الرئيسية » , , , , , » روي بيتر كلارك: ضع الأشياء غير المتجانسة جنبًا إلى جنب | ترجمة: غيدا مصطفى اليمن

روي بيتر كلارك: ضع الأشياء غير المتجانسة جنبًا إلى جنب | ترجمة: غيدا مصطفى اليمن

Written By تروس on الثلاثاء، 12 يناير 2016 | يناير 12, 2016

روي بيتر كلارك: ضع الأشياء غير المتجانسة جنبًا إلى جنب
ترجمة: غيدا مصطفى اليمن

ساعد القارئ على أن يكتشف من خلال التناقضات.

في أفضل الأحوال، تساعدنا دراسة الأدب على فهم ما يسميه عالِم القراءة فرانك سميث بـ”قواعد الحكايات”. ذلك ما حصل لدى لقائي الأول بإيما بوفاري، بطلة القصة الفرنسية التي تحمل اسمها، الريفية ذات المخيلة الرومانسية إلى حدِّ مأساوي. أتذكر ذهولي لدى قراءتي المشهد الذي يصف فيه الكاتب غوستاف فلوبير عملية إغواء الزوجة الضجرة السيدة بوفاري على يد ابن المدينة رودولف بولانجيه. تدور الأحداث في معرض زراعي. في مشهد لاذعِ مؤثر ومثير للضحك في آن، يتنقل فلوبير بين عبارات العاشق الغزلية ونداءات مربّي الحيوانات في الخلفية.

أتذكر الحوار بشكل أخذٍ وردّ بين عبارات مثل “لقد حاولت حمل نفسي على الرحيل ألفَ مرة، ومع ذلك لحقت بك” ونداءات “سماد للبيع!” ، أو “سيكون لي مكان في أفكارك وحياتك، أليس كذلك؟” و “هذه هي جائزة أفضل خنزير!”

جيئةً وذهابًا، يكشف تجاور العبارات هذا للقارئ، ولكن ليس للبطلة، نوايا رودولف الحقيقية. التجاور الساخر هي العبارة المتحذلقة لوصف ما يحدث حين يوضع شيئان مختلفان جنبًا إلى جنب، كل منهما يعلّق على الآخر.

لهذا التأثير وقعٌ أيضًا في الموسيقى والفنون البصرية، وفي الشعر:

“دعنا نذهب إذًا، أنت وأنا،
حين ينتشر الغروب فوق السماء
مثل مريضٍ مخدّر فوق منضدة”

هكذا تبدأ “أغنية حب ل جي الفرد بروفروك”، وهي قصيدة يجاور فيها تي. أس. أليوت بين الصورة الرومانسية للسماء عند الغروب والاستعارة السقيمة للمخدّر. التوتر بين هاتين الصورتين سيحدد النبرة المزاجية لكلّ ما سيلي. توفي إليوت في العام 1965، وهي السنة التي كنت فيها طالبًا في الصف الثانوي الأول في الثانوية الكاثوليكية، وقد احتفت مجموعة منا بالحدث من خلال تسمية فرقتنا لموسيقى الروك باسم الشاعر. فقد أسميناها “تي أس أند ذي إليوتس”، وكان شعارنا “موسيقى لها روح”، كانت تلك محاولتنا البدائية في استخدام التجاور الساخر.

ماذا عن “بافي، قاتلة مصاصي الدماء” حيث تصبح فتاة الوادي وبالًا على الشياطين؟

إن المزاوجة بين عناصر غير متوقّعة هي غالبًا مناسبة للهزل، واضحًا كان أم خفيًّا. في فيلمه “المنتجون”، يبتكر ميل بروكس عرضًا موسيقيًّا اسمه “ربيع هتلر”، بطله قائد هيبيّ، ويظهر فيه راقصون على طريقة باسبي بيركلي يشكلون بأجسادهم الصليب المعقوف.

بالانتقال من الهزلية المخيفة إلى الجدّية القاتلة، تأمل في هذه المقدمة لخبرٍ صادرٍ في صحيفة “فيلادلفيا إنكوايرر” عن الحادثة الذرية في جزيرة “ثري مايل”:

4:07 صباحًا، 28 مارس، 1979

تتوقف مضختان عن العمل. بعد ذلك بتسعِ ثوانٍ، يتحطم 69 قضيبًا من البورون في القلب المنصهر للوحدة الثانية، وهي مفاعل ذري في جزيرة “ثري مايل”. تشتغل القضبان. يتوقف الانشطار النووي داخل المفاعل.
لكن الأوان كان قد فات.
لقد بدأت ما ستكون أسوأ كارثة نووية تجارية في أميركا.

ما تلا ذلك هي لائحة بحقائق رهيبة سيعلم بها المسؤولون الرسميون بتفاصيل مروعة: “العاملون في المفاعل النووي يلعبون بالصحن الطائر خارج بوابة أحد المعامل إذ حبسوا خارجه دون أن يتم تحذيرهم من الإشعاع المنطلق من جدران المعمل.” يصل التشويق الناجم عن تلك الجمل الأولى القصيرة إلى ذروته حين ينتجُ المفاعل النووي المتوقف عن العمل إشعاعًا يصيبُ العاملين الذين يلعبون بالصحن الطائر. الإشعاع يصيب الصحن الطائر. تجاور مفاجئ.

في بعض الحالات، يحصل تأثير التجاور من خلال بضع كلمات مضمّنة في سياق الحكاية. في رواية الجريمة السوداء “ساعي البريد يدقّ الباب دائمًا مرتين”، يرسم الراوي خطته لقتل زوج عشيقته:

“نفذناها تمامًا بحسب ما اتفقنا. كانت الساعة حوالي العاشرة مساء، كنا قد أقفلنا المطعم، وكان اليوناني في الحمام يغتسل كعادته كل ليلة سبت. كان عليّ أن أصعد بالماء إلى غرفتي، وأستعد لحلاقة ذقني، ثم أتذكر بأنني قد تركت السيارة في الخارج. كان عليّ أن أخرج، وأنتظر كي أنذرها بواسطة بوق السيارة في حال قدوم أحد. كان عليها أن تنتظر حتى تسمع حركته في حوض الاستحمام، وأن تدخل الحمام بذريعة البحث عن منشفة، ثم تضربه من الخلف بواسطة هراوةٍ كنت قد صنعتها لها بواسطة كيس سكر محشوٍّ أسفله بمحامل كريات حديدية”.

يخلق جيمس. م كين في هذه الفقرة تأثيرًا مزدوجًا، واضعًا “كيس السكر” البريء بين الميكانيكي “محامل الكريات” والجنائي “هراوة”. يفقد كيس سكّر حلاوته حين يحوَّل إلى سلاحٍ للجريمة.

تستخدم الكاتبة العلمية أوليفيا جودسون هذه التقنية للفت انتباهنا إلى موضوعٍ كان يمكن أن يكون تافهًا، الدودة الخضراء المعروفة بـ “دودة الملعقة” من فصيلة بونيليا فيريديس:

“تتميز الدودة الخضراء المعروفة بـ “دودة الملعقة” باختلاف هائل بين حجم الدودة الذكر والدودة الأنثى قل نظيره، حيث تكون الدودة الذكر أصغر من الأنثى بنسبة 200,000 مرة. يبلغ متوسط حياة الأنثى بضع سنوات. متوسط حياة الذكر هو بضعة أشهر فقط- ويقضي حياته القصيرة داخل جهازها التناسلي، متقيئًا الحيوانات المنوية لتلقيح بويضاتها. وزيادةً في الخزي، اعتُقِد، عند اكتشافه لأول مرة، أنه مجرد غزو طفيلي بغيض”.

في وجهة نظر الكاتبة تلميح ماكر إلى مذلة الذكر البحري الصغير بوصفه رمزًا لنظيره البشري الجلف والمتصاغر.

نتوقع أن نرى تعبيرات متجاورة غريبة في أعمال الكتاب الساخرين والمتهكمين، على غرار ما نجده في هذه الفقرة عن طفل يلقى حتفه في عيد الميلاد في جهاز تنشيف في مغسلة:

أفضل ان لا أعيد سرد الصدمة والرعب اللذين أعقبا وفاة “دون: مناداتنا لأولادنا لنعلمهم بالخبر، مشاهدة جسد الطفل الهامد، صغيرًا كرغيف خبز وهو يحشرُ في كيس بلاستيكي سميك- لا علاقة لهذه الصور ببهجة عيد الميلاد، وأرجو أن لا يوهن ذكري لها من معنوياتك في هذا الوقت الممّيز والجذل من السنة (من كتاب عطلات جليدية).

هذا الخلط بين صورٍ وأفكارٍ شاذة- المجاورة بين جريمة غريبة وخفة مرتبطة بمواسم الأعياد، إنه ديفيد سيداريس في أفضل أحواله.

لاحظوا أنني استوحيت نماذجي من الرواية والشعر والكوميديا الموسيقية والصحافة والكتابة العلمية والكتابة الساخرة- وهو دليل على فائدة هذه الأداة وتعدد استعمالاتها.

ورشة عمل

1. غالبًا ما يرصد المصورون المحترفون تفاصيل بصرية مذهلة في العناصر المتجاورة: عابر سبيل يرتدي صدارًا، مصارع سومو ضخم يحمل طفلًا صغيرًا. أبقِ عينيك مفتوحتين لالتقاط هذه الصور وتخيل كيف يمكنك التعبير عنها في كتاباتك.

2. أعد قراءة ما كتبته لترى ما إذا كانت هناك تجاوراتٌ مفاجئة مختبئة بين السطور. هل يمكنك تنقيح عملك لاستغلال تلك الفرص؟

3. الآن وقد أصبحت تعرف اسم تلك التقنية، ستبدأ بإدراك فائدتها بشكل أكبر في الأدب والمسرح والأفلام والموسيقى والصحافة. خلّ هذه النماذج في بالك. وابحث عنها في الواقع بينما أنت تقوم بالأبحاث لتدعم كتاباتك.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads