الرئيسية » » هذا “الثوري” يدعم السيسي ونظامه | جمال الجمل

هذا “الثوري” يدعم السيسي ونظامه | جمال الجمل

Written By هشام الصباحي on الأحد، 7 مايو 2017 | مايو 07, 2017

(1)
مسكينة “الثورة” في بلاد الأشلاء.. لأنها لا تعاني من أعدائها فقط، بل تعاني أكثر من أهلها، بل أنهم أشد خطرا عليها من الأعداء، وأكثر خذلاناً لها من الضعفاء. هتسألني: إزاي؟
مش هقولك: “تعالى وأنا اقولك”.. هحاول أقولك وانت قاعد في حالك، لحد ما تقتنع بقدرتك على التغيير فنلتقي، أو تفضل مكانك تبكي على ذكرى حبيب ومنزل/ بسقط اللوى بين الدخول وحومل، فنفترق في الزمان والمكان.. افتراق الثابت والسائر.
(2)
قبل ثورة يناير، انتشرت الدراسات الأكاديمية عن تضاؤل نسب المشاركة السياسية بين أفراد الشعب، وفي ظل تلك الأجواء لم تعد عملية تزوير الانتخابات جريمة بالقانون أو السياسة، بل ضرورة لاستكمال الشكل الديموقراطي الزائف، حتى تحولت إلى “تقليد هاديء” من التقاليد الراسخة المعترف بها لدينا ولدى الدولة معاً، وكانت المظاهرات محدودة في مئات وعشرات المعارضين، المعروفين لبعضهم البعض ولأجهزة الأمن بالاسم، بل إن معظم الناس كانوا ينظرون إلى أولئك المتظاهرين باعتبارهم “ناس فاضية” وأحيانا مخربين وأعداء للوطن ودعاة للفتنة وتعطيل المصالح وإثارة القلق، لكن ذلك الجمهور الكاره أو الخائف من السياسة، انخرط فيها، وتذوق حلاوة الثورة في ميادين 25 يناير، وبرغم المواجهات الأمنية الطويلة والعنيفة، إلا أنه تحدى الصمت والخوف، وتمسك بشعارات الثورة في اندفاع عاطفي، غلب فيه الحماس على العقل في معظم الأحوال، لكن هذه القطاعات الجديدة برغم طهارتها الثورية ونبلها انكسرت روحها الوثابة، بعد أن آلت النتائج إلى هزيمة مدبرة، منعت الثورة من المرور إلى الحكم أو تغيير طبيعة النظام، وفي هذه اللحظة الدرامية القاسية لم يحتفظ الثائرون الجدد بشعلة الثورة داخلهم، بل أصابهم سهم الإحباط، وتشتت صفوفهم، وتقاطعت رؤاهم، وفقدوا وحدتهم تحت راية ثورتهم، في الوقت الذي تمكن فيه أعداء الثورة من تنظيم صفوفهم، وتجنب الصراعات بينهم لحين تحقيق هدفهم الخبيث في وأد الثورة التي تهدد مصالحهم، ثم التفرغ لاقتسام الغنائم، وقد نجحوا في ذلك إلى حد كبير.
(3)
صورة ميدان التحرير المفزعة لنظام الفساد والقهر، كانت شبحا يسكن عقل السلطة، ولا بد من القضاء عليه، وعدم منحه أي فرصة للاستيقظ والمواجهة مرة أخرى، لذلك بدأ العمل في تصعيد وتأطير الخلافات بين الجميع، وشق الصف، والتطرف في استخدام “العصا والجزرة”، وقد نجحت السلطة في ثلاثية “التفريق والتخويف والاحتواء”، واختفت بالفعل الصورة الناصعة لوحدة العمل الثوري في ميدان الـ18 يوما، حيث لم تكن هناك هويات سياسية انعزالية، وحيث كان الأمل هو الوقود المحرك للجموع، وحيث كان الأمن النفسي أكبر من الخوف، والأمل أكبر من الإحباط، وهذا يعني أن هزيمة الثورة لم تكن هزيمة خارجية فقط في مشروع الوصول للحكم، لكن الأخطر أنها هزيمة معنوية ونفسية وفكرية، أصابت نظرة الثوار لأنفسهم، وكشفت أنها لم تكن بالثقة والصلابة التي يمكن الاعتماد عليها في مواجهة مع سلطة بهذه القوة وبهذا العتاد.
(4)
لكن هل انتهت الثورة تماما، وهل هزيمتها نهائية؟
يتجدد هذا السؤال مع كل مواجهة بين سلطة الفساد، وبين الثورة بمبادئها وشعاراتها، حدث ذلك في فترة المجلس العسكري، وأسفر عن فجيعة مجلس الوزراء ومواجهات محمد محمود الدامية، وحدث في فترة حكم الإخوان التي انتهت بوهم التصحيح في ثورة 30 يونيو، التي حلمنا بها كاستكمال وتصحيح لثورة يناير، فإذا بالسلطة تفرغها من مضمونها، وتنحرف بها عن الاتجاه الثوري، لتؤكد انتقامها من يناير، وتكرس سلطة الفساد الممتدة والمتوغلة في جسد الدولة العميقة، وحدث ذلك في مواجهات الدفاع عن الأرض، المعروفة بقضية “تيران وصنافير”، وها نحن نستعد هذه الأيام لجولة جديدة من المواجهة، مع اقتراب انتهاء الفترة الانتخابية لسارق الثورة الثانية (وربما الثورتين).
(5)
من المفترض نظريا أننا في فترة تغيير، ومن المفترض (نظريا) أن تستيقظ طموحات الثوريين، وأن يرتفع مؤشر الأمل، لكن يبدو أن هزيمة النفوس أعمق من هزيمة الثورة في الواقع، فالقوى السياسية التقليدية من أحزاب وناشطين خارج دوائر التأثير، بل خارج القدرة على الالتقاء، وبالتالي خارج القدرة على التنسيق والتوافق، والقوى الشعبية مقسمة ومتناحرة ومحبطة، وجماعات الإسلام السياسي تعاني من نفس الارتباك، فهي مشتتة وموزعة بين فئات أكلت الجزرة، وصارت تدور في فلك الأجهزة الأمنية، وفئات مطاردة تتعرض للعصا الغليظة، وفئات تمارس الانتقام الغريزي من الخصوم بلا رغبة في تنسيق المواقف أو العمل على تجاوز مأساوية الهزيمة، وفئات تتطرف في خصومتها فتتورط في ارتكاب أو تشجيع العنف المضاد، وفئات التقت مع بقية المهزومين من التيارات الأخرى في نزعة “العدمية الثورية” والاستلاب النفسي الذي يمكن تلخيصه في الشعار المصري الشائع “مافيش فايدة”.
(6)
يهمني في هذا المقال التوقف أمام حالة الفئة الأخيرة، التي تروج لمقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة، بحجة أن ذلك سيكشف السلطة القمعية المزورة أمام العالم، وهي حجج طفولية، لم يستوعب أصحابها أن سرقة الثورة تم طوال هذه الفترة عن طريق تصنيع صور زائفة وتقديمها للعالم باعتبارها “الواقع”، وبالتالي فإن خروج أنصار الثورة من المشهد خدمة عظيمة تساعد  النظام على ترتيب المسرح وإخراج المشهد بحرية تامة، ومن الخدع اللطيفة التي يبرر بها “الثوريون المتطهرون” انسحابهم، أنهم يضيفون مثلا كلمة “حكم العسكر” إلى شعار “مافيش فايدة”، ليصبح “مافيش فايدة من أي انتخابات تحت حكم العسكر”… طيب السؤال هنا: ومن أين تأتي الفايدة؟.. هل الكفر بقدرة الانتخابات على التغيير تعني أننا نفكر في تغيير هذا النظام بوسيلة أخرى؟، وحتى يطمئن قلبي أحب أن أسأل دعاة المقاطعة عن وسيلتهم الخفية للتغيير، وهل هي أكثر ضمانة، وأكثر مشروعية، وأكثر اقترابا من شعارات الثورة؟..
(7)
أعرف مثلكم جميعا أن المشهد بائس و”مقرف” إلى درجة تصيب بالكآبة والإحباط، لكنني استخدم هذا “القرف” لشحن طاقتي على التغيير، لا استسلاما إلى قسوة اللحظة، وتبرير انسحابي من أي خطوة باتجاه الفعل العاقل والمدروس الذي يفضي بنا إلى كسر في جدار القهر، والمرور إلى المجتمع المنشود، وعن نفسي أنا لا أؤمن بجدوى الانتخابات في ذاتها، بل ولا أؤمن بشكليات الديموقراطية الغربية كلها، وكتبت كثيرا عن تزييفها للحرية، وخدمتها لمن يملك القوة والمال، لكنني لا أترك غبرة إلا واستخدمها في معركتي، فإذا كانت الانتخابات خطوة لإحراج نظام الفساد والقمع، فسوف أخوضها، وإذا كانت الكتابة النقدية الكاشفة، فسوف استمر في فضح الفاسدين، وباختصار: لن أترك أي وسيلة أو أي فرصة إلا واستخدمها كحجر لرجم الفاسدين وخطوة على طريق الثورة، لكنني لن أتوقف عن المعارضة الإيجابية وعن السعي من أجل التغيير، ولن أقاطع العمل السياسي بكل أشكاله، حتى لا يأتي اليوم الذي أشعر فيه بأنني صرت من أولئك الثوريين المزيفين أو “المستلبين” الذين صارت قلوبهم مع الثورة وسيوفهم عليها، حتى أنهم يتلذذون بتقطيع جثث رفاقهم، أكثر من التفكير في مواجهة الأعداء.
(بعد أن قرأت)
أي شكوى من الواقع، لا تتضمن رغبة في تغييره، فهي شكوى مشبوهة تبرر للعبيد خنوعهم، وتسعى لتوسيع دوائر التكيف مع مجتمع المظالم، وأي تراشق شعبي، وحروب صغيرة، هي تواطؤ (بقصد أو بغير قصد) مع سلطة القمع والفساد، وإذا كان البعض يمارس ذلك التشتيت والتناحر بدون فهم أو إدراك، فإن الجهل لا يعفي “الثوري الزائف” من جريمته، التي تدعم استمرار هذا النظام الساقط.
#لا_للمقاطعة
#مرشح_واحد_في مواجهة_الطاغية
#توافقوا_أو_موتوا
#اعتصموا_تنجوا

جمال الجمل

نقلا عن موقع البديل
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads