بورتريهات فرجينيا وولف: الوجه الحقيقي للمبدع الحديث | عبد الاله مجيد

Written By تروس on الجمعة، 8 يناير 2016 | يناير 08, 2016


بورتريهات فرجينيا وولف: الوجه الحقيقي للمبدع الحديث
عبد الاله مجيد


كل يوم يمشي مئات على بورتريه فرجينيا وولف غالبيتهم يعرفون ما تطأه اقدامهم. فهي مرسومة على ارض بهو الغاليري الوطني بعمل من الموازئيك انجزه الفنان بوريس ارنيب عام 1933. وتظهر وولف بوصفها احدى ربات الوحي (كليو ربة التاريخ) يوقظها ابولو (اوسبرت ستويل) وباخوس (كلايف بيل) بين بورتريهات أخرى منها بورتريه الممثلة الشهيرة غريتا غاربو. ولكن وولف المعروفة بنفورها من اضواء الاعلام والشهرة ازعجها كشف الفنان عن هوية الأشخاص الذين جلسوا امامه لرسم آلهته والهاته. وكان هذا النفور يدخل في صلب الموقف الذي اتخذته من رسمها ونحتها وتصويرها فوتوغرافيا على أيدي محترفين. 
ولاحظت عضو جماعة بلومزبري الكاتبة فرانسيس بارتريج ان وولف بدت في العديد من الصور الفوتوغرافية كأنها امرأة "مجنونة جنونا خطيرا" ، لها ذات السحنة التي عرفتها في مرضى راقبتهم بارتريج في مستشفى للأمراض النفسية. ولعل وولف نفسها ادركت ذلك وكانت تمقت ان "ترى نفسها". ولكن الطلب على تصويرها واجراء مقابلات معها تعاظم مع تنامي شهرتها ابتداء من منتصف العشرينات. ورفضت وولف اجراء مقابلات معها ، وقدمت بعض الحقائق الى وينيفريد هولتبي التي كانت تكتب عملا عن روايات وولف لكنها رفضت لقاءها. كما ان كتب وولف لم تحمل على غلافها أي سطور عن سيرة حياتها في حين ان غالبية ما كُتب في نعيها عام 1941 تضمن اخطاء أو ثغرات. وفي حدود ما هو معروف فان وولف لم تظهر إلا مرة واحدة في صورة على صفحات الجرائد ، صورة التُقطت لها خلال فعالية عامة حين منحت جائزة ادبية عن روايتها "الى المنارة". 
وتبدَّى وعي وولف الذاتي بشكلها في مظاهر متعددة. ومن أشد هذه المظاهر حدة ان ارتداء ملابس جديدة لحضور مأدبة عشاء أو حفلة كان مصدر رعب لها يضاهي تقريبا رعبها لدى نشر كتاب جديد. وفي حين ان العديد من اصدقائها وصديقاتها كانوا يتذكرن جمالها وتميزها جسديا فانهم لم يغفلوا التعليق على ضيقها الذي يكاد ان يكون طفوليا حين تكون مع آخرين ، وكانت لا تشعر بالاسترخاء في الواقع إلا مع عائلتها واصدقائها الحميمين. ومن حسن الحظ ان البعض من أفضل صورها الفوتوغرافية هي التي التقطها زوجها ليونارد أو شقيقتها فانيسا بيل. 
اما صور المحترفين فهي قضية اخرى. هناك السلسة الشهيرة لصور فرجينيا ستيفن (اسمها قبل الزواج) التقطها جورج تشارلس بيريسفورد في صيف 1920 حين كانت في العشرين من العمر. وكان الجمال الذي ورثته من أمها جوليا واضحا للرائي ولكنه ربما تأثر الآن بما نعرف ما سيحدث لها وخاصة التغيير الذي أحدثته في قسماتها تلك الفترة الرهيبة من الجنون في 1913 ـ 1915 عندما مر وقت كانت اربع ممرضات يسهرن عليها وكانت بالكاد تعرف ان روايتها الأولى نُشرت. وظلت ملامح ذلك الجمال باقية ولكن رؤيتها كانت "مؤلمة" ، كما علق زوجها ليونارد. 
وكانت ترتعب بالقدر نفسه من الجلوس امام الرسامين. ويكتب المؤرخ الفني ريتشارد شون في صحيفة الغارديان ان الفنان دنكان غرانت الذي رسمها حين كانت لم تزل فرجينيا ستيفن عام 1911 قال له انه كان يعرف ان عليه العمل بسرعة فائقة "وإلا فانها قد تنهض وتغادر". ويبدو ان هذا ما فعلته حقا لأن عمله جاء ناقصا بجلاء ومن المؤكد تقريبا انه أُنجز في جلسة واحدة. ولكنه مع ذلك اقتنص شيئا من حضورها اللماح إن لم يكن التقط الجوانب الظاهرة من جمالها. وبعد عام أو نحو ذلك رسمتها شقيقتها في اربع مناسبات ، وكانت كلها بورتريهات صغيرة ظهرت فيها بوضعية بعيدة عن التكلف ، وهناك صورة واحدة تصور قسمات وجهها بالمعنى التقليدي. ورغم ان بيل انجزت عدة بورتريهات لها كانت الوجوه فيها خالية من التعبير فان مما له مغزاه ان ثلاثا من لوحات شقيقتها تشترك بهذه السمة تحديدا. ولكن صورة واحدة لفرجينيا على كرس شاطئي بدت فيها فرجينيا كما هي ، بحسب زوجها الذي ربما كان يعني ان وضعية الاسترخاء والتأمل كانا خير تعبير عن حياتها. 
وما لا شك فيه ان وعي وولف بنفسها كاد يؤدي الى كارثة حين وافقت على مضض على الجلوس للنحات الشاب ستيفن توملين في صيف 1931. وكان توملين من معارفها ومعارف العديد من اصدقائها ، ومتزوجا من الكاتبة جوليا ستراتشي. فكانت فرجينيا في صحبة أليفة. وكان المقرر ست جلسات ولكنها انتفضت بعد الجلسة الرابعة. إذ اصبح الجلوس عذابا وهي التي كانت في حالة من التوتر بعد إعادة روايتها الأشد تطلبا "الأمواج" للمرة الرابعة. وكرهت فرجينيا دراسة النحات لرأسها من كل الزوايا وبعد اقناعها بالجلوس مرتين أُخريين صرفت النظر عن المشروع. 
ومع تعاظم شهرة وولف كان يُطلب منها في احيان كثيرة ان تجلس امام مصورين محترفين وخاصة بطلب من الناشرين الاميركيين. ورفضت مرات كثيرة هذه الطلبات وكانت تعتمد على ليونارد لالتقاط صورها أو ارسال صور قديمة نسبيا. ولكن هناك سلسلة مختلفة من الصور لم تُنشر إلا بعد سنوات على انتحارها ، ربما تعيدها الى الحياة أكثر من أي شيء آخر. وكانت تلك السلسلة هي الصور التي التقطتها اوتولاين موريل حين كانت وولف ضيفة عليها في ضيعتها عام 1926. فهي تصور وولف واقفة أو تضحك أو تقرأ او جالسة تتحدث مع ضيوف آخرين ، بعضها تصورها وهي تدخن مرتدية نظارات لكنها كلها التُقطت في فترة قصيرة ، ساهمة ، ضاحكة ، تبحث عن تعبير. وهي صور ، بحسب المؤرخ شون ، اقرب ما تكون الى "فيلم" عن وولف التي لم تُصور سينمائيا قط وهناك تسجيل واحد غير موثوق لصوتها طوله بضع دقائق. 
هناك في مرحلة لاحقة صور من عقد الثلاثينات التقطها مصورون معروفون بينهم مان راي وجيزيل فرويند المانية المولد. ولا يُعرف إن كانت وولف مطلعة على اعمال راي قبل ان توافق على الجلوس امامه في لندن عام 1934. ولكن صور فرويند التي التقطتها عشية اندلاع الحرب عام 1939 ذات قيمة عالية ليس لأنها فريدة بتصويرها وولف في منزلها في لندن فحسب بل لأنها صور ملونة ايضا. وكانت فرويند رائدة التصوير الفوتوغرافي الملون والتقطت بورتريهات لكتاب مثل جيمس جويس وصامويل بيكيت والدوس هكسلي والعديد غيرهم. 
ورفضت وولف مرتين السماح لفرويند بتصويرها قبل ان تذعن. وابدت موافقتها على تغيير ملابسها لاختيار الأنسب مع تناغم الالوان لكنها اصرت على تصويرها مع زوجها ليونارد وكلبهما بنكا. وتظهر وولف في بعض الصور شاحبة ، تجاعيد وجهها بارزة وتظهر في اخرى مبتسمة قليلا ، وأكثر شبابا. وتضفي خلفية القماش واللوحات الجدارية التي وضعها المصوران بيل وغرانت قيمة اضافية على قيمة الصور. فهذه كانت صومعة ملكة جماعة بلومزبري تقام فيها حفلات ويحضرها اصدقاء لتناول الشاي. وبعد ما يربو قليلا على عام دُمر المنزل في الغارات الالمانية ولكن الصور الجدارية تُركت لبعض الوقت معلقة ، مكشوفة لعوداي الزمن ، كما كتب لاحقا صديقاها ستيفن سبندر ووليام بلومر ، بوصفها بقايا عالم آيل الى الزوال.
لا يمكن للصور ان تنقل الينا إلا قدرا محدودا من الموضوع نظرا لتأثرها بمتطلبات المصور ونزواته واسلوبه. والتقط بيريسفورد صوره بموافقة وولف ولكن من أجل أن تكون هذه سجلا عائليا. وكانت سلسلة اوتولاين موريل أقرب ما متاح الى وولف بوصفها كائنا اجتماعيا. وكانت صور مان راي صفقة تجارية محضة. وسلسلة فرويند خليط مجزٍ من الموضوع كشخصية معروفة والمعلومات البيتية. وسيبقى "صوان شخصية وولف وقوس قزحها" يفلتان دائما منا. ولنا ان نقرأ ما نشاء في كل هذه الصور ولكننا قد لا نستطيع ابدا ان نقول "فهي كانت هناك" ، مثلما تكتب وولف في السطر الأخير من روايتها مسز دالواي. 
 


    


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads