الرئيسية » , , » اعترافات جبان-تشارلز بوكوفسكي. | ترجمة أماني لازار

اعترافات جبان-تشارلز بوكوفسكي. | ترجمة أماني لازار

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 18 سبتمبر 2015 | سبتمبر 18, 2015

418IzZaI57L._SY344_BO1,204,203,200_

اعترافات جبان-تشارلز بوكوفسكي 1956

يا إلهي، فكرت وهي مضطجعة في السرير عارية وتعيد مطالعة كتاب الدينجتون “صورة العبقري”، لكن… إنه لمحتال! ليس د.ه. لورانس، لكن زوجها-هنري-بكرشه السمين وكل ذلك الشعر الذي لم يمشطه قط وكيف وقف بسرواله القصير هناك، ووقف عارياً قبالة النافذة يعوي كبدوي، وقد أخبرها بأنه كان يتحول إلى علجوم وأنه أراد شراء بوذا وأنه أراد أن يكون عجوزاً ويغرق في البحر، وأنه كان عازماً على إطلاق لحيته وأنه شعر كما لو أنه كان يتحول إلى امرأة.

وهنري كان مسكيناً، مسكيناً وتافهاً وبائساً ومريضاً، ورغب بالانضمام إلى رابطة ماهلر. كانت رائحة فمه كريهةً، كان أبيه مخبولاً وأمه تحتضر إثر إصابتها بالسرطان.

وعلاوةً على ذلك كله، كان الطقس حاراً، حاراً كالجحيم.

لقد توصلت إلى نظام جديد، قال. كل ما أحتاجه هو أربعة أو خمسة آلاف دولار.

إنه موضوع استثمار، قال.  يمكننا السفر من درب إلى آخر في مقطورة.

رغبت في قول إحدى الشتائم، “لا نملك أربعة أو خمسة آلاف دولار”، لكن لم تنطق بها. لم تقل أي شيء: كانت كل الأبواب مغلقة وجميع النوافذ مسدلة، وكان ذلك في عرض الصحراء-ما من نسور حتى -وكانوا على وشك رمي القنبلة. كان عليها أن تبقى في تكساس، كان عليها أن تبقى مع بابا-هذا الرجل أحمق، مُنفِّر، جبان لا-لا شيء في عالم الفاعلين. إنه يخفي خلف السمفونيات والخيالات الشعرية، روحاً ضعيفةً وكسولة.

هل ستأخذني إلى المتحف؟ سألت.

لماذا؟

يوجد هناك معرض فني.

أعلم.

حسناً، ألا ترغب برؤية فان كوخ؟

ليذهب فان كوخ إلى الجحيم! ما الذي يعنيه فان كوخ لي؟

أوصدت الأبواب ثانيةً ولم تستطع التفكير بجواب.

أنا لا أحب المتاحف، تابع. ولا أحب زوار المتاحف.

كانت المروحة تدور، لكنها كانت شقة صغيرة والحرارة احتجزت كما لو أنها مطوقة في مغلاة.

في الواقع، قال، وهو يخلع قميصه واقفاً بسرواله القصير فقط، أنا لا أحب الناس بكل أنواعهم.

كان كمية الشعر على صدره مذهلة.

في الواقع، واصل، وهو يُسلت سرواله مرتكزاً على طرف إحدى قدميه، سوف أؤلف كتاباً في يوم ما وأسميه اعترافات جبان.

رن جرس الباب كاغتصاب، أو كتهتك اللحم الحي.

يا يسوع المسيح! قال كمن يؤخذ على غِرَّة.

قفزت من على السرير، وبدت باهتة وشديدة البياض. كموزة مغطاة بالسُّكَّر. الدينجتون و د.ه. لورانس وتاوس سقطوا على الأرض.

هرعت إلى الخزانة وراحت تحشر نفسها في مستلزمات الملابس النسائية.

الملابس غير مهمة، قال.

ألا تنوي أن تفتح؟

لا، لمَ يتوجب عليَّ ذلك؟

رنَّ مجدداً. دخل صوت الجرس الغرفة وبحث عنهما، تسلق صاعداً جلدهما، لكمهما بعيون زاحفة.

ومن ثم حل صمت.

ومع صوتهما استدارت القدم، تصرف وترشد وحشاً ما، تنزله من على بئر السلم، واحد اثنان ثلاثة، 1.2.3 ومن ثم رحل.

عجباً، قال. وهو لم يتحرك بعد، ما كان ذلك؟

لا أعلم، قالت، وهي تنحني خلفاً على خصرها وتخلع تنورتها التحتية من رأسها.

أخيراً! صرخت. أخيراً! رافعة ذراعيها إلى الأعلى كالمجسَّات.

انتهت من خلع الثوب من رأسها ببعض من النفور.

لماذا تلبس النساء هذا الهراء؟ سأل بصوت مرتفع.

لم تشعر بأن هناك ضرورة للرد وبحثت ثم سحبت لورانس من تحت السرير. ودخلت السرير مع لورنزو وجلس زوجها على الأريكة.

لقد قاموا ببناء مقام صغير له، قال.

من؟ سألت مشاكسة.

لورانس.

اوه.

يوجد صورة له في ذلك الكتاب.

نعم لقد رأيتها.

هل رأيت مقبرة للكلاب؟

ماذا؟

مقبرة كلاب.

حسناً، ماذا عنها؟

فيها دوماً زهور، عند كل كلب دوماً زهور طازجة، مشكَّلة كلها في باقات صغيرة أنيقة على كل قبر. هذا كافٍ لجعلك تبكين.

وجدت المكان الذي وصلت إليه في الكتاب ثانية، مثل شخص يبحث عن عزلة وسط بحيرة: إذن فالشهور المرة تواصلت بشكل بائس، مترافقة مع شعور لورنزو المأساوي بالضياع، هذا-

أتمنى لو أني تعلمت الباليه، قال. أنا أكاد أتهاوى كلياً لكن هذا يعود إلى روحي الذاوية. أنا رشيق حقاً، جاهز للتشقلب على فرشة قفز من نوع ما، كان عليَّ أن أكون ضفدعاً، على الأقل. سترين. سأتحول في يوم ما إلى ضفدع.

تموجت بحيرتها بنسيم مغضب: حسناً، بحق السماء، تعلم الباليه! اذهب ليلاً! تخلص من كرشك! اقفز هنا وهناك! كن ضفدعاً!

هل تقصدين بعد العمل؟ سأل بحزن.

يا الله، قالت، أنت تريد كل شيء دون مقابل. نهضت وذهبت إلى الحمام وأغلقت الباب.

هي لا تفهم، فكر، وهو جالس على الكنبة عارياً، هي لا تفهم بأني أمزح. إنها مغرقة في الجدية. كل ما أقوله لا بد أن يحمل معنى مأساوياً أو حقيقياً، أو رؤيا أو ما شابه. لقد تحملت كل ذلك!

وقع نظره على قصاصة ورقية مخربش عليها بقلم رصاص، بخط يدها، على الطاولة الجانبية، فتناولها:

زوجي شاعر صدر له إلى جانب سارتر ولوركا، هو يكتب عن الجنون ونيتشه ولورنس، لكن ما الذي كتبه عني؟

هي تقرأ الكتب الهزلية

والترهات الفارغة

وتصنع قبعات صغيرة

وتذهب إلى القداس في الثامنة صباحاً

أنا أيضاً شاعر وفنان، يقول بعض النقاد

المتبصرين، لكن زوجي كتب عني:

هي تقرأ الهزليات…

سمع صوت شطف المرحاض، ثم خرجت بعد لحظة.

أود أن أكون مهرجاً في السيرك، قال في استقبالها.

عادت إلى السرير مع كتابها.

ألا تودين أن تكوني مهرجاً مؤثراً يتخبط بوجهه المصبوغ بالألوان؟ سألها.

لم تجب، التقط استمارة السباق.

باور 114 ب.ج.4، مع القنبلة الذرية-

بومايا، مع بومبي

بريدر، اسطبل بروكميدي.

1956 12 2 4 1 $12,950

18-Jam I I/16 1:45 1/5ft. 3 122 2تموز

1/2 3 2 2 سا guerinE’Alw86

أنا ذاهب إلى كالينتي الأحد القادم، قال.

حسناً، سأدعو شارلوت للمجيء. بإمكان آلان ايصالها بالسيارة.

هل تصدقين أن الكاهن قد أغواها حقاً في ذلك الفيلم كما ادعت؟

قلبت صفحة كتابها.

عليكِ اللعنة، أجبيني! وأخيراً صرخ غاضباً.

عم أجيبك؟

ألا تظنين أنها عاهرة وتختلق كل ذلك؟ ألا تظنين أننا جميعاً عاهرات؟ ما الذي نحاول فعله، بقراءة كل تلك الكتب؟ كتابة كل تلك القصائد التي أعادوها، والعمل في زنزانة ما بلا مقابل لأننا لسنا حقيقة مهتمين بالمال؟

وضعت الكتاب ونظرت إليه من فوق كتفها. حسناً، قالت بصوت منخفض، هل ترغب بالتخلي عن كل شيء؟

التخلي عن ماذا؟ نحن لسنا نملك أي شيء! أو هل تقصدين سمفونية بيتهوفن الخامسة أو موسيقى الماء لهاندل؟ أو هل أنك تعنين موسيقى السول؟

لنكف عن الجدل. رجاءً. أنا لست راغبة بالمجادلة.

حسناً، أريد معرفة ما نحاول فعله!

رن جرس الباب كما لو أن كل أجراس القدر تكتسح الغرفة.

ششش، قال، ششش! اهدأي!

رن جرس الباب ثانية، كما لو أنه يقول، أعرف أنكم في الداخل، أعرف أنكم في الداخل.

هم يعلمون أنَّا هنا، همست.

أشعر بأنه هو، قال.

ماذا؟

لا يهم. ابقي هادئة فقط. ربما سيمضي مبتعداً.

أليس رائعاً أن يكون لديك كل هؤلاء الأصدقاء؟ تسلحت بالمزاح.

لا. ليس لدينا أصدقاء. أقول لك، هذا شيء آخر!

رن مجدداً، مقتضباً جداً، بارداً وكئيباً. لقد حاولت مرة تكوين فريق سباحة أولمبي، قال، حائداً عن الموضوع بالكامل.

أنت تفصح عن أكثر التصريحات سخافة كل دقيقة، هنري.

هل ستتخلين عني؟ فقط من أجل ذلك! قال، رافعاً صوته،

من هناك؟

لم يكن هناك رد.

نهض هنري مفتوح العينين كما لو أنه مغشي عليه وفتح الباب مطوحاً إياه، ناسياً عريه. وقف هناك مشلول الفكر لبعض الوقت، لكن كان واضحاً لها أنه لو كان هناك شخص آخر في مثل حالته من العري تلك لما أحدث هذه الضجة، أو على أقل تقدير، تعليق راقي نوعاً ما.

ومن ثم أغلق الباب. كانت على وجهه نظرة غريبة، بعينين مدورتين أشبه ما تكون بعيون الدمى وازدرد في لحظة مواجهته لها. كبرياءه، ربما؟

لقد قررت، أعلن، بأني لن أتحول أخيراً إلى امرأة.

حسناً، هذا سيقدم يد العون بخصوص ما بيننا كثيراً، هنري.

وسآخذك أيضاً لرؤية فان كوخ. لا انتظري، سأدعك تأخذيني أنت.

لا فرق، عزيزي، لا يهم.

لا، قال. عليك أن ترافقيني!

مشى إلى الحمام وأغلق الباب.

ألا تتساءل، قالت عبر الباب، عمن كان هذا؟

ما هذا الذي كان؟

من الذي كان عند الباب؟ في المرتين؟

اللعنة، قال، أعرف من يكون.

من كان، إذن؟

ها!

ماذا؟

قلت، ها! ما أنا بقائل!

هنري، أنت ببساطة لا تعلم من يكون، لا تعرف أكثر مما أعرف. أنت ببساطة تتحامق ثانية.

إذا ما وعدت بأخذي لرؤية فان كوخ، سأخبرك من كان عند الباب.

حسناً، سايرته. أعدك.

طيب، أنا من كان عند الباب!

أنت كنت عند الباب؟

نعم، ضحك ضحكة صغيرة تافهة. أنا أبحث عني! في المرتين.

ألا تزال تلعب دور المهرج، هنري؟

سمعت صوت الماء يجري في الحوض وعرفت أنه سيشرع بالحلاقة.

هل ستقوم بالحلاقة، هنري؟

لقد قررت حلاقة اللحية، أجاب.

لقد عاد ليسبب لها الملل من جديد وفتحت كتابها ببساطة على صفحة عشوائية وبدأت بالقراءة:

ألم تعد تريد مني شيئاً؟

أود أن ننفصل، تتحررين مني، وأتحرر منك.

وماذا عن تلك الشهور الأخيرة؟

لا أعلم. أنا لم أقل لك أي شيء سوى أن ما فكرت به كان حقيقياً.

إذن لم أنت مختلف الآن؟

أنا لست كذلك، أنا لم أتغير-فقط أعلم أنه ليس من الجيد أن نستمر.

أغلقت الكتاب وفكرت بهنري، إن الرجال كالأطفال، عليك مسايرتهم، ليس بإمكانهم القيام بأي أذى. لقد كان أمراً تعرفه كل النساء. حاول هنري-لقد كان كذلك تماماً-كل لعب دور المهرج هذا. كل النكات الركيكة.

نهضت من على السرير كما لو في حلم، مشت على أرضية الحجرة، فتحت الباب ونظرت إلى الداخل. كان هناك مقابل الحوض فرشاة حلاقة وعليها آثار الصابون وإبريقه المخصص للحلاقة لا يزال مبللاً، لكن الماء في الحوض كان بارداً وعند القعر، فوق السدادة، نظر إليها ضفدع حي سمين، أخضر، وبحجم قفاز مجعد، ليس في متناولها أخيراً.

ملاحظة: كتب تشارلز بوكوفسكي هذه القصة في العام 1956، قبل وقت طويل من نيله أي اعتراف أدبي. وكان في ذلك الوقت يعيش مع زوجته الأولى، باربرا فراي، والتي كانت ترأس تحرير مجلة أدبية صغيرة هناك تدعى Harlequin. بعد ما يقرب من عقد من توقفه عن الكتابة، بدأ بوكوفسكي بالكتابة مرة أخرى، وكان يرسل قصائده إلى المجلات في جميع أنحاء البلاد. نشرت باربرا فراي بحماس كل ما أرسله لها وكانت تقابل بلهفة اكتشافها الأدبي الجديد.

وقد وصف بوكوفسكي قصة لقائهما والزواج اللاحق في روايته “مكتب البريد” وفي بعض من قصائده المبكرة الأكثر شهرة، ذهب بوكوفسكي أخيراً إلى تكساس تلبية لطلب محررته الجديدة (وعائلتها المحافظة جداً) وبعد فترة تزوجا في لاس فيغاس (في عام 1956). استقرا فيما بعد في لوس انجلس وسرعان ما انفصلا وتم الطلاق في آذار من عام 1958.




التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads