الرئيسية » , » محمد آدم الشاعر ذو الملمح الايقونى (2 ) مرثيتان ، وليلة باكية

محمد آدم الشاعر ذو الملمح الايقونى (2 ) مرثيتان ، وليلة باكية

Written By هشام الصباحي on الخميس، 11 فبراير 2016 | فبراير 11, 2016

محمدادم 
    2 الشاعر ذو الملمح الايقونى

مرثيتان ، وليلة باكية


لم اره منذفترة طويلة ، لذا لم يكن غريبا ان يكون لقاء غير عادى ، احتضنته ، وجدت بين يدى جسد هش ، هزيل ، عندما جلست اليه ، حدقت فى ملامحه ، وجدته يبكى 
_ زوجتى ماتت 
ماتت ياصديقى ، وانا تائه فى فضاء الله .
كان يقول منتحبا 
ساد صمت ثقيل ، ففى مثل هذه اللحظات لاتسعفك الكلمات ، تتبدد منك متلاشية فى فراغ الاسى ، واللا معنى ، اوقد تنطق بعبارات سخيفة ومبتذلة قاصدا ازاحة الحزن ، ولكنك ربما جعلته جاثما ومحلقا فوق رأس المكلوم دون ان تدرى ، مراكما لليأس ، مقتفيا اثره 
__ يرحمها الله ، نحن جميعا موتى ياادم 
قلت مواسيا 
__ انت لاتعلم ماذا قدمت لى . قال 
كنت اتماسك بصعوبة ، احاول الانصات ، عله يخرج من هذا الكمد .
حاولت جره الى مناطق اخرى ، لاتجتر الحزن ، وتقضى على هذا القلق . 
قلت له 
__ لقد كتبت عنك بورتريه على صفحتى ، مفعم بحس ساخر .
صمت قليلا 
من نظرته ، علمت انه تم توصيله له ( دليفرى ) عن طريق سعاة الخير، فهو لم يكن لديه صفحة على الفيس حتى ذلك الوقت . بالطبع لم اسئ اليه ، فانا احبه ، انها صداقة ممتدة ، اعطيته الهاتف ، قرا المقال كاملا ، بالتعليقات المطولة ايضا .
محمد ادم ،شاعر كبير ، لنا كثير من الحوارات ، والمناقشات ، اتفق معه احيان ، او اختلف ، لايهم ، فهذا لايفسد علاقتنا ، اعرف مكانته فى جيل السبعينيات ، له قصائد تذهلنى ، تجعلنى لا اعرف اى شيطان اوحى له بها .
__ هيا ننتقل من هنا ، تعال نبحث عن مطعم جيد ، لم اتناول شيئا منذ الصباح. 
فاجأنى 
__ سأرسل فى طلب ماتريد ، تناول طعامك هنا . قلت 
__ اذا لم اتحرك الآن ، قد اموت 
تحركنا سويا ، فى الطريق ، بدا عليه الارهاق ، قبض على ذراعى كطفل صغير خائف من شئ غامض ، ومجهول .
دلفنا الى احد المطاعم ، كنت غير جائع ، امام اصراره ،تناولت لقمة صغيرة من الصحن الذى امامه . 
كانت الدموع تنهمر من عينيه . 
__ هذا حالى منذ توفاها الله ، ضائع ، لا اعرف تجهيز اى طعام ، اغادر مسكنى فى الصباح ، ولااعود الافى منتصف الليل ، اتقافز من مكان الى مكان ، اندس بين البشر ، ربما وجدت ملاذا يحمينى من فكرة الانتحار ، فى حياة مكرسة للشعر ، كانت تأخذ المصحف بين يديها ، عندما تعلم حاجتى الى الكتابة ، كنت اشعر انها تقرا وتبتهل الى الله ، كى انجز عملا خارقا . 
خرجنا من المطعم متكاتفين ، كنت اشعر به ، وحيدا ، نائيا عن هذا العالم . ذهبنا الى مقهى صغير ، منزو فى شارع جانبى .
__ عارف ياصابر يارشدى :
هذه السيدة احتملتنى كثيرا ، كنا نسكن امبابة ، بيت بلا ماء ، وكانت هى تجلب الماءفوق رأسها ، مسافات طويلة ، تفعل ذلك فى اليوم الف مرة . 
_ عارف ياصابر رشدى :
لقد اشارت ، كى نبيع اثاث البيت ، من اجل طبعة ديوان لى ، فعلتها وافترشنا بعدها البلاط سويا . 
بكى محمد ادم ، وابكانى معه ، وهو يعدد مناقب هذه السيدة العظيمة ، لقد ذكرنى بأبى ، وأمى . 
قلت له وانا ارى ملامح وجهه بصعوبة ، من وراء سحابة الحزن التى ظللتنى . 
__ كان أبى ، عندما يرانى أجلس للكتابة ، يأتى الى غرفتى ، فى يده فنجان قهوة ، وفى فمه سيجارة مشتعلة للتو ، يضع امامى القنجان ، ويناولنى السيجارة من فمه قائلا 
__ اكتب ، اكتب ، ، الكتابة شئ جيد
كاد ادم ينهار 
_ يا الله ، اى اب هذا ، لم اسمع بذلك من قبل . 
__ لم يلحق ابى شيئا منشورا لى ، ربما نتيحة كسلى ، امى كانت تقبل مقالاتى وقصصى . 
بدأنا فى مقايضة الذكريات الحزينة ، مغتسلين من هموم شديدة الوطأة ، رحنا نذرف دموعا غزيرة ، جعلت عمال المقهى يبتعدون عنا ، والزبائن الجالسون على المقاعد القريبة يتلاشون النظر الينا ، احتراما لهذا الطقس الغريب ، سرحنا فى تذكر الاحبة من الموتى والاحياء ، حتى فاجأنى الشاعر بواحدة من اجمل قصائده ، راح يلقيها على بصوت متهدج ، متقطع ، باك ، وأنا استمع ممزق القلب ، افكر فى والدى .

مرثية اولى
فى هدأة الليل 
فتشت عنك فى الشوارع 
والسكك
وعلى الأرصفة 
وتحت اعمدة الانارة 
وفى دور العبادة 
حتى فى القطارات التى تعبر الهواء 
كل ثانية 
وبعيدا عن الجاذبية 
ولما لم اجدك 
رحت أجرجر قدمى 
مثل لاعب سيرك ضرير 
ورحت اسأل عنك حراس 
المقابر المجاورة 
كان الموتى يلملمون ضحكاتهم 
التى تشبه الفوانيس المكسورة 
وحبات الخوخ 
المعطوبة 
يقولون لى 
هنا ترقد امرأتك 
غاليتك 
فى غرفة وحيدة 
فى انتظار أن ينفخ البوق

كان اروع إلقاء للشعر صادفته فى حياتى ، إلقاء مشحون بالآسى ، والتأثر الحقيقى ، وبشحنة من النشاط العقلى المرتبك ، كانت الكلمات تصدر كهذيانات تجرى فى منافى مثقلة بالعذاب والنبرة المريرة .
على هذا الايقاع السابق ، الذى تركنى مهزوما مدمرا ، را ح يلقى قصيدته الاخرى

مرثية ثانية
أمس 
ذهبت الى المقبرة لأ تلصص عليك 
كنت تلبسين ثيابك الصوف 
وتتنططين بين الموتى 
مثل فراشة واثقة 
لم أشأ ان اعطل ضحكتك 
ولم أشأ ان أقول لك صباح الخير 
ايتها السيدة 
فقط 
أردت أن اقول لك 
البيت فى مكانه 
وأنافتحت كافة النوافذ على آخرها 
ولكن الشمس أبت ان تدخل البيت 
إختفت هى الأخرى 
__ بدورها __
فى الحديقة المجاورة

فى نهاية هذه الليلة الباكية ، وأثناء البحث عن سيارة اجرة ، وجدته يتحسس جيبه ، قلقا ، ومتوترا . 
__ ماذا؟
__ ابحث عن مفاتيح البيت ، من قبل كنت اعود فى اى وقت ، اضغط زر الجرس ، فتأتى مهرولة ، تفتح لى الباب ، ألآن ، لوضاعت المفاتيح ، سأقضى ليلتى فى الشوارع ، أطارد الاشباح والفراغ ، بعيدا عن اى عين حارسة ، متروكا ،ووحيدا ، تسحقنى الوحشة بيدين متجمدتين .
______________________________________________________
فى مقاومة الحزن / صابر رشدى 

٢٠١٥/٨/٢٢

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads