يرصدان عَرَقي
المتدفق كنافورة والمختلط بدم فائض
يُخرجني من العالم ويُعيدني للبحر،
للطّفولة، للبيت الذي يسكن رأسي المضغوط
حيث يُدخل الرب
مَشرَطاً
إبرةً
شوكةً من يده التي هي يدي
وتتمدّد بطريقة عنكبوتية، كمدّ أحمر، كدمّل، كورمٍ دماغي
مفرق طرق بين الذّكرى وما لم أعد أعيشه.
يدي التي باركتها نارٌ أشعلها الإيمان
تحفر خندقاً في الحوت الذي أتبعُه منذ سنوات
تغرق في أضلاعه الحيّة، في كنيسة فمي،
في رمال الألم المُتقلِّبة وشواطئه المتعدّدة
دونما صيّاد.
هذا الأزرق
الذي أتنفّس
نشوةُ فمي
أتناول القُربان
فأصبح
مؤمناً
بهذا البحر
فأنا البحرُ
دون قائمة الوصايا العشر
التي تصدمُني وتضربُني
أثناء عَومها
كراك، كراك، كراك
فأهذي:
لا أعلمُ ما جرى
لا
لا أعلمُ..
ولا أعلم
من أي شيء خلقت الحيتان.

الأنفاسُ الأخيرة
لا تسألوني إن كانت هذه الرواية حقيقيَّة
لا تسألوني من عاشها:
نحن الموجودون هنا
وَسِعتنا عينٌ واحدة
رغم الغرفة الفارغة المجاورة للحديقة الأخرى.
جَمَعْنا وارتشفنا
زهوراً سامّة تشبه شباباً ثائراً
فخلّفت الزّهور قطرات بول نظيفة أسفل الشراشف
زنابقَ ذات بتلات قاسية وتجويف دُهني
لآلئَ لجذر مُعدٍ ينقل الأرق
دونما أضرار في الكُلى
ليس للأمر علاقة بكتاب مملكة الفطريات
ولا بتنين كومودو ذي اللُعاب السّام
لذا كنت أرغب
أن يكشفَ حلْقيَ الجافَّ
قصةٌ
ولو لمرّة واحدة.
حتى لو كان كذباً
لم نأت من الماء
فالأمواجُ تجمَعُ أطرافَها
نحن قطرات ندى من غيمٍ ومِلحٍ
نحن فكرة عالقة بين الزَّهرة والثَّمرة
لا شيء يُعيدنا للزّهرة
حين لا يُجدي الخداع.
لأننا من الطين
غرقنا
ولا كأس تُنقذُنا
من الموت.
قبل الانتحار
نزفَتْ كلمةٌ واحدةٌ
حين سحقَتْها يدي الحنون
كانت رائحة القهوة
ترفرف بأجنحة عنيفة مُعيقة كشاهد زور.
نسورٌ أو خنافس شوهدت عائدةً صباحاً خلف الإفطار
هناك صمتٌ مخدوشٌ يحاور
الحبَّ في الأحشاء الدفينة المُكابرة
كإيقاع نوتة بيانو
مرآة في المرآة
شجرة
اثنتان.
بضع دقائق تبقَّت في المنبّه
أيقظت صوت الضَّمير
كنتَ تريدُ قتلي في هذه الثَّواني كما يُقتل الوقت
أكتب بياض القدر القصير بالخطوات
وليس بالأصابع الصَّالحة
للموسيقى
ولا بالصّمت
كان يان تييرسن ومايكل نايمان
قد سقطا أيضاً (برفق)
بعدك بقليل
وبما أنَّني لم أكن
فمن الممكن أن نقول أشياء كثيرة
كي نلتقي.
مِن الشَّعر الأزرق أطلَّت من عينيكَ
-بنزيفٍ وكَدمتين زرقاوين-
أبوّةٌ فارغة
تركتْ أوجاعُها ندوباً
في الخنافس والنُّسور
لكن أبداً ليس فينا
ولا فيك.
لا تسألوني
إن كنت أعرف النهاية:
فرواية "من لا اسم له"
هي نفس ديوان
"تفسيرات غير مطلوبة"
حين لا نحاول ولو بلطفٍ
تبديد صورة ذاتيَّة تصوِّب
سهمَها وتوقيعَها
بالأحمر والأزرق
الكامنيْن في أكثر الأشياء
بياضاً وسواداً
في هذه القصَّة.
لن يكون ندى
لن تكون رحمة
في أغاني مساء صيف آخر.
لن يحل المساء
على اليوميات
بل على الصّدمة القاسية.
كم هو الموتُ جائرٌ
حين يجلبُ معه
عينيك الزرقاوين في السّماء التي تُعمينا
وتجعلَنا نخفي نظَّاراتنا
لنرى من الدّاخل
في الخفقان الأحمر
ما يُنضِجُنا هو كلمة واحدة
لا تناسب قافيتُها الأمومةَ
بل الطفولةُ
وقافيتي.
ضربةٌ قاضية
هذا البيانو
واليد حانيةٌ على خد الشارع الخامل.
نايمان وتييرسان
الموسيقيّان الأصمان
شاردا الذّهن
راجلان
ألا يشاهدانك تسقط
كالنسور والخنافسِ التي تُخفي
شعرَك الأزرق وعينيك الشديدتي الاحمرار
وهذا العطش الذي نعني به
الأذرعَ المتدلّية،
والغياباتِ الكاملة
التي روَت
قصة
فجأةً.
سقط
العقل الحر
كسهمٍ
هجَر اليد
وقوة الدّفع
والصُّدغ.
سقط بعين الاعتبار
متأخراً جداً
إذ لم يعد هناك حُجراتٌ
ولا طوابقُ
ولا حدائقُ أو زهورٌ سامّة
توقِفُ العقل
(للأسف)
إن
سقط.

*Luis Armenta Malpica شاعر وكاتب مقالات. حصل على عدّة جوائز وطنيَّة وعالميَّة في الشِّعر والرّواية أهمُّها جائزة خاليسكو في الأدب 2008. له خمسة عشر ديواناً، آخرها "استرداد الماء"، و"أنطولوجيا شعريَّة- باسو روتو" 2011، "ظهر الماء"، 2012، "وثيقة درفيني"، 2014.

الترجمة عن الإسبانية والتقديم: غدير أبو سنينة
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads