الرئيسية » , » بؤساء أميركا أبطال راسل بانكس | باريس - أنطوان جوكي

بؤساء أميركا أبطال راسل بانكس | باريس - أنطوان جوكي

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 25 سبتمبر 2015 | سبتمبر 25, 2015

بعد عامين على صدور روايته «ذكريات الجلد المفقودة»، يعود الكاتب الأميركي الكبير راسِل بانكس بمجموعة قصصية جديدة صدرت ترجمتها الفرنسية حديثاً عن دار «أكت سود» الباريسية، وتحمل عنوان إحدى قصصها، «عضو ثابت في العائلة».
أميركا، كما يراها بانكس، ليست الـ «إلدورادو»، كما يتصوّرها بعض مواطنيه. لذلك، نجده ناشطاً في الكتابة عن «أبطال مضادين»، عن بؤساء وطنه الذي يحبّه، لكنه لا يتردد في فضح مثالبه، منذ أربعة عقود.
في مجموعته الجديدة، يقدّم راسل شخصيات عادية تسكن مدناً صغيرة معزولة عن كل شيء إلا البؤس، شخصيات كان لديها عمل وعلاقات وأحلام وأفق، قبل أن تفقد كل هذه الأشياء نتيجة الأزمة الاقتصادية، شخصيات مجروحة إذاً، لا يحكم الكاتب عليها، ولا يبرّر سلوكها، بل يقدّمها كما هي، كمرآة للطبقتين الفقيرة والوسطى في أميركا.
في القصة الأولى، «جندي سابق في سلاح البحرية»، نتعرّف إلى عجوز يبدو طيّباً ومسالماً، للوهلة الأولى، قبل أن يتبيّن لنا أن الأزمة المالية التي يتخبّط فيها تدفعه، من حينٍ إلى آخر، إلى السطو على مصارف ليسدّ رمقه. لكنّ اكتشاف حقيقة أمره تحدث فجأة بعد حادث سير لم يحسب له حساب، ما يضع حداً لمغامرته ويدفع به إلى الانتحار.
أما في قصّتَي «عضو ثابت في العائلة» و «عيد الميلاد»، فالأمر يتعلّق بطلاقٍ، يبدو في البداية بلا مشاكل، قبل أن يتحوّل، بسبب حادث جانبي - مثل دَهْس الزوج كلب العائلة العجوز بالخطأ أو دعوة لطيفة - إلى وضعٍ لا يُطاق. وإذ يعالج بانكس موضوع الشيخوخة بأسلوب الرواية البوليسية في «جندي سابق في سلاح البحرية»، فإنه يقاربها بطريقة مأسوية في قصة «بنوك خارجية»، حين يواجه زوجان عجوزان، يسافران داخل أميركا في عربة للتخييم، وفاة كلبتهما، العجوز مثلهما، وبطريقة قارصة لا تخلو من الطرافة في قصة «طيور الثلج»، تتحوّل امرأة مسنّة، أتت مع زوجها للاستقرار في مدينة ميامي، إلى أرملة سعيدة، بعد وفاة زوجها المفاجئة.
ولا يُهمل بانكس محرومي أميركا متعددة العرق، كما في قصّتَي «الببغاء الخفي» و «أزرق» التي نتعرّف فيها إلى امرأةٍ سوداء فقيرة تزور شركة لبيــــع السيارات من أجل شراء سيارة مستعملة، بعدما اقتصدت لسنوات طويلـــة من أجل جمع قيمتها، فينساها موظّفو الشركة في موقف السيارات وتضطّر لتمضية ليلة كاملة على سقف سيارة بسبب تهديد كلب الشركة العدائي لها. ولا يُهمل الكاتب العنف المنتشر في أميركا والناتج عن الكبت والحرمان والطموحات التي لا سبيل إلى تحقيقها، كما في قصة «الباب الأخضر».
ولأن زهرة الحب يمكن أن تنبت حتى بين العلّيق، نقرأ أيضاً في هذه المجموعة قصة حبّ جميلة بين رجلٍ وامرأة يلتقيان من جديد مصادفة، بعدما فرّق القدر بينهما إثر لقاءٍ وحيد وعابر.
تتمتّع قصص راسل بانكس بمميزات مشتركة: سوداء، قارصة، إنسانوية وخصوصاً يائسة. وبالتالي، لا يتعلّق الأمر إطلاقاً بنصوص مكتوبة بعجلة، كما اعتدنا مع بعض الكتّاب المشاهير. بالعكس، فإنّ هذه القصص الوجيزة والمكتوبة بأسلوبٍ بسيط وواضح، تُشكّل صورةً دقيقة للعزلة الكبيرة التي يعاني منها عدد كبير من الناس في أميركا. واللافت أنّ لا تفخيم أو مبالغة في هذه القصص، بل انفعالات قوية وصافية فقط، نختبرها على طول المجموعة التي يظهر بانكس فيها ليس فقط كأحد أهم قاصّي أميركا، بل كمتمرّد كبير لم يفقد شيئاً من بصيرته وجرأة بداياته، جرأةٌ دفعته قبل ثلاثين عاماً إلى كتابة، في رواية «قارّات منحرفة»: «اذهب يا كتابي، وساعدني على تدمير العالم كما هو».

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads