الرئيسية » , » وطن .. اسمه الرغبة | رنا التونسى | كتاب الشعر | العدد الرابع والأربعون

وطن .. اسمه الرغبة | رنا التونسى | كتاب الشعر | العدد الرابع والأربعون

Written By غير معرف on الخميس، 2 مايو 2013 | مايو 02, 2013


وطن .. اسمه الرغبة
رنا التونسى


إهداء: إلى عباس وحياة

1

أريد أن أكتب رسالة إلى أبي
أحدثه فيها عن الاجازات
بريد أبي لا يقرأ الخطابات.
أريد أن أكتب رسالة إلى البيت
إني عائدة
حافظ على دمع أمي
حافظ على ضحكتي.
بريد أبي..
لا يقرأ الخطابات..


2

كيف حال الحياة من عل؟
وأنت تنظر إلى صدري
كالطائر المجروح الصراخ
شديد العقاب.
وجهك
 كالمذياع الصغير الأصفر
ينفرج عن شفتين
جامدتين كالصخر
وضحكات مرتجلة
واحدة
انطلقت لتخطف قلب النافذة
والأخرى ظلت ترقص في الهواء.
كيف حال الحياة
وأنت تسرق الأحلام
في خطاب لم يصلني
وأنت تركض مثل برق
كيف حال الحياة..


3
على سطح سفينة راحلة سأودع أحلامي في خطاب بحجم قبضة اليد
حلوة هي صور الحياة نتركها لنكتب لها.

4
حين غادرنا البيت
تركنا معارك صغيرة
تحرس طفولتنا
فلاحقتنا المعارك
وغادرتنا الطفولة
قال لي البيت
أن أكتبه مقطعا في قصيدة
ولم أعرف
كيف تأتيني الكلمات
والبيت وطن
حين تتحول الأمم إلى مبان
وتختلط معاني العرق بالدم
لابد للوطن من السقوط
ولن نقول له وداعا
موجعة هي كلمات الرحيل
سنعاود النظر من جديد ربما
إلى تلك البيوت التي غادرتنا طوعا
أو أسقطتنا حلما من النافذة
سنعاود النظر..
وقد أربكتنا مساعي الحياة
ومزقتنا ليالي السفر
آه.. هنا القاهرة
لتخبرك دوما أين أنت


5

تقف أمامه
محاولة أن
تمتحن ذلك الجزء النابض بين عروقه
عاكسة له
امتلاء جسدها
وعطبا غير ظاهر
فيها
بينما هو
الطائر النبيل
الذي ارتسم خصرها
بصوت
خافت كالصبر
لا يريد انتزاعها
لا يريد خيانتها
تحدث إلى صدر طبيبك المفتوح
كأنه النافذة
كأنه استل سكينا للتو
وما عاد يفارقك
تحدث إلى الصمت
عن أنفاس زاهقة
ووطن
اسمه الرغبة


6

من سيكتب للغريب
 حين تخنقه الرسائل
من سيكتب للسعال
الباقي فوق سطح الأحذية
وكأنه ساكن هنا
كأنه مِنَّا
من سيكتب للغريب
 تحفة الرسائل
زيف الأمكنة
إني حريق
ووطني أمنية
من سيكتب للتاريخ
 أن يتركني حرا
حين ينقسم العالم
ولا أجد
لا أجد من يشاطرني الرسائل


7

أحب ضحكك المليء بالوعد
لا كما يليق براعي غنم متنقل
 يحبذ أن يمسد صوف قطيعه
على أن يجول بصحبة أنثى
أحب ضحكك المليء بالوعد
والطريق الذي لا يستسلم أبدا للنهايات


8

لماذا للخريطة أن تبقى مفتوحة العينين
و نحن نعبر بها غرباء.
ننام على ذراعيها الخشنة
فئران حقل و طرقات
يمر الحب سريعا من تحت نعاسها
خاطفا وأليما
لماذا تركناه يموت هذا المساء
ولم نعرف من الحفل غيره
واقفا في بذلة الجندي
ضحكة الطفولة تطوح برأسه
الوطن يقتلع جزءا آخر من عينيه
وآلاف قطارات الغربة

ترافقه
في مارش وداع
جنائزي وحزين


9

على الأقل
وأنت تمررين روحك من بين فخذيه
كوشاح حريري
لا يساورك الشك أبدا
في أنه ربما يتبعك كثعبان.
تداعب مخيلتي
رائحة القطار
وهو يركض حثيثا وراء شمس
لا تختفي أمام انحناء طفولتنا
وأصوات رهيبة
نسمعها حين ننام.


10

كما العائد إلى ذاكرة أخرى مخيفة
تنظر إلى الصور برهبة لص
و بحركة دفاعية
تقتلع كل الشعيرات البيض من رأسك
تلك حتى التي لم تظهر بعد.
كما العائد إلى كابوس
لا أحد يعرفك
تبحث عن كلمات
فتسمع أصواتاً
أخبرهم إذن
 عن كل الخطابات الأخيرة
و أنه كان ثمة ثورة ما
في تلك العيون الميتة.


11

حين كان عمري
لا يتجاوز بضع سنين
وقفت وحدي على قلب كرة أرضية
وتمنيت أن لا يحدث لي خطر.
حين كان عمري لا يتجاوز بضع سنين
وقفت وحدي
على قلب كرة أرضية.


12

هناك ثقب بحجم رصاصة
في ذلك الحائط المواجه لرأسك
ثقب
تمر منه كل الأشياء
من رأسك
إلى عينيك
و حتى قلبك
قلبك الراقد في علبة صغيرة حمراء
في أحد الحوانيت الضائعة.
هناك ثقب
 يعاند وجودك
و يرسم وجودا آخر خارج الذاكرة
كان هناك ثقب
يمر بدونك


13

حدثته طفولته
أنه سيكون طبيبا بارعا
في إحدى القارات النائية
وسيكون له شأن كبير
في بلاد
بالكاد يجد له فيها الواقف مكانا
حدثته طفولته عن أشياء كثيرة
ولم يحدث هو أحداً عن شيء قط.


14

في إحدى ساحات الإعدام العارية
ستنظر إلى تلك الشرفات المحيطة
وتتمنى سقوطا آخر مغايرا
سقوطا عاليا
لا يعرفه الساكن من هناك
لذة في الألم
حفر في الرأس
وصراخ آخر لا يوجعك
خزانة الأحلام
أصدقاء حقيقيون
محيط سابح في الذاكرة
وثمة قول أخير
أنه ليس لديك ما تقوله
الآن ينبغي أن تغلق عينيك وبحق
كما يليق بأي أعمى محترم.


15

حيواتك
التي تمر أمامي
مثل قط
خارج لتوه من بين قضبان
تدفعني دفعا للاكتئاب.
ما طعم الحياة في بيتك؟!
ورشف القهوة من بعدك.
كيف تحس الخطى
وأنت تسرع الذهاب إلى البيت
وأنا فوق رصيف أحلامي
معبأة بالرائحة
وبذكرى دوما مشتهاة


16

تتناقلني صحف هذا الصباح
خبرا يباع على الأرصفة
مصرع ثلاثة
وإصابة خمسة آخرين.


17

تراقبني أمي
بمرح شديد
وأنا أتخبط في فساتين الطفولة
 مثل غلام
صوت مرورها
كان يدفعني للتحول لثدي
ليمتلئ الفستان بي.
وتكف هي عن الزج بي
صوب أعراس بعيدة.



18

لأزمنة غابرة
نموت بلا مرارة
وحكايات نخترعها
حتى ننام.



19

أعرف أن مرآة جسدي
 ليست فقط مبعثاً للشهوات
 لكنها أيضا مبعث للرعب.
 لم أنظر كثيرا إلى جسدي
  تعانقني عيني
 معانقة خاطفة أحيانا
 و أحيانا أخرى
 ينتابني هوس السقوط.
 أرى نفسي عالقة
أسقط من الحافلة
من النافذة
وأنا أستكمل حديثا مقطوعا مع أمي
أبقى دوما على علاقة بالحلم
كل ما يهم هو
من يقف على الرصيف المواجه لبيتك
ومن يفتح لك بوابة الخروج
صباح الخير المجرد
الدوام الكامل لصيرورة الوحدة
من أيضا سيمكنك اعتباره صديقك فيما بعد.
علقت جسدي مرارا على بوابات حميمة
غادرتني الأماكن صغيرة..
تمارين الخروج
لكل مكان ذكرى قريبة إلى قلبي
 لذلك تجدني لا أدخله من جديد
كانت هناك خيوط تلمع من الحكايات
وأحباء.. مثل توقف مستمر
"كائن واحد تفتقده فإذا الكل خراب" لامارتين
لكنني أخشى.. أنني قد أصبحت أفتقد الافتقاد
 أفكر في الكتابة كثيرا إلى نفسي
في كتابة اليوميات مثلا
حتى لا تخطئني المراسم والتواريخ.
ثم ما الذي يصنع مخيلة طفل بالأساس
 هل هي الذكريات الحلوة
 أم الموجعة أم الاثنان معا
الذكريات تبصق علىّ
 وهى تمشط شعرها
 بسنوات عمرها العشرة
أستيقظ على صوت لعب لكرة القدم
 تصبح الحياة أمامي
 مثل "ماتش" طويل
أعرف بدقة
 كم يمكن أن تكون النتيجة مزرية
 حين تكون  التعادل فقط
 وبدون أهداف.
عادة


لا تستمر معي المباراة طويلا
ربما لقصر جهد مني
 أو لتململي الدائم
رغم ذلك
 أجد نفسي أستعيد لذة فائتة
 وأنا أقرأ في الظلام
 حروفاً كثيرة
 متناهية في الصغر
أستعيد لذة فائتة
 وأنا أمضغ القصائد
 مثل حبات السكر
 برقة وببطء
 حتى تذوب تماما في فمي
وكأنها ما جاءت أصلا.
أستعيد لذة فائتة
 في مسبح صغير
 ألعب فيه كطفلة
 تدرب طفولتها علىاللاشىء
كنت ألعب مع بط من البلاستيك
 وبجع كثير متخيل.


20

كان القطار يفوتني دوما
رغم كل ما رتبت له من أغنيات.


21

يحكى أن نهرا صغيرا
 كان قد بدأ يتكون
 مكان ذلك
 الذي شرب كل مياهه
الجسر أخذ يتآكل
 من حقيقة العابرين
القصيدة ظلت تكتب نفسها
 ببراعة
 وإصرار عجيب
لتمحو أيضا
 كل الحروف بعدها
 وبسرعة أكبر
الضجيج في الداخل
 أكثر منه في الخارج
وثمة خوف
 لا يعرف أحد كنهه
لكنه حين عبر
كانت اللحية تغطي نصف ملامح الوجه
والنصف الآخر
يكشف أنه واحد منا.


22

كان لابد لكدحها
من أن ينصرف وحده
 آخر النهار
إلى ركن قصي من الحجرة
وهو كان يأتي أحيانا في ثوب سعال
أو يعبر
 بخفة فوق سطح القطار
ليخبرنا
أن الشتاء وحده
لا يهزم ليالي الحصاد.
لم يكن لوالدك
 صوت محارب
ليصرخ بك كل صباح
أن تقفز فورا
 من فوق سريرك
فتخبئ نومك الدافئ في معصميك
وتخرج
غير راض أبدا
عن الطفل الذي كنته
لم يكن حتى عاملا
ليكون الإرث هو الثورة
كان بحارا
يترك سفنه
 طويلا فوق سطح القطار
ويودعها الأمنيات
كانت سفن حقيقية
 تستحق انتظارا.
كان يريد أن يكون محاربا
ولا يحارب
مدنه تسير بلا أنهار
حكايات تعرف نفسها
ونحن
 نعود
ولا نعود
في الطريق ضفيرة
 تتأرجح وحدها
في الطريق شجار
وأنفاس عابرة.
في الطريق حريق
وشيء ما يلوح باسمي


23

لم تكن فرجينيا مضطرة للذهاب إلى النهر
وترك ساعي البريد
متعباً بحمل خطاب
لن يوصله لأحد قط.
لم تكن فرجينيا مضطرة للرحيل وحدها...


24

يضطجع الطبيب على فراش المرض
ليس له من يؤنبه
تسامره العزلة
يصطك طابور الأسنان في فمه
جارحاً
وعنيداً

يستند الخيال إلى جذع شجرة
يفكر
في بدايات العالم والأشياء
يود أن يطلقك الصراخ يا وطن.

كان الهيكل العظمي
هو أول من وصل إلى القرية اللامسماة
وبدا له
أن المكان يحتاج فعلا لشجرة
تماما كما تحتاج البنات الصغيرات لأب
كيلا يهددهن الكبر.
رأيته يغرق الأرض بكاء مالحا
في أثناء مروره السريع


25

قال النبي
أوراقكم
هي حياتكم
فلتتعدد لكم الحيوات
وأنا
تراودني نفسي
بالضرورة عن نفسي.
اقفزوا أدراجكم
ولا تخشوا أية خفقات
كان النبي
يحلو له
 أن يتجول في ساعات الصبح
يجمع الحليب من نهود الفتيات
ويوزعه الحنين
الجميع بالقسط
كان قد انتهى لتوه
من حديث صحيح
غير مفروغ منه
وقد بدا له
أن الضباب المتصاعد في الخارج
له طبيعة إنسانية
أكثر من أي شيء
انزلوا أدراجكم
بحدة
وببطء.


26

أحب الذهاب إلى السينما
وترك أحلامي
تنام خلسة على أذرع الجالسين.
أحلامي
أحب أن أراها
وهي تسقط
 مع حبات اللب والمحمصات
وبصق التعيس
 قرب أقرب جدار
وسيارة الشرطة
وأجهزة الإنذارات
وأيدي الأحبة
 تحت سترة الانتظار
أحب الذهاب إلى السينما..
والحياة بحق.


27

وأخيرا كن قد أودعن أولادهن مدارس
تبعد كثيرا عن مناطق الوحدة
ألم الشجار
كن قد أغرقن أنفسهن في محيط
ولم تذرف العين دمعة واحدة
بالطبع لم تكن لذاكرة طفل
أن تتذكر كل الأشياء
حين يمتلئ القلب رعبا
رغم ولعه بالحياة


28

من على أي جسر تعبرين
حين ينفطر قلبك لوعة
وقدميك مشقوقتين
تتشبثان بالتراب.


29

صوته يشبه صوت الرحمة
حين تتركك الحياة تلعب
في غفلة من الزمن ومن كل شيء
صوته يشبه صوت الرحمة
 والحياة التي لا تغيب.


30

أفكر في صانعي الأهرامات
أحلامهم
وهى تئن فوق سطح الرافعة
اطلبوا هاتفي وسترد عليكم الجثة
اطلبوا هاتفي
وسترد عليكم السكينة
في عروق يابسة.


31

لن يستطيع دون كيشوته
 الخروج من سرواله
والمرور عاريا
هو الآن
معلق على جدار
بلا رحمة مني
وطنه يخرج له لسانه
من بين ألواح خشبية
وأسوار كسيحة
لن يفرحه أبدا عبورها
لن يستطيع دون كيشوته
 لن يستطيع


32

كانت تسألني
ما معنى يعتليها
وكيف تختبئ الفراشات في العين
ولم تكن لديّ بدوري إجابة
سوى إننا على وشك حرب يا صغيرة..


33

كنت كلما آخذ في التحدث
أجد نفسي أحتاج بشدة
إلى أثر مادي
يؤكد لي
 أن ذلك الصوت الخافت فيَّ
هو نابع فعلا
من كائن بشري
لذلك لم أكن أمنع نفسي
في أثناء تجوالي
من ترك أنفاسي
 على الأبواب الزجاجية
أنفاس ساخنة
تدل بقوة على طول تجوالي.


34

بجوار بيتنا
مطبعة للنقود
نحلم دوما بسرقتها
سبعة أفراد
وبيت واحد
مع اختلاف طفيف
 في شكل الحجرات
أحيانا
 السقف أعلى
أو المساحة أوسع
لكنها نفس الحجرات
ولم يعاصر أي منا حربا
أو سمع دماراً
لذلك كنا نحلم مفتوحي الأعين.
تقف دراجات الصغار على العتبات
يهب تراب شبابي
على نظارات العجائز في الانتظار
ويبدأ
الكبار في التحدث
عندما كانت الأيام أيام.
أود أن أجعل الكبار
أطفالا
والأطفال
كبارا
وأنطلق في مرح لانهائي
لكن قلبي
 ينفطر
في كل مرة
 أراك فيها تترجل من القطار
رغم أني لا أعرف وجهتك
فقط أعرف
أن بنطالك يضيق
من طول تجوال
وأن جزءا منك
يود أن يحترق كشهب
في سماء
 زرقاء بعيدة
حينما داعبتك المسافة
واختلط جزء من يديك
مع الضجيج والأوراق
وقصائد تكتب بسذاجة
أخذت تحكي
في صوت يتحدث بكل اللغات
عن نوبات القيء والبكاء
وطفولة
 اصطدمت مرارا بشاحنات الطريق.
لكنك
 أبدا لم ترها عارية
حتى وإن أقسمت
أن حمالة صدرها
كانت تتسع لطفولة ألف عام.
كنت تحكي
عن طفولة رجل آخر
وقد صدرت منك أنة عالية
لا تصدر
 إلا من صدر الأمهات.


35

ضفيرة شعرها المعوجة
التي كان يستند عليها
نظام بيت بأكمله
علمتنا
متعة متابعة اللعنات
من النافذة
مع الاستمرار
في الدعاء في الفجر
حين تطير الأغطية ليلا
ونظل نخربش بعضنا بعضا
كالقطط الصغار
تهتم هي
بوضع الأشياء في البيت
الطعام
على المنضدة
الحكايات
في غرفة الأولاد
المساءات المجترة
على حافة النافذة
والأحلام
في السماوات
وحين بدأنا نكبر
وتصطدم جباه بعضنا بالممرات
كانت تخبرنا
عن ضرورة عدم ترك شيء في الطرقات
وكلما أخذت في التنفس
أصبحت أنا وحدي
صدى لأنفاسها
التي بدأت تذكرنا
بوحشة زيارة البيت
حين كنت أنا أسبقها على الدرج
تقريبا
بخمس درجات.


36

كانت امرأة الشيكولاتة
تعرف
أن الحب يحتاج إلى أكثر من رغبة
وفتح قدمين
كانت امرأة الشيكولاتة
تعرف أنها ستذوب وحيدة
 وببطء.


37

أوزع الحزن
على أرغفة الخبز الصباحية
أوزع الحزن
على عابري الطريق
بحجة الذهاب إلى الشغل.


38

حين كان يتحدث عن رحلة يقطعها معي
من خلال النهر
كنت أفكر أنا بك.
وكيف يمكن أن يفتقد المرء
حياة
لم يعشها قط.



39

تعب
مثل كلب يجر سلاسله وراءه.
يفكر في العبور إلى
 ضفة أخرى
والنجاة
مع حب الحياة
تعب
هي الرحلة
عندما ينطفئ الضوء
ويسرع البعض
إلى اقتناص حياة
تحاول أن تحرك
ذلك الجزء الساكن فيك
فتنتابك نوبة سعال عارمة
يشبه ما ينتاب سكاناً أعرفهم
ورغبة جامحة
في اختطاف كل ما أسره الآخرون
تعب
مثل كلب
يجر سلاسله وراءه.


40

كأنك عثرت على حياتك
في إحدى دورات المياه الخالية
في القطار
مفتوح الشبابيك
القطار الذي يغير اسمه باستمرار
ولا ينتظر أحداً
أحد
يرقد فوق الأرصفة
مذبوحة الطرفين
قطنة
تدثر نفسها
لمسة واحدة من سائق العربة
المشحونة بالأنفاس العابرة
ستسرع بالطريق إلى آخره
لمسة واحدة
سيوصلنا الطريق
عندها سيخبرك كل من يقابلك
أنك كنت فعلا
Deja - vu.


41

كان صياد الأسماك النائمة
يصطاد الفراشات الهزيلة من عينيه
بغمازته البارزة
ووجهه المعذب بالأرق
بينما هي تجلس
وساقيها بعيدة
كبعد قارات لم يطأها بشر
تصطك أسنانها
وهي تراقب اسماكه البائسة
تلفظ كل نقطة فيه
دفعة واحدة.
فكرت قبل أن تغادره
أن تكتب لهرسالة بلون المحيط
تحمل عنه غمازته
او يحمل هو صدرها
كي يواصل السفر.
تركت لها أمها من قبل
لوح خشبي صغير
بحجم رسالة غاضبة
وكرسي يهتز
كأرجوحة من الصبر
وعلمتها الغناء
شرط ألا يفارقها صوتها
خلعت عنه قميصه الحريري
وعلمته لون المياه قربها.
الضحكة الآن تتلصص عليهم من برد النافذة


42

كأنك تحمل رائحة الحياة
رطبة على الوسادات النهارية
كأنك تحمل
رائحة الحياة الندية

في تلك البناية
يحتل الرعب قرابة طابقين على الأكثر

نصفك الآخر
يستحم
في غفلة منك
تحت مياه غريبة
مياه
لا تطفئ
 حرقة القلب
وكل مساء
عندما ينعكس القمر
دمعة وحيدة في الحدقتين
تلملم أطرافها الهشة
وتفكر
في الكتابة إليك
ينام المرء
على غير راحة منه.
ينام المرء
وهو يحلم أن هناك آخر
ساهرا على راحته
ينام المرء
غير مطمئن
أنه سيصحو إليك



43

لماذا يصعد المحبون إلى السطح
يدحرجون الغرام درجة واحدة
وقمر مسروق
خارج من منازلهم.


هذا الديوان

هذا الديوان – عليه اللهم احفظنا بسم الله الرحمن الرحيم – فمثلا اختلفنا – الصديق الفنان الناشر محمد هاشم والصديقة الشاعرة رنا التونسى وراجى عفو مولاه كاتب هذه السطور. اختلفنا على الاسم فقد كان رأيي أن نسمى المحروس – وغادرتنا الطفولة – وهو اسم فى رأيي يحمل من الغموض ما يحمل القارئ على التظاهر بفهمه وبالتالى احترامه ثم شرائه مرة أخرى ولكن محمد هاشم وهو الناشر لم يسقط فى فخ حساب الربح والخسارة ورفض الفكرة بقلبه وهو – أضعف الإيمان – واكتفى بأنه يخش أن فى الاسم شبهة إسقاط سياسى على حال الأمة العربية التى ودعتها طفولتها ولفظها شبابها إيذانا بالفناء والرحيل إلى غير رجعة ثم صمت محمد هاشم ولم يقترح الاسم البديل مما أعطى حواء التونسى فرصة العمر لتمارس دورها السرمدى فى قهر وخداع التعيس – آدم – ممثلاً فى محمد هاشم وشخصى الضعيف. ففرضت علينا الاسم الذى على الغلاف (وطن اسمه الرغبة) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
فإذا تركنا الاسم أو العنوان ودخلنا إلى المحتوى فسوف نجد أن الشاعرة وهى تدرس فى الجامعة الأمريكية تتمتع بعلاقة من نوع خاص مع العربية – لغة القرآن العظيم – خذ مثلاً.

حين غادرنا البيت
تركنا معارك صغيرة
تحرس طفولتنا
فلاحقتنا المعارك
وغادرتنا الطفولة

ورنا تحمل هموم جيل يتيم رافض لتجربة الآباء التى أورثت الوطن كل هذا التردى والغوص فى مستنقع الفشل حتى أذنيه

قال لي البيت
أن أكتبه مقطعا في قصيدة
ولم أعرف
كيف تأتيني الكلمات
والبيت وطن
حين تتحول الأمم إلى مبان
وتختلط معاني العرق بالدم
لابد للوطن من السقوط
ولن نقول له وداعا
لأنها - موجعة هي كلمات الرحيل -
و(وطن اسمه الرغبة) هو الديوان الثالث لرنا التونسى التى راهنت عليها حتى قبل أن تصدر ديوانها الأول (ذلك البيت الذى تنبعث منه الموسيقى).
من هنا كانت سعادتى بصدور هذا الديوان الذى اعتقد بأنه يمثل إضافة صوت جميل لمعزوفة الشعر النسائى العربى.. فشكرا لعناد واستمرار رنا التونسى وشكرا للصديق محمد هاشم الذى يحتضن الزهور كأى بستانى خبير بأفراد التربة الطيبة التى يرويها ماء النيل وينقحها عرق            الفلاح المصري المجهد. فتحبل ثم تلد القمح والمواويل والزهور.

أحمد فؤاد نجم







صدر ديوان أول للشاعرة بعنوان "ذلك البيت الذى تنبعث منه الموسيقى" عن الهيئة العامة لقصور الثقافة عام1999.
صدر الديوان الثانى بعنوان "وردة للأيام الأخيرة" عن دار ميريت للنشر عام 2003.





التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads