صلاح جاهين...كل سنة وانت بهجة حياتنا | شعبان يوسف

Written By Gpp on الجمعة، 12 فبراير 2021 | فبراير 12, 2021

 صلاح جاهين...كل سنة وانت بهجة حياتنا:



أعتقد أن صلاح جاهين الشاعر والرسام والصحفى والممثل والسيناريست، يملأ حياتنا كلها شعرا وأغنيات وسينما وكاريكاتير، فمنذ أن التحق بمجلة "صباح الخير" الفتية فى يناير 1956، لم ينقطع عن العطاء والإبداع والكتابة وتقديم الشعراء الشباب على صفحات المجلة.

وعندما صدر العدد الأول فى 12 يناير 1956، كانت رسوم صلاح جاهين تتصدر الصفحات الأولى، ومما لا شك أن خطوطه ورسوماته كانت جديدة وناعمة جدا، رغم أن الفنان الكبير عبد السميع فى ذلك الوقت كان هو الذى يتصدر الساحة كلها فى مجال الكاريكاتير، وكان زملاؤه مثل طوغان وزهدى وحجازى وبيكار وغيرهم لهم حضور عظيم أيضا،  حضور فى كل الصحف والمجلات، ولكن رسومات كل هؤلاء كانت مشتبكة ومتقاطعة مع الأحداث السياسية بشكل صارم، ورغم أن هذه الرسومات كانت تنتزع الابتسامة من القارئ، إلا أنها كانت تعدّ رسومات خشنة وحادة.

وعندما بدأت رسوم صلاح جاهين فى المجلة، انتعشت برسومات صلاح جاهين البديعة، والتى كانت تتناول كافة الظواهر الاجتماعية، الحب والزواج والصداقة وغيرها من ظواهر، وأبدع إحسان عبد القدوس _منذ العدد الأل_ بابا جميلا وثابتا تحت عنوان "حكاية"، وأصرّ إحسان أن يكون هذا الباب مصحوبا برسومات وابتسامات صلاح جاهين الذكية واللمّاحة، ومن خلال كل رسمة جديدة لجاهين،  كان يختصر حوارات كثيرة فى تلك الخطوط العبقرية التى كانت تتطور يوما بعد يوم، خاصة بعد ما راح صلاح جاهين يبدع أبوابا تخصّه هو، ومستقلة عن حكايات إحسان، وأشهرها "قهوة النشاط"، ومن خلالها كان يناقش كافة الظواهر الاجتماعية دون أى تقطيبة، صلاح جاهين كان انشغاله الأول، الابتسامة المفعمة بالفكرة، والمحرّضة على التأمل والبهجة والتفاؤل، رغم الكثير من الأحداث الموجعة التى كانت تحيط به، وتحيط بالمجتمع الكبير.

صلاح جاهين الذى كان يرسم ابتساماته على كل الوجوه، لم يستطع أن يخفى ألمه ووجعه عندما كان رفاقه يغيبون واحدا بعد الآخر فى السجون والمعتقلات، فكتب قصيدته الموجعة "غنوة برمهات" ونبرة حزينة لا تخفى فى الكلمات:

(حسيت به فى ضلوعى، كأنه الحليب

فى بز مطرودة بلا طفلها

الدمع، لأ ده الدم، لأ ده اللهيب،

لأ ده الكلام، أحمر، ملعلع، رهيب،

كما شمس عز الصيف، بتقدح صبيب،

آه يالهيب زعابيب بؤونة وأبيب،

أنا صدرى قلعه نحاس،

صهدت على الحراس

داخوا،

ولما زاد صهدها، ساح قفلها).

كانت جدلية الحزن والبهجة هى المهيمنة على إبداعات صلاح جاهين، منذ 1956، حتى 1967، وهو ينشد ويغنى ويرقص ويرسم وينتصر لانتصارات الثورة، ويتأمل المستقبل وهو على باب "بستان الاشتراكية"، و"ناصر كلنا وياك"، حتى جاءت النكسة أو الهزيمة، فانقصم ظهر جاهين الفنى والانسانى، وفترت كلماته، لكنها لم تخل من التعبير والإفصاح، لم تكن نحيبا، بقدر ما كانت أشكالا من التأمل والحكمة، وتطورت رباعياته لتغرقه فى عالم من الزهد، وكان القرّاء ينتظرون تلك الرباعيات، لتحلّ ألغازا سياسية وفكرية ووجودية واجتماعية.

صلاح جاهين الذى كاد أن يصمت بعد 1967، وترك مقعد رئيس التحرير فى مجلة صباح الخير، كان قد أسس وقدّم كثيرا من الشعراء فى مطلع عقد الستينات، عبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب وفؤاد قاعود وفؤاد بدوى وفريدة إلهامى ومحمود عفيفى وآخرين، هؤلاء الشعراء هم الذين التقطوا الراية منه قبل أن تسقط وتذوب فى الحزن، إنهم الامتداد النبيل الذى أكمل المسيرة، فقاموا بما لم يستطع أن يقدمه بعد 1967، وكتبوا أغنيات وأناشيد وقصائد، لكى تعرف الجموع بأن صلاح جاهين لم يصمت، ولم يلق السلاح، ولم يهدر طاقته فى فراغ الحزن.

راح هؤلاء يواصلون مسيرة صلاح جاهين التى تسللت فى كل الأجيال التالية، لتعلن أن صلاح جاهين لم يكن ابن زمنه فقط، بل ظلّ يمد بروحه العظيمة لكافة الأجيال التى تلت بعد ذلك.

عم صلاح كل سنة وانت عظيم فى ذكرى ميلادك التسعين.




المصدر مجلة عالم الكتاب

 


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads