الرئيسية » , , » الشاعر المصري محمد الشحات: فكرة هزيمة الشعر محض خداع

الشاعر المصري محمد الشحات: فكرة هزيمة الشعر محض خداع

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 12 فبراير 2021 | فبراير 12, 2021

 الشاعر المصري محمد الشحات: فكرة هزيمة الشعر محض خداع




محمد الشحات.. شاعر مصري صاحب تجربة فريدة في الشعر العربي.

يواجه الكثير من الشعراء العرب المقولة السطحية التي تقول بموت الشعر، متحججة بأرقام المبيعات أو بقلة القراء وعدم تمكن الشعر من دخول سوق الأدب. لكن هذه التفاصيل على أهميتها فإنها لا توحي بموت الشعر الذي يعرف تطورا كبيرا خاصة في الفضاءات الرقمية. وفي هذا الصدد كان لـ”العرب” هذا الحوار مع الشاعر المصري محمد الشحات حول الشعر وقضاياه.

تثقلنا الإحباطات، وتصدمنا السقطات، وتشعلنا الانكسارات يأسا، وقد تُحزننا نظرات اللامبالاة فتتجمد خلايا الإبداع في دواخلنا، ونتجرجر بعيدا عن الجمال والسحر بفعل وقائع وشخوص لا تحتفي بالجمال والسحر، ويُزعجنا تبدل الزمن، وانقلابات الذائقة الجمعية، وتحولات النقاد وموجات الحداثة غير المنتظرة، والمُغيرة لقيم الإبداع عموما.

يتسرب إلى البعض القنوط فيشعرهم باللاجدوى، فينسحبون بهدوء وسكون، ويستسلمون للهزيمة، وهم راضون بالتقاعد. لكن يبدو أن موت المبدع، وتصحر الإبداع ليس نهائيا، وليس أدل على ذلك من أن هناك شعراء وأدباء عادوا للكتابة والتدوين وصناعة الجمال بعد تعطل سنوات، منهم الشاعر المصري محمد الشحات، أحد أبرز عناصر جيل السبعينات، غاب عن الإبداع خمسة عشر عاما، ثُم عاد بزخم وحماس وتوهج كمبدع مولود من جديد، ليستعيد تجربته ويتوب عن الكفر بالإبداع الذي دُفع إليه تحت وطأة مناخ عام رأى الشعر مُنهزما.

في حواره مع “العرب” يكشف الشاعر صاحب التجربة الفريدة سمات التبدل في الشعر والمناخ الحاكم له وتجدد ألوانه وموضوعاته، وإحساس الشاعر نفسه بما يكتبه الآن مقارنة بتجاربه القديمة.

لا هزيمة للشعر



يؤكد محمد الشحات أن شعوره بالظلم نتيجة تجاهل الحركة النقدية، واستسهال إقرار مقولة “زمن الرواية” وخيبات الأمل العامة المتمثلة في تجاهل المجتمع الاحتفاء بالإبداع دفعه لقتل الشعر داخله.

وشعر الشحات أن تقديمه لستة دواوين شعرية، آخرها ديوان “كثيرة هزائمي” سنة 1996، أصابه بالفتور، وجعله يشعر بعدم قيمة الإبداع، حتى أن البعض اعتقد أنه هاجر أو رحل عن الدنيا.

ويوضح في حواره مع “العرب” أنه شعر فجأة برغبته في العودة لكتابة الشعر، ما دفعه إلى إصدار ديوانه “المترو لا يقف في ميدان التحرير” عام 2012، ثُم استكمل مسيرته بحماس وتوهج ليصدر إحدى وعشرين ديوانا أبرزها “محاولات لا أعرف نهايتها”، “متى ينتهي”، “مكاشفة”، “يكتب في دفتره”، “سيعود من بلد بعيد”، و”رجفة المقامات”.

ويشير إلى أنه لا يعرف لماذا عاد إلى كتابة الشعر، لكنه بكل تأكيد سعيد بتلك العودة، ومؤمن بأن موت الشعر هو موت مؤقت، ومهما كانت الإحباطات، فإن الإبداع سوف ينتصر في النهاية.

وتختلف التجارب الحديثة عن تجاربه الأولى التي كانت مندفعة ومتدفقة، وغير مقيدة، والتي كانت فيها نظرة الشاعر للعالم متفائلة ومثالية، لكن في التجارب الحديثة يشعر الشحات بكثير من النضج الفني ورسوخ الإبداع، وأصبح عصيا على السحق تحت وطأة الأوجاع الإنسانية، وأقوى من الإستسلام.

ويرى أن فكرة هزيمة الشعر محض خداع، وسوف يبقى الشعر ذاكرة الأمم والشعوب، والبوتقة التي تنصهر فيها انتصاراتهم وانكسارتهم، وأفراحهم وأتراحهم، فرغم المحاولات المضنية التي سعت إلى سحب البساط من تحت أقدام الشعر، مازال هناك مَن يلجأ إلى الاستشهاد بشعر أبي نواس والمتنبي، أو يبحث عن أبيات لأبي العتاهية، أو يُردد كلمات خالدة لمحمود درويش أو صلاح عبدالصبور وأمل دنقل، أو غيرهم.

الشاعر يمكنه أن يكتب قصيدته وبها قصة وسينما ولوحة تشكيلية ونغمات موسيقية لكنها في النهاية قصيدة شعرية

ويضيف أن عُمر الشعر المكتوب باللغة العربية أكثر من سبعة عشر قرنا منذ سجع الكهان، بينما نشأت الرواية كجنس أدبي في القرن الثامن عشر، وانتقلت إلينا في أواخر القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين.

وقد تنوعت مسارات الشعر العربي خلال رحلته تنوعا كبيرا وتطورت بين مدرسة الإحياء والديوان وحتى الثورة على القصيدة الكلاسيكية وانطلاق قصيدة التفعيلة ومن بعدها قصيدة النثر، كل هذا جعل الشحات على يقين من أن القصيدة العربية كائن حي ومتحرك ينمو ويتطور، وأصلب من أن ينزوي أو يخمد أو يموت.

ويقول الشحات إن ما تردد بشأن هزيمة أمام الرواية، انطلق في الأساس من نقاد اهتموا كثيرا بالرواية، واشتغلوا على هذا التصور، فتمنوا القضاء على الشعر والشعراء، لكنهم لم يستطيعوا لأن لغة الشعر أكثر قدرة على النفاذ إلى النفس البشرية من السرد.

وفي اعتقاد الشاعر المصري، فإن جيل السبعينات من الشعراء العرب عموما كان أكثر الأجيال تعرضا للظلم، رغم كونه صاحب الإنجاز الأكبر والأهم في مسيرة القصيدة العربية الحديثة، وعدد كبير من أبناء هذا الجيل تعرض للإقصاء والإبعاد وربما النفي، وواجهته إحباطات عديدة في ظل حصر تجربة الجيل في جماعتي “أصوات” و”إضاءة”، فذلك الحصر اعتبره شعراء الجيل عدم اعتراف بموهبتهم وتجاهلا لهم.

ويتابع “إننا في حاجة حقيقية لدراسات وافية بعيدة عن الطابع السياسي والأيديولوجي لتقييم تجارب الشعراء من جيل السبعينات والنظر إلى التجربة بموضوعية وتجرد”.

وتميز جيل السبعينات بشعور قاس بالاغتراب والحيرة في ظل تحولات مجتمعية شديدة الحدة، وتسرب الاغتراب إلى الكثير من قصائد الشاعر فنقرأ مثلا له في إحدى القصائد الأخيرة “أنا من بلاد/ لها ما لها/ ولى أن أهيمُ بها/ كنت أخفيتها فى دمي/ هُنا حين تمضي/ سيعرفُك العابرون ولن تر/ في الوجوهِ سوى/ رجفة النازحين/ فأغلقت عيني/على كل ما كنت أحمله من بلادي”.

وينطبع الاغتراب في وجدان الشحات وهو يتناول سفر ابنه للتعلم في الخارج في ديوانه “سيعود من بلد بعيد” فنجده يقول: سيعود من بلد بعيدْ/ قُلت انتظرْ/ كيما أرتب بعض أشيائي/ وأغلق كوةَ القلب العنيدْ/ ظل الحنين يدُقُ في جنباتها/ ليمّر من أسوار صدري/ عله يلقاك أول ما تهل/ كُنت احتبست بجوف عيني/ رجفتين من الوداعِ/ لكي أرك


سمات خاصة



حول انتشار مصطلح “القصة الشعرية” ووصف بعض النقاد لقصائده بذلك الوصف،

يقول الشحات إنه لا يرحب بالمصطلح لأنه يرى أن الشعر هو الشعر، والكلمة وحدها أعظم من إلحاق أي صفة فنية أخرى بها، وتعميم مثل هذا المصطلح في رأيه يفتح باب وصم القصيدة بالسينمائية والتشكيلية والموسيقية وغيرها من الأوصاف التي تأخذ من وهج الشعر كفن قديم وخالد.

ويضيف “الشاعر يمكنه أن يكتب قصيدته وبها قصة وسينما ولوحة تشكيلية ونغمات موسيقية، لكنها في النهاية قصيدة شعرية”.

وإذا كان البعض يرى أن غلبة الحزن على قصائد الشحات سمة مميزة له، فإنه يرد قائلا “عشنا وسط تشابك وصراعات وحروب وأزمات وانفجارات ومجاعات وأوجاع، كل ذلك يصعب أن يجعل أحدا مبتهجا، إننا نحيا في أقسى مراحل الإنسانية بؤسا وألما، والبهجة في مثل هذا التوقيت هي انفصال عن الواقع”.

ويظهر ذلك بقوة في الكثير من قصائده الأخيرة، فيقول في إحداها “فانج بصْمتكَ/ واِحْتَرَس من ضيقِهِ/ وَاُتْرُك مشاعِركَ الْفتيَّة/ تحتمي بِدموعِ ليلى/ واِرْتم فى أبحري/ جفّت مدَامِعنَا/ فبكيت من وجعي/ وضاقَ الْحرَف/ واِنْكَسَرت كل الْبحورِ/ وبَت أَبَحْث/ في بُيُوتِ الشّعْرِ/عَن بَيْتِ/ لأسُكنه”.

ويلفت في حواره مع “العرب” إلى أن أصعب ما يواجه المبدع هو طريقة اختيار عناوين كتبه، ففي الشعر تحديدا يُصاب الشاعر بالحيرة إذا كان عليه أن يُسمي ديوانه بعنوان إحدى القصائد الأثيرة لديه في كتابه أم بعنوان آخر جامع، لكنه يميل لترشيح عنوان لقصيدة ما.

وفي تصور الشاعر، فإن التكنولوجيا الحديثة أثرت بشكل كبير في الإبداع الشعري لأن أي إبداع هو ابن بيئته، لذا فقد ظهرت القصائد الموجزة الأشبه بالتويتات، وقلل معظم الشعراء من الملاحم والقصائد الطويلة.

ويؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت الشعراء وشجعتهم، وعززت لديهم حقيقة أن الشعر لم يمت، والدليل على ذلك انتشار قصائد عديدة عبر منصات مختلفة وتداولها بشكل أكبر واهتمام الجمهور بها.

ويعترف الشحات أنه كان محظوظا بمجيء جائحة كورونا، لأنه خرج إلى سن التقاعد عند السادسة والستين في ظلها لتتاح له فرصة جيدة للمزيد من المطالعات والإبداع والنظر باهتمام للنفس الإنسانية في ظل تساؤلات وجودية، ما يُهيئ الأمر لحالة وجدانية مناسبة لميلاد الشعر وكتابة القصائد الجديدة، وهو ما كان نتاجه ديوانه الأحدث الذي يحمل عنوان “رجل مسكونٌ بالزرقة”.

ويكشف أن تشكل اللغة لديه جاء تأثرا بالقرآن الكريم، ثم تشكل وعيه الإبداعي بدواوين العصر الجاهلي، ليتعايش مع قوام اللغة والفكرة وصولا إلى شعراء التفعيلة، وأنه تأثر بالمتنبي، وجرير، والفرذدق، وأبوتمام، والمعري، وشعراء الأندلس، ثُم بدر شاكر السياب، وصلاح عبدالصبور، وأحمد عبدالمعطي حجازي، وأدونيس، وأمل دنقل، وحتى الأجيال الشابة في القصيدة العربية.

ولد محمد الشحات في قرية ريفية تُدعى الضهرية بمركز شربين، بمحافظة الدقهلية، شمال القاهرة عام 1954، وتخرج في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، قبل أن يعمل بالصحافة في دار أخبار اليوم.

وبدأ مشروعه الإبداعي مع ما شهدته مصر من تحولات اجتماعية في السبعينات، ما جعله يعج بالرفض والتمرد، فكان ديوانه الأول بعنوان “الدوران حول الرأس الفارغ” عام 1974، ثم أصدر في 1979 ديوان “آخر ما تحويه الذاكرة”، وتوالت إبداعاته خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات حتى توقف فجأة عن كتابة الشعر لأكثر من خمسة عشر عاما، انشغل خلالها بالعمل الصحافي، رئيسا لتحرير مجلة عالم الكتاب، ورئيسا لتحرير مجلة الموسيقى العربية، وشارك في إعداد موسوعة ثقافية عن نجيب محفوظ.



الحوار منشور علي جريدة العرب

قام بالحوار مصطفى عبيد

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads