غشى الأرض في شباب الزمان
غشى الأرض في شباب الزمان | رائع الحسن من بني الإنسان |
وجهه كالربيع روضه القطر | وكفاه كالنسيم الواني |
ما له بالطعان والحرث والزرع | ولا السعي والدؤوب يدان |
يقطع العمر بالغناء فتعطوا | مصغياتٍ سوانح الغزلان |
وتحط العقبان بين قمار | آمناتٍ من وثبة العقبان |
وترى الأفعوان ينصت للصوت | وتصغي الذؤابان في الوديان |
كل عين من حسنه تتلقاه | بوبلٍ من دمعها هتان |
وله روعة تبيت لها النفس | تنزي كألسن النيران |
زعموا أنه اصطفاه مليكٌ | أخذت منه روعة الألحان |
فهو ندمانه إذا الكأس دارت | ومغنية والعشير الداني |
وأمينٌ على خزائنه طرا | وراعيه سيد الرعيان |
نعمة أرمضت قلوب أعاديه | وأورت حزازة الأخوان |
فمضوا يسخرون منه وينحون | عليه بألسن الأضغان |
لا رعاه الإله من باهلٍ كلٍّ | يزجي الزمان بالإرتان |
يرسل الصوت ضاجعاً فيميد السا | معوه تمايد النشوان |
كيف لا يحسن الغناء وقد فاز | بعيش النوامة المبطان |
مسمع معجب ولكنه الآل | تراءى للأغب الظمآن |
عبث كله وأن سحر القلب | بروعات حسنه الفتان |
كلهم في حائرٌ ليس يدري | أمن الأنس أم من الجنان |
يسمع الناس صوته فيخرون | سجوداً فاتنات الأغاني |
فإذا ما رأوه عادوا فقالوا | أنها خدعة من الآذان |
يكتسي منه كل لفظ جمالا | بارع الأخذ مونق الألوان |
قصدوا قصده على الرغم منهم | وجروا خلفه بغير عنان |
فلهم قول كافرٍ ذي كنود | ولهم فعل راسخ الإيمان |
وهو عنهم في غفلة معرض الوجه | كأن ليس من بني الإنسان |
يلحظ الأرض والسموات والناس | بعين جنية الإنسان |
وكأن الوجود يوحي إليه | بمعاني الجمال والإحسان |
ثم وافاه حينه فمضى غير | مروع من المنايا الدواني |
تارك الأرض ذات حسن جديد | وشباب مخلد الريعان |
وغدت بعده مواطئ نعليه | حراماً يزورها المشرقان |
أكبرت شأنه الخلائق حتى | عبدوه في غابر الأزمان |
ليتهم أنصفوه حيّاً فلما | أن قضى شيعوه بالنكران |