الرئيسية » » يا أرض القبّرات المتصوفات | محمد بنميلود

يا أرض القبّرات المتصوفات | محمد بنميلود

Written By كتاب الشعر on الأحد، 28 ديسمبر 2014 | ديسمبر 28, 2014


يا أرض القبّرات المتصوفات، والدوريات المطرودة من مهرجان النشيد، والسنونوات القديمة المقدسة فوق قلاع نوميديا.
يا هذه الأرض السحرية بأشجار الأركان الداق جذوره في الوعورة كأظلاف الماعز، والصنوبرِ الراهب، والكاليبتوس الأسيان، وتمائم النساء المنقبات، وشجرة بطم عجوز تظلل الضريح.
بتلك التمائم بين أغصان ميتة أبارك حياتي، وبعيون قطة الصيادين التي تتبعني في مرسى سلا الذي بلا رصيف، أتباهى بنباهة الخفة، وبحذق الاتكال على السليقة، ونية الأمواج الهائجة في العطاء.
هذه الأرض الكريمة بسواحلها الذهبية، بخلاخلها التي من رمال، وبغرقاها.
هذه الإلهة من دخان صلاة البراكين والغابات في بقايا نار الرّعاة الخمّاسين، ومن ماء فائر في فم الجذبة في نهاية المواسم بأقدام أجدادي الرحّاليين الحافية فوق الحسكة والصبار وحرقة الفراق.
مرتفعة في سموك بأعشاش اللقالق الوحيدة، وبعطاء الشتاء الكريم لفيضان الأنهار على أكواخ الحصادين الجوالين. بالبيدر العملاق وسط الحقول االساهمة، الذي يشبه معبدا مهجورا، بالمسرب الأفعواني الضاج بالجداجد والسراخس وخشخشة الدبابير في زهرة الشوك، بالساقية الصغيرة العذبة الرقراقة بين ابتعاد الأفق بالسراب وعطش الرُّحَّل، بالنّبق المضيء في الأطلس الكبير لمساءات بلا سقف وبلا مصابيح، وبثبات حذوات بغال المهربين في المنحدرات.
بأبواب المدن العتيقة، بأسوار قديمة قِدم الوزغات، وبأنتينات الدُّور في الحي الصفيحيّ، التي يتزاوج فوقها اليمام. بالشفق مقتولا بالحنين، بقهقهات الجنّ في أبواب عمارات الموظّفين الصغار بأدراج لولبية بلا أسنسير وبلا أضواء، بالبريق الحاد للأقمار في عيون بنت المتسول الجميلة، جالسة على العتبة، وبالدمعة السخينة في عيون عروسة القش.
بضجيجك الصاخب الحار كالتوابل في روحي، ضجيج الباعة والمؤذنين العميان وقارئي الطالع والبراحين والكوايين والسكارى وطالبي ضيف الله وصرخات الأشباح في القفار.
يا هذه الأرض القديمة المباركة العجوز التي تمشي على قدميّ بتعب أجدادي، وبيأس كنوز المقابر في صناديق المنمنمات التي بلا خرائط، يا أرض الريح بخطوات شرابيل الجدات الميتات فوق سقوف الزنك في العاصفة، بكلام الريح المقدس في أبواق الجوامع النائمة قبل استيقاظ المؤذن، بدخول الريح الراقصة عارية إلى بارات صغيرة كالمحارات على الشاطئ الصخريّ، وبتزاوج القطط فوق المنارات.
أيتها الأرض التي تجري أنهارها في عروقي، من ملوية الموحل بتمرّد الماء، إلى درعة الشارد كالعاشق في بداية الخريف، إلى سبو العميق في الظهيرة، إلى أبي رقراق وريد قلبي المقطوع.
أيتها الإلهة الطينية، اللانهائية القحط والعطاء، يا إلهة قصائدي الوثنيّة، في صلاة من حنيني إلى أجدادي. كل مساء أصعد أدراج الأوداية في اتجاه محراب محيطك الذي أغرق سفن الإمبراطوريات في جمال عيونك الرهيب. كل مساء أقف في البرج صامتا، كشبح جندي قديم من فينيقيا، كمتصوف في خلوة قبره، أصلي لأمواجك التي تتواتر كتسبيح مكسور، متأملا محاراتك الساحرة، التي تصل عملاقة، وفارغة.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads