الرئيسية » , , , , , , » روي بيتر كلارك: استبِق الأحداث المثيرة والخواتيم القوية | ترجمة: سارة أوزترك

روي بيتر كلارك: استبِق الأحداث المثيرة والخواتيم القوية | ترجمة: سارة أوزترك

Written By تروس on الخميس، 11 فبراير 2016 | فبراير 11, 2016

روي بيتر كلارك: استبِق الأحداث المثيرة والخواتيم القوية
ترجمة: سارة أوزترك

ازرع الأدلة المهمة مُقَدَّمًا.

كانت تجربة حداثتي المروعة أن قرأتُ “اليانصيب” لشيرلي جاكسون – قصة قصيرة، قصيرة، بدؤها البراءة: “كان صباح اليوم السابع والعشرين من يونيو وضّاحًا مُشمِسًا بتأثير الدفء المنعش ليوم صيفٍ تام؛ كانت الأزاهيرُ تتفتح في تَرَفٍ وكان العُشبُ أخضرَ بغزارة.” لا بد أنني فكرتُ على نحو: ما أحسنه من يوم لتنظيم يانصيب القرية السنوي. من سيكون الفائز؟ بِمَ سيفوز؟

يتبيّن بعد ذلك، بالطبع، أن الفائزة هي تيسي هاتشنسون المُكافَأة بالرجم حتى الموت، كَبْشَ فداءٍ لطاعة أهل القرية العمياء للتقاليد. “صرخت السيدة هاتشنسون، ‘هذا ليس عدلًا، هذا ليس صوابًا.’ فانكبّوا عليها.” ما زالت هذه الكلمات تَرقَى عمودي الفقري زاحفة، وإن كانت قد مضت سنوات على مصادفتي إياها.

إلا أن الرجم “المفاجئ” مدلولٌ عليه، جليٌّ، في فقرات القصة الأولى: “كان بوبي مارتن قد ملأ جيوبه بالحصوات، وفي وقت قصير تبعه في ذلك الأولاد الآخرون وهم يختارون من الحصوات أمْلَسَها وأكثرها استدارة.” قدّرتُ أن تلك الحصوات كانت، بلا شك، قِطَعَ أُلعُوبةٍ ما يلعبها الصبيان. لم يخطر ببالي أنها كانت تنبئ بنهاية للقصة مستحيلة التصور.

شاهدتُ قبل فترة قصيرة فيلمًا ذكَّرَّني بقوّة الاستباق. وفّرَت الأدلة المزروعة في القصة مُقَدَّما ما قد يصفه تعريفٌ مُعجميٌّ بـ “إشارات التطوّر المبهمة” لأحداثٍ مستقبلية مهمة.

نجد أحداثًا مريعة تنقلب إلى ضدها في هاري بوتر وسجين أزكابان عندما تكشف هرميون لهاري قُدرتها على السفر عبر الزمن إلى الماضي بواسطة تعويذة تقلب الزمن تلبسها في جيدها. للوهلة الأولى يبدو انعطاف الحبكة مفاجِئًا. عند مشاهدتي الفيلم للمرة الثانية، رأيتُ كيف أن المُخرِج يُشير إلى الزمن، لا سيما في الصور المرئية للبندولات العملاقة والآليات الساعيّة الجسيمة.

قد يحتاج تقدير كل تأثيرات الاستباق في الروايات والأفلام إلى مراتٍ عِدّة من القراءات أو المشاهدات. يصبح الأسلوب الفني أكثر شفافية في أعمال أقصر طولًا. تأمل هذه القصيدة السردية، “العم جيم،” لبيتر مينكه:

ما يذكره الأطفال عن العم جيم
هو أنه على قطار الرحلة إلى رينو ليتمم طلاقه
كي يتمكن من الزواج ثانية
قابل امرأة أخرى وأفاق في كاليفورنيا.
قضى سبع سنوات في حَلّ ذاك الحُلم 
لكن رجُلًا يمكنه أن يغنّي مثل العم جيم
كان بين الفينة والفنية سيتورّط لا مُحال:
كان يتوقع ذلك وكُنا نتوقع ذلك.

قالت أمي أن ذاك لأنه كان الابن الأوسط،
وقال أبي، نعم، إنّي وجدت مُعضلة
سترى جيم في وسطها.

عندما فقد صوته فقد كل صوته
عند سكين الجرّاح ورفض الحنجرة
التي حاولوا زرعها. في الحقيقة رفض
تقريبًا كل شيء. قالوا، اُنظر، 
الأمر في يدك. كم عامًا
تريد أن تحيا؟ والعم جيم
رفع إصبعًا واحدًا.
الأوسط.

يعطينا الشاعر شعرًا ذا مغزى قد مُهّد له بالاستباق في المقطع الذي يتوسط القصيدة. جيم هو الطفل الأوسط، ويتوسط المشاكل دومًا؛ إذًا لِمَ لا يرفع ذاك الإصبع الأوسط في النهاية؟

الاستباق في القصة؟ نعم. في الفيلم؟ نعم. في القصيدة السردية؟ نعم. في الصحافة؟ دعنا نرى.

في عام ١٩٨٠ اصطدمت ناقلة نفط ضخمة بجسرٍ مديدٍ قُرب بلدتي، مدمِّرةً أكثر من ألف قَدَمٍ من مسافة امتداد الجسر، مُلقِية بحافلةٍ وبعض سياراتٍ مسافة مئتي قَدَمٍ إلى قاع خليج تمبا، وقاتلةً أكثر من ثلاثين شخصًا. كان جين ميلر العظيم من صحيفة ميامي هيرالد في البلدة لمهمة أخرى ونجح في العثور على سائق سيارة انزلقت حتى توقفت على بعد أربع وعشرين إنشًا من الحافة المسننة. هنا مقدمته الجديرة بالذكر—شريط جانبي للقصة الأساسية:

أوشك ريتشارد هورنبكل – تاجر سيارات، ولاعب غولف، ومَعمَدانيّ – الجُمعة أن يقود سيارته الـ Buick Skylark الصفراء خارج جسر Sunshine Skyway نحو خليج Tampa لولا أن توقفت قبل مسافة قدمين.

تلك الجملة البسيطة تحتوي على سبع وعشرين كلمة، ولكن كل واحدة منها تعمل على تطوير القصة. في البداية، يستغل ميلر لقب بطل القصة غير المألوف – Hornbuckle- في المجاز الخاص بالسيارات. سينتهي المطاف بالقصة إلى أن تكون حكاية تاجر سيارات يسوق سيارة مُستعمَلة ذات مكابح جيدة. وميلر – وهو أستاذ في التفاصيل – يكسب في عداد المسافات مقدارًا لا بأس فيه من خلال ” Buick Skylark الصفراء.” تتناسب كلمة “الصفراء” مع Sunshine، وتتناسب كلمة “Skylark” مع “Skyway.” إنه يلعب بالكلمات.

إلا أن التحفة الأساسية تقدّم مع ثلاثة الأسماء التي تقع بعد الفاعل، لأن كلًا منها تأذن بقدوم خطِّ سردٍ في القصة. تُجهّز عبارة “تاجر سيارات” توصيفًا خاصًا بجدول عمل هورنبكل وكيف انتهى به الأمر إلى أن يكون في ذلك المكان يومئذ. تعمل عبارة “لاعب غولف” على إعدادنا لتلك اللحظة الجنونية حيث يقوم هورنبكل—أثناء هروبه من السيارة—بالعودة لجلب عِصِيّ الغولف من الصندوق. (يحتمل أن تكون كُرته عَلَت هضبة الثتبيت لاحقًا يومئذ.) كذا تفسح كلمة “مَعمَداني” المجال لاقتباسٍ مُلتوٍ حيث يُقسِم المؤمن المممانع الذي عاد ناجيًا أن سيكون حاضرًا في الكنيسة في الصباح التالي. “تاجر سيارات، ولاعب غولف، ومَعمَدانيّ.”

يتوارث هذا الأسلوب في أدب المسرح اسم سلاح تشيخوف. كتب الكاتب المسرحي الروسي أنطون تشيخوف في رسالةٍ خَطَّها في عام ١٨٨٩: “لا ينبغي للمرء أن يضع بُندقية مشحونة على المسرح إن لم يكن هناك مَن يفكّر في أن يطلقها.”

أختم كلامي بالحديث عن استراتيجية أسميها فخذ خروف هيتشكوك. تخبر حلقة بتاريخ ١٩٥٨ من سلسلة ألغاز ألفرد هيتشكوك عن قصة ربّة بيت حامل تقتل زوجها الخائن باستخدام فخذٍ مجمّدٍ لخروفٍ، ثم تُطعِم المحققين أداة الجريمة. إن الأحداث في هذه الكوميديا السوداء التي كتبها روالد دال مُنبَّأ عنها في العنوان، “خروف للمذبحة.”

ورشة عمل

١. هل يحدث أن تخالف قاعدة سلاح تشيخوف؟ هل تضع في عملك عناصر تبدو مهمة عاليًا ثم لا يعود لها دورٌ بعد ذلك؟

٢. قد لا تكون تنبَّهت لأسلوب الاستباق في الأفلام، أو الأدب القصصي، أو أدب المسرح حتى الآن. الآن وقد عاد لديك اسمًا له، ابحث عن أمثلته.

٣. لا ينفع الاستباق في الأساليب السردية فحسب، بل في الكتابة الإقناعية أيضًا. إنَّ لعمودٍ كتابيٍّ جيّدٍ وكذلك لمقالةٍ جيدةٍ غرضًا يُكشَف عنه في النهاية غالبًا. ما التفاصيل التي يمكنك إدراجها مبكرًا لاستباق خاتمتك؟

٤. في الأدب الواقعي، يجب البحث عن التأثيرات الأدبية أو تبليغها، لا اختراعها. في مشروعك الكتابي القادم، وأنت تبحث، اُنظر إن كان بإمكانك تصوّر شكلِ خاتمةٍ ما. يمكنك بذلك أن تجمع تفاصيلَ تعين على استباق خاتمة نصّك.

المصدر: تكوين

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads