الرئيسية » , , , » روي بيتر كلارك: اكتب من زوايا سينمائية مختلفة ترجمة: د. سمر طلبة

روي بيتر كلارك: اكتب من زوايا سينمائية مختلفة ترجمة: د. سمر طلبة

Written By تروس on الاثنين، 8 فبراير 2016 | فبراير 08, 2016

روي بيتر كلارك: اكتب من زوايا سينمائية مختلفة
ترجمة: د. سمر طلبة

حوّل دفترك إلى كاميرا

قبل اختراع الكاميرا، كان الكتّابُ يكتبون وكأنهم يصورون فيلمًا سينمائيًّا، فقد تأثر الكتاب بالأعمال الفنية التي تعتمد على الصورة، كالبورتريهات ولوحات النسيج وما إلى ذلك، وأفادوا منها كثيرًا، واستوحوا منها كيفية تغيير بؤرة تركيزهم قربًا وبعدًا بحيث يمكنهم تصوير الشخصيات ورسم المشاهد كما ينبغي.

في عصرنا الحالي ينتج الكتاب أعمالهم وقد أخذوا في اعتبارهم إمكانية تحويلها إلى أفلام سينمائية، غير أن استخدام التكنيك السينمائي في الكتابة قديم قِدَم الأدب الإنجليزي نفسه. فعلى سبيل المثال نجد أن الكاتب مجهول الاسم الذي ألف ملحمة بيوولف قد استخدم الأسلوب السينمائي في إبداعه لرائعته تلك، إذ كان يبتعد بالصورة بحيث يري القارئ أماكن أحداثه البطولية من أراضٍ شاسعة وبحار لا حدود لها، ثم يقترب ويقترب ليصور تفاصيل دقيقة مثل الجواهر التي تزين أصابع الملكة مثلًا، أو ما يبدو في عين أحد الشياطين من لمعان مخيف.

وقد اختفي الكتاب الملحميون في عصرنا هذا وحل محلهم كتاب مثل ديفيد سيداريس، الذي اعتاد رؤية الأفلام منذ صغره، وصار يرى العالم من خلال عدسته الخاصة، عدسة الأديب الساخر، إذ يقول:

كان عيد الهالوين يوافق يوم سبت في ذلك العام، وحين اصطحبتنا أمي إلى المتجر كانت جميع الأزياء التنكرية الجيدة قد نفدت. وكانت النتيجة أن تنكرت أختاي في هيئة ساحرتين وتنكرت أنا في هيئة متشرد. وكنت أريد أن أذهب بتنكري هذا وأزور منزل عائلة طومكيز، لكنهم كانوا قد غادروا المنزل قاصدين البحيرة، وكانت أنوار منزلهم مطفأة جميعها، لكنهم تركوا أمام الباب علبة معدنية مليئة بحلوى الجيلاتين الملونة وإلى جوارها لافتة تقول: لا تكن طماعًا. وجديرٌ بالذكر أن حلوى الجيلاتين هذه من أحقر ما يمكن تقديمه للأطفال في الهالوين. ولا أدل على ذلك من أن الكثير منها كان يطفو فوق صفحة الماء في الصحن الذي يشرب منه الكلب غير البعيد مني. وانتابني شعور بالتقزز وأنا أتخيلها وقد أخذت تسبح داخل معدتي بالطريقة نفسها، كما كان من المهين أن يُطلـَب منك ألا تأخذ الكثير من شيء لا تريده أصلا. 

(من كتاب: اجعل عائلتك ترتدي القطن والجينز)

إنني أستطيع أن أرى الكاتب وقد أخذ يغير المسافة بينه وبين ما يصوره لنا هنا، في هذه الفقرة الواحدة، لأربع مرات على الأقل. إذ يقدم لنا، بادئ ذي بدء، لقطة سريعة للأطفال وقد ارتدوا ثياب الهالوين، ثم يقدّم لنا صورة لمنزل الجيران الغارق في الظلام، ثم يقترب أكثر فيسمح لنا بقراءة الكلمات المكتوبة على اللافتة، ثم يزداد اقترابًا ليرينا صورة حلوى الجيلاتين الملونة الطافية في صحن الكلب، وربما يمكننا أيضًا أن نضيف صورة بأشعة إكس للحلوى الكريهة وقد أخذت تسبح داخل معدة الطفل.

وقد تعلمت استخدام التكنيك السينمائي في الكتابة من صديقي ديفيد فينكل، الذي كان يعمل مراسلًا صحفيًّا للواشنطن بوست في كوسوفو في عام 1999، أثناء الحرب. أذكر أن ديفيد قد اعتاد تصوير المواقف آنذاك بأسلوب تحوّلت فيه الكلمات إلى لقطات، إذ رسم بقلمه صورة سينمائية للاجئين المعوزين، وقد صارت محاولات تقديم المساعدة لهم شرارة لحرب ضروس. يقول ديفيد:

يلتقط أحد المتطوعين رغيفًا ويقذفه عشوائيًّا. ما من احتمال أن يسقط الرغيف على الأرض، فهناك الكثيرون ممن يراقبونه وهو يطير وقد تلاصقت أجسادهم، ثم يطير رغيف آخر، وثالث، وترتفع فجأة مئات الأذرع نحو السماء وقد أشرعت أصابعها وأخذت تلوح.

يستهل ديفيد هذه الفقرة بلقطة قريبة للمتطوع المذكور ثم يبتعد بالكاميرا ليرينا لقطة لمئات الأذرع، ثم يخرج الجمع عن السيطرة، ويركز ديفيد على امرأة بعينها فيقول:

تصرخ امرأة قائلة ً: “من أجل الأطفال! من أجل الأطفال!” وقد مدت ذراعيها محاولةً الوصول إلى العربة التي تحمل الإمدادات. ترتدي تلك المرأة معطفًا، فوق رأسها عصابة، وفي أذنيها قرطان. وحين تعجز عن الوصول إلى العربة تخفض ذراعيها إلى مستوي رأسها وتغطي أذنيها بكفيها لأن ابنتها، البالغة من العمر ثماني سنوات، تقف خلفها متشبثةً بها وقد أخذت تصرخ، إذ يكاد جسدها يُصهر من شدة الزحام. وخلفها تقف طفلة أخرى، ربما كانت في العاشرة من عمرها، وقد ارتدت قميصًا تزينه رسوم لقطط ونجوم وأزهار كما يغطيه بعض الطين. شعرها أحمر، وفيه طين.

فيما يلي أعرض عليك بعض الأوضاع الشهيرة لزوايا التصوير لعلها ترشدك في استخدامك لـ “كاميرتك اللفظية”- إن جاز التعبير- لإحداث تأثيرات مختلفة:

1. وضع الصورة الجوية:

وفيه يبدو الكاتب وكأنه ينظر إلى العالم من علٍ، كأنما يقف فوق قمة ناطحة سحاب مثلا. مثال ذلك قول أحد الكتاب: “ظل مئات الناخبين في دولة جنوب إفريقيا واقفين لساعات في صفوف شبيهة بأفاع ٍ طويلة وذلك كي يُدلوا بأصواتهم”.

2. اللقطة التقديمية:

وفيها يبتعد الكاتب بعدسته ليقدم لقارئه صورة إجمالية للعالم الذي يوشك القارئ على دخوله، والذي ستجري فيه الأحداث. وأحيانًا تكون هذه اللقطة هي التي تخلق الجو العام الذي سيظل مسيطرًا على القصة برمتها. مثال: وفي ثوانٍ لا أكثر، وبينما تتصاعد سحب الغبار من أرض المدرسة ضخمة مهولةً على نحو يوحي بشدة الانفجار الرهيبة، يُسمَع صوت طلقات رصاص مدوية، وتزداد حدتها فتتحول شيئًا فشيئًا إلى هدير مستمر.

3. اللقطة المأخوذة من مسافة متوسطة:

وفيها تتحرك الكاميرا ثم تتوقف على مسافة معقولة من الحدث بحيث يمكننا رؤية الشخصيات الرئيسية وطريقة تفاعلها مع بعضها البعض. وهذا هو ما يحدث عادةً في تغطية الأخبار في الصحف وما إلى ذلك. مثال: وقد نجا عشرات الرهائن وأخذوا يغادرون المدرسة متعثرين مترنحين وسط دوي الرصاص وانفجار القنابل. وكان الكثيرون منهم قد تعروا إلا من بعض أسمال بالية وتقلصت قسمات وجوههم من الخوف والتعب، وامتلأت أجسادهم بالجروح الدامية.

4. اللقطة القريبة (كلوز-أب):

حيث تقترب الكاميرا جدًا من وجه الشخصيات فتسمح لنا برؤية ما ارتسم على وجوهها من تعبيرات الخوف أو الغضب أو الإشفاق من المرتقب أو الحزن والأسى أو السخرية وهلم جرا.مثال: تغضن جبينه وازدادت العلامات الشبيهة بأرجل الغراب في وجهه عمقا وهو يجاهد كي يفهم.. ثم جذب الرجل حزام سرواله إلى أعلى وحكَّ وجهه الذي لوحته الشمس، وحدق فيها وهو يحاول أن يكسب بعض الوقت لعله يفهم، ولكنه لم يفهم، وخشي أن يخبرها بأنه عاجز عن الفهم.

5. اللقطة القريبة جدا:

حيث يركز الكاتب على تفصيلة هامة لم يكن القارئ ليدركها عن بعد، فمثلا.. قد يختار الكاتب أن يركز على خاتم وضعه أحد أفراد العصابة في خنصره، أو تاريخ وضع أحدهم حوله دائرة في التقويم (نتيجة الحائط) أو علبة الجعة فوق سيارة الشرطة. مثال: التقطت يد ممرضة قسم السرطان سمكة الزينة النافقة من حوض الأسماك بالعيادة، فالمرضي هنا لديهم ما يكفيهم من الهموم ولا ينقصهم ما يذكرهم بالموت.

وأخيرًا أقول لك إنني قد حضرت، منذ سنوات، حفلا لفرقة رامونز-وهي فرقة من فرق موسيقا الروك الصاخبة- أقيم في ساحة مفتوحة تجاور مصحة بفلوريدا. وكان المشهد غريبًا بحق. ففي الأسفل كان أفراد الجمهور يقفون وقد صبغوا شعورهم باللون الفيروزي وقصوه على طريقة الموهوك الشهيرة، بينما في الأعلى كان هناك سيدات زرقاوات الشعر يقفن في الشرفات محدقات فيما يجري في الأسفل وقد بدا عليهن أنهن يعتقدن أن نهاية العالم قد حانت. وكان ثمة صحفي شاب يقف غير بعيد. كانت صحيفته قد أرسلته لتغطية الحفل، لكنه لم يكتب شيئًا بل ظل واقفًا في مكانه لمدة ساعتين دون أن يخرج دفتره من جيبه. وبصعوبة قاومت رغبتي في اختطاف الدفتر منه. أعتقد أنه كان يستكشف المشهد على طريقة المصورين تلك. نعم. لابد أنه كان يركز على ما يحدث من القاع ثم ينتقل ببصره إلى أعلى ليرصده من زاوية مختلفة.

المصدر: تكوين

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads