الرئيسية » » الى أين يمضي كل هذا الدم .. قصيدتان لجَاكْ بْرِيفِيرْ

الى أين يمضي كل هذا الدم .. قصيدتان لجَاكْ بْرِيفِيرْ

Written By كتاب الشعر on الاثنين، 3 نوفمبر 2014 | نوفمبر 03, 2014


ترجمة وتقديم : مصطفى الرادقي*
 
 الفرنسي جاك بريفير(1900- 1977) بالإضافة الى كونه شاعراً،  فهو كاتب سيناريو ومسرحي متميز. حَظِيَ بشهرة واسعة بعد صدور ديوانه الشعري " كلمات "عام 1946. انتهج بريفير أسلوب كتابة شعرية تعتمد على بساطة ومألوفية اللغة، مع توظيفه لتقنية اللعب بالكلمات.
كان الشاعر قد غادر المدرسة في سن 15 سنة حاصلاً فقط على شهادة الدروس.وعمل لبعض الوقت في التجارة ، كما قام بتأدية الخدمة العسكرية؛ حيث سيتم تعيينُه بإسطنبول(1921) التي سيقضي بها عاما واحداً ليعودَ أدراجَه إلى باريس، ويَتعيّش من أعمال صغيرة. وعُرف عنه صِدقُ التزامِه السياسي الذي كرّسَه لصالح قضايا الطفولة والطبيعة والطبقة العاملة.
في سنة 1925، سيتزوج الشاعر من صديقة الطفولة سيمون دْيِينْ ،عازفة الكمان المُصاحبة للأفلام الصامتة، والتي سينفصل عنها سنة 1935 ليعيش تجارب غرامية وعاطفية أخرى. وقد عُرف بريفير بأسلوبه الفوضوي والإباحي في الحياة كونُه من أنصار الحرية الحقيقية والمطلقة. هو الذي أقام لفترة طويلة في شقق مفروشة وفي عدة فنادق، قبل أن يستقر في شقته الخاصة سنة 1955، والكائنة خلف الملهى الشهير" الطاحونة الحمراء "، والمجاورة لبيت الكاتب والفنان المشاكس ، بوريس فيان .
تعرف بريفير على السورياليين وعاشرَ كبارَ أقطابهم من خلال الصداقة التي جمعتهُ بكل من أندري بروتون، وإيف تانغي ، ورايمون كينو، لكنه سينفصل عن بروتون بسبب استقلال تفكيره وشخصيته ؛ وكان هو الذي أوجدَ الجملة السوريالية الشهيرة "الجثة الشهية"،في سياق ألعاب الكتابة الآلية التي ابتكرها السورياليون والتي كانوا يمارسونها مجتمعين بفندق " غروفنور " بحي مونبارناس .
ومن بين أعماله الشعرية : تواريخ 1946- الأطفال المُتَحابون 1947- حَفْل 1951- المطرُ والصّحو 1955- أضواءُ الإنسان 1955- تواريخ وتواريخ أخرى 1963- فاتْراس 1966- خَيَالات 1970- أشياء وأشياء أخرى 1972- شمسُ الليل 1980- الفصل الخامس 1984 ( والعملان الأخيران صدرا بعد موته ).                                                                                                                                                                                                                                                                    
 
بارْبَرا
بَارْبَرَا
تَذَكَّري بَارْبَرَا
كان المطرُ يَنْهمرُ بغزارة فوق بْرِيسْتْ ذاكَ اليومْ
وكنتِ تمشينَ باسمة
مُتفتحةً سعيدةً تَقطرينْ
تحت المطرْ
تَذَكّري بَارْبَرَا
كانَ المطرُ يَهطلُ بلا انقطاع فوق بْرِيسْتْ
وصادفتُكِ في زُقاقِ سِيَامْ
تبتسمينْ
وأنا أبتسمُ مثلكِ
تَذَكّري بَارْبَرَا
أنتِ التي لم أكنْ أعرفُكِ
أنتِ التي لم تكوني تعرفينني
تَذَكّري
تَذَكّري ذاكَ اليومْ
لا تَنْسيْ
رَجلاً كان يختبىءُ  تحت سَقيفَة
ونادى بِاسْمِكِ
بَارْبَرَا
فَجَريْتِ نحوهُ تحت المطرْ
تَقطُرينَ سعيدةً مُتفتّحة
وارتميْتِ بين يديهِ
تَذَكّري ذلك بَارْبَرَا
ولا تُعاتِبينَني إذا ما ناديتُكِ بِأنتِ
أقولُ أنت لكل مَن أحِب
رغم أنني لم أرَهُمْ إلا مرةً واحدة
أقولُ أنت لكل الذين يتحابّونْ
رغم أنني لا أعرفُهمْ
تَذَكّري بَارْبَرَا
لا تَنْسَيْ
هذا المطرَ الهادىءَ والمُبتهِجْ
على وجهِكِ السّعيدْ
فوق هذه المدينةِ السعيدة
هذا المطر فوق البحرْ
فوق مَخزنِ الأسلحة
فوق سفينَةِ ويسّانْ
آهٍ بَارْبَرَا
أيّةُ غلطَةٍ هي الحربْ
ماذا أصبحْتِ الآنَ
تحت هذا المطرِ من حَديدْ
من نارٍ من فولاذٍ من دَمْ
والرجلُ الذي ضَمَّكِ بين يديهِ
هل مات اختفى أم ما زالَ على قيدِ الحياةْ
آهٍ بَارْبَرَا
يَهْطِلُ المطرُ بِلا انقطاعٍ فوق بْريسْتْ
كما كان يَهْطِلُ من قبلْ
لكن لَم يَعُدِ الأمرُ كما كان وكُلُّ شيءٍ فاسِدْ
إنهُ مَطرٌ مَأثَمِي مُدَوٍّ ومُؤْسِفْ
إنهُ ليسَ مُجردَ حتى عاصفَةٍ
مِن حَديدٍ مِن فولاذٍ مِن دَمْ
إنها فقط سُحُبٌ
تَموتُ كَكِلاب
كِلاب تَختفي
مع خيطِ ماءٍ فوق بْريسْتْ
وتَجيفُ بعيداً
بَعيداً بَعيداً جِداً عن بْريسْتْ
التي لَم يَتبقَّ منها شيءْ
 
 **
أغنِيةٌ في الدَّمْ
 
هُناكَ بقعُ دمٍ كبيرة فوق سطحِ العالمْ
إلى أينَ يَمضي كلُّ هذا الدمِ المُنتشِرْ
هلِ الأرضُ هي التي تَشربُه فتَثْملْ
مُضحكٌ هذا السُّكرُ إذاً
جدُّ هادىء .. جدُّ مُضجرْ
لاَ ..الأرضُ لاتَثملْ
الأرضُ لاتَدورُ جانباً
إنها تَدفعُ بانتظامٍ سيارتَها الصغيرة فُصولَها الأربعة
المطرْ... الثلجْ...
البَرَدْ...  الطقس الجميلْ
أبداً إنها ليستْ سَكرى
إنها تسمحُ لِنفسها بصعوبةٍ من حينٍ لآخرْ
بانْفجارِ بركانٍ صغيرٍ شَقِيْ
إنها تدورْ الأرضْ
إنها تدورُ مع أشجارها ... حدائقها ... بيوتِها 
إنها تدورُ مع بُقعِ دمها الكبيرة
وجميعُ الأشياءِ الحيّةِ تدورُ معها وهْي تنزفْ
وهيَ لا تُبالي
الأرضْ
إنها تدور وجميعُ الأشياءِ الحيّةِ تَشرعُ في الصراخْ
إنها لا تبالي
إنها تدورْ
إنها لا تكفُّ عن الدوَرانْ
والدمُ لا يكفُّ عن الجَريانْ 
إلى أينَ يَمضي هذا الدمُ المُنتشِرْ
دَمُ القتلى ... دَمُ الحُروبْ
دَمُ الفاقَة.
ودَمُ الرجالِ المُعذبينَ في السُّجونْ 
دَمُ الأطفالِ المُعذبينَ بهُدوء من لَدُنِ آبائهِمْ وأمهاتهِمْ 
ودَمُ الرجالِ الذي يَنزفُ منَ الرأسِ داخلَ الأقبيَة 
ودَمُ البَنّاءْ
حينَ يَنزلقُ البَنّاءُ ويَسقطُ من أعلى السّطحْ
والدمُ الذي يَأتي والذي يَسيلُ كَشَلاّلٍ
مع الوَليدِ الجديدْ ...مع الصبيِّ الجديدْ
الأمُّ التي تَصرخْ ... الطفلُ يبكي 
الدمُ يَسيلْ ... الأرضُ تَدورْ
الأرضُ لا تَكفُّ عن الدورانْ
الدمُ لا يَكفُّ عن الجَريانْ
إلى أينَ يَمضي كلُّ هذا الدمِ المُنتشِرْ
دَمُ المَضروبينَ على رؤوسهِمْ ... المُهَانِينْ 
المُنتحِرينْ ...المَرمِيِّينَ بالرصاصْ... المَعدومينْ 
ودمُ الذين يَموتونَ هكذا..في حادثَة 
يَمُرُّ شَخصٌ في الشارع
وكلُّ دمِهِ في جَوفِهِ
ثم فَجأةً ها هوقد ماتْ
وكلُّ دَمِهِ مَقذوفٌ إلى الخارجْ
والأحياءُ الآخرونْ يَعملونَ على إخفاءِ الدمْ
يَحملونَ الجسدْ
لكنَّ الدمَ عنيدْ
وهناكَ حيث كانَ القَتيلْ
فيما بعد بِكثيرِ قليلٍ من الدمْ
شديدِ السّوادْ يَتمدّدُ ما زالْ...
دَمٌ مُتخثِّرْ
صدأ الحياةْ صدأ الأجسادْ
دَمٌ رائبٌ كالحليبْ
كالحليبِ لمّا يَدورْ
لمّا يَدورُ كالأرضْ
كالأرضِ التي تَدورْ
مع حليبِها... مع أبقارِها
مع أحيائِها...مع قَتْلاها
الأرضُ التي تَدورُ مع أشجارِها...مع أحيائِها...مع بُيوتِها
الأرضُ التي تَدورُ مع الأعراسْ
مَراسِم الدّفنْ
القواقعْ
الكتائبْ
الأرضُ التي تَدورُ وتَدورُ وتَدورْ
مع جَداولِ الدمِ الكُبرى .
 
(من ديوان : كلمات 1946 )
 
* شاعر ومترجم من المغرب.
 
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads