الرئيسية » , » ممر الراحلين / غينوا إتشيبي ترجمة: صالح الرزوق | قصة

ممر الراحلين / غينوا إتشيبي ترجمة: صالح الرزوق | قصة

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 25 سبتمبر 2015 | سبتمبر 25, 2015

اكتملت آمال مايكل أوبي بوقت أبكر مما توقع. عُيّن مديرا لمدرسة ندوم المركزية في كانون الثاني من عام ١٩٤٩. كانت دائما مدرسة غير متقدمة، و لذلك قرر مفتش السلطات إرسال شاب يتمتع بالكفاءة لإدارتها. و تقبل أوبي مسؤولياته بتحمس. كانت لديه أفكار عديدة مزدهرة و هذه فرصته ليضعها موضع التنفيذ. كانت لديه ثقافة مدرسية ثانوية متينة و هذا أهله ليكون "معلما متوازنا" بسجلات رسمية وضعته بنظر البعثة على مسافة فارقة من المدير السابق. كان علنيا في انتقاد الآراء الميتة للمدرسين القدماء و الذين هم غالبا أقل منه حظا في تلقي الثقافة.
سأل زوجته الشابة حين سمع بالترقية لأول مرة:"سنستغل المنصب لأداء عمل جيد، أليس كذلك؟".
ردت تقول:" سنبذل ما بمستطاعنا. ستكون لنا حديقة مهندمة و سيكون كل شيء حديثا و مبهجا..". في غضون حياتهما الزوجية التي مرت عليها سنتان أصيبت بعدوى عاطفته حيال "الأساليب الحديثة" وعدم ميوله لهذه "الجماعات القديمة المتحجرة في طرق التعليم و الذين يستحسن الاستفادة منهم بالتجارة في سوق أونيتشا". و قد بدأت ترى نفسها كزوجة مرموقة بعيون مدير المدرسة الشاب، إنها ملكة المدرسة برأيه.
لا بد أن زوجات المعلمين الآخرين يحسدنها. وهي موضع اهتمام وتقليد بكل شيء.... ثم، فجأة، تبادر لذهنها أنه ربما لا توجد زوجات أخريات. سألت زوجها و هي تتأرجح بين الأمل و الجزع و تنظر إليه، فرد بقوله:"كل زملائنا شباب عازبون". و تابع بحماسة لم تشاركه بها:" هذا شيء جيد".
"لماذا؟".
"لماذا؟ هذا يسمح لهم بمنح كل أوقاتهم و طاقاتهم للمدرسة".
نكست نانسي رأسها. و لعدة دقائق انتابها الشك حول المدرسة؛ و لكن لعدة دقائق فقط. و لم يتمكن حظها التعيس أن يعميها عن أحوال زوجها المغتبطة. نظرت إليه وهو ينطوي على نفسه فوق الكرسي. كان كتفاه منحنيين و مظهره العام شاحبا. و لكنه أحيانا يدهش الناس بانطلاقة مفاجئة لطاقته الكامنة. و بوضعه الحالي، كانت كل قواه البدنية تتجمع وراء عينيه العميقتين، حيث توجد طاقة نفاذة. كان في السادسة و العشرين فقط، و لكنه يبدو في الثلاثين و أكثر. و مجمل القول، لم تنقصه الوسامة. 
قالت نانسي بعد فترة بلغة تشبه ما قرأته في المجلة:" لو أخبرتني ماذا يدور في رأسك سادفع لك مكافأة".
"كنت أفكر يا لها من فرصة كبيرة توفرت لنا أخيرا لنبين لهؤلاء القوم كيف يمكن إدارة مدرسة".
كانت مدرسة نديوم متخلفة بكل مقاييس العالم. و قد وهب السيد أوبي حياته للعمل، و كذلك فعلت زوجته. و كان له هدفان. التأكيد على مستوى لائق في التعليم، و تحويل مجمع المدرسة إلى مكان مبهج و متناسق. و بهطول الأمطار أصبحت حدائق أحلام نانسي شيئا واقعيا، و سرعان ما توهجت بالأزهار المتفتحة. و قد تميزت المدرسة المرتبة بتوفر زهور البابونج المنعش للنظر و أسيجة الأماندا ذات الزهرة الحمراء و الصفراء وهي أشياء لا تتوفر في صف الغابات المجاورة لها. 
و ذات أمسية حين كان أوبي يبدي إعجابه بعمله استفزه رؤية امرأة من القرية تتمايل في وسط المجمع، و تمر من صف أزهار أذريون ثم تعبر السياج. ذهب إلى هناك و لاحظ وجود علامات باهتة تدل تقريبا على ممر غير مستعمل يقود من القرية عبر مجمع المدرسة إلى الطرف الثاني من الغابة.
قال أوبي لمعلم مضى عليه في المدرسة ثلاث سنوات:" هذا يدهشني. كيف تسمحون للقرويين باستعمال ممر المشاة هذا. ببساطة هذا تصرف لا يصدق".
قال المعلم معتذرا:" يبدو الممر شديد الأهمية لهم. و مع أنه نادرا ما يستعمل فهو يربط القرية بمكان المدافن".
سأل المدير:"وما علاقة ذلك بالمدرسة؟".
رد الأخر و هو يهز منكبيه:"حسنا، لا أعلم. و لكن أتذكر أنه نشب خلاف كبير حينما حاولنا إغلاقه في الماضي".
قال أوبي و هو يبتعد"ذلك فيما مضى. و لكنه لا يستعمل الآن، ماذا سيعتقد مفتش التعليم الحكومي إذا حضر ليتفقد المدرسة في الأسبوع القادم؟ قد يقرر الريفيون استعمال غرفة المدرسة لاداء طقوس وثنية خلال التفتيش".
بعد ذلك وزعت عصي ثقيلة متقاربة على عرض الممر في موضعين هما مدخل و مخرج باحة المدرسة. و أضيف إليها أسلاك شائكة لمزيد من الحماية. و بعد ثلاثة أيام استدعى قس القرية آني. كان رجلا عجوزا و يمشي بظهر قليل الانحناء. و يحمل معه عصا قوية يتوكأ عليها و بالعادة يطرق بها الأرض كلما تكلم و أضاف فكرة في أحد نقاشاته. كما لو أنه يريد التأكيد على أفكاره.
قال بعد تبادل التحيات المعتادة:" سمعت أن درب أجدادنا أغلق مؤخرا..".
رد السيد أوبي:" نعم. لا يمكن أن نسمح للناس باستعمال مجمع المدرسة كأتوستراد عام".
قال القس و هو يضرب بعكازته:" انظر لي يا بني. هذا الممر كان موجودا هنا قبل ولادتك و قبل رؤية والدك للنور. و كل حياة القرية تعتمد عليه. رحل منه أقرباؤنا الموتى و زارنا أسلافنا مرورا به. و الأهم، أنه ممر سيعبر منه الأولاد الذين نتوقع مجيئهم إلى الحياة..".
أصاخ السيد أوبي بابتسامة رضا على وجهه.
وقال أخيرا:" هدف المدرسة هو استبدال هذه القناعات. الأموات لا يحتاجون لممر مشاة. الفكرة بحد ذاتها فانتازية. و واجبنا يقتضي أن نعلم أبناءك أن يسخروا من هذه الأفكار".
رد القس:"ما تقوله قد يكون صحيحا. و لكننا نتبع تقاليد آبائنا. لو فتحت الممر لن نختلف. و دائما أقول: دع الصقر يرتاح و دع النسر ينام". و نهض لينصرف.
قال المدير الشاب:"آسف. لا يمكن لمجمع المدرسة أن يكون مهرجانا. هذا ضد القوانين. و أقترح أن تشق ممرا أخر، يحاذي مدرستنا. و ربما نأتي بالطلاب ليساعدوا في تشييده. و لا أفترض أن الأسلاف سيشتكون من ذلك و يعتبرونه عبءا".
قال القس العجوز بعد أن غادر الباحة:" لم تعد بحوزتي كلمات أضيفها".
بعد يومين ماتت امرأة شابة من القرية في سرير ولد صغير. و استشير فورا رجل مبروك و أشار عليهم بأضحية كبيرة لإرضاء الأسلاف الذين أهينوا بالسور. 
استيقظ أوبي في الصباح التالي و شاهد أنقاض عمله و كده. الأسيجة الجميلة مقتلعة ليس من قرب الممر فقط و لكن من حول المدرسة ككل. و الزهور داستها الأقدام حتى الموت و إحدى أبنية المدرسة تعرضت للنهب و الهدم. في ذلك اليوم، حضر المشرف الأبيض ليفتش المدرسة و كتب تقريرا كريها عن حالة المدرسة و لكن باهتمام أشد عن وضع الحرب القبلية التي نشبت بين المدرسة و القرية، و التي نجمت جزئيا من تقدير خاطئ لمدير المدرسة الجديد.

من مجموعته (بنات في المعركة وقصص أخرى). ١٩٧٣.

غينوا إتشيبي chinua achebe: كاتب إفريقي من تيجيريا. حاز على البوكر البريطانية. من أهم أعماله (الأشياء تتداعى) و(سهم الله) و(مضى عهد الراحة)، و( كثبان بيوت النمل في السافانا) وغيرها...

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads