الرئيسية » , » في زمن الخوف، والقهر، والأوبئة |مصطفى عبيد | موقع جواك

في زمن الخوف، والقهر، والأوبئة |مصطفى عبيد | موقع جواك

Written By هشام الصباحي on الأحد، 11 أكتوبر 2015 | أكتوبر 11, 2015


من لم يقرأ غابرييال غارثيا ماركيز لم يسافر إلى مدن الخيال، ولم يحلق في سماء الاثارة، ولم يتذوق جمال الكلمة ولذاذة الحكي.

يبقى الأديب العالمي الحاصل على نوبل واحدا من أروع الحكائين في تاريخ الأدب، إذ يُدهشك بالتقاط لحظات البهجة والحزن لدى النفس البشرية، بمهارة صياد يُركز إهتمامه على صيد اللآلئ لا الأسماك.

في زمن الجائحة، ورغم غيابه الجسدي يطل علينا المبدع الكولومبي بعمل رائع يُترجم لوقائع تشابه ما نعانيه من مخاوف وهواجس بسبب مرض غريب يهاجم فرائسه بلا رحمة وبدون إنذار ويقضي على آمال وخطط وأفكار بشأن المستقبل الغامض. في روايته "الحب في زمن الكوليرا" يُرسخ المبدع فكرة اقتناص اللحظة، اللامبالاة واللاخوف، والوقوف بصلابة في ظل الحُب، الذي ينتصر حتى لو بدا غير ذلك، فمبجرد مرور لحظة من الحب على الإنسان فإن ذلك هو أعظم انتشار للبشرية على الأوبئة والحروب والظلم الإنساني.

ولد ماركيز في مدينة أراكاتكا بكولومبيا عام 1927  وعمل عدة سنوات صحفيا وشارك في مساندة حركات التحرر الثورية بامريكا الجنوبية وحوّل الرواية لفعل مقاومة ضد الظلم والاستبداد والفقر والقمع، رافعا شعار " أكتب كى أغيّر العالم " منهجا عمليا لابداعاته . ومع اطلالاته المتكررة في دنيا الابداع باللغة الاسبانية انبهر العالم بأسلوبه المتميز في الوصف والحكى لتصنف رواياته ضمن أهم وأفضل الروايات في العالم .

كل ذلك بالطبع كان قبيل حصوله جائزة نوبل في الأدب عام 1982، وقد ترجمت معظم أعماله إلى كثير من اللغات ومنها العربية، وتعد أبرز تلك الأعمال " مئة عام من العزلة " ، " الجنرال في متاهته "، " سرد احداث موت معلن "وسيرته الذاتية التى عنونها بـ " عشت لأروى ".

أما " الحب في زمن الكوليرا" فإنها تقدم لنا قصة عشق فتى غض اسمه فلورينتينا لفتاة جميلة هى فيرمينا منذ فترة المراهقة ، ويحاول العاشق الاقتران بمحبوبته  لكن أسرتها ترفض تزويجها له بسبب تدني مستواه الاجتماعي. ويتم تسفير الفتاة بعيدا عنه لتتزوج من  رجل ثري يعمل طبيبا، بينما يرحل العاشق باحثا عن فرص عمل أفضل.

تتوالى أحداث الرواية وتقضى فيرمينا حياة عادية تنجب خلالها وترتحل من مكان لآخر وتخلص لزوجها حتى وفاته رغم علمها بتعدد خياناته لها ، بينما يرفض العاشق كافة النساء ويظل عازبا وعازفا عن الزواج بأحد ، وينتقل من عمل لآخر حتى يستقر في أعمال تجارية يحقق فيها نجاحا ثم يتحول على مدى أربعين عاما  إلى واحد من أثرياء البلاد.

 وينتظر فلورينتينا حتى وفاة زوج حبيبته بعد أن يتجاوز عمرها سبعين عاما ، ويكرر العاشق القديم رسائل حبه وتأملاته في الحياة، وزياراته للحبيبة المسنة حتى ينجح في النهاية في اقناعها بالزواج ويأخذها معه في  إحدى المراكب التابعة لشركاته ليقضيا ما تبقى من عمرهما معا في المحيط. ورغم شعورها بأن عمرها لا يسمح بحب جديد فإنها تنجرف ضاربة بكل القيود الاجتماعية والنفسية والجسدية عرض الحائط . ويصر العاشق على عدم ايقاف السفينة رافعا علم " وباء الكوليرا " فوقها حتى لا تتوقف عن الابحار إلا للتزود بالوقود ، وكأنه بذلك يكتب قصة حب لا تنتهي.



لا يموت الحب عند ماركيز بتقدم السن ، ولا تنتهي لوعة الشوق بدخول الانسان زمن الشيخوخة ، فالقلب النابض بالحياة يمكنه ان يحب في أي زمن وعمر. لا يموت الحب مع الكوليرا، مع الخوف، مع الموت حتى. تنكسر الطبيعة أمام الحب ، وتتراجع المسلمات الفسيولوجية ، ويتجاوز مفهوم الحب كل القيود وكل التعقيدات.

ولا يغيب عن ماركيز عبر أحداث الرواية أن ينقل لنا مشاهد للحياة القروية في أمريكا اللاتينية ومعاناة العمال والفلاحين الفقراء ، وتصوره للمفارقات الاجتماعية الصارخة ، وبعض الاحداث السياسية التي شهدتها حياة العاشقين المسنين.

هي رواية تستحق القراءة في زمن الجائحة.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads