الرئيسية » » الشّاعر | محمد بنميلود

الشّاعر | محمد بنميلود

Written By هشام الصباحي on الخميس، 18 سبتمبر 2014 | سبتمبر 18, 2014

الشّاعر:

الشّاعر المضحك
الّذي يكتب قصائد طويلة رديئة
مؤرّخة بدقّة
الشّاعر النّحيف
ذو البذلة الوحيدة المكويّة جيِّدًا
من دون كرافاط
هو أوّل من يظهر في إطار صورة جماعيّة
ملوِّحًا بيده للمعجبين
الشّاعر الدّراميّ
مدخّن نفس ماركة السّجائر
كاتب القصائد في الحافلات الفارغة فوق ركبته
وفي العمل
وفي العطالة الطّويلة
الشّاعر الّذي ينظر نظرات مسؤولة إلى جمهور غفير
من خلف نظّارة طبّيّة
بإطار سميك
يقرأ مُمَسْرِحًا قصائده
مُتَلَبِّسًا الشّخصيّات الوهميّة الأسطوريّة العظيمة
رافعًا يده كبندقيّة غير محشوّة بالرّصاص
في اتّجاه السّقف
كفارس التّْبُورِيدَةْ الأخير
يتأثّر أكثر
فيصفّق الجمهور
والأطفال يضحكون
الشّاعر الرّديء جدّاً
معادي الإمبّرياليّة بكلّ أصنافها
مناصر الشّعوب الفقيرة كافّة
الموقّع على البيانات مع أسماء كثيرة مشهورة
المناضل المستعدّ لحمل السّلاح ضدّ الأوغاد
الشّاعر الّذي يحمل دائمًا حقيبة جلديّة
وجرائد
وكُتبًا ممنوعة
وليس في جيبه دولارات
لا عملات دوليّة
ولا محلّيّة
الشّاعر العاطفيّ أكثر من الجميع
كاتب معلّقات الحبّ النّاجح
بين أرواح سياميّة
الّذي ليس لديه صديقة
ولن تُعجب به البنات العذراوات
ولا المطلّقات 
الشّاعر المهرّج في كلّ المنابر
متأبِّطًا أوراقًا كثيرة وكبيرة 
من حجم
A4
مليئة بالمعاني
بالشّعر الّذي يصلح أن يصير أغانٍ بين فقرات مسابقة إذاعيّة
قارئ أشعاره بصوت جهوريّ
في كلّ مكان
حتّى في جنازة
ولا أحد يفهم ما يكتب
ولا ماذا يقصد
ولا متى سيصير خالدًا
الشّاعر الكهل ذو القبّعة المميّزة
البيريّة البنّيّة
والكشكول الأزرق
وحذاء السّهرات الكلاسيكيّ المُشَبّك
يُحدث طقطقة فوق الكولوار الطّويل
وعلى الأدراج اللّولبيّة للحياة
حين تكون هناك رياح وعواصف
يرتدي معطفًا ثقيلاً من دون ماركة
يقتحم الأمسيات الشّعريّة
أينما كانت
بنصف دعوة
محدثًا جلبةً عند الدّخول
واصطدامًا غير مقصود بالكراسي
يعتذر جهرًا عن التّأخير
يقدّم نفسه مُضفيًا الأهمّيّة على وصوله
الشّاعر الغامض
المشهور عند لا أحد في كلّ المدن والقرى والمداشر
يعطي لنفسه صفة عالميّ المستحقّة قرب اسمه
يجلس في المكان الّذي ستمرّ منه الكاميرا على عجلات صغيرة
منتظرًا دوره في صفّ المشاركين الطّويل
ليقصف النّاس بالشّعر والحبّ الغريب
دون شفقة على الحوامل
يخطئون دائمًا نطق اسمه
ينسونه أحيانًا
لا يناقشون قصائده في استراحة التّعارف
يفضّل النّبيذ على الشّاي
يملأ جيب معطفه العميق بالحلوى
يسكر سريعًا
يخطب فيهم:
أيّها السّادة
...
بعضهم يظنّه ممثِّلاً سينمائيّاً
بالضّبط كُومْبَّارْسًا متمرِّسًا على أداء أدوار لا تحتاج إلى ممثّلين
أو فقط يقف في نهاية الفيلم قرب قطعة أثريّة
ليقرأ الشّعر التّراجيديّ
يظنّونه يتسوّل بآلة موسيقيّة
بالهارمونيكا
عازفًا ألحانًا شعبيّة
يجب أن تُعزف في الحقيقة بالهَجْهُوجْ
الجميع يقهقه بسعادة
الشّاعر الّذي لا يفهم أبدًا
مهما شرحتَ له ذلك بلطف
أنّ الجماهير الغفيرة غير مستعدة نهائيًّا
لسماع أشعاره الطّويلة 
غير المؤثّرة
خصوصًا حين يتعلّق الأمر بالحبّ
الشّاعر الّذي يدعونه أخيرًا للإذاعة
إلى برنامج متنوّع على المباشر
ليستغّل الفرصة كلّها
وينتقم من الفقراء الّذين ليس لديهم وقت لسماع الشّعر
وسائقيّ التّاكسيّات
والحلاّقين
والرّعاة الّذين يلتقطون الموجة بصعوبة في الغابة
والبحّارة على الصّخور
الّذين يؤنسهم مذياع في غياب أيّ سمكة
ينتقم من الجميع
بقراءة قصيدة لولبيّة كأدراج منارة الشّاطئ المهجور
بتفاعل شديد مع نفسه
رافضًا تذكير المذيعة له بالوقت
قصيدة غير مضحكة
غامضة
وصارمة
لا أحد يفهمها أو يحسّها
الجميع يشرد
الجميع يغفو
الجميع يعرق
الجميع يموت
الشّاعر الأعزب
المتطرّف في عزوبته
الّذي أبدًا لم ينصفه التّاريخ
وأبدًا لن ينصفه
إنّه يطرق الباب الآن بقوّة
بمقدّمة حذائه 
ليُسمعنا آخر قصيدة
/


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads