الرئيسية » » عِظامي شَفافةٌ وهذا يكفي | فتحي عبد السميع

عِظامي شَفافةٌ وهذا يكفي | فتحي عبد السميع

Written By هشام الصباحي on السبت، 2 يوليو 2016 | يوليو 02, 2016

عِظامي شَفافةٌ وهذا يكفي


فتحي عبد السميع

{إلى حوضٍ زُجَاجيٍّ أعرفُه

وإلى سَمَكةٍ لا أعرِفُها جيدًا }


حوضٌ زٌجَاجي


رقيقٌ كَطَرْحَةٍ

وعنيفٌ كَبَلْطَةٍ

تَقتَرِبُ السَّمَكَةُ مِن عِظامي وتَعود

أَصدمُها في بوزِهَا فَتَرْقُص

تُزَغْرِدُ حتَّى وهِيَ مُحْبَطة.


أَطوفُ حوْلَ سَمَكتي الصغيرةَ 

آَخُذُ شَعْرَةً  مِن ظَهْرِ النَّهْرِ

وأَلفُّهَا حوْلَ جِسْمِهَا.

شَعْرةُ النَّهرِ ساحرةٌ

كُلَّمَا اقْتَرَبَ قِطٌّ مِن سَمَكتي

صَدَمَتْهُُ في بوزِه

وحَرَّكَ ذَيْلَهُ في جهةٍ أُخْرَى.
 
سَمَكَتي الصغيرةُ  

تَرقُصُ حتَّى وهي نائمةٌ

رَعْشَتُهَا مِن طينةٍ أُخْرَى  

لَاَ تَحِنُّ إلى  لحافٍ أو مَجْمَرة

لم يُشَكِّلْهَا الخوفُ على سندانٍ

ولم تَعِشْ لحظةً

على مَقَاسِ الأقدامِ الغليظةِ.

كُلَّمَا وقفَتْ على حَجَرٍ تَشَقَّقَ

وانفرطتْ أَرْجُلُه فوقَ  التراب. 


في لحظاتٍ كثيرةٍ

يَحِنُّ المَرْءُ إلى بَطْنِ أُمِّهِ

إلى رِحْلَتِهِ الأولَى في الماءِ.

في لحظاتٍ نادرةٍ  

يعودُ كلُّ إنسانٍ إلى أصلِه

يَصيرُ سَمَكةً ويَرْتَعِشُ .

رِعْشَةً صغيرةً ويَشْبَعُ أَيَّاما وأسابيعَ

رقيقةً وتكْسِرُ نِقْمَتَنا على الدنيا.

كيْفَ سَنَحْتَمِلُ الجَنَّةَ

إنْ لم نُبْعَثْ أَسْمَاكا؟

لِي شقيقٌ شَقِي

لَهُ عَضَلاتٌ لا يَستُرُهَا الجلباب

تَرَكَ منديلَهُ على الشَّطِّ ونَزَل

بَلْطَةٌ تَرقُصُ في النَّهْرِ

مَكَثَ الطَّمَّاعُ طويلا في الماءِ 

حتَّى كَبِرتُ سمكةٌ في جَسَدِه.

رأيْتُ رَقصَتَهُ العنيفةَ

رأيْتُ رَعشَتَهُ وهي تَفور

رأيْتُ رِيمًا يَفيضُ مِن فَمِه

صارَ مَجذوبًا مِن يومِهَا

يَزورُنَا عندَ اكتمالِ القَمَرِ

أَنْفُهُ في فَمِه

كُلَّمَا حَدَّثَنَا لا نَفْهَمُ شَيئا.

كُلَّمَا عَادَ مِن غُرْبَتِهِ

تَرَكَ قِشْرا عندَ البابِ وغاب.

الهواءُ بَلْطَةٌ

تَهوي في خَيْشُومِه.  

يُعَاني المِسكينُ

وهوَ يَفِرُّ مِن أُمِّهِ

قَبْلَ أنْ يُقَبِّلَ يَدَهَا.

تُعَانِي المِسكينةُ

حينَ تَجثو عندَ البابِ

تَجْمَعُ قِشْرَا لِتَلْضُمَه في طَرْحَتِهَا

بَيْنَمَا تُمْسِكُ خَيْطَ دَمٍ مَخلوطا بِلُعَاب

يَرْمَحُ خَلْفَ شَقِيقي.




يُخِيفُنَا النَّهْرُ

لأَنَّنَا لم نَنْضُجْ بَعدُ

يُرْعِبُنَا حينَ نَنْضُجُ جيدا

غَرْفةٌ بَيدِي وأَشربُ

غَرْفَةٌ وأَغسِلُ عَظْمِي

أَخافُ مِن سَمَكةٍ تَكْبُرُ في الصدورِ

كُلَّمَا اتَّسَعَ نزولُنَا في الماء

أُريدُني حوْضا زُجَاجيًا لا نَهْرا

أُريدُ سَمَكَتي صغيرةً 

حَسْبِي جزءٌ ضئيلٌ 

يَرْتَعِشُ في صدْرِي على الدوام

عِظَامِي شَفَّافةٌ وهذا يَكْفِي.










التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads