الرئيسية » , , , , , , » روي بيتر كلارك: فضِّل ما هو بسيط على ما هو تقنيّ | ترجمة: د. سمر طلبة | مراجعة: بثينة العيسى

روي بيتر كلارك: فضِّل ما هو بسيط على ما هو تقنيّ | ترجمة: د. سمر طلبة | مراجعة: بثينة العيسى

Written By تروس on الاثنين، 7 مارس 2016 | مارس 07, 2016

روي بيتر كلارك: فضِّل ما هو بسيط على ما هو تقنيّ
ترجمة: د. سمر طلبة
مراجعة: بثينة العيسى

عند مواطن التعقيد، استخدم كلمات وجمل وفقرات أقصر

رغم أننا نمتدح البساطة هنا، إلا أنه يجب التنويه بأن الكاتب الجيّد يستطيع أن يجعل البسيط معقدًا، ويحقّق تأثيرًا جيّدا. يتطلّب هذا تقنية أدبية خاصّة اسمها “التغريب”، وهي كلمة يائسة تصف العملية التي يقوم بها المؤلف بأخذ ما هو مألوف، وجعله غريبًا.

يحقق مخرجو الأفلام تأثيرًا مشابهًا من خلال تقريب الكاميرا جدًّا من الممثلين، أو بتصوير زوايا غريبة أو مشوّهة. صُنعُ هذا التأثير يبدو أكثر صعوبة على الورق، ويمكن له أن يسحر القارئ كما فعل (إي بي وايت) في وصفِ يومٍ شديد الرطوبة في فلوريدا.

“في بعض الأيام تغزو رطوبة الجو كل الحياة، وكل الأحياء. أعواد الثقاب ترفضُ أن تشتعل. المنشفة، إذا ما علقتها لتجف، تزداد بللًا مع كل ساعة. الصحف، بعناوينها التي تتحدث عن الاندماج، تذبلُ في يدك برخاوة وتسقط قصاصاتها في كوب القهوةِ وصحن البيض. الأظرف تلصق نفسها بنفسها، طوابع البريد تضاجع بعضها البعض بلا حياء كما تفعل الجداجد.” (من رواية خاتم الزمن).

ما الذي يمكن أن يكون مألوفًا أكثر من شاربٍ على وجهِ معلم؟ ولكن ليس هذا الشارب، كما يصفه (روالد دال) في مذكرات طفولته.

“رقمُ ثمانية مرعب؛ سياجٌ برتقاليّ كثيف نبت وأزهر بين أنفه وشفته العليا، ثم ركض عبر وجهه منذ منتصف خده وحتى منتصف خدّهِ الآخر. كان يلتفُّ إلى أعلى بطريقةٍ مدهشة، وكأنه يستخدم تمويجة دائمة، أو أنه يوضع صباح كل يوم فوق لهب صغير بواسطة لفافة لتجعيد الشعر.. الطريقة الوحيدة الأخرى للحصول على هذا التأثير الملتفّ، كما قررنا نحن الأولاد، كانت بتمشيطه إلى أعلى بفرشاة أسنان قاسية أمام المرآة كل صباح”.

إن كلًا من وايت ودال يأخذان العادي المألوف (اليوم الرطب والشارب) ويمررانهما من خلال فلتر أسلوبهما النثري، فيجعلانا نراهما بطريقة جديدة.

لكن في أغلب الأحيان، ينبغي على الكاتب أن يجد طريقة لتبسيط النثر للقارئ، ولنطلق على هذه الاستراتيجية اسم “التقريب” (في مقابل “التغريب”)، وتتمثل في أخذ الغريب أو الغامض أو المعقد وجعله مفهومًا، بل بسيطًا، وذلك من خلال الشرح والتفسير.

ما يحدث في الواقع هو أن الكتاب يميلون عادة ً إلى إيصال الأفكار المعقدة من خلال جمل وتراكيب معقدة، كما هو الحال في هذه الجملة التي اقتطفناها من مقالة افتتاحية عن الحكومة:

“ولتجنب تفعيل هذه التشريعات دون مراعاة تكاليفها المحلية وتأثيرها الضريبي، مع ذلك، توصي اللجنة بالاهتمام على مستوى الولاية بأية تفويضات مقترحة، وأن تعوض الولاية الحكومات المحلية جزئيًّا عن بعض التشريعات المفروضة من قِبَلِها وكليًّا عن التفويضات المختصة بتعويضات الموظفين وظروف العمل والمعاشات”.

إن التكثيف الذي تتسم به هذه الفقرة يحتمل أحد تفسيرين: إما إن الكاتب يكتب بهذه الطريقة لأنه يعرف أنه لا يخاطب جمهورًا غير متخصّص بل يوجه حديثه لجماعة المتخصصين في القانون والتشريع، والذين هم- بالتالي- على دراية بالقضية المطروحة، أو أنه يكتب هكذا لأنه يؤمن بأن الشكل ينبغي أن يتبع المضمون، أو- بمعنى آخر- أن الأفكار المقعدة تتطلب تراكيب معقدة.

يبدو أن كاتب هذا المقال بحاجة إلى الإصغاء لنصيحة (دونالد موراي) المتخصص في أصول الكتابة، والذي يؤكد أن القارئ يفيده كثيرًا أن يقرأ كلمات وعبارات قصيرة وجملا بسيطة حين تتعقد الأفكار إلى الحد الذي يهدّد إمكانية الفهم. فتخيل معي أن يستبدل كاتب المقال بالفقرة السابقة هذه الفقرة الشارحة المفسرة:

“تتولى ولاية نيويورك عادةً إصدار قوانين لتنظيم شؤون حكومات الولايات المختلفة، ولهذه القوانين اسم، فهي تسمي “تفويضات الولاية”، وفي كثيرٍ من الأحيان تؤدي هذه القوانين لتحسين ظروف معيشة المواطنين في تلك الولايات، لكن هناك ثمنٌ لذلك. على سبيل المثال، في كثير من الأحيان لا تأخذ حكومة ولاية نيويورك في اعتبارها ما تتكبده حكومات الولايات المختلفة من تكاليف، وما يُفرَض على مواطني تلك الولايات من ضرائب جراء تفعيل هذه القوانين. وبناء عليه نقترح أن تقوم ولاية نيويورك بتعويض حكومات هذه الولايات عن بعض ما تتكبده بسبب هذه القوانين”.

يذكرنا “جورج أورويل” بأهمية تجنب الكلمات الطويلة إذا كانت بدائلها الأقصر كافية. يمكن للغة البسيطة أن تسهّل قراءة الحقائق الصعبة.

انظر الفقرة الأولى من رواية “خطّ الطول”. لـ (دافا سوبيل).

“عندما كنت صغيرة، ذات نزهة يوم أربعاء، اشترى لي والدي كرةً من الأسلاك المطرزة، وقد أحببتها. كان بإمكاني، بلمسة واحدة، أن أجعل اللعبة تتحول إلى لفائف مسطّحة بين راحتيّ، أو أن أجعلها تثبُ منفتحة إلى كرة مجوّفة. بفضل استدارتها، بدت مثل كرة أرضية ضئيلة، لأن أسلاكها المعلّقة كان لها الشكل نفسه للدوائر المتقاطعة التي رأيتها على كرة الأرض في الفصل المدرسيّ، والخطوط السوداء الدقيقة للطول والعرض. كانت بعض الخرزات القليلة الملوّنة تنزلق على الأسلاك جزافًا، مثل السّفنِ في البحارِ العالية”.

البساطة لا تعطى للكاتب. إنها نتاج للمخيّلة والصنعة، إنها تأثيرٌ يُخلق.

تذكّر بأن النثر الواضح لا يتوقّف على طول الجمل واختيار الكلمات وحسب، إنه يعتمد في المقام الأول على وجود هدفٍ محدّد، على الإصرار على القول. ما يأتي لاحقًا هو الجهد الذي يتكبدّه الكاتب في التبليغ، والبحث، والتفكير النقدي. لا يمكن للكاتب أن يجعل الموضوع واضحًا للقارئ ما لم يكن واضحًا في رأسه. بعدها، وبعدها فقط، يمكن للكاتب أن يفتح علبة أدواته، مستعدًا لأن يشرح للقارئ؛ الأمر هو هكذا.

المصدر: Writing Tools 
المصدر العربي : تكوين

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads