الرئيسية » , , , , » ستيفن كوتش: قصّة قصيرة أم رواية؟ | ترجمة: فهد الطيار

ستيفن كوتش: قصّة قصيرة أم رواية؟ | ترجمة: فهد الطيار

Written By تروس on الاثنين، 4 أبريل 2016 | أبريل 04, 2016

ستيفن كوتش: قصّة قصيرة أم رواية؟
ترجمة: فهد الطيار

إن القصة القصيرة تتمثل الرواية بشكل واضح وقريب لكن الانتقال من الأولى إلى الأخيرة ليس ضروريّاً ولا مُتطلّبًا.

إن كنت كاتبًا مبتدئًا فمن المحتمل أن تبدأ بكتابة القصص القصيرة مُفترضًا أنك حالما تتقن هذا الجنس الأدبي فإنك ستكون قادرًا على كتابة الرواية، وهذه فكرة سياقيّةٌ مُتوقعة تمامًا إنما غير دقيقة بشكل مطلق.

 إن القصة القصيرة تتمثل الرواية بشكل واضح وقريب لكن الانتقال من الأولى إلى الأخيرة ليس ضروريّاً ولا مُتطلّبًا. ليس كل روائي لديه القدرة على كتابة القصة القصيرة وهناك كتّاب قصة قصيرة ليسوا بالضرورة روائيين. رايموند كارفر تحول من كتابة القصة القصيرة إلى كتابة القصائد الغنائية وليس إلى الرواية، أنتون تشيخوف بحد ذاته الذي تم اعتباره أعظم مؤسسي القصة القصيرة الحديثة قام بالتحول إلى كتابة المسرحيات وليس الروايات.

في الحقيقة، إن القصة القصيرة والرواية جنسان أدبيان مختلفان جدًّا، كلاهما وللتأكيد شكلان روائيان، لكنهما في الغالب يرويان عن أمور مختلفة تمامًا، كل رواية لابد أن يتوفر فيها جزء من التسلسل في الأحداث وجوهرها هو الانتقال والتبدّل، بينما القصة القصيرة بشكل تقابلي ثابتة مثل القصيدة الغنائية وربما تم استخدام الأسلوب الروائي فيها من أجل تأسيس صورةٍ ما وإثرائها حتى تصل بنفسها إلى المُخرج الدرامي.

 دعني أوضح من خلال قصيدة روبرت فوستر “التوقف لدى الغابات في مساء مثلج”، دعنا نحاول إعادة تصوير تلك القصيدة الغنائية كقصة قصيرة، فإن القصيدة هذه إذ يتوفر فيها كل ما تحتاجه القصة القصيرة فبإمكانها أن تصبح كذلك، يتوفر في القصيدة ذاتها المكان: تلك الغابات المغرية والمثلجة بكل رفاهية. وتتوفر فيها اللحظة الزمنية: المساء الأكثر ظلمة في السنة. إنها تأمّل في العزلة لكنها تحتوي على عدة شخصيات، فهناك الرجل المسافر المتوقف لدى الغابات وحصانه والرجل الذي يملك الغابات ومنزله في القرية وهناك شخص ما أو أشخاص كان المسافر قد قطع له أو لهم وعودًا لابد له من أن يفيَ بها، والمسافر أيضًا لديه وجهة تبعد أميالًا إنما من القرب حيث يمكنه الوصول إليها في نفس الليلة، وفوق كل هذا فالقصيدة تعرض صراعًا، فالمسافر يرغب في البقاء في مكانه مسحورًا بكل ما هو مُحبّب ومظلم وعميق إنما يشعر أنه لابد وأن ينسحب عن كل هذا بسبب واجباته، إن هذه القصيدة تملك كل أدوات القصة مجتمعة في صورة واحدة معبرة.

 بنقل القصيدة إلى قصة فإن كل هذا بالإمكان أن يبدأ وينتهي بكل يسر من خلال الصورة السابقة تمامًا كما تفعل القصيدة، إن المسافر يتوقف للتأمل إنما يصل مُكرهًا إلى القرار بالمُضيّ قدمًا، إن المبنى الرئيسي يمكن أن يبقى كما هو، فأولًا: التوقف، ثم تلك المتعة الساكنة، ثم ذاك الصراع -تلك الوعود- الذي ينتهي بمخرج هو القرار بالمضي، لكن هذا كله كان يمكن أن يُعرض بشكل أقل اختزالية، كنا سنعرف أكثر عن كيفية تأثر المسافر الشديد لمشاهدة هذه الرؤية الليلية المُثلجة التي لا تحتمل سوى أن تكون هادئة ومنعزلة، كنا سنعرف أكثر عن وعوده والشخص أو الأشخاص الذين قدمها لهم، كانت ستتوفر لنا معلومات، معلومات ملموسة عن كمّ الصعوبة في التولي عن الغابات الباردة والمهجورة أعماقها والبدء في قطع الأميال حيث وجهته. بشكل مختصر، كنا سنعرف أكثر عن كل شيء وخاصة عن الصراع، إنما وعلى مستوى المبنى فإن القصيدة والقصة ستكونان متشابهتَيْن جدًّا.

 إن روايةً بُنيت وفقًا لهذه القصيدة كانت ستخبرنا بأمور أكثر وبشكل أوسع، وكانت ستمنحنا تسلسلًا في الأحداث دون الارتباط بصورة واحدة، إن لحظة التوقف الطويلة في القصيدة، التوقف لدى الغابات لن يكون سوى أحد المشاهد في الرواية، ربما كان مشهدًا عظيمًا، ويمكن أن يكون المشهد الأول منها إنما ليس بالضرورة، فبالإمكان أن يكون في المنتصف أو في الأخير، إن كل إمكانية تصنع كتابًا وعملًا مختلفًا جدًّا، وخلال هذا المشهد وبينما الرواية تتقدم فإننا سنعرف أكثر عن المسافر ونحصل على معرفة أوسع عن وعوده، وكنا سنتعمق أكثر من خلال المعالجة في صعوبات الوفاء بها، حتى إن اتجاه الصراع ربما تغير وبشكل واضح بعيدًا عن الحوار الذي يجريه المسافر مع نفسه، وكنا سنرى المشكلة بينه وبين أولئك الذين يدين لهم بما يدين لهم، ويمكن للصراع أن ينزلق خارجًا عن الصورة المفردة إيّاها، فإن الشخصيات على كلا الجانبين ستكون جليّة وحيّة، كنا سنراهم ونسمعهم، كنا سنحبهم أو نكرههم، وسنشعر أننا نعرفهم، متفهمين تمامًا ما يريدون ولماذا، كنا سنتورط في مشاكلهم وربما حتى أُغرينا لمناصرة جانبٍ، وكنا بكل تأكيد سنُسأل بأن نكترث لما يحدث آخرًا، بطريقة لا تطالبنا بها القصيدة ولا تفعل القصة القصيرة أيضًا وبكل لا مبالاة بل إنها تقدمه بشكل غير مهم.

* المصدر: The Modern Library Writer’s Workshop



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads